الشارع المغاربي: لقد اقدمت الدولة التونسية في سبتمبر 1857 على اصدار قانون عهد الامان الذي تلخص في 11 بندا. وقد كان هذا الاعلان تحت ضغط القوى الاوروبية بل بإملاء منها. فالبنود هي خلاصة مطالب فرنسا وبريطانيا. وقد تمخضت عن هذا العهد قوانين اهمها المجلس الاكبر ومجالس الاحكام العرفية وتأسيس الضبطية (1860) لتكون بذلك الجهاز الامني لحفظ امن الحاضرة ثم تعميمه على العديد من المناطق الاخرى الى جانب اعلان دستور 1861. وفي افريل 1864 اندلعت انتفاضة علي بن غذاهم لتهدد اسس دولة الباي والمؤسسات الجديدة. ويبدو ان من كانوا وراء احداث هذه الاصلاحات هم من عمل على ايقاف العمل بها ونقصد هنا اساسا فرنسا. وهذا النص المرفق هو محضر جلسة بين قنصل فرنسا ومن رافقه الى مقابلة الباي يوم 29 افريل: ننشر اليوم هذا النص الذي يرى النور لأول مرة. ولنفهم أهمية ما ورد فيه وحيثيات اللقاء ومدى تأثيره على سياسة الباي نقول إن إيقاف العمل بالدستور والمجالس كان يوم 30 افريل يعني في اليوم الموالي مباشرة لنعلم مدى قوة السياسة الفرنسية في توجيه الباي ودولته.
“الحمد لله يوم 23 الجمعة من قعدة سنة 1280 الموافق ليوم 29 من افريل سنة 1864 باقي 2.5 لنصف النهار تقريبا.. أتى قنصل الفرنسيس ومعه الكثير من امراء ومعين المرشال ومسيو مولان والمترجم الثاني بالقنصلات مسيو بنج وانفار فسيالات الدونالمة والقايمقام كامبنو من غير ان يتقدم منه اعلام بالقدوم كما هو العادة بحيث انه لم يقع الشعور بقدومه الا وهو بوسط صحن السرايا فتلقاهم الكونت السيد فنيكس راف امير لواء وادخلهم للقلارية وجلسوا هناك وسألهم عن سبب القدوم فاجابه القنصل باني قدمت لمقابلة الباي فعند ذلك استأذن الكنت عنهم وعما قريب صدر الاذن بالدخول لمقابلة الملك فدخل السيد الكونت بهم للمحل الذي قابلهم به الملك وهو مقصورة بيت الملك فوجدوا مولانا على الهيئة التي يقابل بها امثالهم على العادة ومعه الوزير على العادة وتلقاهم كذلك فسلم على القنصل والامرال ومن عطف عليهم على العادة وعرف القنصل بهم لدى سيدنا على العادة من غير تنقيص بشيء ثم [لا قصر] سيدنا اراد وهو قائم على العادة وهي وقوف حذو الكراسي ان يجلسوا والوزير اذ ذاك واقف حذو مولانا كما هي العادة والسيد الكونت واقف بمحله المعتاد (واقف امام مولانا وعلى يسار القنصل على العادة) وحاله غير الحال المعتاد من امثاله وقبل ان يتكلم مولانا بالاذن بالجلوس تكلم القنصل بقوله جيت لاتكلم مع سيادتك في امور مهمة ونشتهي ان نتكلم معك وحدك ولما لم تكن هذا المطلب من الامور المعتادة كان فهم مولانا لم يسرع لمعرفة المراد ولذلك لبث هنيئة عن رد الجواب فاعاد القنصل مطلبه بقوله نشتهي ان نتكلم معك من غير حضور الوزير فاجابه مولانا بقوله تسامحني لا يمكن لي ان اخرج وزيري ولك الخيار في الكلام فقال القنصل حيث كان الامر هكذا نتكلم حينئذ فهم مولانا بالجلوس على العادة واشار لهم بالاذن بالجلوس على العادة وجلسوا ولما صدر من القنصل طلب المقابلة من مولانا وحده تخيل السيد الكنت انه ممن لا يريد القنصل حضوره فتأخر خطوات ثم زاد في التأخر الى ان استقروا في اماكنهم ونادى مولانا الكنت ثم ناداه القنصل بقوله مسيو راف فالتفت السيد الكنت وبمجرد التفاته رأى الوزير لم يزل قائما وانه اراد ان يجلس في الجهة التي على يمين مولانا وانه التفت نوع التفات ليتحقق الكرسي فعمد كامبنو وهو جالس آخر الجماعة الى كرسي كبير كان حذوه وتحرى من ذكر من كرسييه وحرك الكرسي حركة عنيفة ودفع الكرسي بعنف لجهة الوزير وقال له بالعربي انا مانيشي عدوك ولما كان دفع الكرسي على وجه عنيف وضع الوزير يده على الكرسي لإيقافه في المحل الذي وصل له الكرسي وليسويه للجلوس على عادة من يريد الجلوس والتفت الى السيد كامبنو وتبسم وجلس وبمجرد جلوس الوزير كان السيد الكنت واقفا في محله على العادة امام مولانا فقا له القنصل مسيو راف اني لم اقصدك انت لانك المترجم وحضورك لازم وشرع في الكلام بما حاصله اني كنت خاطبتك سابقا فيما نريد ان اخاطبك به الان واجبتني بقولك هل عندك اذن من الدولة في هذا الكلام وهذا الامبراتور بعث لك الامر البدونالمة لاعانتك وتصديقا لما قلته لك [فتكلم الامرال بما حاصله ان الامبراتور لعلمه باني] فنظر الامرال للقنصل حينئذ وقال له ان الامبراتور اختارني لمقابلته يعني مولانا ليعلمه باني حبيبه فقال القنصل حيث نطلب منك على لسان الامبراتور انك تبطل الكونستيتسيون لانها انتجت ضرورة لبلادك ولنفسك والامبراتور يشتهي انك تكون حاكم في نفسك وحاكم في بلادك ونعرفك انه اذا اتتك مركب لعمل الكونستسيون فقد اتتك الآن اربع [مراكب] اجفان فان لم تكف نبعث ثمانية فان لم تكف نبعث اثنى عشر واكثر واذا كان القايم مقام فرانسا غلطوه واغلصك حتى طلب عمل الكنستيتسيون فانا القايم مقام فرنسا الان تطلب ابطال ذلك فاجابه سيدنا بقوله لست انا الذي اعطيت الكنستيتسيون والذي اعطاه هو اخي بسبب مطلب القنصل والدونالمة التي معه ولما اتت بعده لزمني ان نتمم ونلتزم بما التزم به اخي والقوة التي الزمتنا للكونستيتسيون تلزمنا لابطاله ثم اشار مولانا بيده لما يقتضي ان الكونستيتسيون الان اقتضى الحال توقفه ونطلب ايضا تبديل المامورين في مباشرة الخدمة والسياسة والمفهوم من لفظ ادمينستراسيون هو الوزراء المفوض لهم فاجابه مولانا باني لا استطيع في وقت صعب مثل هذا وفي وقت تحيير مثل هذا نبدل فيه وزرائي ولا تظن ان بلادنا [لما في ذلك من زيادة حيرة] فيها كثرة حذاق مثل فرنسا حتى يتيسر اخراج اناس والاتيان بغيرهم بل هؤلاء الناس المباشرون قليلون واذا اخرجتهم لا نعرف اناسا تقوم بخدمتهم وهؤلاء الناس لي حاجة بهم لاخراج البلاد من هذه الحيرة فقال له القنصل في كل بلاد يقع فيه مثل ما وقع فاول دواء هو تبديل الوزراء لان الوزراء الذين تصرفهم كان سببا للحيرة لا يتيسر رفع الحيرة على ايديهم بل لا يرتفع الا على يد غيرهم [واذا لم تكن لك معرفة برجال يصلحون فانك اذا سرحتني لتسمية من يصلح نسمي لك واذا قبلت الرجال الذين نسميهم لك فان جميع هؤلاء الفيسيالات الذين هنا والامبراتور وجميع فرنسا يقفوا عند اكتافهم في اعانتهم لتنال النصر والذكر الجميل وهذه الاعانة التي وجهها الامبراتور لك اذا لم تقبل رايه ربما يفوت الوقت واذا فات الوقت ربما انها لا تنفعك فاعاد مولانا شكر الامبراتور على الاعانة وقال له لست باحسن من الملوك الذين ذهبوا وانا تحت حكم الله واشار بيده الى السماء] فقال له مولانا اي ذنب لهؤلاء الناس الذين اجتهدت في اخراجهم فقال ذنبهم انهم اغنياء والدولة فقيرة وتركوا الدولة بغير قوة لوقت مثل هذا حتى انها لا تجد عسكرا ولا ما يلزم فانك لما اردت جمع العسكر لم تجمع الا خمسمائة عسكري واشار بيده لمحل المحلة وبلغني ان بعضهم هرب ولاجل ذلك يلزمك انك تبدلهم فاعاد مولانا جوابه بقوله اني في هذا الوقت لا يتيسر لي تبديل وزرائي وتعلم اني في وقت الراحة يتيسر لي تبديلهم كلهم او بعضهم فقال القنصل نطلب منك انك تعطيني جوابا رسميا على هذا فاجابه مولانا بقوله ان اردت الجواب الرسمي فاكتب لي اجيبك وهذه الطريقة المعتادة فقال القنصل وانا صادق وهذا الكلام الذي قلته على لسان الامبراتور هو كلام رسمي ونطلب جوابك لان عندي افيزوا فابور نريد ان نوجهه اليوم للامبراتور بما تجيب به [فقال له مولانا دام عزه انا لم اكذبك وانك صادق وانا صادق وبمقتضى ذلك اجبتك شفاها عما عرضته علي شفاها فان اردت فاكتب وياتيك الجواب كتابة] لانك اذا جاوبتني على نحو ما قلت نعلم ان ذلك جواب وزرائك وانا لا اريد جوابهم بل لا نريد الا جوابك انه رايي والان تكلم الوزير بقوله سنيور راف قل يكتب جواب وسيدنا يجاوبه فقال له القنصل اني لست نتكلم معك وانما كلامي مع سيدنا واعرف ان جميع هذه المضرة منك والوم الذي تبزع والذي يتبزع تجاوب عليه انت ثم التفت القنصل لسيدنا وقال له ما هو جوابك فقال هو ما اجبتك به [وهذا اخر الكلام عندي وظهر عليه انه لا يستطيع زيادة الجلوس ولا الكلام وهم بالقيام وقام الجماعة وسلموا عليه بسبب ما ظهر عليه هو ما صدر من كامبنو] لما تكلم الوزير بما تقدم شرع كامبنو باساءة الادب بكلام منه وهيئته بيده وذاته كلها حتى هم سيدنا بالقيام وقام الجماعة وسلموا على مولانا ومشى مولانا ونادى الوزير ولم يزل كامبنو يتبع اثر الوزير حتى قرب منه وكان السيد الكنت واقفا بينهما والامرال ساكت في جميع كلام القنصل الا ما نقل عنه يمناه وكل من القنصل والامر الاسكتو كامبنو [من تلقاء انفسهم ولاجل طلب الوزير منهم ذلك ولم يجب الوزير كامبنوباكثر من قوله اني لا اريد ان اخاطبك] فلم يسكت ولم يزل كامبنو يرفع صوته الى وصل الوزير قرب المقصورة بكلام حاصله سوء ادب لا يسوغ لاحد ان يتكلم به امام الباي”.
الارشيف الوطني التونسي