الشارع المغاربي: منذ اغتيال الأمين العام لحزب اللّه السيد حسن نصر اللّه يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2024 على إثر عمليّة إرهابيّة وحشيّة ارتكبتها العصابة الصهيونيّة بدعم أمريكي غربيّ، انطلقت أبواق العار التي تؤجّرها أنظمة العمالة والخيانة والانحطاط في المنطقة في ترويج أنّ الشّهيد “باعته إيران باتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية والصّهاينة في أفق تحقيق صفقة تخرجها من عزلتها وتخفّف عنها العقوبات المسلّطة عليها”، مضيفة أنّ ذلك هو “المصير المحتوم لكلّ من يثق بالنظام الإيراني”، “مؤكّدة”أنّ الوقت حان “لانهيار”جميع “أذرع إيران في المنطقة بعد أن استعملتها لتحقيق أهدافها”.
وهذه الدّعاية هي نفسها التي تمّ ترويجها غداة اغتيال القائد الفلسطينيّ الكبير والأمين العام لحركة حماس، الشهيد إسماعيل هنيّة في طهران في عمليّة غدر إرهابيّة صهيونيّة أخرى، إذ روّجت نفس الأوساط أنّ طهران “غدرت بهنيّة”و”باعته”. وحتّى عندما ردّت إيران الفعل وأطلقت صواريخها نحو الكيان في عمليّة وصفت بالثّأريّة سارعت نفس الجهات إلى التّقليل من أهمّية هذا الردّ، تماما مثلما فعلت في السّابق، وذهبت إلى حدّ اعتباره مجرّد “مسرحيّة متّفق عليها”في الوقت الذي اعترف فيه قادة جيش الاحتلال أنفسهم بأنّ عددا من الصواريخ الإيرانيّة أفلت من المراقبة وسقط على عدد من المواقع العسكرية وأعلنوا أنّهم سيردّون “بقوّة”على الهجوم الإيراني.
ومن نافل القول إنّ هذه الدّعايات تندرج في إطار حملة شرسة وأشمل بدأت مع انطلاق معركة طوفان الأقصى العظيمة التي فجّرتها المقاومة الفلسطينية بقيادة “كتائب عزّ الدّين القسّام”يوم 7 أكتوبر 2023. وتتمحور هذه الحملة، التي لم تقتصر المشاركة فيها على وسائل الإعلام المأجورة والمتعفّنة بل المتصهينة وإنما اتّسعت ليشارك فيها مسؤولون سياسيّون يتبوّؤون مراكز عليا بما في ذلك في السلطة الفلسطينية، حول “فكرة”أنّ كلّ ما جرى ويجري في غزّة والضفّة وفي فلسطين عامّة وأنّ كل عمليّات الإسناد الذي تلقاها المقاومة الفلسطينيّة من لبنان، وتحديدا من حزب الله، ومن اليمن (الحوثيون) ومن العراق (المقاومة الإسلامية) هو “مفتعل”، من “صنع إيران”التي تريد “ضرب الاستقرار في المنطقة وتوسيع نفوذها”. وهو ما يلتقي بوضوح مع تصريحات رئيس حكومة العصابة الصّهيونيّة ووزرائه وجنرالاته الذين يشيطنون باستمرار النظام الإيراني ويعملون بكلّ الوسائل على التّحريض عليه والتعبئة ضدّه بهدف تفجير حرب إقليميّة تؤدّي إلى إسقاطه والتخلّص منه. وتجد هذه الدعاية شيئا من الرّواج في بعض الأوساط في بلادنا سواء بدافع الجهل والسّذاجة أو بدافع طائفيّ بغيض، “سنّة/شيعة”، أو بدافع أيديولوجيّ وسياسيّ يستحضر صراعات الماضي دون اهتمام بما طرأ من متغيّرات في المنطقة ودون اعتبار أنّ “قائد العصابة”الذي غذّى تلك الصراعات والمواجهات واستفاد منها، هو نفسه في كلّ الحالات المستذكرة وهو الامبريالي الأمريكي المجرم. وهذا ما ينبغي التّنبيه إليه والاحتياط منه حتّى لا يجد المرء نفسه في أحضان الصّهاينة والأمريكان وخدمهم في المنطقة يروّج دعاويهم ويخدم أهدافهم من حيث لا يدري وهم الذين لا يهمّهم أوّلا وأخيرا إلّا الحفاظ على مصالحهم وتدمير كلّ من يقف في طريق تحقيقها.
إنّ من يعرف تاريخ حزب العمّال منذ نشأته لا يمكن أن يكون إلّا مطّلعا على مواقفه النّقديّة من النّظام الإيرانيّ الذي مسك بالسّلطة بعد ثورة 1979التي أطاحت بالشّاه سيّء الذّكر، وتبايناته مع سياساته الداخلية والخارجيّة ومع مشروعه المجتمعيّ. كما لا يمكن أن يكون إلّا مطّلعا على مواقف حزب العمّال من نضالات الشّعب الإيرانيّ من أجل الحرّيّة والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعيّة. وبالتّالي لا أحد بإمكانه أن يزايد علينا اليوم أو يعطينا دروسا حول النّظام الإيرانيّ وتوجّهاته وسلوكيّاته السّياسيّة العامّة ومراميه القوميّة الإقليميّة. ولكن كلّ مطّلع على تاريخ حزب العمال ومواكب لمواقفه يعرف جيّدا أنّ نقده النّظام الإيراني تمّ وما يزال من موقع ثوريّ، ديمقراطيّ، تقدّمي، منتصر إلى الشعب الإيرانيّ العظيم بعمّاله وكادحيه ونسائه وشبابه ومثقّفيه ومبدعيه الأحرار. وهذا النّقد يقف على طرف نقيض مع الحملات التي تقوم بها القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها أمريكا والصّهاينة والقوى الرجعية العربية العميلة والمطبّعة أو بعض القوى المنقادة بعقلية طائفية مقيتة والتي لا همّ لجميعها سوى الإطاحة بالنظام الإيراني لتعويضه بنظام عميل، طيّع. ومن هذا الموقع شهّر حزب العمال بكلّ الاعتداءات التي تعرّضت لها إيران وأدان كل الأعمال الإرهابيّة التي ارتكبها الأمريكان والصّهاينة وعملاؤهم على أراضيها لما في ذلك من انتهاك لسيادتها واعتداء على شعبها. فكون النظام الإيراني نظاما “رجعيا”أو “تيوقراطيّا”لا يمثل بأيّ حال من الأحوال ذريعة لتزكية الاعتداء عليه أو إسقاطه من قبل أكثر الأنظمة الاستعمارية وحشية ومعاداة لحق الشعوب في تقرير مصيرها. كما أدان حزب العمّال كل محاولات أولئك المجرمين استغلال تحرّكات الشّعب الإيرانيّ المشروعة من أجل حقوقه الأساسيّة لتخريبها عبر عملائهم وتوظيفها لصالح استراتيجيّاتهم الهيمنيّة والعدوانيّة، ويعود ذلك إلى أنّ حزب العمّال يؤمن إيمانا ثابتا وعميقا بأن التّغييرات الثوريّة الحقيقيّة تقوم بها الشّعوب بنفسها ولنفسها ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تقوم مقامها قوى خارجية استعمارية، وفي هذه الحال الولايات المتحدة، لتحقيق الحرّية والديمقراطيّة والازدهار لأنّ هذه القوى لا تبحث إلا عن مصالحها وإذا دخلت بلدا فلكي تحتلّه وتنهبه وتعرقل تطوّره وتبقى فيه كما هو الحال في العراق وهي من ألدّ أعداء الحرية والديمقراطية وهو ما تشهد به جرائمها وتواطؤها المفضوح مع أكثر الأنظمة رجعيّة واستبدادا في المنطقة والعالم. والجميع يعلم علاقة ثنائيّ الامبرياليّة الأمريكيّة والكيان الصهيونيّ بنظام الشاه العميل والدّموي الذي أسقطه الشعب الإيراني بثورة عارمة، كما يعلم أنّهما من وقتها وهما يعملان مع القوى الامبريالية الغربية الأخرى بكل الوسائل الإجراميّة، العسكريّة والاقتصادية والماليّة والتجاريّة (نظام العقوبات…) على الإطاحة بالنّظام الإيرانيّ واستبداله بنظام طيّع حتى لو كان من طينة فاشيّة.
كان من الضروري أن نقوم بهذا التوضيح قبل الخوض في الموضوع حتّى يخرس الدجّالون والانتهازيّون مروّجو الأكاذيب بهدف التّضليل والتّشويه، فنحن لسنا في حاجة إلى دروس من أيّ كان لفهم ما يجري في منطقتنا وما يتعرّض له الشّعبان الفلسطينيّ واللّبنانيّ من حرب إبادة وما يتعرّض له اليمن والعراق من اعتداءات همجيّة بسبب إسناد فصائلهما المقاومة غزّة. إن كل ما يروّج حول أنّ ما يجري “من وحي إيران”هو امتداد للشيطنة التي تقوم بها واشنطن وتل أبيب وصهاينة العرب في الخليج ومصر خاصة في الفترات السّابقة. فمن المعلوم أنّه قبل انطلاق طوفان الأقصى كانت الاستعدادات تتمّ على قدم وساق لإتمام “صفقة القرن”وعقد “اتفاقيات أبراهام”أو “الاتفاق الإبراهيمي”الذي بدأ تنفيذه، برعاية أمريكية، بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين والسودان والمغرب وكان من المنتظر أن يمتدّ إلى السعودية وكان الهدف منه تكوين حلف أمريكي صهيوني رجعي عربي ضدّ إيران “الخطر الأكبر”والفصائل المتحالفة معها في المنطقة. وبطبيعة الحال فإن المستهدف الأوّل من هذا المخطّط الخطير هو القضية الفلسطينية إذ أن كل الأطراف بما فيها أنظمة العمالة المطبّعة تريد إنهاء هذه القضية وقبرها وتمكين الكيان النازي من تهويد كافة الأرض الفلسطينية بضفتها وغزّتها وقدسها ولو أدّى ذلك إلى إبادة أهلها وتهجير ما تبقّى منهم إلى بعض بلدان المنطقة.
لكنّ “طوفان الأقصى”أجهض هذا المخطّط وأوقف “طوفان التّطبيع”وترك أنظمة العمالة والخيانة في التسلّل وأعدا طرح القضية الفلسطينية على الطاولة بكلّ حدّة كقضية تحرّر وطني شرعيّة ومشروعة. لقد كانت هذه الأنظمة تعتقد أن الكيان الصهيوني سيصفّي المقاومة في أسابيع ولكنّه عجز بعد مرور عام بأكمله ورغم همجيته ووحشيّته التي لا سابق لها في التاريخ، عن تحقيق أهدافه لا في غزّة ولا في الضفّة كما عجز عن إسكات جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق وهو يتخبّط في تناقضات كبيرة مرشّحة للتعمّق والانفجار. وقد كان هذا الوقت كافيا لتعرية أنظمة العمالة والخيانة بشكل لا سابق لها. فهذه الأنظمة لم تجرأ على مدّ غزة لا بماء ولا بغذاء ولا بأدوية فما بالك بالسلاح بل إنها لم تتورّع عن الوقوف إلى جانب الكيان بمدّه بالسّلع وبفتح أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليميّة للاعتداء على إيران أو اعتراض الصواريخ التي تطلقها هذه الأخيرة ردّا على تلك الاعتداءات. كما أنها لا تتوانى بالتنسيق معه استخباريّا ومدّه بالمعلومات حول المقاومة وتنظيم الحملات الإعلاميّة ضدّها. ومن هنا علينا أن نفهم أنّ ما تروّجه من دعايات حول وقوف إيران وراء كل ما يجري إنما هو لتجريم المقاومة من جهة وتبرير خيانتها من جهة ثانية وتبرئة ساحة الكيان الصهيونيّ من جهة ثالثة. إنّ تقديم طوفان الأقصى على أنه “عمل إيرانيّ”، معناه أنّ “غزة ظالمة”وأن “حماس معتدية”بل إنّها المتسبّبة في “نكبة ثانية”وألّا وجود لقضية فلسطينية وأن الكيان الصهيوني مظلوم وليس غاصبا ومحتلّا وأن من حقه الدفاع عن نفسه وأن الأنظمة العربية ليست مطالبة بالتدخل إلى جانب غزة وفلسطين طالما أن الأمر يتعلق بقضية “مفتعلة”إيرانيّا لضرب الاستقرار في المنطقة. وهو نفس الموقف تجاه حركات الإسناد في لبنان واليمن والعراق فطالما أن هذه الحركات تحرّكها إيران لخدمة أغراضها في المنطقة فإن حركات الإسناد تصبح هي “المعتدية”ومن حق الكيان أن يضربها دفاعا عن النفس.
ومن جهة أخرى فإن هذه الأنظمة باتهامها إيران واتهام فصائل المقاومة بأنها “أذرعها”إنّما هي تساهم في الإعداد لحرب شاملة في المنطقة. إن هذه الأنظمة لها نفس مصلحة الكيان الصهيوني والامبريالية الأمريكية-الغربيّة لا في ضرب فصائل المقاومة فحسب وإنّما أيضا في شنّ حرب على إيران لتدميرها وإخضاعها بهدف السيطرة مجدّدا على خيراتها وفي مقدمتها النفط والغاز وفي نفس الوقت ضرب حليف للصين وروسيا في المنطقة التي أصبحت تمثل اليوم، مثلها مثل بحر الصّين وأوكرانيا بؤرة من البؤر الكبرى التي تتصادم فيها مصالح الإمبراطورية الأمريكيّة المهددة بالتراجع والانهيار لا على المدى البعيد بل حتى على المدى المتوسّط، مع القوى الأخرى العائدة منها مثل روسيا والصاعدة مثل الصين، التي تصارع من أجل إعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم. لذلك تثير واشنطن الحروب والنزاعات في كل مكان حفاظا على امبراطوريّتها. ويمثّل هدفها كل هدفها في منطقة الشرق الأوسط إزاحة القوى المناوئة لهيمنتها وإعادة بسط نفوذها وهو ما يجعل من الحرب على غزّة ولبنان واليمن والعراق حربها الخاصة التي يقوم فيها الكيان بدور الأداة بينما هي توفّر له السلاح والحماية والغطاء السّياسي في الهيئات الدولية.
أمّا الادّعاءات بأنّ إيران “باعت إسماعيل هنيّة”وهي “تبيع اليوم حسن نصر الله”وحتى حزب الله فالهدف الخسيس منها أولا تبخيس الشهيدين الرّمزين والحطّ من إسهامهما الجليل في مقاومة الغطرسة/الوحشيّة الصهيونيّة الإمبرياليّة في وطنيهما وفي المنطقة علاوة على تبخيس قضيّتيهما العادلتين.وهذا ليس بالأمر الجديد بل هو عادة القوى الاستعمارية والرجعية في محاولاتها اليائسة لضرب صورة رموز النضال والمقاومة. وثانيا لتبرير اغتيالهما واغتيال القيادات الأخرى وقتل عشرات الآلاف من المدنيّين معظمهم من الأطفال والنساء والشّيوخ وتجويع مئات الآلاف منهم وتدمير مساكنهم ومستشفياتهم ودور عبادتهم إضافة إلى تلهية الرأي العام بالأكاذيب والمضلّلات وحرف الاهتمام عن المجرم والجاني النازي. وأخيرا لتبخيس المساعدة التي تقدّمها إيران إلى فصائل المقاومة وبثّ الشكّ والرّيبة بينها وبين حلفائها علاوة على محاولة إثارة أجزاء من الرأي العام العربيّ والإسلامي ضدّها. أمّا أن تقدّم الولايات المتحدة الأمريكية أحدث أسلحة الدمار الشامل للصهيونيّ الغازي وتحميه من كل جانب بأساطيلها الحربية وتزكّي جرائمه وتشارك فيها مباشرة وتوفّر لها الغطاء السياسي والدبلوماسي كما ذكرنا فذلك “مشروع”ولكن أن تقتني فصائل المقاومة السلاح من إيران أو حتى من عند الشيطان فذلك محرّم عليها لأنّ أنظمة العمالة والخيانة تعادي المقاومة وتخشى عدواها وتريد عزلها للتّسريع بوأدها ليخلو لها المجال للتّطبيع مع الكيان المجرم. وبعبارة أخرى فهي تريدها ضعيفة ومعزولة حتّى يقضي عليها العدوّ بسرعة.
إن أنظمة العمالة والخيانة تمتلك جيوشا جرّارة يصل عددها إلى حوالي 4ملايين جندي وهي بذلك تمثّل ثمانية أضعاف جيش الكيان الغاصب ولها من العتاد (طائرات حربيّة، دبّابات، مدافع…) ما لا يعدّ ولا يحصى وما يفوق عتاد الكيان أيضا عدّة مرّات (2421 طائرة لكل من مصر والسعودية والإمارات مجمّعة مقابل 684 طائرة للكيان و7554دبابة ومدرّعة للبلدان الثلاثة مجمّعة مقابل 1610 للكيان) فإذا كانت تشعر بالحميّة على فلسطين ولا تريد أن تقدّم إيران السلاح لمقاومتها وللمقاومة اللبنانيّة واليمنيّة وغيرها، فلماذا لم تقم هي بذلك الدور، لماذا لم تحرّك هذه الجيوش الجرّارة ولم تستخدم أسلحتها المكدّسة؟ لماذا رفضت مدّ غزة حتى بالدواء والغذاء؟ لماذا رفضت استعمال كافة وسائل الضغط ومنها النفط والغاز على الولايات المتحدة، رأس الحيّة، لوقف حرب الإبادة؟ لماذا لم تفتح مصر السيسي معبر رفح وقبلت أن يذلّها نتنياهو أكثر من مرّة وتعجز حتّى عن ردّ الفعل على اعتداء عصاباته على حدودها وجنودها؟ لماذا لم تغلق دول التّطبيع سفارات العار الصهيونية حتى من باب الاحتجاج والتضامن بينما أغلقتها دول في أمريكا اللاتينية لا تربطها بفلسطين لا رابطة قوميّة ولا دينيّة بل رابطة إنسانيّة ذات مضمون أمميّ؟ إن أنظمة العار والخيانة لا تفعل ولن تفعل شيئا من هذا لأنّ مصالحها غير مصالح شعوبها وغير مصالح الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة بل نفس مصالح الكيان والامبريالية الأمريكية-الغربيّة. لذلك فهي تستعمل جيوشها الجرّارة إمّا لقمع شعوبها وإخضاعها وإمّا لمحاربة بعضها البعض بأمر من سادتها وعلى رأسهم الامبرياليّ الأمريكيّ تماما مثلما فعلت في ليبيا وسوريا واليمن والعراق حيث صرفت الأموال الطّائلة خدمة لأهداف الولايات المتّحدة وبريطانيا والكيان الغاصب.
إنّ شعوبنا مطالبة بأن تدرك هذه الحقائق وتعرف أنّ عدوّها الرّئيسيّ اليوم هو التحالف الإمبرياليّ الغربيّ-الصهيونيّ الرجعيّ العربيّ. وعلى هذا الأساس فهي مطالبة بأن تعي خطورة الرهان في المواجهة الحاليّة. إنّ انتصار التحالف الثلاثي الإجرامي سيقود المنطقة إلى مرحلة مظلمة ستعرف فيها الشعوب وضعا غير مسبوق من الاضطهاد والهوان حيث تنتهك فيها سيادتها وتفتكّ ثرواتها وتهدر كرامتها. وتجدر الإشارة إلى أنّ نيران التحاف الإمبريالي الأمريكي الصهيوني لن تقف في حدّ معيّن ولكنّها ستطال حتّى العديد من عملاء اليوم ويكفي في هذا السياق الاستماع إلى تصريحات المجرم نتنياهو وبعض وزرائه لفهم حقيقة ما يجري اليوم في الأرض وما هي مراميه، فهم لا يتوانون عن التصريح، بأن أطماعهم لا تمتد إلى كامل فلسطين فحسب وإنما تمتد أيضا إلى لبنان والأردن وسوريا والسعودية والعراق ومصر لتكتمل حدود “إسرائيل الكبرى”التوراتيّة. تلك هي تصريحات متطرفي الصهاينة تحت أنظار واشنطن ولندن وباريس وبرلين وروما ولكن أيضا على مسمع من السيسي ومحمد السّادس وابن سلمان وأمراء الخليج بشكل عام. وهكذا فإن المشروع الامبريالي الأمريكي الصهيوني الرجعي في المنطقة واضح تمام الوضوح وهو إعادة تشكيل خارطة المنطقة من جديد وفقا لمصالح الشركات الاحتكارية الرأسمالية الكبرى متعدّدة الجنسيات.
وهكذا فإن مصلحة الشعوب العربيّة تكمن في انتصار المقاومة وفي هزيمة الكيان وداعميه وعلى رأسهم الامبريالي الأمريكي الذي يشارك مباشرة في العدوان. إن المقاومة هي شرف الأمة والإنسانية اليوم وهي ذروة الوعي ولولاها لالتهم العدو الصهيوني كل المنطقة منذ مدة طويلة. إن العدو الصهيوني الامبريالي المجرم لا يفكّر مطلقا في دين المقاوم أو مذهبه أو طائفته أو عرقه أو لغته أو انتماءاته الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية بل إن كل ما يهمّه هو صفته أي أنه مقاوم وكفى. لذلك فلا فرق عنده بين سنّي أو شيعي أو درزي أو مسيحي أو يهوديّ ولا فرق عنده أيضا بين شيوعي أو اشتراكي أو قوميّ أو إسلاميّ أو نقابي أو حقوقيّ ولا بين أبيض أو أسود ولا بين عربي أو فارسي أو كردي أو أمازيغي أو أمريكي أو فرنسي أو ياباني ولا بين إعلامي أو مثقف أو مبدع في أي مجال من المجالات كما لا فرق عنده بين رجل أو امرأة أو بين طفل/طفلة وشيخ/شيخة فجميعهم سواء ومصيرهم واحد وهو الفناء إذا كانوا من أهل المقاومة بالفعل أو بالدعم أو بالمناصرة ولو بالصوت أو الكاميرا أو الكلمة أو حتّى من أفراد العائلة أو العشيرة أو الطائفة التي ينتمي إليها المقاوم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مصلحة الشعوب العربية وشعوب المنطقة قاطبة تكمن في رفض أيّ عدوان على إيران بل رفض اندلاع أيّ حرب إقليميّة تكون الشعوب ضحيّتها الأولى والأخيرة. فمن السذاجة والبلاهة الاعتقاد أن الهجوم على إيران فيه أدنى مصلحة لجماهير السنة أو للعرب أو الأكراد أو الأمازيغ أو غيرهم من الشعوب والقوميات والأقليّات والطوائف، بل على العكس من ذلك فإنّ هؤلاء جميعا سيكونون ضحايا الوحشية الأمريكية الغربية الصهيونيّة. ولا نغالي في شيء إذا قلنا إنّ ضرب إيران وإسقاط نظامها، على فرض أنّه تحقّق، وهو ما نستبعده، لن يكون سوى مقدّمة لضرب بقية أنظمة المنطقة التي تتلذذ اليوم حرب الإبادة في غزة وفلسطين كما تتلذذ العدوان على لبنان واغتيال قادة المقاومة وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله وتنتظر الساعة التي ينطلق فيها العدوان على إيران، لا لأن المشروع الصهيوني يحتّم في نظر قادته المجانين المتهورين السطو على أقطار أخرى بل لأن الصهيوني وشريكه الأكبر، الامبريالي الأمريكي، لا همّ لهما سوى تحقيق التفوق المطلق “للكيان”وهو ما سيدفعهما في صورة ضرب إيران وتدميرها وإخضاعها إلى تحجيم السعودية ومصر خاصّة لإبقائهما تحت السيطرة التامة والحال أنّ الحاجة إليهما لمواجهة إيران انتفت. وهكذا فإن العدوّ الحقيقي لشعوب المنطقة بقوميّاتها وأديانها وطوائفها المختلفة ليس إيران وإنّما الثنائي الامبريالي الصهيوني وعملائه في المنطقة. ومن هنا فلا تحرر لشعوبنا ولا انعتاق ولا تقدّم دون ضرب كنس المصالح الامبريالية وعلى رأسها الأمريكية في المنطقة ودون القضاء على الكيان الصهيوني دولة ومؤسسات وجيشا وأخيرا دون التخلّص من أنظمة العمالة والخيانة التي تتواطأ معهما. وخدمة لهذا الهدف على شعوبنا اليوم أن تقف إلى جانب المقاومة وتفرض وقف حرب الإبادة وتطرد سفراء الكيان حيثما كانوا وتغلق سفاراته كما تطرد سفراء رأس الحية الأمريكي وترفض العدوان على إيران كما ترفض توسيع الحرب في المنطقة الذي يشكّل خطرا على السلم العالمي بأسره، وتطالب بل تفرض بكافة الوسائل السياسية والعسكريّة إجلاء القواعد العسكرية وطرد الأساطيل الحربية من المنطقة.
ومن البديهي أنه حين نقول هذا الكلام فلا يعني ذلك الخضوع لمشيئة النظام الإيراني أو التحوّل إلى تابع له أو عدم التصدي لأيّ خطوة عدوانية يقوم بها تجاه أي بلد من بلدان المنطقة. ولكن هذا ليس مطروحا في اللحظة الراهنة فالدّوافع التي تقف وراء التحرّش بإيران اليوم والاعتداء عليها ومحاولة إذلالها أو جرّها إلى حرب شاملة لا علاقة لها إلا بتهديد مصالح الامبرياليّ الأمريكيّ الغربيّ والصهيونيّ عبر دعم المقاومة والتّعبير جهرا عن معاداة الكيان الصهيوني والدعوة إلى إزالته من جهة والتحالف مع قوّتين، روسيا والصّين تهدّدان هيمنة الامبريالية الأمريكية على العالم من جهة ثانية. ومن هذا المنطلق فإن شعوبنا مطالبة بتحديد العدوّ الرئيسي الذي يهدد كيانها اليوم. كما أنّ القوى الثورية بمختلف توجهاتها، بما فيها اليسارية الاشتراكية، مطالبة بأن تدرك أن المسألة الرئيسية المطروحة للحل في منطقتنا اليوم هي المسألة الوطنية التي لئن هي تطرح في كامل أقطارنا فإنها تطرح بأكثر حدّة في فلسطين بالنظر إلى الطابع الاستعماري الإحْلَالِيّ الخاصّ الذي يميّز القضية الفلسطينيّة. فلا انعتاق لشعوبنا وشعوب المنطقة ولا سيطرة على ثرواتها ولا تقرير لمصيرها ولا نهوض لها ولا حرية ولا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا تحرّر لنسائها وشبابها دون حسم تلك المسألة أولا مع مراعاة أوضاع كل بلد أو قطر ودرجة تطوره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وما من شكّ في أن من خصائص منطقتنا أنّها محلّ أطماع كبيرة وموضوع صراع دوليّ، امبرياليّ، هيمنيّ خطير بالنظر إلى موقعها الاستراتيجيّ وثرواتها الكبيرة وسوقها الواسعة. وهو ما يفسّر القهر المسلّط على شعوبها بل ما يفسّر زرع السّرطان الصهيوني في جسدها. ومن البديهي أن كثرة الأطماع هذه وتكتيكات الطامعين المختلفة يمكن أن تغالطنا. لذلك علينا ونحن نواجه العدوّ الرّئيسي الامبريالي الغربي والصهيوني وعملائه أن تبقى أعيننا مفتوحة على كل الوافدين إلى المنطقة. فمن حق شعوبنا أن تتساءل عن الموقف المتراخي لبعض القوى العظمى، الهيمنيّة، الامبرياليّة، وفي مقدمتها الصين وروسيا. فهل أنّ الصين عاجزة حقّا عن القيام بشيء لوقف حرب الإبادة في غزّة والعدوان في لبنان عدا التّصويت في مجلس الأمن لصالح هذا القرار أو ذاك؟ لا نعتقد ذلك. ففي هذا العالم الذي تتصارع فيه مختلف القوى الرأسمالية على مناطق النفوذ نرى أن كل قوة تتحرك حسب مصالحها. وبعبارة أوضح ألم يكن بإمكان الصّين مثلا سحب أو لنقل على الأقل، وهو أضعف الإيمان كما يقال، وقف معاملاتها التجارية مع الكيان وسحب رساميلها الضخمة الموظفة هناك؟ فالأرقام تشهد أن الصين أصبحت منذ سنة 2020 أكبر مصدّر للسّلع للكيان العنصري كما بلغت قيمة استثماراته 19مليار دولار أمريكي موزعة على قطاع التكنولوجيا المتقدمة ومشاريع البنية التّحتيّة يضاف إلى ذلك أن الصين تستثمر في ميناء حيفا وفي سكك القطار الخفيف وخصوصا في “الخط الأحمر”الذي سيشق طريقه إلى مستوطنات السّهل السّاحلي الفلسطيني المحتل الخ… لماذا لم تتخذ الصين ولو خطوة واحدة لصالح غزّة والشعب الفلسطيني؟ لماذا لم تطرد السفير الصهيوني كما طردته دول أخرى في أمريكا اللاتينية (الشيلي، البرازيل…)؟ لماذا لم تنضم لجنوب إفريقيا في دعواها ضد الكيان لدى محكمة العدل الدولية كما انضمت دول أخرى؟ لماذا كل هذا الانقياد بالمصالح القومية الخاصة؟ وهل أن كل ما يهمّ الصين هو هذه المصالح وتورط المارد الأمريكي في الشرق الأوسط ممّا سيضعفه في بجر الصين وآسيا؟
وكذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا فما من شك أنها منهمكة في حربها مع أوكرانيا ومن خلفها الحلف الأطلسي، وهي حرب يذهب ضحيّتها الشّعبان الرّوسي والأوكرانيّ على حدّ السّواء لحساب صراع المصالح والنّفوذ والهيمنة بين القطبين الرّوسيّ والغربيّ، ولكن لماذا لم تتخذ روسيا، لو كانت حقّا جادّة في مناصرة القضية الفلسطينيّة، قرارا “حازما”ضد الكيان؟ لماذا لم تقطع علاقاتها به أو حتّى تستدعي سفيرها احتجاجا؟ ولماذا لم تنضم لجنوب إفريقيا في دعواها المذكورة؟ لماذا لم تخفّض مصالحها في الكيان حتى لا نقول تسحبها؟ أليس الدافع إلى ذلك المصالح القوميّة أيضا؟ وبطبيعة الحال فإن نفس الملاحظة تصح على نظام أردوغان فمن “مزايا”طوفان الأقصى أنّها عرّت النظام وكشفت الطابع الديماغوجي لخطابه. ونحن إذ نشير إلى كلّ هذه النقاط فليس الهدف منه تحويل الأنظار عن العدوّ الرّئيسي الامبريالي الغربي والصهيوني وعملائه في المنطقة أو الدعوة إلى التعاطي مع مختلف القوى الدولية على نفس الدرجة والدخول معها في مواجهة ولكننا نقول هذا حتى تكون شعوبنا وقواها الوطنية الحيّة المناهضة للإمبريالية والاستعمار والصهيونية يقظة تمام اليقظة وتعرف من هو الصديق الحقيقي ومن هو الصديق المزيّف ومن هو العدوّ الرئيسي المباشر حتى تحدد التعامل الصحيح مع كل طرف من هذه الأطراف ولا تغترّ بأيّ منها وتعتمد في الأساس على قواها الذاتيّة وتعوّل على حركة الشعوب والقوى الثورية والتقدمية وأنصار السلام أكثر ممّا تعوّل على الأنظمة دون أن يمنعها ذلك من استغلال التناقضات في الساحة الدولية لصالحها.
إن الشعوب تسند بعضها البعض لما يجمعها من مصالح ومن طموح مشترك نحو العيش بإخاء وسلام. ومن مزايا طوفان الأقصى أنّه أعاد إلى الحركة العالميّة المناهضة للإمبرياليّة ألقها فما حصل لم نشهده منذ حرب الفيتنام. ولكن ينبغي الإقرار أن حركة الإسناد والتضامن في الوطن العربي ظلت، إذا استثنينا فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق والحراك الشعبي في الأردن والمغرب والبحرين، ضعيفة ودون ما حصل في مركز الدول الاستعمارية ناهيك أن الحركات الطلابية الشّبابية لم تبلغ ما بلغته في بلدان استعمارية مثل الولايات المتحدة وأنجلترا خاصة. وما نقوله عن الشباب يصحّ على الحركات العمالية والنقابية وعلى الحركات النسائية والثقافيّة. ولئن كان لأوضاع الشعوب العربية المدمِّرة دورها في ذلك فهو غير كاف لتبرير حالة الوهن خاصة أن المواجهة تجاوزت العام الآن. وهو ما يحمّل القوى الوطنية والثورية والتقدمية المعادية للإمبريالية والصهيونية والرجعية مسؤولية خاصة. فنحن أيضا لم نقم بالمطلوب وعلينا أن نثابر من أجل النهوض بأوضاعنا وأوضاع شعوبنا. إن التعبئة حول القضية الفلسطينية وحول ما يتعرّض له الشعب اللبناني من عدوان يمثل عاملا لإعادة الروح والنشاط للحركة السياسية والاجتماعية في أقطارنا لتواجه حكامها ومضطهديها ومستغليها وتخطو خطوة نحو تحررها.
إن كسب معركة الوعي لها أهمية كبرى في هذا المجال. إن مواجهة الآلة الدعائية للوبي الامبريالي الصهيوني لا تكفي بل لا بدّ من مواجهة أدوات الدعاية العربية الإسلامية المتصهينة التي تنشر الفرقة والانقسام والإحباط وروح الهزيمة. ومن أخطر الأفكار التي تروّجها إلى جانب الفكرة التي تعرضنا لها في البداية أي تحميل إيران مسؤولية ما يجري اليوم لتبرئة ساحة الكيان وتجريم المقاومة، فكرة أن “المقاومة لا فائدة منها”وأنّ “طوفان الأقصى رجع بالقضية إلى الوراء بل سبّب نكبة جديدة”إلى غير ذلك من الأفكار الرجعية الخطيرة التي لا تخدم إلا الأعداء. إن المقاومة هي شرف الشعوب والتعبير عن حيويتها وتوقها إلى الحرية. أمّا الشعوب التي لا تقاوم فمحكوم عليها بالفناء. أمّا أن تتعرض الشعوب وحركات مقاومتها إلى خسائر فذلك هو منطق التاريخ فلا حرية ولا تحرر ولا خلاص دون تضحيات فأعداء الحرية والشعوب والإنسانية وفي قضية الحال الامبريالية الأمريكية الغربية والصهيونيّة هم على درجة غير مسبوقة من الوحشية والهمجيّة ولا يمكن هزمهما دون تضحيات. ولكن النّصر حتمي مثلما أن هزيمتهما حتمية والمسألة مسألة وقت. فمن كان يعتقد أن “الجزائر الفرنسية”ستتحرّر بعد 132سنة من الاستعمار الفرنسي البغيض؟ ومن كان يعتقد أن فيتنام ستتحرر بعد مواجهة ثلاث امبراطوريات استعمارية فرنسا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية؟ ومن كان يتصوّر أن جنوب إفريقيا ستتحرر بعد 160 من الهيمنة العنصرية الغاشمة؟ ومن كان يقول إن الأمريكان سيغادرون أفغانستان منتكسي الرؤوس بعد عشرين سنة من حرب لم يتركوا هم وحلفاؤهم الأطلسيّون وسيلة همجيّة لم يستعملوها؟ لا حرية ولا كرامة دون ألم وتضحيات. لقد كان الثمن في الجزائر مليون ونصف شهيدا وفي الفيتنام 4ملايين شهيدا (8 بالمائة من سكان البلاد) وفي جنوب إفريقيا وأفغانستان مئات الآلاف. ولكن الخلاص تمّ. ولن تكون فلسطين استثناء. إن فلسطين ستتحرر من الصهيونيّة وستقوم على أرضها الدولة العلمانية الديمقراطية التي تتعايش في ظلها كل الديانات بما فيها الديانة اليهودية والطوائف والعقائد والقناعات. إنّ تحرر فلسطين سيكون نقطة فارقة في تاريخ الشعوب العربيّة والشرط اللازم لتحقيق وحدتها.
فلتتحمل شعوبنا مسؤوليتها في الدفاع عن فلسطين ولتملأ الجماهير الشوارع إسنادا لغزة وبناتها وأبنائها الذين يتعرضون للإبادة ودعما لمقاومتها التي تراكم وتغيّر كافّة المعادلات الاستراتيجيّة في فلسطين والمنطقة وتحقّق اختراقات عظيمة في عمق الرأي العام الغربيّ في الوقت الذي ما تزال فيه بعض النّخب العربيّة أسيرة الدعاية الرجعية والامبرياليّة. ولتتحمل شعوبنا مسؤوليتها أيضا في إسناد للبنان الذي فدا فلسطين بخيرة قادته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله الذي سيبقى إلى جانب إسماعيل هنيّة وأبو علي مصطفى وعمر القاسم وخليل الوزير (أبو جهاد) وغيرهم منارة في تاريخ حركة التحرّر الوطني الفلسطيني والعربي. ولتتحمّل شعوب العالم مسؤوليّتها في إيقاف أنظمتها عن غيّها ودعمها لحرب الإبادة ومساهمتها في دقّ طبول حرب كونية. إن حربا إقليمية في الشرق الأوسط قد تتحول إلى حرب عالميّة تنهي البشرية.
ومن البديهي أننا لا ننسى مهامنا نحن في تونس بدءا باستنهاض حركة الإسناد باستمرار والضغط على نظام الحكم الشعبوي من أجل تجريم التطبيع مع الكيان الغاصب وإلغاء كل الاتفاقيات والمعاهدات التي لا تخدم شعبنا وشعوب المنطقة ومنها معاهدة “الحليف/الشريك الأساسي خارج حلف الناتو”التي فتحت الباب لجلوس الرسميين التونسيين إلى جانب ممثلي الكيان في اجتماعات هذا الحلف الإجرامي.
من أجل إيقاف حرب الإبادة في غزة
من أجل إيقاف العدوان على لبنان
لا للحرب ضد إيران
لا لحرب إقليمية مدمّرة قد تتحوّل إلى حرب عالمية تنهي الإنسانية
* صدر في “صوت الشعب”اللسان المركزي لحزب العمال (تونس) – العدد 47 – الجمعة 18 أكتوبر 2024