الشارع المغاربي : تعيش بلادنا على وقع ازمة اقتصادية واجتماعية عميقة بسبب تباينالمواقف والتوجهات والطموحات، بين طموح شعب، يأمل ان تتحقق بعض من احلامه في عدالة اجتماعية طالما نادى بها منذ اسابيع انتفاضته وعلى مدى السنين الماضية وبين حكومات متعاقبة اجبرتها خياراتها الاقتصادية والارتجالية ونقص التجربة السياسية في الحكم والتهور في اتخاذ القرارات الاقتصادية والضغوط الخارجية على السير في نفس المنوال التنموي الذي ثبتت ضعف مردوده، وإلا لما قامت ثورة في البلاد تنادي بتغييره.
وخلال اضراب الوظيفة العمومية ، طرحت بإلحاح قضية قروضنا الخانقة ودور صندوق النقد الدولي في فرض الخيارات الاقتصادية و”النصائح” الملغومة، ومسألة السيادة الوطنية والبدائل المطروحة، وان لم يتجاوز النقاش، احيانا، المزايدات فان استخلاص الدروس مهم جدا للبحث بعمق في الخيارات الممكنة، فهل ان التوجيهات التي تقدمها المؤسسات المالية العالمية قادرة على اخراج الدول من ازماتها الاجتماعية؟ دراسة تاريخية سريعة لمختلف البلدان التي “أنقذها”الصندوق من ازماتها الاقتصادية، من الارجنتين الى اليونان، تظهر جليا ان النتائج كانت عكسية، حيث كانت الوصفة التي يقدمها، ابتداء من خصخصة
المؤسسات العمومية الى تعويم العملة وتحرير الاسعار والتخلي عن دور الدولة التعديلي، أكثر كارثية على اقتصادها الوطني وعلى نسيجها الاجتماعي.
يعتبر جوزيف ستيغليتز،وهو استاذ علوم اقتصادية في جامعة كولومبيا، اشتغل في البنك الدولي وتحصل سنة 2001 على جائزة نوبل في الاقتصاد، ان السياسات الاقتصادية التي يمليها صندوق النقد الدولي تؤدي إلى مزيد الأزمات المالية والاقتصادية، وعوض تشجيع الاقتصاد على استرجاع عافيته، فإنها تعمق جرح كلفته الاجتماعية، ويعتبر ستيجلتزان للصندوق وصفة جاهزة يقدمها لكل البلدان، مهما اختلفت ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي اجبار الحكومات على سياسة تقشفية تحد من دور الدولة ومن مسؤولياتها الاجتماعية وتخفض الانفاق العمومي في الخدمات الاساسية مثل الصحة والتعليم مع ما يرافق ذلك من ضرورة خوصصة المؤسسات العمومية، وحين تفقد الدولة دورها التعديلي والاجتماعي، تتصاعد الاحتجاجات ويسود جو من عدم
الاستقرار….
كما يرى ان سياسة التقشف هي السبب الرئيسي في الازمات المتتالية، لان التقشف يقلل من نسبة النمو ويزيد من البطالة ويخفض من الاجور بسبب المنافسة على الشغل ويحد من الخدمات الاجتماعية ويضاعف من اللامساواة ويبقى السؤال : هل يمكن الخروج من متاهة القروض وبناء اقتصاد وطني قوامه التعويل على الذات؟.
عديدة هي الدول التي سددت ديونها وبنت اقتصادها بعيدا عن الشروط المجحفة التي يمليها صندوق النقد الدولي ، وفي هذا المجال لا يمكن ان ننسى ماليزيا التي رفضت في منتصف تسعينيات القرن الماضي املاءات الصندوق معتبرة اياها “مضللة” ووضعت برنامج اقتصاد وطني يقوم على التعويل على الرأسمال البشري ، عبر الانفاق على التعليم والتكوين والتدريب )أعلى نسبة من الميزانية في العالم تقريبا( وتنويع اقتصادها وتشجيع الاستثمار في قطاع محددة وتطبيق نظام ضريبي تصاعدي، ويعتبر منطلق ماليزيا الاساسي في التنمية هو الاعتماد على الذات وتوجيه الاهتمام، لا الى المساعدات الخارجية، بل الى الرأسمال الفكري “المحرك الاساسي للتنمية”.
والخلاصة يمكن ان نأخذها من سيغليتز ، صاحب التجربة الكبيرة في السوق المالية العالمية، حين يسوق ملاحظتين على غاية من الاهمية: اولها ان السوق الذي لا تحكمه قوانين الدول يظل محفوفا بالمخاطر ويخرج عن عقال السيطرة ويتسبب في الازمات والثانية أن صندوق النقد الدولي، بالياته الحالية، لا يخدم إلا مصالح الاسواق العالمية ومصالح البلدان الصناعية المتطورة.
لعل اثارة الموضوع في بلادنا يكون بداية نقاش هادئ حول البدائل التنموية والاقتصادية التي تخرجنا من متاهة القروض والاملاءات وفقدان المبادرة الوطنية، وان نعترف ان ذلك ليس بالسهولة التي يتحدث بها البعض ، البعض المشغول أكثر بالمناكفة السياسية وتسجيل المواقف، الا انها ممكنة بشرط ان نفكر في انقاذ البلاد من الغرق أولا ونستعيد المبادرة ونثق في امكانياتنا الذاتية، وذلك قبل الطموحات الحزبية والفردية