الشارع المغاربي– حوار كوثر زنطور / نقل تميم أولاد سعد: اعتبر المحامي والناشط في المجتمع المدني أحمد صواب ان مسار الصلح الجزائي فشل وان عملية الإيقافات الأخيرة هي ترجمة لمقاربة “الدفع او السجن” للتغطية على ما أسماه بفشل المسار. وشدّد صواب في حوار مع “الشارع المغاربي” على ان اعمال اللجنة أصبحت باطلة منذ يوم 6 نوفمبر الجاري مؤكدا ان عمليات مقايضة وضغط تمارس على الموقوفين لاجبارهم على ابرام الصلح الجزائي.
ما هو تقييمك لمسار الصلح الجزائي؟
مسار ومنظومة الصلح الى حد اليوم فاشلان
وما هي أسباب الفشل ؟
هناك 3 اسباب كبرى على الاقل: السبب الاول منطلق التصور، ثانيا تسييس المسار وثالثا وبالخصوص ضعف النص. بخصوص منطلق التصوّر .. ارتكز قيس سعيد في تصوّره لمنظومة الصلح الجزائي على شيئين اثنين كان يتحدث عنهما طيلة سنوات. الاول تقرير عبد الفتاح عمر واعتمد من خلاله على معطيين خاطئين : المعطى الاول ان الأموال المنهوبة حسب تقرير المرحوم عبد الفتاح عمر تبلغ قرابة 13.5 مليار دينار وكان يطمح الى اكثر من هذا المبلغ. والمعطى الثاني الخاطئ الذي اعتمد عليه سعيّد وهو غير موجود في تقرير عبد الفتاح عمر هو عدد رجال الاعمال حيث قال إنه يبلغ 460 . وباستفساري عددا من اعضاء لجنة عبد الفتاح عمر أكدوا لي عدم وجود عدد محدد لرجال الاعمال وباعتبار ان المنطلق خاطئ فمن المنطقي ان تكون هناك مشاكل هيكلية تؤدي الى فشل المنظومة.
هل تؤدي المنطلقات الخاطئة بالضرورة الى فشل المسار ؟
هنا أعود إلى السبب الثاني وهو تسييس المشروع او المنظومة.
كيف ذلك ؟
أولا من خلال رصد قرابة 20 بالمائة من المداخيل لتمويل الشركات الاهلية وبالتالي خدمة المشروع السياسي للرئيس والذي يُعارض ويُناقض ويُفشل ويُلغي قانون الاقتصاد التضامني الاجتماعي الذي تم وضعه منذ سنوات ولم يتم تطبيقه الى اليوم. كما تم التسييس ايضا من خلال رصد 80 بالمائة من الاموال لتمويل مشاريع الاهالي في كل المعتمديات. وهنا اريد ان استشهد بمقال للصحفي زياد كريشان نُشر بتاريخ 25 جانفي 2022 بعنوان “الصلح الجزائي والشركات الاهلية: في رئاسوية البناء القاعدي” بمعنى ان الصلح الجزائي والشركات الاهلية والمشاريع المحلية كلها رافعات لمشروع البناء القاعدي. اما العنصر الثالث الذي يُثبت تسييس المنظومة فهي أن تسميات كل اعضاء اللجنة وهم ثمانية تمت من طرف رئيس الجمهورية وبالتالي سيكون هناك بالضرورة ولاء للرئيس خاصة أن اللجنة تُعتبر بالقانون تابعة لرئاسة الجمهورية وليست لها لا استقلالية ادارية ولا مالي . وانهي بالسبب الثالث لفشل منظومة الصلح الجزائي وهو ضعف النص وهنا سأعطي بعض الامثلة: اولا نحن لا نعلم والى حدود اليوم سنة انطلاق التتبعات… هل هو منذ الحصول على الاستقلال الداخلي في سنة 1955 ام هو منذ الحصول على الاستقلال الكلي في سنة 1956 ام هو مع اعلان الجمهورية في سنة 1957 ام هو مع بداية الاستعمار الفرنسي لتونس في سنة 1888 .ثانيا: مدة اعمال اللجنة ..المرسوم لا يشير الى تاريخ انتهاء اشغالها وهو ما يطرح مشكلة. ثالثا غياب الواقعية والسؤال المطروح هو كيف سيتم احتساب الاموال المنهوبة؟..تقدير قيمة الاموال التي يتم الحصول عليها يتم منذ سنة حصول الانتفاع وهذا خاطئ … تقدير قيمة الاموال يتم باحتساب سنة حصول الانتفاع مع 10 بالمائة سنويا مع احتساب قيمة التضخم كما تحدّد ذلك الجهات الرسمية وسأعطي مثالا على ذلك… تم الحديث عن رجل اعمال اقترح 3000 مليون دينار. لو افترضنا ان بداية الانتفاع انطلقت منذ سنة 2007 مع احتساب نسبة 7 بالمائة كمعدل لنسبة التضخم مع نسبة 10 بالمائة سنويا دون الاعتماد على الاحتساب التراكمي اي من خلال احتساب نسبة 10 بالمائة على مجموع الاموال يعنى ان على من اقترح 3000 مليون دينار ان يدفع الان 8000 مليون دينار وهو ما يعنى اكثر من ضعف ميزانية التنمية المرصودة في ميزانية 2024 … يعنى ليست هناك واقعية.
غياب الواقعية فقط في الأرقام ؟
لا… مثلا المشاريع داخل المعتمديات والتي سيتم رصد 80 بالمائة من الأموال المسترجعة لتمويلها. وفق مرسوم الصلح الجزائي يجب تقديم عريضة من طرف الفي شخص لتبني مشروع اضافة الى دراسة كاملة ودقيقة بينما هناك معتمديات لا يتعدى عدد سكانها الألف شخص. الدليل الاخر على غياب الواقعية يتعلق بالآجال وهي في اعتقادي غير معقولة وكنت قد اشرت الى ذلك سابقا وتحدث عنها رئيس الجمهورية ايضا.. كيف يمكن القيام باختبار او بعملية صلح مع رجل اعمال له عديد الشركات وبالتالي عديد المشاكل والملفات من ديوانة او جباية وغيرهما في عضون 20 يوما ؟ هذا مستحيل … مستحيل .. المرسوم لم ينصص على الجهة التي تُحدد قيمة اتعاب الخبير… سمعت عديد الاطراف تقول انها ستقع على كاهل طالب الصلح وهذا غير صحيح ولم يتم توضيح الامر لا من خلال اصدار مذكّرات من طرف اللجنة او من طرف رئاسة الحكومة او عبر اصدار بيان توضيحي من قبل رئاسة الجمهورية ..الرئيس تحدث عن وجود 200 ملف للصلح… من المستحيل البت فيها في 4 اشهر فقط وان تم ذلك فسيكون عبر خرق الاجال او من خلال التسويف ولا يوجد اي حل آخر.
تحدثت عن ضعف النص… عمليا كيف لاح ذلك بعد عام من بداية المسار ؟
ضعف النص يتجلى في وجود تضارب هيكلي مع مؤسسات أخرى : اولا مع لجنة المصادرة. مثال على ذلك ملف عماد الطرابلسي الذي تم تجميد امواله ولا يمكنه بالتالي دفع التعويضات بما يعكس غياب تنسيق مع مرسوم المصادرة. ثانيا مع قرارات هيئة الحقيقة والكرامة وثالثا مع لجنة استرجاع الاموال المنهوبة في الخارج. الفصل الثالث من مرسوم الصلح الجزائي ينص في فقرته الثانية على ان المرسوم يشمل كل شخص مادي او معنوي لم تُستكمل في شأنه اجراءات مصادرة امواله واسترجاعها من الخارج. وسأعطي مثالا على ذلك: شخص يملك 3 منازل تمت مصادرة اثنين منها فقط والثالث لم تتم مصادرته … المنزل الثالث يصبح ملكا للخارج … هذا الشخص يصبح بمقتضى الفصل الثالث للمرسوم مشمولا بالصلح الجزائي. ويشمل المرسوم اي عون عمومي اضرّ بالادارة وهو ما يتعارض مع قانون المصالحة الادارية الذي تم سنّه في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.. هناك اذن تضارب مع 4 مؤسسات قانونية اخرى على الاقل هي مؤسسة المصادرة وهيئة الحقيقة والكرامة ولجنة الاموال منهوبة بالخارج وقانون المصالحة الادارية… هذه هي اسباب الفشل الموجودة حتى قبل انطلاق اعمال اللجنة.
هل اثر ضعف النص على أداء اللجنة ؟
سنتحدث عن تجاوز القانون. الفصل الثامن من المرسوم ينص على وجوب نشر أمر يخص المنح الشهرية لاعضاء اللجنة وهو ما لم يحدث والفصل 11 من المرسوم نص على وجوب سد الشغور باللجنة في مدة لا تتجاوز 10 ايام وهو ما لم يحدث ايضا. اذن اللجنة ورئيس الجمهورية يخرقان المرسوم.. الفصل 13 من المرسوم ينص على وجوب اصدار النظام الداخلي في مدة لا تتجاوز 15 يوما وهو امر لم يحدث الى حد الان وتحديدا بعد مرور 10 اشهر على انطلاق اعمال اللجنة اضافة الى غياب الشفافية عبر عدم اصدار التقارير الدورية .
هل أثبتت التجربة حتى الآن ان المجلس الأعلى للقضاء كان صائبا في تحفظاته على مرسوم الصلح الجزائي ؟
كانت للمجلس الاعلى للقضاء الذي كان ضد مرسوم الصلح الجزائي واعتقد ان ذلك كان وراء حله وتعويضه بالمجلس الاعلى المؤقت للقضاء 3 تحفظات كبرى على المرسوم نشرها في 5 جانفي 2022 ومن اهمها ان لجنة الصلح تعتبر محكمة استثنائية والمحكمة الاستثنائية لا تضمن الحياد ولا الاستقلالية ولا حق المواجهة ولا حق الدفاع وما شابه. من بين اعضاء اللجنة 3 قضاة يختارهم رئيس الجمهورية ومن بين الخمسة الباقين عضوان الاول يمثّل المكلف العام بنزاعات الدولة وهي ادارة عامة والثاني الوزارة وبالتالي فإن ربع تركيبة اللجنة هم اطراف في النزاع وهذا سبب تسميتها بالمحكمة الاستثنائية … المجلس الاعلى للقضاء المحل اعتبر ايضا ان ارساء لجنة الصلح سيؤدي فعليا الى انهاء القطب الاقتصادي والمالي. واذا اخذنا رأي المجلس الاعلى للقضاء بعين الاعتبار واعتبرنا ان اللجنة محكمة استثنائية فقد تم خرق الدستور الساري حينها وهو دستور 2014 والذي كان لا يزال نافذا حين تم اصدار مرسوم الصلح الجزائي ويمنع ارساء المحاكم الاستثنائية.
الا يمكن التدارك خاصة ان رئيس الجمهورية تحدث عن تعديلات ؟
ما أعاينه ويعاينه عديد الملاحظين انه كلما تجلى فشل اللجنة كلما ارتفع عدد الايقافات في صفوف رجال الاعمال وخاصة من طرف النيابة العمومية …النيابة العمومية تحت إمرة وزيرة العدل والتي تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية وهو احد اسباب فشل اللجنة ويؤكد المقايضة التي تحدث عنها رئيس الجمهورية “السجن مقابل الصلح” وهذا يدل على تضارب واضح عبر الحديث عن الصلح وعن السجن في نفس الوقت وبالتالي هناك رابط بين فشل اللجنة والايقافات الاخيرة في صفوف رجال الاعمال … تم ايقاف 6 رجال أعمال كبار ومعروفين على الاقل خلال الأسابيع الثلاثة الاخيرة على غرار ماهر شعبان ورئيس هلال الشابة توفيق المكشر ومروان المبروك ورضا شرف الدين وعبد الرحيم الزواري.
هناك مقايضة وضغط على الموقوفين لإجبارهم على اجراء صلح جزائي. اما بالنسبة لرجال الاعمال الذين لم يتم ايقافهم فيتم تلفيق قضايا لهم وايقافهم لإجبارهم على اجراء صلح جزائي ..انتقلنا من التمشي الارادي الذي ينص عليه المرسوم الى التمشي القسري وهو السجن .
ماذا عن مدة اشغال اللجنة ؟
تركيبة اللجنة محددة في المرسوم الذي نص على أن يتم تغييرها كل 6 اشهر والقانون لم ينص على ذلك وبالتالي المبدأ ينص على بقاء اعضائها …اللجان والهيئات الاخرى ملزمة وفق المراسيم المنظمة لها بمدة اعمال محددة على غرار هيئة الحقيقة والكرامة ولجنة استرجاع الاموال المنهوبة بالخارج وبالتالي في حال غياب التنصيص على مدة اعمال اللجنة فالمبدأ هو مواصلة اعمالها الى اجل غير محدد.
ومتى انتهت اجال اعمال اعضاء اللجنة بالتركيبة الحالية ؟
الخطأ الشائع انها انتهت يوم 11 نوفمبر.. قمت بحساب آجال اعمال اللجنة بالتدقيق على اعتبار ان الشهر وفق فقه القانون هو 30 يوما وليس 31 يوما او 29 يوما وطالما ان اعمال اللجنة انطلقت يوم 11 ماي اي 180 يوما وبالتالي انتهت مدة اعمال اللجنة يوم 6 نوفمبر الماضي واصبحت اعمالها باطلة ومعدومة بسبب عدم الاختصاص في الزمن… رئيس الجمهورية تحدث يوم 10 نوفمبر الجاري عن وجوب التنقيح وهذه نتائج التعنّت.. تنقيح الاجال وفترة الاختبار هو ما سبق ان قلناه واشارنا اليه سابقا حين صدر المرسوم وبالتالي خسرنا تقريبا سنة و8 اشهر والان لا يمكن تغيير المرسوم الا بقانون وهو ما يتطلب وقتا طويلا يتم خلاله طرح مشروع قانون يمر بالضرورة عبر اللجان ومن ثمة إلى المجلس الاعلى المؤقت للقضاء… حديث رئيس الجمهورية عن التنقيح يعنى ضمنيا ان الامور لم تسر مثلما يجب. النقطة الثانية وهي الاخطر في تصريح رئيس الجمهورية الاخير هي حديثه عن رجال اعمال اقترحوا سابقا دفع الاف المليارات واصبحوا الان يقترحون مبلغ 30 الف دينار واشارته الى ان اللجنة اقترحت مبلغ 4 مليارات .. السؤال كيف كيّف رئيس الجمهورية هذين المبلغين ؟ وهنا وجبت قراءة ما بين السطور والاخطر من ذلك قوله ان ما اقترحته اللجنة غير كاف.. ما معنى غير كاف ؟ يعنى ان اللجنة متواطئة او انها لا تجيد عملها وهنا اريد ان اشير الى انه يمكن لأعضاء اللجنة ان يلاحقوا مستقبلا بتهمة الإضرار بالادارة وتحقيق منافع للغير دون وجه حق .
هل تنوب معنيين بالصلح الجزائي ؟
بصفتي متابع للملف منذ بدايته رفضت من منطلق اخلاقي أن أنوب في أي ملف امام لجنة الصلح الجزائي نظرا لوجود وضعية غير اخلاقية لكي لا اقول تضارب مصالح… لا يمكن لأي محام له موقف من شخص ان ينوبه لاحقا في ملف والاخطر من ذلك ان ينوب المحامي اللجنة والمتهم في نفس الوقت.. هناك من رجال الأعمال من يختارون محامين موالين للرئيس للدفاع عنهم امام اللجنة لذلك اخترت مواجهة هذا المشروع بسلبياته وبايجابياته دون أن انوب عن اي طرف امام اللجن. انا مع مبدأ الصلح الجزائي ولكن ليس بهذه الطريقة وانما عبر اجراء الاستشارات والشفافية المطلقة و”الصنعة “.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ اليوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2023