الشارع المغاربي – ناقدة موسيقية: تصريح مختار الرصّاع هو الأقبح والأخطر في الشأن الثقافي التونسي

ناقدة موسيقية: تصريح مختار الرصّاع هو الأقبح والأخطر في الشأن الثقافي التونسي

23 يونيو، 2018

 الشارع المغاربي – عائشة القلالي : في حوار مع جريدة الصباح ليوم 19 جوان الجاري أثبت مختار الرصاع المدير الحالي لمهرجان قرطاج الدولي أن المشكل الأساسي والعائق الأوّل أمام تظاهراتنا الثقافية الكبرى يكمن في مشكليْن إثنيْن هما العجز عن خلق نموذج اقتصادي جديد للمهرجانات يخرج بها من جلباب الدعم وعقلية الصراع التي يتسلّح بها المسؤولون عن التظاهرات حال تعيينهم وأثناء تسييرهم لها وكأنهم في منافسة أو في مسابقة “من كان الأقوى”، والحال أن كل التظاهرات الثقافية هي ملك للشعب التونسي من ناحية وخادم للاقتصاد الوطني من ناحية أخرى، وهو ما يغيب عن الرصّاع أو ما لم يستوعبه بعد، والدليل على ذلك تركيز كل حديثه عن الميزانية والتذمّر من التقليص في الدعم المرصود لمهرجان قرطاج، وهذا يدلّ على أن الرصّاع يعيش خارج الزمن، فقد أثبتت الكثير من التظاهرات الثقافية في تونس أن ضعف الإمكانيات المادية لا يمكن أن يكون عائقا أمام نجاح المهرجانات وإنما تعلّة مغلوطة لإخفاء الفشل في الاختيارات والعجز عن حسن تدبير شؤون المهرجان بخلق موارد أخرى وبإيجاد شريان حياة جديد لإنعاشه. هذا العجز عن إيجاد السبيل للخروج من جلباب الدعم هو الحمل الكبير الذي ما انفكّ يثقل كاهل وزارة الشؤون الثقافية منذ تأسيسها، فهي تخصّص أموالا ضخمة لدعم التظاهرات التي يديرها مسؤولون يجهلون حسن التصرف في المال العام وغير مختصين في إدارة التظاهرات الكبرى لتكون النتيجة فشل هذه التظاهرات ولتجد وزارة الإشراف نفسها مضطرة لسكب دفعات جديدة من المال العام لتغطية ديون المهرجانات، هذا هو في رأينا موضع الداء المسكوت عنه في ما يخص المهرجانات في تونس. وقد حان الوقت الآن لخلق نموذج جديد في إدارة التظاهرات الكبرى يسير بها نحو الاستقلالية المالية والخروج من تحت سقف الدعم العمومي وهو طبعا ما لا يتماشى مع طموحات بعض المديرين أمثال المذكور أعلاه، الذين تنتهي حدودهم عند الاتكاء على رزق البيليك والانتفاع به قدر الإمكان.

وفي ما يخص عقلية الصراع، أثبت الرصاع أنه نموذج “أنتيكة” في إدارة المهرجانات وأنه لا يعترف بالمنافسة الشريفة وبالاتحاد من أجل النهوض بالشأن الثقافي. فقد كلّف نفسه مهمة تقييم المهرجانات الأخرى وأملى علينا ذوقه الخاص وكأنه الملهم الأكبر في تسيير المهرجانات وهذا من ناحية خطأ اتّصالي يفترض أن لا يقع فيه مدير ثاني أكبر مهرجان في الحوض المتوسطي، ولكن هذا النوع من المديرين لا يعترفون بخطة مستشار اتصالي يساعده على تحضير خطاباته وحواراته الصحفية وذلك إما عن جهل بالأمر أو عن تعالٍ ونرجسية. ومن ناحية أخرى يعتبر ما أتاه الرصّاع بتهجّمه عن بعض التظاهرات الأخرى زلّة أخلاقية ومهنية غير بريئة، فأن تكون مديرا لمهرجان تشرف عليه وزارة الشؤون الثقافية هو أن تنتمي لفريق عمل ضخم يجمع كل الأطراف المتدخلة في الشأن الثقافي وفي مقدمتهم بقية الزملاء مديري المهرجانات الأخرى وهذا الانتماء يفرض على كل الأطراف تبادل الاحترام والاتحاد من أجل النهوض بالثقافة الوطنية والتخلّى عن منطق الصراع وهو ما فشل فيه الرصّاع ليكشف للجميع أنه في موقف الضعيف وأنه، بهذه العقلية، غير جدير بإدارة مهرجان في حجم مهرجان قرطاج، وبإشهار سيفه مجانا في وجه زملائه يؤكّد الرصاع أنه في صراع جيليّ يعيقه عن قبول الآخر المختلف عنه بحكم فارق السن، وأنه في صراع إيديولوجي مع الآخر المختلف عنه، وهنا أعني “أيّام قرطاج الموسيقية” التي تهجّم عليها الرصّاع واعتبر أنها مع بعض التظاهرات الأخرى “مهرجانات لا معنى لها في الساحة ويمكن الاستغناء عنها وتوجيه إمكانياتها من أجل إنجاح المهرجانات الثقافية الكبرى وهي مهرجان قرطاج الدولي”.

هذا التصريح أعتبره الأقبح والأخطر في الشأن الثقافي التونسي. قبيح بمعنى أنه خطاب رديء ومن الدرجة الصفر يكشف عجز صاحبه عن تمثّل الموسيقى خارج دائرة فاتنات المشرق العربي، وخطير لأنه يكشف مساعي بعض متسلّقي جدار الوزارة المتساقطين من التاريخ إلى إلغاء هذا النوع من التظاهرات وأعني التظاهرات الراقية والنموذجية.

وهنا أذكّر الرصّاع أن أيّام قرطاج الموسيقية ليست في منافسة مع أي تظاهرة أخرى بل مكمّلة للمشهد الثقافي التونسي، ولأنها ليست “عرسا” تجاريا باستدعاء معجم عهدكم الذي ولّى، وإنما هي حدث موسيقي ضخم وراق وأكبر مسابقة موسيقية في افريقيا والعالم العربي. طبعا المسابقة لا تعني شيئا بالنسبة إلى من اعتادوا استعمال المادة الموسيقية للمتاجرة والربح المادي وهو ما يعيقهم عن استيعاب أهمية الأيّام ليس في تونس فقط وإنما على المستوى القاري والإقليمي، وعن تمثّل الدور الكبير الذي تؤدّيه للمساهم في إشعاع الثقافة التونسية وتونس بصفة عامة على المستوى العالمي.

دون ان ننسى طبعا أن أيّام قرطاج الموسيقية ليست مهرجانا بقدر ما هي مختبر موسيقي متكامل يحتضن التجارب الموسيقية المختلفة ولا يكتفي بالترفيه الموجّه، على عكس الترفيه المرتجَل لبعض التظاهرات الاخرى، وإنما يعمل على إنتاج مشاريع موسيقية متكاملة ومتنوعة من ثقافات مختلفة، ويساعد على تشجيع الموسيقيين التونسيين والأجانب على الإنتاج والعمل في إطار التنافس الشريف والمحكّم ونذكّر أن الأيّام لم تتذمّر من ضعف الدعم المخصّص لها من الوزارة بل تحدّت كل ذلك بالبحث عن موارد تمويل جديدة وتشريك جميع الفاعلين الاقتصاديين في خلق سوق صناعية موسيقية ضخمة تضمن حق الجمهور في الترفيه والتثقيف الموسيقي وحق الموسيقيين الشباب خاصة في العمل والخلق الفني والظهور على الساحة الموسيقية الوطنية التي يسعى البعض لاحتكارها لفائدة تجار لا علاقة لهم بالمجال الموسيقيين وهذا هو الفرق بين التظاهرات التي يشرف عليها أهل الاختصاص والشباب، وبين التظاهرات التي يشرف عليها المتطفّلون عن الميدان الموسيقي ممّن ألقى بهم التاريخ على حافة الحاضر. د. عائشة القلالي (كاتبة وناقدة موسيقية).

ملاحظة: هذا المقال لا يُلزم إلاّ صاحبته.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING