الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أكد المرصد التونسي للاقتصاد في مذكرة نشرها نهاية الأسبوع الفارط، ان تراجع سعر صرف الدينار أثر على التوازنات المالية لديوان الحبوب وان ذلك اجج ازمة الخبز باعتبار ان هذا الهيكل الحكومي يحتكر توريد الحبوب وتوزيعها على عدد من المتدخلين في المنظومة، مبينا انه كان لارتفاع نفقات توريد الحبوب وقع ثقيل على الامن الغذائي للتونسيين.
وفسر المرصد تواصل تدهور منظومة التزويد بالخبز بالضغوط المتزايدة المسلطة على العملة الوطنية تبعا لتقلص سعر صرفها بشكل حاد امام أبرز العملات الأجنبية المرجعية للاستيراد وذلك الى جانب رفع السلط قسما كبيرا من الدعم عن المواد الاساسية بلغت نسبته 90 بالمائة خلال الربع الأول من العام الحالي حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المالية في تقريرها حول متابعة تنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2023. ويثير ذلك مخاوف حول حق التونسيين في الغذاء في ظل سياق اقتصادي دقيق يتّسم بارتفاع المديونية وتراجع احتياطي العملة الاجنبية، وفقا للمرصد.
من جانب اخر، شددت المذكرة على ارتكاز النمط الغذائي التونسي على الحبوب مبينة ان التونسيين والتونسيات يستهلكون حوالي 2.5 مليون طن من الحبوب سنويا وان ذلك يبلغ أحيانا 3 أطنان حسب الاحصائيات المقدمة من قبل المنظمة الدولية للتغذية سنة 2016 مع الاشارة الى ان استهلاك التونسي الواحد من الحبوب والدقيق يبلغ 136 كلغ/السنة.
كما يبلغ الاستهلاك اليومي من القمح 1.600 كلغ/الفرد الواحد، وهو ضعف معدل الاستهلاك العالمي. ونتيجة لهذه الأرقام القياسية المتعلقة بالاستهلاك تستورد تونس قرابة أربع اخماس ما تستهلك من الحبوب بالعملة الأجنبية وهو ما يتركها في حالة تبعية غذائية حيث يقدر الانتاج المحلي بنحو 21 بالمائة من الحاجات لتستورد تونس على هذا الاساس 79 بالمائة من حاجاتها من الحبوب بالعملة الأجنبية.
وفي هذا الإطار، يقوم الديوان باقتناء الحبوب من الأسواق العالمية بالأسعار العالمية ويقوم بضخها في السوق الداخلية بالأسعار المرجعية التي يتم تحديدها إداريا (عادة بسعر اقل من كلفته على السوق العالمية) وتقوم الدولة بسد الفارق بين سعر البيع وسعر الشراء من خلال صندوق دعم المواد الأساسية.
وتم التأكيد، في ذات السياق، على ان تراجع سعر صرف الدينار تسبب منذ 2016 بشكل خاص في ارتفاع كلفة شراء الحبوب الذي يتم بالعملة الأجنبية. فمثلا في اوت 2015 واوت 2019، كان سعر الطن من القمح يعادل 180 دولارا امريكيا الا ان سعر صرف الدينار انخفض في حين بقيت كلفة طن القمح ثابتة بالدولار، مما ادى الى ارتفاع السعر بالدينار.
وأدى ارتفاع كلفة شراء الحبوب الى عدم قدرة سلط الاشراف على صرف مستحقات الديوان بعنوان دعم منظومة الحبوب في الآجال وهذا ما جعله غير قادر على تامين الدفع للمزودين.
ومن اجل مواصلة القيام بمهامه يضطر ديوان الحبوب للتداين من البنوك الوطنية ومن المؤسسات المالية العالمية وقد بلغت ديونه للبنك الوطني الفلاحي نهاية السنة الفارطة 4768.1 مليون دينار وهو ما يمثل حوالي 27 بالمائة من اجمالي القروض الممنوحة من قبل البنك للحرفاء علما ان هذه الديون قابلة لإعادة التمويل مباشرة لدى البنك المركزي التونسي بما قدره 1958.1 مليون دينار.
وحسب المرصد التونسي للاقتصاد ادت الوضعية المالية الصعبة للديوان الى عدة مشاكل تتعلق أساسا بالتزود بالحبوب وبخلاص المزودين لعدم توفر العملة الاجنبية وكذلك بتوفر المواد الأساسية في الأسواق علاوة على ظهور إشكاليات بخصوص دعم انتاج الخبز ومشتقات الحبوب الأساسية وتزويد المصنعين في السوق الوطنية. وينعكس ذلك على توفر القمح في الأسواق وسلسلات قيمة انتاج مشتقات الحبوب التي تمثل الغذاء اليومي للمواطنين، وشكل عامل تراجع قيمة الدينار اجمالا معضلة كبرى تهدد بصفة مباشرة قوت المواطنين وحقهم في الغذاء بشكل منتظم ودائم، على حد تقدير المنظمة غير الحكومية.