الشارع المغاربي – الاستشارة الالكترونية: الغموض والعقبات أكثر من الوضوح والتسهيلات / محمد الجلالي

الاستشارة الالكترونية: الغموض والعقبات أكثر من الوضوح والتسهيلات / محمد الجلالي

قسم الأخبار

7 يناير، 2022

الشارع المغاربي: مع حلول سنة 2022 أعلنت حكومة نجلاء بودن عن انطلاق المنصة الالكترونية للاستشارة الشعبية الموسعة في نسختها التجريبية حتى «تمكن الشعب من التعبير عن رأيه دون التعقيدات الفنية» كما سبق للرئيس قيس سعيد ان عرّفها في خطاب يوم 13 ديسمبر الماضي. استشارة الكترونية أراد لها سعيد ان تفسح المجال أمام المواطنين للولوج الى موقع الكتروني للإجابة عن أسئلة دقيقة وإبداء آرائهم في قضايا تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والمالية والتنموية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية. فإلى أي مدى يمكن لموقع افتراضي ان يساهم في تحديد ملامح أنظمة سياسية وانتخابية وسياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وصحية ملائمة وعاكسة لإرادة التونسيين؟ وهل كان الاختيار على الأنترنت موفقا لاستفتاء التونسيين في ملفات مصيرية وحارقة؟ وهل تم اتخاذ الاحتياطات التقنية واللوجستية لاستيعاب كم هائل من البيانات وتحصين معطيات التونسيين الشخصية من القرصنة والتلاعب؟ وكيف سيتم التعاطي مع ملايين الآراء والاجابات؟ وماذا يعني التأليف بين هذه الآراء؟ وطيف سيتم اختيار اللجنة التي ستنهض بمهمة التأليف؟

تؤكد منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في دراسة بعنوان « وعود الديمقراطية الالكترونية وحدودها» ان الاستشارة الالكترونية الناجحة تنبني على مقومات أساسية. منها الانطلاق المبكر في التحضير وتحديد المعطيات التي سيتم توفيرها للجمهور المستهدف وتسلح السلطة بإرادة قوية وواضحة مع تفسير الهدف من الاستشارة وحماية معطيات المشاركين الشخصية وأقلمة موضوع الاستشارة مع الجمهور المشارك واخضاع النسخة الالكترونية للاختبار قبل اطلاقها للتأكد من سلامة البرمجيات وجاهزية الأسئلة وحسن استقبال الأجوبة واجراء حملة إعلانية واسعة لإعلام الناس بانطلاق الاستشارة وتوفر موارد بشرية ولوجستية وخبرة كافية لمعالجة البيانات والتأليف بينها في وقت وجيز وتأمين نشر نتائج الاستشارة بعد مدة قصيرة من انتهائها.

عقبة أول يوم

وفي أول يوم للمنصة الالكترونية جوبه مرتادي الموقع بانه «يتم حاليا القيام بعمليات بيضاء بدور الشباب في 24 ولاية لمدة أسبوعين «وان «المشاركة ستفتح للعموم بداية من يوم 15 جانفي 2022». هذه الإجابة تطالع كل من يبتغي التسجيل بمنصة الاستشارة الالكترونية للإدلاء برأيه في القضايا المصيرية التي يريد لها الرئيس سعيد ان تحظى باهتمام واسع لرسم ملامح بلد يحترم مواطنيه ويسمح لهم بالمشاركة في بنائه. ومنذ البداية شهد المشروع تأخرا وارتباكا بما ان الاستشارة الالكترونية لن تنطلق الا في النصف الثاني من شهر ج

انفي على خلاف ما أعلن عنه سعيد في خطاب الإجراءات السبعة. ولم يصاحب التأجيل أي تفسير حكومي للأسباب بل كانت الضبابية سيدة الموقف وكان الصمت الرسمي مصدرا لدى البعض للجدل والتشكيك في جدية مسار «الديمقراطية الالكترونية» التي يريد لها سعيد ان تساهم في بلورة تصور جديد في مختلف الأصعدة. ولا يزال الغموض يلف جاهزية الموقع الالكتروني لاستيعاب ملايين الإجابات المنتظرة وقدرته على تخزينها وحمايتها من أي تلاعب قد يطرأ عليها حتى لا يتكرر سيناريو منصة EVAX.TN المعدة لتسجيل الملقحين ضد فيروس كورونا بعد ان تم اختراقها والاطلاع على معطيات ملايين المسجلين. بل يخشى بعض المتابعين ان تكون بياناتهم الشخصية عرضة للاستغلال من قبل شركات دولية مختصة في المنظومات الإعلامية بحكم سيطرتها على قطاع تخزين البيانات.

شهران فقط

ويفترض حسب خارطة الطريق التي حددها سعيد ان تدوم الاستشارة 65 يوما فقط سواء عبر المنصة الالكترونية او التفاعل المباشر مع اراء الناس في المعتمديات. وفي هذه المدة الوجيزة سيتم سبر اراء الشعب بمختلف مشاربه واطيافه وفئاته في أي نظام سياسي يريد واي نظام انتخابي يراه مناسبا وعن اي منوال تنموي يبحث واي منظومة مالية يبتغي واي سياسة صحية واجتماعية وثقافية يختار. ويفترض ان تكون إجابات ملايين التونسيين مختلفة ومتنوعة وغير متجانسة ما يطرح أكثر من سؤال حول سبل التأليف بينها للخروج بتصور موحد وواضح. ويفترض ان تشهد المنصة طيلة مدة وجيزة تهاتفا ملايين المواطنين للتسجيل والاجابة على الأسئلة والتعبير عن آرائهم في نفس الوقت ما يعني تعرضها لضغط عال قد يتسبب في توقفها عن العمل على غرار منصات الكترونية سابقة.

ولكن ماذ لو لم تلق الاستشارة الالكترونية التي يعلق عليها قيس سعيد آمالا كبرى قبل اجراء استفتاء شعبي ثم المرور الى انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر المقبل الاقبال المنتظر. يبقى الاحتمال غير مستبعد ما دام لم يسبق هذا الاستفتاء الالكتروني الموسع أي دراسة جدوى لهكذا مشروع مصيري وما دام 67 % فقط من التونسيين يستخدمون الانترنت وما دام 17 % من السكان لا يتقنون القراءة والكتابة فما بالك بالإبحار على الانترنت. ثم الا تتطلب الإجابة عن الأسئلة المتوفرة على المنصة الالكترونية وقتا قد يتجاوز عشر دقائق بالتمام والكمال بينما تؤكد دراسات ان مرتادي الشبكة العنكبوتية لا يقضون أكثر من دقائق معدودات في الإبحار على الانترنت.

ماذا يريد الشعب؟

عائق اخر قد يكون حاسما في جدوى الاستشارة الشعبية بنسختيها الالكترونية والمباشرة. فالعودة الى الشعب لسبر أغواره ومعرفة ما يريد في قضايا وملفات دقيقة كالنظم السياسية والاقتصادية والسياسات الاجتماعية والثقافية وغيرها يفترض ان يكون الشعب مختصا او على الأقل يتوفر على حد ادنى من المعارف والمعطيات في هذه الميادين. والمعلوم ان بعض برلمانات العالم تقضي أشهر طويلة وفي بعض الاحيان سنوات لرسم سياسات عامة تمس مختلف القضايا التي تطرحها الاستشارات المنتظرة للنقاش والتداول. وحتى ان حاول المشرفون على الاستشارات تيسير المهمة على المشاركين بطرح أسئلة مغلقة تحدّد الإجابات مسبقا فإنها لن تكفي المستجوبين شر اختيارات اعتباطية قد تكون نتيجتها عكسية أو غير محمودة العواقب.

مرحلة معالجة الكم الهائل من الإجابات المتنوعة وغير المتجانسة وحتى الطريفة فتطرح أسئلة كثيرة حول ماهية أعضاء اللجنة ومدى حيادهم واستقلالهم عن أي توجه سياسي بما قد يفتح جدلا واسعا حول نتائج العملية التأليفية التي سيخلصوا اليها بقطع النظر عن التحدي الذي ستواجه العملية في توفير العدد الكبير من المشرفين على تحليل المعطيات وتبويبها والتأليف بينها. ثم كيف يمكن اقناع الرأي العام بان ملامح المشاريع السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها هي انعكس حقيقي لما تم الادلاء به طيلة مدة الاستشارة في بلد لم يعرف تقاليد في الاستشارات الالكترونية وشهد خيبات في استشارات مباشرة أخرى خاصة في عهد نظام بن علي وفي وقت لاتزال الإدارة التي تسير استشارات 2022 بعيدة عن نيل الثقة التامة للتونسيين.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتريخ الثلاثاء 4 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING