الشارع المغاربي – كيف ستغطي الدولة التونسية نفقاتها لما تبقى من سنة 2022 وعلى أية فرضيات سيبنى مشروع ميزانية الدولة لسنة 2023 ؟ الله أعلم ! بقلم: عز الدين سعيدان

كيف ستغطي الدولة التونسية نفقاتها لما تبقى من سنة 2022 وعلى أية فرضيات سيبنى مشروع ميزانية الدولة لسنة 2023 ؟ الله أعلم ! بقلم: عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

9 ديسمبر، 2022

الشارع المغاربي: توصلت تونس بعد جهد جهيد وعناء كبير إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي. والسؤال الآن هو هل ستتوصل تونس الى امضاء الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي وما العمل إن لم نتوصل إلى هذا الاتفاق النهائي؟

لماذا كلّ هذا الجهد وكلّ هذه الصعوبات والعراقيل؟ في الحقيقة هناك سببان أساسيان:

• السبب الأول يخص المصداقية المهتزّة التي تقدمت بها تونس إلى صندوق النقد الدولي وإلى الجهات المانحة الأخرى هذه المرّة. المصداقية المهتزة مأتاها فشل برنامجي تونس مع صندوق النقد الدولي لسنتي 2013 و2016 وعدم التزام تونس بإنجاز الإصلاحات التي تعهدت بها.

• السبب الثاني يخص عدم تمكّن تونس من اقناع صندوق النقد الدولي ببرنامج جديد للإصلاحات وبقدرة السلط التونسية على إنجاز الإصلاحات في اطار توافق بين الأطراف المعنية وخاصة منها السلطة التنفيذية من ناحية والاتحاد العام التونسي للشغل من ناحية أخرى.

ولهذه الأسباب اشترط صندوق النقد الدولي على السلط التونسية اعداد قانون مالية تكميلي لسنة 2022 ومشروع قانون مالية لسنة 2023 وتقديم الوثيقتين لصندوق النقد الدولي قبل موعد الاجتماع القادم للهيئة التنفيذية لصندوق النقد الدولي قصد النظر فيهما والتأكد من ملاءمتهما مع برنامج الإصلاحات الذي تعهدت به الحكومة الحالية والذي على أساسه توصلت إلى ما يسمى بالاتفاق على مستوى الخبراء والذي لن يكون نافذا الا بعد عرضه على الهيئة التنفيذية لصندوق النقد الدولي وتحويله إلى اتفاق نهائي.

لقد تم منذ أيام قليلة نشر قانون المالية التعديلي لسنة 2022 فما هي أهم خاصيات هذا القانون؟

1 –  قانون المالية الذي يفترض أن يكون أهم قانون لتوجيه وتنشيط الدورة الاقتصادية فقد هذا الدور الأساسي تماما اذ أصبح مجرّد قانون لتجميع الموارد للدولة.

2 – قانون المالية التعديلي لسنة 2022 يحتوي على ثغرة أو فجوة مالية بعشرة مليارات من الدنانير (أو عشرة آلاف مليار مليم) هذه الفجوة تعني أن هناك نفقات مبرمجة في إطار الميزانية وغير مغطاة بموارد مهما كان نوعها ولا ندري إن كانت هذه الفجوة تأخذ بعين الاعتبار المستحقات غير المدفوعة لمزوّدي الدولة ولقطاعات الدواء والمخابز والحليب والألبان ومستحقات المؤسسات العمومية ونخص بالذكر منها ديوان الحبوب وستير (STIR) والشركة التونسية للكهرباء والغاز (STEG) وغيرها والسؤال هنا والذي كنا نطرحه منذ أشهر عديدة هو:

كيف ستغطي الدولة التونسية نفقاتها العادية لما تبقى من السنة الحالية مع العلم أن الدولة تخلت عن دورها في الاستثمار العمومي؟ وفي غياب الاستثمار العمومي لا يمكن للقطاع الخاص الداخلي أن يستثمر. وفي غياب الاستثمار الداخلي لا يمكن استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ومن هنا يأتي تعطيل الاستثمار وتعطيل الدورة الاقتصادية برمّتها. السلطة التنفيذية لا تملك الجواب على هذا السؤال وهكذا لم يأتنا قانون المالية التعديلي بأي جواب.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن قانون المالية لسنة 2021 لم يغلق بعد وهذا يعني أن هناك نفقات ومستحقات لم تسدد إلى حدّ الآن.

نظرا لهذه الصعوبات يبدو أن قانون المالية لسنة 2022 سيبقى أيضا غير مغلق إلى أجل غير محدد.

هذا السؤال حول تغطية نفقات الدولة لما تبقى من سنة 2022 يجرّنا إلى سؤال أخطر في رأيي وهو الآتي :

ما هي ملامح أو بالأحرى ما هي أهم تحديات مشروع قانون المالية لسنة 2023؟ الأسئلة المطروحة عديدة نذكر من أهمها :

أ – ما هي الفرضيات التي ستبنى عليها هذه الميزانية وهل سنعيد التجربة الفاشلة لبناء ميزانية على فرضيات غير واقعية ونلجأ من جديد إلى إعداد قانون مالية تعديلي؟

ب – كيف يمكن بناء ميزانية ذات مصداقية وميزانيتا 2021 و2022 لم يتم غلقهما؟

ت- كيف يمكن بناء ميزانية في خضم تزامن الركود الاقتصادي والتضخم المالي المرتفع ومع تزامن عجز كبير جدا في ميزانية الدولة وميزان الدفوعات الخارجية والهبوط الحاد في قيمة الدينار؟

ث – كيف يمكن بناء ميزانية ذات مصداقية في غياب كامل لرؤية واضحة لمستقبل البلاد وفي غياب كامل لأية سياسة اقتصادية ولاستراتيجية واضحة لإنقاذ الاقتصاد التونسي؟

كل الجهات المانحة والمؤسسات المالية ووكالات التصنيف تتساءل ماذا تنتظر السلط التونسية للشروع في إصلاحات ضرورية ولا مفر منها.

ج – كيف يمكن بناء ميزانية وتونس تواجه تحدّيا كبيرا بخصوص مستحقات الدين الخارجي لسنة 2023؟ مستحقات الدين الخارجي أو ما يسمى بخدمة الدين الخارجي تقارب 14 مليار دينار أي أكثر من ضعف خدمة الدين الخارجي لسنة 2022.

ح – كل الإصلاحات التي تذكر هنا وهناك تخص سدّ ما يمكن سدّه من ثغرات المالية العمومية دون أية إشارة إلى الإصلاحات الاقتصادية. والواضح أنه لن يتم إصلاح المالية العمومية أو اصلاح المؤسسات العمومية دون رؤية واضحة بخصوص الإصلاحات الاقتصادية.

ليس هناك رياح مواتية لمن لا يدري إلى أين يذهب.

وكالة التصنيف الائتماني فيتش ريتينغ (Fitch Ratings) نشرت تقريرا منذ أيام قليلة تذكر فيه أن التصنيف الائتماني لتونس تحسن بشكل طفيف وأنه انتقل من (CCC) إلى (CCC+) وذلك اثر توصل تونس الى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي. هذا التحسن في تصنيف تونس مهم جدا اذ أن هذه أول مرة يتغير فيها توجه تصنيف تونس نحو الأفضل. تمت مراجعة تصنيف تونس نحو الأسفل تسع مرات متتالية منذ 2011.

هذا التحسن ليس له تأثير مهم على وضع تونس المالي ولكنه مهم جدا إذا أردنا بذل ما في وسعنا للتوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي واعتماد هذا التصنيف الجديد لبناء استراتيجية انقاذ للاقتصاد الوطني.

الحلّ في تونس ليس بالإجراءات المالية فقط على أهميتها ولكن الحل يكمن في :

• تحديد رؤية واضحة لمستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

• إيقاف النزيف عبر برنامج اصلاح هيكلي.

• الدخول في إصلاحات كبرى تعيد الاقتصاد الى وظائفه الأساسية وهي خلق النمو وخلق مواطن الشغل وخلق الثروة. التوزيع العادل للثروة يأتي بعد خلق هذه الثروة وإلاّ سيكون هناك توزيع للفقر.

تحديات كبرى مع غياب كامل للرؤية الواضحة وللارادة السياسية وكما يختم جل التونسيين بعد خوضهم في هذه المسائل “ربي يقدّر الخير”.

سؤال آخر يبقى مطروحا : ماذا لو لم تتوصل السلط التونسية الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. وهذا وارد في ظل الخطاب الرسمي المتناقض والمشتت والذي يزيد في اضعاف مصداقية السلط التونسية لدى الجهات المانحة وحتى على المستوى الثنائي.

افتتاحية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 ديسمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING