الشارع المغاربي – إجراءات الحكومة: تقشّف مزعوم.. مُغالطات.. والواقع المخيف لـ"وباء" التوازنات المالية

إجراءات الحكومة: تقشّف مزعوم.. مُغالطات.. والواقع المخيف لـ”وباء” التوازنات المالية

قسم الأخبار

23 مايو، 2020

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: اطلع الاربعاء الفارط 20 ماي 2020 الياس الفخفاخ رئيس الحكومة قبل التوجه عشية نفس اليوم الى الشعب بخطبة وصفها مناصروه بـ”العصماء” لكثافة دلالتها منهجا وبلاغة، على التقرير الصحي للجنة العلمية المكلفة بمتابعة انتشار فيروس كورونا. وبناء على تفاصيل التقرير، اعتبر الفخفاخ ان الانتصار كان حليفا للحكومة في “ام المعارك” بعد ان نجحت في احتواء الفيروس بفضل الاجراءات الابداعية والجريئة المتخذة – حسب تعبيره – رغم ان الجائحة اطاحت بمنظومات صحية لدول عظمى وبثت فيها الرعب. ولكن يبدو ان تونس بلد “المعجزات” و “الخوارق” تمكنت من رفع التحديات الامر الذي ثمّنه بكل فخر و اعتزاز الياس الفخفاخ استنادا الى التقييم ذي النفس الايجابي للغاية الذي طغى على تقديراته للوضع العام في البلاد.

الفخفاخ والانتصار الساحق وخيار المستقبل

يؤكد الموالون للحكومة انه رغم قلة الامكانات، برهن التونسيون سيما “محدودي الدخل” و عددهم يتجاوز اربعة ملايين باعتبار ان المساعدات (200 دينار لكل اسرة معوزة / 63 اورو) قُدمت لنحو  مليون و200 الف عائلة، عن “قناعة” غير مسبوقة اذ اصطفوا بكل “وعي” امام مكاتب البريد للحصول على حوالات هذه المساعدات التي اعتبرتها الحكومة جد مهمة بالنظر الى قيمتها الجملية التي تناهز 180 مليون دينار دون اعتبار المساعدات العينية من كرذونات تزخر بالمعجنات والسكر والدقيق والحليب وعلب الهريسة…

وذكّر الياس الفحفاخ بان الحكومة واجهت ازمة كورونا بعد أسبوع من تسلمها السلطة وأنّها كانت رغم ذلك في مستوى كسب الرهان مبرزا ذلك عبر سرد مستفيض للأرقام المتعلقة بالإصابات وحالات الشفاء مع التأكيد على وجود 47 وفاة . وشدد على ان الرهان اليوم هو التعايش مع الفيروس والعودة الى حياة عادية رغم الفقر وهشاشة الاقتصاد والتشغيل واهتراء المرفق العمومي والصعوبات المالية.

غير ان رئيس الحكومة تغاضى عن تقديم بعض معطيات الفشل الذريع الذي نتج عن ادارته الازمة زمن الجائحة اذ ان تونس دخلت غمارها دون اعتمادات اجتماعية تذكر (3.4% من ميزانية الدولة) وبقطاع صحي منهك ماليا وبشريا وحاول الوزير “النهضوي” عبد اللطيف المكي تفادي الخيبة، في هذا الصدد، بالشعبوية وبالحضور القياسي في وسائل الاعلام فضلا عن العكاظيات التي جاد بها في كل الاوقات.

الصحة في تونس، من الرديء الى الأردإ

 وفي هذا الاطار، تناهز ميزانية وزارة الصحة 2544.43 مليون دينار مما يمثل 5.4% من الميزانية العامة للدولة منها 12 مليون دينار للتوقي من فيروس “كورونا” المستجد بما يعادل نسبة 0.47%.  وتعكس هذه النسب الضعف الفادح للتمويلات المرصودة لأحد أهم القطاعات في البلاد باعتبار شبه انعدام وزنها المالي في سياق الحفاظ على صحة 11 مليون مواطن اغلبهم خارج منظومات التغطية الصحية.

وتبلغ مخصصات البنية التحتية الصحية 553 مليون دينار، لا غير. كما تفيد معطيات الميزانية بان مرصودات الرعاية الصحية الاساسية هي في حدود 426.4 مليون دينار في حين لا تتجاوز الاعتمادات المخصصة للخدمات الصحية الاستشفائية 952.6 مليون دينار. ونسوق هذه المعطيات والارقام الضحلة، دون ادنى تعليق.

ومن هنا، يبدو انه على الفخفاخ التركيز على اصلاح منظومة فاشلة برمتها وهو ما تثبته الارقام في صورة توفر الكفاءة لذلك قبل الحديث عن نجاحات الصدفة وهو امر عاشته مناطق شاسعة في العالم في افريقيا واسيا وغيرهما من قارات العام.

عدمية الخطاب

في سياق ابراز “بطولاته” اكد رئيس الحكومة في الخطبة التي القاها يوم 20 ماي انه من الواجب القول بـ “ان المسالة تدخل في اطار عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم… والوقت اليوم للمعارك الكبرى بعيدا عن المناكفات السياسية ..معركة كبيرة قادمون عليها نحن وجاهزون لها ..سنخوضها بتعبئة كل النوايا الصداقة لمواجهة تداعيات الجائحة وللانطلاق في اصلاح اقتصاد مريض” .

ويكشف هذا الكلام “العفوي” والذي دأب اجدادنا على ترديده على مسامعنا ان الحكومة تعتمد وقبل كل شيء على النوايا حسب اقوال رئيسها لخوض المعارك خصوصا ان الاعمال بالنيات ولكنه من المؤسف التذكير بانها تفتقر الى عاملين اساسيين لكسبها هما الكفاءة والامكانات التي تستخدم على نحو فعال وشفاف.

وفي ما يتعلق بالكفاءة، فلا فائدة تذكر من الخوض في غمار اهلية الموجودين اليوم بالعديد من المواقع والمناصب بالرجوع على الاقل الى شهائدهم “العلمية” و “تخصصاتهم” المهنية باعتبار ان المقياس الوحيد للتعيينات منذ 2011 هو انعدام الكفاءة (Médiocratie ) وذلك بعيدا قدر الامكان عن الاستحقاق (Méritocratie ).

الواقع المخفي  لـ “وباء” التوازنات المالية

اصدر رئيس الحكومة يوم 14 ماي الجاري منشورا حول إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 لخص فيه خراب التوازنات المالية وهو امر يعلمه القاصي والداني ودعا اجمالا، في اطاره، الى ترشيد نفقات التصرف والتأجير واعادة ترتيب الاولويات بخصوص انجاز المشاريع. وينتظر بالتالي، حسب المنشور، تراجع وتيرة الاقتصاد وموارد الدولة مما يتطلب تعبئة موارد وتمويلات خارجية اضافية يصعب توفيرها لشح السيولة على مستوى الاسواق العالمية وهو سياق “هلامي” لا طائل من اعادة التذكير به باعتبار انه يعني “انقراض” الموارد الذاتية للدولة والتوجه رأسا نحو صنف جديد من الدائنين من مصاصي الدماء ومُبيّضي الاموال والمتاجرين بالأصول المالية للدول والمضاربين وهم كثيرون.

وتأتي مقاربة التقشف المزعومة في سياق مغالطة واضحة اذ انه وبالرجوع الى ارقام البنك المركزي فان القيمة الاجمالية لمدخرات البلاد من العملة الاجنبية ورصيد خزينة الدولة تصل الى نحو 21868 مليون دينار أي ما يعادل 46% من ميزانية العام الحالي دون اعتبار القروض والهبات التي تحصلت عليها الحكومة من كل حدب وصوب في المدة القريبة الماضية لمواجهة تداعيات كورونا والتي تتجاوز 7 مليارات دينار، على اقل تقدير علما ان مليما لم ينفق منها الى حدود اليوم لمساندة الاقتصاد وضعاف الحال.

ومن المغالطات الواردة في منشور التقشف او بالأحرى الاخطاء التي ارتكبها محرروه انه جرى الاقرار حرفيا بأنّ التقارير الاولية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهما اصحاب الحل والربط في تونس، منذ تولي الفخفاخ وزارة المالية في عهد الترويكا والى اليوم، تشير الى ان افاق التنمية لسنة 2020 ستشهد تراجعا في حين ان التوقعات تبرز ان سنة 2021 ستشهد بداية التعافي مما يُفرغ مضمون منشور الحكومة من معناه بالكامل.

وتتواصل المناورات ليدعو المنشور الى “تضافر” جهود الجميع لتخطّي مشاكل المالية العمومية مع الدعوة الى تدقيق المالية العمومية واتخاذ القرارات في شأن المؤسسات العمومية واستمرار تنفيذ الاصلاح الاداري وهو مشروع لم ولن يرى النور مطلقا في غيات الكفاءة والارادة وطغيان منطق تقاسم “الغنائم” والمحسوبية واستشراء سرطان الفساد.

ولتحقيق هذه الاغراض “النبيلة” تمخض الجبل ليلد فارا، اذ تقرر مزيد التحكم وترشيد منحة الإنتاج المسندة للموظفين وتأجيل الترقيات وعدم تعويض الشغورات والسعي لالغاء منح الساعات الإضافية و إعطاء الأولويّة المطلقة للمشاريع وللبرامج السنويّة المتواصلة لاستكمالها وهي المعطلة والمهملة منذ عقد كامل من الزمن.

الفخفاخ يُقدم أولويات الانعاش الاقتصادي

فاقد الشي لا يعطيه…فكيف لحكومة تطالب باقتطاع يوم عمل من أُجراء هم في حكم الفقراء وتلوح باتخاذ اجراءات ضدّ رجال الاعمال إن هم لم “يتبرعوا” وتطرق كل باب لتحصيل الديون تاركة الجباية وبرنامج اصلاحها خلفها ان تتحدث عن برنامج انعاش لأكثر من 400 وحدة انتاجية في مهب الريح ومنصات مساعدة للمهنيين لم تعمل بشكل منتظم لمدة تتجاوز بضع دقائق ؟.

وكشف رئيس الحكومة الياس الفخفاخ عن الخطوط العريضة لبرنامج الانعاش الاقتصادي الذي قال انه يرتكز على تعزيز السيادة الوطنية والامن والحفاظ على النسيج الاقتصادي خاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة والعمل على الانعاش القطاعي والتركيز على القطاعات الاكثر تضررا والمحافظة على مواطن الشغل وتنمية الموارد البشرية ومقاومة التشغيل الهش وخصوصا عمال الحضائر والاساتذة والمدرسين النواب وحل المشاكل العالقة التي حالت دون انجاز المشاريع الكبرى والعودة العادية لنشاط الحوض المنجمي وحقول النفط.

ولكن كلامه لا يمت للواقع بصلة حيث انها وعود واهية بعد ان اصبحت الدولة عاجزة عن انجاز أي مشروع انتاجي و تشغيلي منذ 2011 وبلوغ تعهداتها الخارجية جدار التداين (110%) من الناتج في 2019 حسب البنك الدولي باحتساب ديون المنشآت والهياكل والدواوين العمومية) وهي من المسائل التي يدركها الفخفاخ جيدا لدى تقلده منصب وزير المالية زمن الترويكا ويحاول اليوم طمسها.

ومن المثير للتعجب انه وفي عين العاصفة وبداية تلاشي الاقتصاد المهيكل في تونس، يعرب الفخفاخ عن تعهده بعرض المخطط الخماسي الاستراتيجي لفترة 2021 – 2025 في أوائل سنة 2021 كمنعرج حقيقي للتنمية !


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING