الشارع المغاربي : يبدو ان الحديث الصحفي الصادم الذي ادلى به مؤخرا سفير الاتحاد الأوروبي الى صحيفة لوموند الفرنسية كان مفاجئا للحكومة التونسية بسبب خروجه عن ابسط الضوابط والقواعد المتعارف عليها في العمل الدبلوماسي من حيث اسلوب التواصل مع سلطات بلد الاعتماد ومحتوى الرسائل الموجهة لها. فقد تميزت تصريحات السفير بنبرتها النقدية المتشنجة للسلطات الحاكمة منذ 2016 والتشكيك في فاعلية سياساتها وقدراتها على انجاز الانتقال الاقتصادي نتيجة تبعيتها للوبيات الاحتكار المتحكمة في الثروات وفي مفاصل الاقتصاد، كما توجه بما يشبه التحذير لمنظومة الحكم القادمة بعد الانتخابات مشيرا الى انها ستكون مقيدة بعامل الوقت وبضيق مساحة التحرك في تحديد خيارات اقتصادية واضحة وفي ابداء العزيمة اللازمة لتنفيذها.
وفي إشارة واضحة الى ماهية هذه ” الخيارات” اطنب في مديح مزايا اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق مؤكدا بذلك ان الاتحاد الأوروبي ليست له بدائل أخرى لتونس وهو عازم على فرضه حتى على الحكومة القادمة مثلما حصل مع كافة الحكومات المتعاقبة بعد الثورة. وبخصوص الاعتراضات الشديدة التي يثيرها الاتفاق بتونس عزا ذلك الى سوء فهم الأطراف المنتقدة لمضامينه وأهدافه متهما إياها بسوء النوايا وبالترويج للمغالطات.
لقد تعودنا في تونس على مثل هذه التصريحات المستفزة للسفير الأوروبي الموجهة عادة لمعارضي الأليكا علما انها غالبا ما تكون منسجمة ومتقاطعة مع الطلعات والمواقف المسرحية لنظيرة الفرنسي التي كثيرا ما تكون خارجة هي أيضا عن الأصول والأعراف الدبلوماسية، ولكن السلطات التونسية تتجاهل عادة ما تثيره هذه الممارسات من انتقادات داخلية خاصة وأنها تدرك جيدا ان تحركات هاذين الدبلوماسيين وتصريحاتهما لا يمكن الا ان تكون منسقة مع دوائر القرار الفرنسية الأوروبية وعاكسة لتطور مواقفها إزاء تونس.
حقيقة الامر ان الموقف الأوروبي الغربي اتخذ غداة الثورة منحى واضحا يقوم على ربط مساندته السياسية والاقتصادية للأحزاب الحاكمة بتونس بحفاظها على سياسة الاندماج الكلي بالفضاء الاقتصادي الأوروبي من خلال توسيع منطقة التجارة و العمل الحرة الى كافة السلع والأنشطة، و قد التزمت حكومتا الجبالي و جمعة ببرنامج عمل كان من المفترض ان يحقق هذه الغاية أواخر 2017، ولكن المفاوضات لم تنطلق فعليا الا مع حكومة الصيد في ظل معارضة داخلية شديدة ازدادت حدة بعد تسلم حكومة الشاهد للسلطة و تعهدها منذ اكثر من سنة بإعطاء الأولوية لهذا الملف و انهاء التفاوض بشأنه في غضون سنة 2019 و قبل المواعيد الانتخابية وفقا لمشيئة الجانب الأوروبي الراغب في إبقاء العلاقات التونسية الأوروبية خارج الجدل الانتخابي حتي لا تطرح فرضية إعادة النظر في الاتفاقيات التي تخدم مصالحه.
ورغم استماتة حكومة الشاهد في الدفاع عن الآليكا وامعانها في تمرير اهم بنودها بإدراجها بالقوانين التونسية تحت غطاء المفاوضات الوهمية والمهزلية، فها هو الجانب الأوروبي يسحب من تحتها البساط ويكيل لها التهم متنكرا بذلك لوعوده بدعم رئيسها انتخابيا، ويبدو ان ذلك يعزى الى تراجع حظوظ الشاهد في الفوز في الانتخابات جراء نزوله الحاد في عمليات سبر الآراء واهتزاز تحالفه مع حركة النهضة.
ولعل من اهم الدروس المستخلصة الموجهة للطبقة السياسية بتونس، زيف المراهنة على الدعم الخارجي للفوز بالسلطة وحتمية الانحياز الى الشعب التونسي والسعي الحثيث للدفاع عن مصالحه داخليا وخارجيا والعمل على نيل ثقته للارتقاء الى الحكم استنادا لبرامج واضحة ومحددة وعدم التنكر الية من موقع المسؤولية على غرار القوى المتصارعة اليوم على الاستبداد بالسلطة واحتكارها حاضرا ومستقبلا.
صدر باسبوعية”الشارع المغاربي” في عددها الأخير.