الشارع المغاربي – استبداد الأحزاب واللوبيات... دمّر البلاد ! /بقلم: جمال الدين العويديدي

استبداد الأحزاب واللوبيات… دمّر البلاد ! /بقلم: جمال الدين العويديدي

قسم الأخبار

24 أبريل، 2021

الشارع المغاربي: تسارع الأحداث الأخيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس يؤكد أن البلاد أصبحت في مهب الريح أمام حالة إفلاس مالي واقتصادي مؤكدة وشعب مفقر وجائع وأعزل أمام أعتى جائحة في تاريخ العالم وأمام صراعات سياسية عبثية خارجة عن الزمان والمكان ولا تمت لواقع البلاد بشيء.

لقد عاشت تونس منذ جانفي 2011 إلى اليوم كابوسا من الوعود الزائفة والمحسوبية والتهافت على السلطة بصفتها غنيمة والاستخفاف باستحقاقات الشعب وخرق الدستور الجديد منذ انطلاقه عبر التقاعس الممنهج عن تركيز المحكمة الدستورية مما جعل المجال مفتوحا لكل التجاوزات لتمرير كل القوانين التي دمرت اقتصاد البلاد وكرست الإفلات من العدالة داخل مجلس نواب الشعب وخارجه واعتمدت سياسة الولاءات عوض تكريس سياسة المواطنة بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

دولة تسير بميزانية سنوية أولى تجاوزتها الأحداث حيث افترضت سعر البترول في حدود 45 دولارا للبرميل وقد بلغ مؤخرا قرابة 76 دولارا لبرميل “البرنت” والحال أنها غير مستكملة التغطية بنسبة تناهز %35 لعجزها عن توفير القروض الداخلية والخارجية اللازمة. دولة وعدت بتقديم ميزانية تكميلية جديدة في مُوفّى شهر مارس ولليوم ما زالت عاجزة.

وأخيرا دولة في هذه الحالة تشكو من عجز تجاري في الثلاثي الأول لهذه السنة في حدود 6,4 مليارات دينار منها قرابة مليار دينار لتوريد السيارات الخاصة من بينها السيارات الفخمة جدا معروضة في البحيرة في حين يئن شعبها من الجوع ولم يتحصل على اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19 مثل بقية شعوب العالم.

هذا ما زرعت الأحزاب السياسية واللوبيات المستبدة على مدى عشرية كاملة وهذا ما كان الحصاد

كانت لما شهدت الساحة السياسية من تجاذبات حادة وعقيمة سواء كانت على مستوى مجلس نواب الشعب أو على مستوى الحكومات التي تداولت على السلطة بينها وبين رئاسة الجمهورية وما جرى من تلاحم بين رموز التهريب والفساد وأباطرة المال والأعمال مع الأحزاب السياسية تداعيات وخيمة أدت في النهاية إلى نفور غالبية الشعب التونسي من الشأن السياسي تجلى عبر تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات المتتالية.

إن غياب المحكمة الدستورية في الأجل المحدد دستوريا بحلول جانفي 2015 في علاقة طغت عليها المحسوبية السياسية للتنصل من كل قيد مكنت الأحزاب التي فازت في الانتخابات التشريعية والرئاسية في سنة 2014 من تمرير كل القوانين المبرمجة خارجيا وداخليا والتي تتمحور بالأساس حول التمكين الاقتصادي خاصة في القطاعات الواعدة مثل الطاقات المتجددة والتمكين السياسي لتسهيل عمليات التدخل العسكري في المنطقة وتوسيع دائرة التطبيع.

أبرز قرار تم توقيعه على المستوى الخارجي يتعلق بقرار واشنطن بمنح تونس مكانة “‘شريك غير عضو في الحلف الأطلسي” إثر الزيارة التي قام بها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في شهر ماي 2015 إلى واشنطن. وقد أثارت هذه المسألة الكثير من الجدل في تونس وخارجها وخصوصا في المحيط المغاربي حيث أثار توجس الأشقاء الجزائريين. هذه المسألة ذات البعد الاستراتيجي الهام تم اتخاذها دون مشورة شعبية ودستورية.

كذلك الشأن حول فتح المفاوضات أمام مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق تحت ضغط شديد من طرف الاتحاد الأوروبي الذي عقد العزم على ضم تونس نهائيا لفضائه الحيوي عبر فتح كل القطاعات الفلاحية والخدماتية وتغيير كل القوانين الوضعية والاقتصادية على مقاس القوانين الأوروبية للحيلولة دون تدخل قوى بارزة جديدة دولية وإقليمية سعيا للاستفراد بأسواق منطقة جنوب وشرق المتوسط. غير أن الحزبين الحاكمين النداء والنهضة فضّلا أن تبقى اياديهما طليقة لتسهيل تمرير الاتفاق ضد إرادة الشعب.

أما على المستوى الاقتصادي فإن غياب المحكمة الدستورية فتح الباب على مصراعيه لتمرير كل القوانين التي كبلت الدولة وعمقت المديونية وأوصلت البلاد إلى حالة الإفلاس.

من هذا الباب جاء التصويت على قانون البنك المركزي في أفريل 2016 الذي سحب هذه المؤسسة السيادية من أيدي السلطة الوطنية لتصبح الدولة رهينة عند البنوك الخاصة التي سيطرت عليها البنوك الأجنبية عبر الخصخصة والتي أصبحت تتحكم في تمويل ميزانية الدولة بنسبة فوائد مجحفة تدفع من الخزينة العمومية.

كما تم تمرير كل القوانين المتعلقة ببنود مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق “أليكا” التي مهد لها الاتحاد الأوروبي منذ أن تم الاتفاق على فتح المفاوضات في سنة 2015 وتم تحديد برنامج التوقيع عليها في نهاية سنة 2019 حيث تم تمرير القانون الجديد للاستثمار الذي فتح المجال بالكامل لتمكين بلدان الاتحاد الأوروبي من الاستثمار في قطاعات الفلاحة والخدمات بعدما كانت حصريا في قطاع الصناعة. كما تم تمرير قانون الصحة والسلامة النباتية حسب المواصفات الأوروبية مما سيدفع نحو منع المنتوجات المحلية في السوق الداخلية لعدم مطابقتها تلك المواصفات. وهي خطوة تتناقض مع المصالح العليا للبلاد.

لابد من دفع شعبي قوي، سلمي ومنظم لرسم خيارات مصيرية لإنقاذ البلاد

الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تفاقمت ووصلت إلى نهايتها حيث تحولت تونس الاستقلال والعزة إلى حالة لادولة ومرتعا للفساد والفوضى والتسيب هجرها شبابها المثقف ويهان فيها دكاترتها ونخبها. والجمهورية الثالثة على الأبواب وحسمها لصالح استقلال وسيادة البلاد والشعب لن يكون إلا عبر تحرك شعبي قوي ومنظم لفرض خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية وطنية عبر رؤيا استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار التحولات الكبرى في عالم ما بعد جائحة كورونا لكي تضمن لشعبها وأجيالها غدا مشرقا وأفضل وما ذلك بعسير لو توفرت الإرادة السيادية الهادفة.

نُشر بأشبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 20 افريل 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING