الشارع المغاربي – أمام‭ ‬صمت‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬اللامسؤول‭:‬ السيد‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬يواصل‭ ‬تدخلاته‭ ‬المرفوضة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬تونس‭ ‬الداخلية

أمام‭ ‬صمت‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬اللامسؤول‭:‬ السيد‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬يواصل‭ ‬تدخلاته‭ ‬المرفوضة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬تونس‭ ‬الداخلية

قسم الأخبار

3 يونيو، 2022

الشارع المغاربي-الحبيب القيزاني: “تمّ الاتفاق مع إيطاليا على مساعدة تونس على الخروج من المأزق الذي تمرّ به وتعود للطريق الديمقراطي”.

جملة قصيرة في حجمها لكنها كانت ثقيلة الوقع على قلوب وعقول التونسيين بكل شرائحهم وكفيلة بإثارة جدل واسع خصوصا انها وردت على لسان عبد المجيد تبون رئيس الجزائر، البلد الذي يجمعه بتونس تاريخ مشترك.

مجرّد زلّة لسان؟ مجاملة للسلطات الإيطالية ومن ورائها دول الاتحاد الأوروبي التي عبّرت مؤسساتها على أكثر من لسان عن معارضتها التمشي الذي قاد الرئيس قيس سعيد البلاد اليه منذ  25 جويلية 2021؟

الشيء الثابت ان محاور السيد تبون توشي بأغراض اكثر وضوحا منها عزم الجزائر على لعب دور وصائي على كامل المنطقة وخاصة على تونس وليبيا.

لم يكن غريبا، اذن، ان يثير تصريح تبون حول تونس جدلا ممزوجا بالغضب بلغ في صفوف جانب كبير من التونسيين درجة الشجب والاستنكار والتساؤل عن دوافعه وأهدافه في ظلّ حديث بعض المطلعين على كواليس العلاقة بين الدولتين عن “فتور في العلاقة بين العاصمتين” بل وحتى عن “قلق جزائري ليس جرّاء خيارات الرئيس سعيد الداخلية فحسب” وإنما “بسبب ما ترى فيه السلطات الجزائرية تحالفات إقليمية ودولية غير مستساغة تتعلق بالخصوص بتداعيات التعاون مع الناتو من جهة وبوجهات نظر قصر قرطاج حول الملف الليبي”.

مردّ الغضب على كلام تبون أجّجته أيضا ملازمة قيس سعيد صمتا لامسؤولا عوضا عن وضع النقاط على الحروف باعتبار أن موقف تبون “يشكل تدخلا سافرا في شؤون تونس الداخلية” وأن “تونس ليست في حاجة لتلقي دروس في الديمقراطية” وأن على من يريدون منها الرقص على مزاميرهم ألاّ ينسوا أنها تملك أعرق وأكبر حضارة عرفتها منطقة شمال افريقيا.

الغاضبون أكدوا أنهم كانوا ينتظرون موقفا من الرئاسة التونسية على غرار تعبيرها يوم 14 أكتوبر 2021 عن “استغرابها من ادراج الشأن التونسي بجدول أعمال لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي للنظر في وضع الديمقراطية بتونس والخطوات القادمة للسياسة الامريكية تجاهها”. يومها، تساءل سعيد في فيديو نشرته رئاسة الجمهورية بعد اشرافه على مجلس الوزراء : “ماذا يعني أن يوضع الشأن التونسي في جدول أعمال برلمانات أجنبية؟” مضيفا : “أن يُوضع في مجال التعاون نعم أو في مواصلة التعاون بحسن نية ولكن لا بد أيضا أن يقوم التعاون حتى ان كنّا دولة صغيرة الحجم على احترام سيادتنا وإرادة شعبنا” قبل ان يضيف : “لن نرتمي في أحضان أحد وسنحافظ على استقلالنا ولن نقبل بأن يتدخلوا في شؤوننا… لسنا ضيعة ولا بستانا ولا حقلا يدخله من يريد ويخرج منه من يريد.. نحن دولة ذات سيادة.. تونس ترفض أن توضع سيادتها على طاولة أية مفاوضات”.

من هنا، لم يمنع “تغليف” تبون تصريحه بـ “تونس الشقيقة” وبأن “الجزائر وإيطاليا تدعوان الى ضرورة دعم الاقتصاد التونسي في ظل الأزمة الراهنة” البعض من التعبير عن تفاجئهم وصدمتهم من كلامه مذكّرين بأنه سبق للجزائر أن أبدت امتعاضا وتحفظات على تخلّي تونس بعد الثورة عن النظام الرئاسي واختيارها النظام البرلماني.

هل يُخفي اذن تصريح تبون أجندة إقليمية لاستعادة دور جزائري في المنطقة عطّلته 20 سنة من حكم الرئيس الراحل بوتفليقة وما تخللها من فساد تفشى في مختلف أجهزة الدولة مثلما كشفت عن ذلك المحاكمات التي تلت الحراك الجزائري؟

هل يُمثّل كلام تبون رسالة لأوروبا مغزاها أن الجزائر هي الحارسة الأولى لبوّابة افريقيا وأن لا دخول أوروبي للقارة السمراء دون المرور بالجزائر مع ما يعني ذلك من سعي للتموقع في الخريطة الإقليمية والعالمية عامة؟.

الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب الوقوف على حقائق فرضتها مستجدات سواء على مستوى العلاقة بين تونس والجزائر أو على صعيد تغيّرات شهدتها عدة مناطق بالعالم.

أولى الحقائق أن العلاقة بين الجزائر وتونس تحوّلت بعد الثورة من علاقة دولة بدولة الى علاقة دولة ب “لادولة” جراء خضوع قيس سعيد لإرادات الجزائر لعل من ابرز تمظهراتها:

• ارتباط مصيري وهيكلي في الغاز وبأسعار تفاضلية.

• قروض امدّت بها الجزائر تونس (نتيجة أزماتها الاقتصادية والمالية) حدّت من سيادة الدولة التونسية المالية.

• اعتماد شبه كلّي على الجزائر في حماية شريط الحدود الغربية التونسية من تسللات المجموعات الإرهابية تكريسا لمبدإ “أمن الجزائر من أمن تونس”.

• اصطفاف تونسي الى جانب الجزائر في بعض القضايا الإقليمية مثلما حدث برفضها في أكتوبر 2021 التصويت على قرار دعا طرفي النزاع في الصحراء الغربية الى استئناف لامشروط  للمفاوضات والقبول بتمديد مهمة “مينورسا” في الصحراء الغربية. وقد امتنعت تونس وروسيا (حليفة الجزائر) عن التصويت باعتبار ان قبول الجزائر الجلوس الى طاولة المفاوضات يعني اعترافا بمغربية الصحراء التي أعلنت عنها أمريكا من طرف واحد مقابل عودة المغرب الى التطبيع مع إسرائيل الشيء الذي ترى فيه الجزائر تهديدا لاستقرارها.

على المستوى الإقليمي وما له من امتدادات وتداعيات دولية لا ينكر أحد قيام عدة دول أوروبية منذ اندلاع الحرب بأوكرانيا بمغازلة الجزائر لامدادها بمزيد من الغاز والنفط لضمان دوران عجلة اقتصاداتها في حال مقاطعة نهائية لصادرات روسيا اليها منهما. وقد اغتنم تبون فرصة الاتفاق مع إيطاليا على الترفيع في كميات الغاز الجزائري الموجه اليها ولأوروبا ليزج بتونس وليبيا من زاوية الدعوة لحلحلة الأوضاع فيهما متبنيا زعامة بلاده للمشاركة في حل مشاكل جيرانها وملمّحا بلغة ديبلوماسية مغلّفة الى استعداد الجزائر لضمان استقرار المنطقة وهو ما يرى فيه ملاحظون دوليون مقايضة ذكية : ضمان الجزائر الغاز والنفط لاوروبا (عبر أنابيب إيطاليا واسبانيا) مقابل اعتراف أوروبا بريادة الجزائر في شمال افريقيا بما يمثل في النهاية اعترافا أوروبيا بأن الجزائر هي الحارس الأول لبوابة الدخول الى افريقيا عموما وضرورة المرور بالجزائر الشيء الذي يُكسبها تموقعا وازنا في الخريطة الجغراسياسية العالمية.

وبعيدا عن النبش في ماضي العلاقات التونسية-الجزائرية بعد استقلال البلدين والغيوم التي تلبّدت في سمائها نتيجة سوء تفاهمات عارضة لا بدّ من الإقرار بأن صفاء العلاقات بين الدول يتطلب أولا وآخرا احتراما متبادلا حتى لو كانت رغبة الديبلوماسية الجزائرية اليوم تكريس مقولة : “كل الطرق تمرّ عبر الجزائر” وهو العائد من زيارة بلد مشهور بقولة : “كل الطرق تمرّ بروما”.

خلاصة القول أنه من المفيد ان يدرك حكام الجزائر الشقيقة ان انصياع قيس سعيد لارادتهم ظاهرة وقتية وعابرة لا يستسيغها ولا يقبلها التونسيون ولا هي معطى مستديم.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 31 ماي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING