الشارع المغاربي – أول‭ ‬قانون‭ ‬للأجانب‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬1968: قصّة‭ ‬هجرة‭ ‬الأفارقة‭ ‬إلى‭ ‬تونس/ العقيد‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬عيسى(متقاعد من الحرس الوطني)

أول‭ ‬قانون‭ ‬للأجانب‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬1968: قصّة‭ ‬هجرة‭ ‬الأفارقة‭ ‬إلى‭ ‬تونس/ العقيد‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬عيسى(متقاعد من الحرس الوطني)

قسم الأخبار

4 مارس، 2023

الشارع المغاربي: خيرا‭.. ‬إجتمع‭ ‬المجلس‭ ‬القومي‭ ‬لينظر‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭. ‬الجميع‭ ‬قلقون‭ ‬فالدولة‭ ‬تتحمّل‭ ‬قدرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭. ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬يتحدّث‭ ‬بانزعاج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة‭ ‬وبشيء‭ ‬من‭ ‬اللّوم‭ ‬والإستياء،‭ ‬ويذكر‭ ‬أمثلة‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬التساهل‭ ‬والتسيّب‭ ‬والعنف‭ ‬الفردي‭ ‬والجماعي‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭. ‬تعبيرات‭ ‬جديدة‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬والتعاليق‭ “‬تونس‭ ‬مفترق‭ ‬هجرة‭”  ‬و‭”‬تونس‭ ‬أرض‭ ‬استقبال‭”‬،‭ ‬مع‭ ‬أوصاف‭ ‬مثل‭ ” ‬التدفّق‭” ‬و‭”‬الغزو‭” ‬و‭”‬الإستيطان‭”. ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الشائعة‭ ‬والمطروحة‭: ‬من‭ ‬هؤلاء؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مصيرهم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬المُثقلة‭ ‬بأوضاعها؟‭ ‬ومَنْ‭ ‬وراءهم‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الهجرة‭ ‬والإقامة‭ ‬والتشغيل؟‭ ‬تُرى‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬استعدادات‭ ‬الدولة‭ ‬لهذه‭ ‬القضيّة‭ ‬المُستحدثة‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الخاص؟

عُمق‭ ‬الظّاهرة

نبّه‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬له‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬من‭ ‬إزدياد‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬وبوتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية،‭ ‬وبيّن‭ ‬تضاعف‭ ‬نسبة‭ ‬السكان‭ ‬بها‭ ‬وبنفس‭ ‬النسق‭ ‬تقريبا‭ ‬خلال‭ ‬الخمسة‭ ‬والعشرين‭ ‬سنة‭ ‬المُنقضية‭. ‬استنتج‭ ‬الخبراء‭ ‬أنّ‭ ‬التطوّر‭ ‬المسجّل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬متمركزا‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬العمل‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬يتّجهون‭ ‬عادة‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة،‭ ‬وأنّ‭ ‬أبرز‭ ‬العوامل‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ضعف‭ ‬الدخل‭ ‬الفردي،‭ ‬وتنامي‭ ‬شريحة‭ ‬الشباب،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الإستعمارية‭ ‬السابقة،‭ ‬وحروب‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬وفي‭ ‬البلدان‭ ‬غير‭ ‬الساحلية‭.  ‬

ولعلّ‭ ‬تأسيس‭ ‬تجمّع‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬والصحراء‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬فيفري‭ ‬1998‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬المرحوم‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي،‭ ‬وإعلان‭ “‬سرت‭” ‬الخاص‭ ‬بالإتحاد‭ ‬الافريقي‭ ‬والذي‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬إفريقيا‭ ‬بشكل‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬أسباب‭ ‬القضية‭ ‬الجارية‭. ‬فالإتفاقية‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬حرّية‭ ‬تنقّل‭ ‬الاشخاص‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬حرّية‭ ‬الإقامة‭ ‬والعمل‭ ‬والملكية‭ ‬وممارسة‭ ‬نشاط‭ ‬إقتصادي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عضوة‭ (‬1‭) ‬.

هكذا‭ ‬برزت‭ ‬ظاهرة‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ (‬شمال‭ ‬القارة‭)‬،‭ ‬وبفعل‭ ‬ذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة‭ ‬مجالا‭ ‬لمافيات‭ ‬تنشط‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬أو‭ ‬بالمغرب‭ ‬العربي‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الضفّة‭ ‬الأخرى‭. ‬إتخذت‭ ‬الهجرة‭ ‬أبعادا‭ ‬مأسوية‭ ‬بفعل‭ ‬تواتر‭ ‬غرق‭ ‬القوارب‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تزدحم‭ ‬بالحالمين‭ ‬بالهجرة‭ ‬مخلّفة‭ ‬مئات‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬آلاف‭ ‬الموتى،‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬اعتقالهم‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬المغاربية‭.‬

على‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬توجّهت‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬التشديد‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬منح‭ ‬التأشيرة‭ ‬وفرض‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬المسافرين‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬نفسها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬واجه‭ ‬المشرّع‭ ‬التونسي‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬إنطلاقا‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬30‭ ‬مارس‭ ‬2003‭ ‬والمنظم‭ ‬لدخول‭ ‬وإقامة‭ ‬الأجانب،‭ ‬كما‭ ‬إنخرط‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الصارمة‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ “‬حوار‭ ‬5‭+‬5‭” (‬2‭) ‬الذي‭ ‬تميّز‭ ‬بحزمة‭ ‬من‭ ‬الإتفاقات‭ ‬لتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬وإصدار‭ ‬نصوص‭ ‬قانونية‭ ‬وملاحقة‭ ‬المنظمين‭ ‬والمشاركين‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬مع‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬تدريب‭ ‬أعوان‭ ‬وإطارات‭ ‬المراقبة‭ ‬الحدودية‭ ‬وتجهيزهم‭ ‬بمعدات‭ ‬وتقنيات‭ ‬الكشف‭ ‬الجديدة‭.  ‬

من‭ ‬المهم‭ ‬التذكير‭ ‬بأنّ‭ ‬أول‭ ‬قانون‭ ‬للأجانب‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬1968‭ (‬قانون‭ ‬عدد‭ ‬0007‭-‬1968‭) ‬وبأن‭ ‬أبرز‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يساعدون‭ ‬أو‭ ‬يحاولون‭ ‬المساعدة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬أو‭ ‬التنقّل‭ ‬أو‭ ‬الإقامة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

من‭ ‬النخّب‭ ‬إلى‭ ‬المغامرين

عرفت‭ ‬البلاد‭ ‬ودون‭ ‬إشكاليات‭ ‬تُذكر‭ ‬تجربة‭ “‬إقامة‭ ‬النخب‭ ‬الإفريقية‭” ‬سابقا،‭ ‬عبر‭ ‬الطلبة‭ ‬الأفارقة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬والوجوه‭ ‬الرياضية‭ ‬التي‭ ‬اختارت‭ ‬تونس‭ ‬لمواصلة‭ ‬مسيرتها‭. ‬وتعزّزت‭ ‬بتمركز‭ ‬البنك‭ ‬الإفريقي‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬2003‭ ‬إلى‭ . ‬2014 ‬

‭ ‬تغيّر‭ ‬واقع‭ ‬الهجرة‭ ‬اليوم‭ ‬عمّا‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬ليصبح‭ ‬واضح‭ ‬المعالم‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬والفضاءات‭ ‬وفي‭ ‬أغلب‭ ‬الولايات‭.  ‬

الوضع‭ ‬اليوم‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬لقد‭ ‬صنعنا‭ ‬المأزق‭ ‬لأنفسنا،‭ ‬نحن‭ ‬نتعامل‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬مع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬والمهاجرات‭  ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬ومحلاّت‭ ‬الأكلات‭ ‬السريعة‭ ‬وصيانة‭ ‬السيارات‭ ‬والبناء‭ ‬والنجارة‭ ‬وفي‭ ‬التنظيف‭ ‬والأنشطة‭ ‬المنزلية‭ ‬وغيرها‭. ‬ونسمع‭ ‬عن‭ ‬انحرافات‭ ‬لديهم‭ ‬وانزلاقات‭ ‬أخرى‭. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المهاجرين‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المجتمع،‭ ‬وإلى‭ ‬أنّ‭ ‬عدم‭ ‬الإستقرار‭ ‬هو‭ ‬السمة‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭. ‬ومن‭ ‬المظاهر‭ ‬الصادمة‭ ‬تسوّل‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬مفترقات‭ ‬الطرقات،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬القُمامات‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬القوارير‭ ‬البلاستيكية‭ ‬لكسب‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المال‭. ‬لا‭ ‬أستبعد‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬مشاريع‭  ‬خاصة‭ ‬ربما‭ ‬تؤدي‭ ‬بأصحابها‭ ‬إلى‭ ‬الإندماج‭ ‬لاحقا‭.‬

لمزيد‭ ‬فهم‭ ‬القضية‭ ‬راجعتُ‭ ‬تقرير‭ ‬المسح‭ ‬الوطني‭ ‬للهجرة‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭ ‬سنة‭ ‬2021‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المرصد‭ ‬الوطني‭ ‬للهجرة‭ ‬والذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬عدد‭ ‬الأجانب‭ ‬المقيمين‭ ‬بتونس‭ ‬بصفة‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬وثائق‭ ‬رسمية‭ ‬يبلغ‭ ‬59‭ ‬ألف‭ ‬مقيم‭: ‬18‭.‬5‭% ‬من‭ ‬أوروبا،‭ ‬37‭% ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬و‭ ‬36‭.‬4‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬دون‭ ‬تفصيل‭. ‬وتشهد‭ ‬شريحة‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬تطوّرا‭ ‬ملحوظا‭ ‬حيث‭ ‬ارتفع‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬7‭.‬200‭ ‬شخص‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬21‭.‬466‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المسح‭.‬

يتمركز‭ ‬المقيمون‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬تونس‭ (‬ولايات‭ ‬تونس‭ ‬وأريانة‭ ‬وبن‭ ‬عروس‭ ‬ومنوبة‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬ولايات‭ ‬الوسط‭ ‬الشرقي‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬صفاقس‭. ‬ويستفاد‭ ‬من‭ ‬إستجواباتهم‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬الهجرة‭ ‬تتحدّد‭ ‬في‭: ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬لمّ‭ ‬الشمل‭ ‬العائلي‭ ‬بنسبة‭ ‬36‭.‬6‭% ‬والعمل‭ ‬وتحسين‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ ‬بنسبة‭ ‬35‭.‬1‭ % ‬والتعليم‭ ‬العالي‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭.‬5‭% ‬وأن‭ ‬6‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬مهاجرين‭ ‬يعتزمون‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬و3‭/‬2‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬لبلدانهم‭ ‬الأصلية،‭ ‬و4‭/‬1‭ ‬يعتزمون‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬و10‭/‬1‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬رأي‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬الظاهرة‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المحلي‭ ‬حيث‭ ‬ينقل

الوافد‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬عمله‭ ‬وسكناه‭ ‬ممارساته‭ ‬وخلفيته‭ ‬بالضرورة،‭ ‬وهنا‭ ‬تبدو‭ ‬الهجرة

عاملا‭ ‬مُفاقما‭ ‬للأزمات‭ ‬القائمة‭ ‬لدينا‭. ‬

آمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الملتبس‭ ‬ألا‭ ‬يتم‭ ‬توضيف‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬50‭-‬2018‭ ‬عندنا‭ ‬والخاص‭ ‬بالتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬بعض‭ ‬المغامرين‭ ‬ومن‭ ‬ورائهم‭ ‬أصحاب‭ ‬المنفعة‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭.‬

مشروع‭ “‬أرض‭ ‬إلإستقبال‭”‬؟

تُشكّل‭ ‬الهجرة‭ ‬السرّية‭ ‬أحد‭ ‬الملفات‭ ‬الشائكة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الأوروبية‭ – ‬المغاربية‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬فكّرت‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬بعث‭ ‬مركز‭ ‬استقبال‭ ‬وفرز‭ ‬للمهاجرين‭ ‬بالمغرب‭ ‬العربي‭ (‬شمال‭ ‬إفريقيا‭) ‬وفقا‭ ‬لقرار‭ ‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬المنعقد‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬جوان‭ ‬2018‭. ‬ويُعرف‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بــ‭ ” ‬مقاربة‭ ‬النقطة‭ ‬الساخنة‭ “‬approche hotspot‭” ‬والذي‭ ‬اعتمد‭ ‬في‭ ‬اليونان‭ ‬وإيطاليا‭ ‬منذ‭ ‬2015‭. ‬تهدف‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬ظاهريا‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬للدول‭ ‬المُعرّضة‭ ‬لضغوط‭ ‬الهجرة‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬أوروبا،‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المناولة‭ ‬لحماية‭ ‬الحدود‭ ‬الأوروبية‭.  ‬

حظيت‭ ‬مقاربة‭  “‬النقاط‭ ‬أو‭ ‬المنصّات‭” ‬بقبول‭ ‬متفاوت‭ ‬حسب‭ ‬الأطراف‭ ‬وبين‭ ‬الضفّتين‭. ‬فلقد‭ ‬أظهر‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحماس‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ايطاليا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬أكثر‭ ‬تباينا‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الإفريقي‭ ‬والعربي‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬لسفير‭ ‬تونس‭ ‬لدى‭ ‬الإتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬موقف‭ ‬مشرّف‭ ‬في‭ ‬جوان‭ ‬2018،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كرّرت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬الطلب‭ ‬لقبول‭ ‬فكرة‭ ” ‬المنصة‭”‬،‭ ‬مجدّدا‭ ‬علنًا‭ ‬رفض‭ ‬تونس‭ ‬ذلك،‭ ‬ومضيفا‭ “‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬القدرة‭ ‬ولا‭ ‬والوسائل‭ ‬لتنظيم‭ ‬هذه‭ ‬المراكز،‭ ‬نحن‭ ‬نعاني‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬للتدخل‭ ‬الأوروبي‭”. ‬ودون‭ ‬استغراب‭ ‬وعلى‭ ‬هامش‭ ‬قمّة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬جويلية‭ ‬2018‭ ‬رفض‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬هذه‭ ‬الخطة،‭ ‬حيث‭ ‬شبّهها‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬بـ‭ ” ‬أسواق‭ ‬العبيد‭ ‬الحديثة‭” ‬التي‭ ‬تنتقي‭ ‬الأفضل‭ ‬للدخول‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وترفض‭ ‬البقية‭.‬

اشارت‭ ‬أصوات‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬تواجه‭ ‬نفس‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬باستقبال‭ ‬المهاجرين‭: ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬عدم‭ ‬رضاء‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وظهور‭ ‬حالات‭ ‬نفور‭ ‬مع‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬والإقتصاد‭. ‬هكذا‭ ‬رفضت‭ ‬تونس‭ ‬هذا‭ ‬الإقتراح‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭. ‬ولقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬المحاولات‭ ‬الأوروبية‭ ‬الجانبية‭ ‬تبنّى‭ ‬في‭ ‬فيفري‭ ‬2019‭ ‬وبمبادرة‭ ‬مصرية،‭ ‬55‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬الإتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬موقفا‭ ‬جماعيا‭ ‬يرفض‭ ‬خطّة‭ “‬بروكسيل‭”. ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬إلا‭ ‬لاحقا‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مع‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ “‬شرم‭ ‬الشيخ‭”.  ‬

من‭ ‬عجائب‭ ‬الصدف‭ ‬وبعد‭ ‬هذا‭ ‬الشوط‭ ‬الطويل‭ ‬تشرح‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬أنّ‭ ‬القانون‭ ‬الأوروبي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تركيز‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مصنّفة‭ “‬آمنة‭” ‬وأنّ‭ ‬هذا‭ ‬الشرط‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المشرّعين‭ ‬بأوروبا‭ ‬لا‭ ‬يتوفّر‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬بالمغرب‭ ‬العربي‭.  ‬

خطّة‭ ‬الإستعانة‭ ‬بتونس‭ ‬كأرض‭ ‬إستقبال‭ ‬قائمة‭.. ‬ولكنها‭ ‬تتم‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة‭.. ‬وأوّلها‭ ‬تصنيفها‭ “‬بلدا‭ ‬آمنا‭” ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬غيرها‭.‬

‭—————-‬

‭(‬1‭) ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬هي‭: ‬بوركينافاسو،‭ ‬وليبيا‭ ‬والسينغال‭ ‬والنيجر‭ ‬والسودان‭ ‬وتشاد‭ ‬وجيبوتي‭ ‬وإرتريا‭ ‬وغامبيا‭ ‬وجمهورية‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬والسنغال‭ ‬سنة‭ ‬2000،‭ ‬ومصر‭ ‬والمغرب‭ ‬ونيجيريا‭ ‬والصومال‭ ‬وتونس‭ ‬سنة‭ ‬2001،‭ ‬وأخيرا‭ ‬بنين‭ ‬وتوغو‭ ‬سنة‭ ‬2002‭.  ‬

‭(‬2‭) ‬يجمع‭ ‬الحوار‭ ‬5‭+‬5‭ ‬تونس‭ ‬والجزائر‭ ‬وليبيا‭ ‬والمغرب‭ ‬وموريتانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والبرتغال‭ ‬وإسبانيا‭ ‬ومالطا‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING