الشارع المغاربي – إمًا‭ ‬ثورة‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التخلف / بقلم: مولدي الأحمر( استاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية)  

إمًا‭ ‬ثورة‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التخلف / بقلم: مولدي الأحمر( استاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية)  

قسم الأخبار

22 مارس، 2023

الشارع المغاربي: يدرك‭ ‬الجميع‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬فداحة‭ ‬المعضلة‭ ‬الإدارية‭. ‬فقد‭ ‬تعرت‭ ‬فكرة‭ ‬مداواة‭ ‬معضلة‭ ‬الإدارة‭ ‬بأدوات‭ ‬الإدارة‭. ‬وتعرت‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الشغل‭ ‬لطالبيه‭ ‬بإدماجهم‭ ‬في‭ ‬إدارتها‭ ‬الفسيحة‭ ‬والمريحة‭. ‬وانكشف‭ ‬طمع‭ ‬السياسيين‭ -‬وهم‭ ‬ممثلي‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬الكبرى‭- ‬الذين‭ ‬اعتبروا‭ ‬الدولة‭  ‬أُمًا‭ ‬ترضعهم‭  ‬وتخصهم‭ ‬بفرص‭ ‬الاستثمار،‭ ‬وكذا‭ ‬السياسيون‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروها‭ ‬إلاها‭ ‬ينعم‭ ‬عليهم‭ ‬بالوظيفة‭. ‬ولأن‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬كان‭ ‬يزداد‭ ‬باستمرار‭ ‬فهي‭ ‬كانت‭ ‬تنتفخ‭ ‬وتكبر‭ ‬باستمرار‭. ‬ولقد‭ ‬ناداها‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬‮«‬أن‭ ‬إطعمي‭ ‬كل‭ ‬الأفواه‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬فطامها‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬قسرا‭ ‬وتلك‭ ‬الجديدة‭ ‬الثائرة‭. ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬مسامير‭ ‬جحا،‭ ‬والدولة‭ ‬المتخلفة‭ ‬توزع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المسامير،‭ ‬وقائدها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكبر‭ ‬المسامير‭ ‬على‭ ‬راس‭ ‬الموزع‭ ‬الأكبر‭ ‬لمسامير‭ ‬جحا‭.‬

صديد‭ ‬إدارتنا‭ ‬قديم‭ ‬مزروع‭ ‬فينا‭ ‬مرتين‭: ‬مرة‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬بنائها‭ ‬أصلا‭ ‬وفي‭ ‬عقول‭ ‬ممثليها،‭ ‬ومرة‭ ‬في‭ ‬هياكلها‭ ‬ومواردها‭ ‬وأدواتها‭ ‬وعلاقاتها‭. ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬التاريخي‭ ‬والسوسيو‭-‬أنثروبولوجي‭  ‬يمثل‭ ‬انتشار‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬البلاد‭ ‬حدثا‭ ‬تاريخيا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬خاص‭ ‬بنا‭ ‬بل‭ ‬بجميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬الانسانية،‭ ‬إلا‭ ‬ربما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬سماها‭ ‬الباحثون‭ ‬المجتمعات‭ ‬الهيدروليكية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬احتاجت‭ ‬فلاحتها‭ ‬المركزة‭ ‬إلى‭ ‬الماء‭ ‬الوفير‭ ‬الذي‭ ‬توفره‭ ‬الدولة‭ ‬عبر‭ ‬إقامة‭ ‬السدود‭ ‬لتحصل‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوظيفتها‭ ‬وعلى‭ ‬الجباية‭.  ‬أما‭ ‬غالبية‭ ‬المجتمعات‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬قبل‭ ‬نشأة‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لوجود‭ ‬إدارة‭ ‬تدار‭ ‬من‭ ‬المركز‭: ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬19‭ ‬كتب‭ ‬غومة‭ ‬المحمودي‭ ‬إلى‭ ‬باشا‭ ‬طرابلس‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬توسيع‭ ‬الإدارة‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬‮«‬‭ ‬أنت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬علينا‭ ‬مديرا‭…‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬عوائدنا‮»‬‭!.‬

لذلك‭ ‬كان‭ ‬توسع‭ ‬الإدارة‭ ‬بمثابلة‭ ‬عمل‭ ‬مُغالبة‭ ‬وإخضاع‭ (‬قال‭ ‬ثوار‭ ‬1864‭ ‬للباي‭ ‬‮«‬ماش‭ ‬تسترعانا‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬ستغضعنا‭!)‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬الإدارة‭ ‬إلى‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬تحطم‭ ‬اقتصادهم‭ ‬القديم،‭ ‬وضعفت‭ ‬مواردهم‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وتفككت‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬حياتهم‭ ‬الجماعية،‭ ‬فأصبحوا‭ ‬عائلات‭ ‬وأفراد‭ ‬شبه‭ ‬متحررين‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬بعينها،‭ ‬ذات‭ ‬هويات‭ ‬شبه‭ ‬ثابتة‭. ‬

وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬الفلسفة‭ ‬الأصلية‭ ‬للإدارة‭ ‬كما‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭  ‬كانت‭ ‬المراقبة‭ ‬الإدارية‭ ‬والأمنية‭-‬السياسية‭ ‬لجعل‭ ‬الضريبة‭ ‬سلسة‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬انتصارا‭ ‬للدولة‭ ‬على‭ ‬المجموعات‭ ‬القبلية‭ ‬والطرقية‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬التخوم‭ ‬ضمن‭ ‬نظام‭ ‬إقتصادي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬التنقل‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭.‬

الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬الحديثة‭ ‬نشأت‭ ‬لتثبت‭ ‬أقدام‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناطق،‭ ‬ولتمكنها‭ ‬من‭ ‬محق‭ ‬‮«‬الشيطان‭ ‬النوميدي‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يسيمه‭ ‬بورقيبة،‭ ‬والتخلص‭ ‬منه‭ ‬نهائيا‭ ‬حتى‭ ‬تسلم‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬الدورة‭ ‬الخلدونية‭ ‬الشهيرة‭ ‬لعمر‭ ‬الدولة،‭ ‬ولتكون‭ ‬بذلك‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬التنموي‭ ‬الناجع‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬البنى‭ ‬القديمة‭ ‬للمجتمع‭ ‬وفق‭ ‬مقولة‭ ‬التحديث‭ ‬والتعصير‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬نخبها‭. ‬وكان‭ ‬بورقيبة‭ ‬قد‭ ‬صرح‭ ‬بهذا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أيام‭ ‬سنة‭ ‬1963‭ ‬في‭ ‬الكاف،‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬عندما‭ ‬جمع‭ ‬أعيان‭ ‬الأرياف‭ ‬وشيوخها‭ ‬وافهمهم‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬بوضوح‭. ‬وبعد‭ ‬125‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬ثورة‭ ‬1864‭ ‬اشتكى‭ ‬لي‭ ‬سنة‭ ‬1989‭ ‬بعض‭ ‬أحفاد‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬غذاهم‭ ‬من‭ ‬كونهم‭ ‬فقراء‭ ‬مهمشين،‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬قارورة‭ ‬غاز‭ ‬بعدما‭ ‬منعت‭ ‬عنهم‭ ‬الدولة‭  ‬التحطيب‭ ‬من‭ ‬الغابات‭ ‬القريبة‭.   ‬

ولأن‭ ‬الدولة‭ ‬الناشئة‭ ‬كانت‭ ‬تتوسع‭ ‬ومشاريعها‭ ‬التنموية‭  ‬تتعدد،‭ ‬فإن‭ ‬أجهزتها‭ ‬المختلفة‭ ‬كانت‭ ‬تتكاثر‭ ‬وتتفرع،‭ ‬فكانت‭ ‬تلتهم‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬المتخرجين‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬ليصبحوا‭ ‬أبناء‭ ‬الدولة‭ ‬توظفهم‭ ‬وتستخدمهم‭. ‬واستمرت‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قضت‭ ‬نهائيا‭ ‬على‭ ‬‮«‬الشيطان‭ ‬النوميدي‮»‬،‭ ‬فكانت‭ ‬تأخذ‭ ‬منه‭ ‬الولاء‭ ‬النهائي‭ ‬وتعطيه‭ ‬الوظائف‭ ‬حسب‭ ‬استعداداته‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬تطبخه‭ ‬وتعصره‭ ‬بقوانينها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يستوعبها‭ ‬ويخافها‭ (‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬تسقط‭ ‬الدولة‭ ‬سنة‭ ‬2011‭)‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬منتفخة‭ ‬ببيروقراطيتها‭ ‬كالضفدعة‭ ‬التي‭ ‬تحاكي‭ ‬البقرة‭.‬

لكن‭ ‬لكل‭ ‬مشروع‭ ‬حدود،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬ينتبه‭ ‬لتلك‭ ‬الحدود‭ ‬يصطدم‭ ‬بحواجزها‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭ ‬ويسقط‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬بمثابة‭ ‬العاصفة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬عرت‭ ‬رياحها‭ ‬خور‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬وفداحة‭ ‬بنيتها‭ ‬التنظيمية‭ ‬والقانونية‭. ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬التي‭ ‬صُممت‭ ‬كذراع‭ ‬مراقبة‭ ‬لصيقة،‭ ‬وكأداة‭ ‬تنفيذ‭ ‬لمشاريع‭ ‬فوقية‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬مداها‭ ‬وأدت‭ ‬مهمتها،‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬تحولت‭ ‬بموجبها‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬المواطن‭ ‬بل‭ ‬تخدم‭ ‬ذاتها،‭ ‬مستعملة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬تحديث‭ ‬عملها،‭ ‬فالإدارة‭ ‬تراقب‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تُراقب،‭ ‬تطلب‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تعطي،‭ ‬تعطل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تسهل‭. ‬ولأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬وحشا‭ ‬مخيفا،‭ ‬واستنفذت‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬البيروقراطية‭ ‬لتستمر،‭ ‬فقد‭ ‬استدعت‭ ‬الرشوة‭ ‬والمحاباة‭ ‬والوساطة‭. ‬فترى‭ ‬مواطنين‭ ‬مرضى‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬الأرياف‭ ‬ويصطفون‭ ‬أمام‭ ‬المستشفيات‭ ‬والإدارات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبيرة‭ ‬منذ‭ ‬الغسق،‭ ‬لكنهم‭ ‬يعودون‭ ‬إلى‭ ‬قراهم‭ ‬آخر‭ ‬الناس‭ ‬مرضى‭ ‬منهكين‭ ‬ومفلسين،‭ ‬ويبجل‭ ‬عنهم‭ ‬أهل‭ ‬وجيران‭ ‬وأصحاب‭ ‬وزبائن‭ ‬الموظفين‭. ‬ولقد‭ ‬صاحوا‭ ‬أثناء‭ ‬الثورة‭ ‬إننا‭ ‬بلا‭ ‬كرامة‭!‬

ولأن‭ ‬نخبة‭ ‬السياسيين‭ ‬الجدد‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الدولة‭ ‬ورضعوا‭ ‬من‭ ‬بيروقرطيتها،‭ ‬وبعضهم‭ ‬حُرم‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬‮«‬خيراتها‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬نضاله‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬استحوذ‭ ‬عليها،‭ ‬فقد‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬يوم‭ ‬سقط‭ -‬على‭ ‬الأقل‭ ‬شكليا‭- ‬النظام‭ ‬القديم‭ ‬عطشى‭ ‬إلى‭ ‬منافعها‭ ‬وبهرجها‭ ‬و»مساميرها‭ ‬الوظيفية‮»‬‭. ‬وهكذا‭ ‬قاموا‭ ‬بأكبر‭ ‬حماقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬سياسي‭ ‬ضيق‭ ‬الأفق،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬وزعوا‭ ‬على‭ ‬أتباعهم‭ ‬مسامير‭ ‬جحا‭ ‬بلا‭ ‬حساب،‭ ‬فضاعفوا‭ ‬بذلك‭ ‬أزمة‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬وأطالوا‭ ‬عمرها‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬بعيد،‭ ‬ثم‭ ‬وعدوا‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬التونسيين‭ ‬بغد‭ ‬مشرق‭.‬

واليوم‭ ‬تحمل‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬جسدها‭ ‬أمراض‭ ‬الإدارة،‭ ‬وتعمل‭ ‬الإدارة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬قياسها،‭ ‬فتعطل‭ ‬التنمية،‭ ‬وتنغص‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬حياتهم‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬فيه‭ ‬تعميم‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬إطلاق،‭  ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬نادر‭ ‬جدا‭ ‬ما‭ ‬يخرج‭ ‬مواطن‭ ‬تونسي‭  ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬تونسية‭ ‬له‭ ‬معها‭ ‬معاملة‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يسب‭ ‬ولا‭ ‬يلعن‭ (‬في‭ ‬بلدية‭ ‬نابل‭ ‬موظف‭ ‬الاستقبال‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يوزع‭ ‬أرقام‭ ‬المعاملات‭ ‬ويتلاعب‭ ‬بها‭ ‬وليس‭ ‬آلة‭ ‬إلكترونية‭ ‬لا‭ ‬تتفرس‭ ‬في‭ ‬الوجوه‭). ‬والإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬متخلفة‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬القوانين‭ ‬البالية‭ ‬والروتين‭ ‬القاتل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬الموظفين‭ ‬التونسيين‭ ‬لم‭ ‬يربوا‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمة‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مراقبة‭ ‬المواطن‭ ‬وممارسة‭ ‬السلطة‭ ‬عليه‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬ممكنة‭: ‬‮«‬نخدم‭ ‬عندك‭ ‬أنا؟؟؟‭!!!‬‮»‬‭. ‬إن‭ ‬مقتل‭ ‬الثورة‭ ‬وأملها‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الإدارية‭ ‬أيضا‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 مارس 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING