الشارع المغاربي – الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تونس: ‬ظاهرها‭ ‬صراع‭ ‬وباطنها‭ ‬ضياع/ بقلم‭: ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬العويديدي

الأزمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬تونس: ‬ظاهرها‭ ‬صراع‭ ‬وباطنها‭ ‬ضياع/ بقلم‭: ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬العويديدي

قسم الأخبار

6 أبريل، 2022

الشارع المغاربي: الزيارة التي قام بها “مُفوّض الاتحاد الأوروبي للتوسّع وسياسة الجوار” ” أوليفييه فارهيليي” لتونس يوم 29 مارس 2022 تحمل في مضمونها الصورة الحقيقية للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها بلادنا منذ عدة عقود.

توقيت الزيارة وبرنامج اللقاءات والزيارات والتصريحات التي قام بها المفوض الأوروبي تُبين مدى تبعية وهشاشة الوضع في تونس. كما تُبيّن مدى حاجة البلاد المُلحّة اليوم لبناء الوحدة الوطنية بصفتها صمام الأمان للذود على السيادة الوطنية والعمل على رص الصفوف لمجابهة الوضع الخطير الذي تمر به تونس في خضم ما يجري في العالم من تحولات هامة ومصيرية.  

أما عن التوقيت، فقد جاءت هذه الزيارة إثر اندلاع الحرب الروسية-الأطلسية بالوكالة عبر زج أوكرانيا في حرب مع روسيا، وذلك في خطوة استباقية للحفاظ على المصالح الأوروبية التي تعيش هزات كبيرة في العديد من المناطق وخاصة منها المنطقة الافريقية والعربية شملت كلا من مالي وليبيا والسودان وغيرها.

اللقاء الشهير الذي جمع بين فلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون في موسكو مع بداية الأزمة الأوكرانية تعرض حسب بعض التسريبات المُؤكّدة لما يجري في مالي من فرضية تدخل روسي عبر شركة “فاقنر” “Wagner” الذي يعتبرها الحلف الأطلسي الذراع المُسلح لروسيا وهو ما تنكره هذه الأخيرة. الفريق الذي سيطر مؤخرا على السلطة في مالي والذي تجرأ على طرد السفير الفرنسي بات يؤرق الطرف الفرنسي ومن روائه بلدان الاتحاد الأوروبي. 

ما جرى من تغيرات على رأس السلطة في غرب القارة الافريقية في المدة الأخيرة وخاصة في مالي وإفريقيا الوسطى   وما تخشاه فرنسا من عدوى قريبة ومُحتملة في بوركينا فاسو والنيجر والتشاد نتيجة تغلغل النفوذ الروسي مُستغلاّ الحملات الشعبية الافريقية المناهضة لاستغلال ونهب الثروات في المنطقة من طرف الدول الغربية بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة، دفع بلدان الاتحاد الأوروبي إلى التحرك لصد المد الروسي في هذه المناطق. إذا ما أضفنا على ذلك التدخل في ليبيا وفي السودان يبدو أن زيارة المُفوّض الاتحاد الأوروبي جاءت متأخرة لأن الوضع في تونس يمكن أن يخرج عن السيطرة في أي وقت نظرا لتدهور الوضع الاجتماعي في البلاد التي تعيش كارثة الهجرة السرية شبه يومية في صمت محلي وأوروبي مؤلم وفظيع. مع العلم أن هذه الهجرة تشمل التونسيين والأفارقة.

أما على مستوى اللقاءات والتصريحات فقد حملت هذه الزيارة مضامين ذات بعد استراتيجي وعملي يدخل في خانة الاهتمام بمصالح البلدان الأوروبية في المنطقة بشقيها “المغاربي والمشرقي ” كما أكد على ذلك المفوض الأوروبي في تصريحه. حيث علاوة على لقائه مع رئيس الجمهورية ومع رئيسة الحكومة، تقابل المفوض الأوروبي مع وزير الدفاع التونسي ومع وزير الداخلية حيث زار وحدة الحرس الوطني البحري للاطمئنان والتأكد من حسن سير حراسة السواحل التونسية لصد الهجرة السرية نحو السواحل الإيطالية التي تُعتبر من الاهتمامات الكبرى لبلدان الاتحاد الأوروبي كما أكد على ذلك ” أوليفييه فارهيليي” إثر لقائه بوزيري الدفاع والداخلية.

كما قام بلقاء مع وزيرة المالية ومع وزير الشؤون الخارجية. وختم سلسلة لقاءاته مع محافظ البنك المركزي يوم 30 مارس 2022 حيث صرح أنه كانت لديه “محادثات جيّدة معه حول الوضع المالي في تونس”، والحال أن الوضع المالي في البلاد ينذر بمخاطر عالية لإمكانية عجز البلاد عن تسديد الديون الخارجية في آجالها كما يتأكد من التصنيف السيادي الأخير لوكالة فيتش راتين”. 

تصريحات أقل ما يقال فيها أنها خادشة للكرامة الوطنية

من هذا المنطلق تتالت تصريحات المفوض الأوروبي للإعلان عن تقديم قروض لتونس من بينها هذا المثال:

« Nous voudrions vous aider avec un autre 20 millions d’euros pour parvenir à ce que les gens aient du pain sur la table, même pendant le Ramadan et après. Parce que sans le pain, il n’y a pas de vie, donc il faut ramener le pain à table»

https://ec.europa.eu/commission/commissioners/2019-2024/varhelyi/announcements/remarques-du-commissaire-oliver-varhelyi-apres-sa-rencontre-avec-le-president-tunisien-kais-saied_en

هذا وأكد “لقد دفعنا منذ بضع أسابيع 50 مليون يورو لدعم ميزانية الدولة ونحن مستعدون على الاستمرار على هذا النحو “. مع الملاحظ أن هذه المبالغ غالبا ما تُدفع إما لسداد أقساط ديون أو للتغطية على مشتريات خارجية طارئة (مثل التزود بالحبوب). وهي غالبا ما تكون قروض مشروطة بضرورة شراء بضائع أوروبية. كما أضاف ” أن الاتحاد الأوروبي يود أن يستمر مسار الإصلاحات، وبهذه الطريقة نحن نعد بتقديم 150مليون يورو كما جهزنا 100 مليون يورو إذا تحققت الإصلاحات طبقا “للأجندة” المُتّفق عليها منذ سنة. كما أضاف ” نحن مستعدون تمامًا، حسب التقدم الذي سيتم إحرازه مع صندوق النقد الدولي، لتعبئة دعمنا المالي الكلي البالغ 300 مليون يورو”. وهذا في حد ذاته اعتراف واضح أن الاتحاد الأوروبي يعتبر المنسق المباشر لضغط صندوق النقد الدولي على الحكومات التونسية بوصفه المستفيد الأول من الاصلاحات المطلوبة والتي عرج عليها المفوض الأوروبي في تصريحه التالي. حيث أكد “نحن على استعداد لتعبئة حوالي 4 مليارات يورو لاستثمارات تدفع النمو والتشغيل وذلك تركيز الاقتصاد على الخطة الجديدة التي ستمنح طاقات متجددة لتونس”.

 وهذا هو بيت القصيد حيث يحرص الطرف الأوروبي على فتح المجال للشركات الاوروبية للاستثمار في الطاقات الشمسية المتجددة وهو ما تم له ذلك إثر التوقيع على لزمات هامة منذ أكثر من شهر. ومن المعلوم أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا تعتبر من البلدان التي تتسابق للفوز بلزمات الطاقات المتجددة في تونس وسوف يستمر الضغط خاصة بعد الازمة الأوكرانية التي اندلعت مؤخرا.

خلاصة القول أن الاتحاد الاوروبي يدافع بكل حنكة وتمرس على مصالحه في منطقة جنوب المتوسط ويعتبر تونس  الحديقة الخلفية للاتحاد الأوروبي حيث يستثمر في ورشات المناولة بأبخس الاثمان والتكاليف زيادة على الإعفاءات الجبائية والاجور المتدنية بالدينار المنهار. زيادة على المناولة حدد الاتحاد الأوروبي لقطاع السياحة دورا كبيرا لا يتناسب مع مداخيله حيث نصيب هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي التونسي لا يفوق %5 (سياحة ومطاعم). في الوقت نفسه أطاح بكل النسيج الصناعي المحلي في القطاع العام والخاص الذي كان يمثل أكثر من %30 من الناتج المحلي سابقا ليتدحرج إلى %13 حاليا فقط.  

الحكومة مطالبة ببث روح التعويل على الذات واتخاذ إجراءات عاجلة وفاعلة لدفع ا لاقتصاد الوطني

أمام هذا الوضع غير المتكافئ تبدو الحكومة في حالة جمود حيث لم تبادر باتخاذ قرارات جريئة لدفع النمو الاقتصادي.  كما يتجلى ذلك من خلال نتائج التجارة الخارجية لشهري جانفي وفيفري 2022 حيث بلغ معدل العجز التجاري 2,33 مليار دينار شهريا وهو نفس المستوى الذي كان عليه في سنة 2021 حيث ارتفع العجز التجاري إلى 29 مليار سنة 2021.

في هذا الباب نلاحظ أن الحكومة الحالية خرقت الفصل 57 من قانون المالية لسنة 2022 المتعلق بترشيد التوريد حيث لم تنفذ منه شيئا رغم إلزاميته. هذا علاوة على أنه تم تقويضه من أصله عبر إعفاء المنتوجات الأوروبية من تطبيق هذا الفصل والحال أنها تعتبر المنافس الأكبر في السوق المحلية. 

كما كان من لزاما على الحكومة ان تبادر منذ سبتمبر الماضي بالعناية بإنعاش الاقتصادي المحلي المنتج خاصة في القطاع الفلاحي عبر التركيز على إنجاح كل الموسم الفلاحية في كل القطاعات مثل الزراعات الكبرى والعناية بغابات الزيتون وبزراعة الخض والغلال لتأمين الأمن الغذائي في البلاد. وذلك عبر تنشيط دور المندوبيات الجهوية للفلاحة وعبر توفير السيولة المالية للفلاحين في القطاع العمومي والخاص وخاصة لصغار الفلاحين لتوفير البذور والأسمدة والأدوية.

كما كان لزاما تكليف وكالة النهوض بالصناعة للقيام بجرد كامل في كافة المناطق الصناعية في كل أنحاء البلاد لإحصاء كل الشركات الصناعية المعطلة عن العمل وتقييم مدى قدرتها على استعادة نشاطها عبر دراسات دقيقة وسريعة مع العمل على التحكم في كلفة الإنتاج بجميع عناصرها مثل الطاقة وتوفير السيولة المالية الداخلية التي يمكن للبنك المركزي التونسي أن يوفرها بشروط ميسرة لا تتعدى %3 سنويا مثلما هو معمول به في كافة أنحاء العالم خاصة بعد جائحة كورونا.

كما يجب العمل على توفير الأسواق سواء منها الداخلية أو الخارجية خاصة عل مستوى السوق الجزائرية والسوق الليبية حيث يمكن الاتفاق المغاربي من خلاص المبادلات التجارية على مستوى البلدان الثلاثة بالعملات المحلية أي بالدينار الليبي أو الجزائري أو التونسي وهي فرصة ذهبية لتسهيل التزود بين البلدان الثلاثة بالنظر إلى شح الموارد بالعملة الأجنبية في ظل الأزمة العالمية الحالية.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 أفريل 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING