الشارع المغاربي – متى استبلهتم الناس وقد خلقهم الله يفقهون؟ /بقلم عز الدين سعيدان

متى استبلهتم الناس وقد خلقهم الله يفقهون؟ /بقلم عز الدين سعيدان

قسم الأخبار

8 يناير، 2020

الشارع المغاربي : رأس مال المسؤول، وخاصة المسؤول السياسي مصداقيته. فإذا هو فقد المصداقية فقد في رأيي كل شيء.إن كان من حق المسؤول السياسي العمل على تحسين صورته وعلى تحصين مستقبله السياسي فليس من حقه المغالطة، أو تحريف الوقائع أو استبلاه الناس. من يحاول استبلاه الناس فهو أبله. نحن نعلم أننا لسنا في مدينة أفلاطون الفاضلة ولكن المعنى الحقيقي للسياسة هو أن تكون في خدمة الصالح العام حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحتك الشخصية ولا أن تكون في خدمة مصلحتك الشخصية حتى ولو كان ذلك على حساب الصالح العام.

الاوضاع الاقتصادية والمالية في تونس صعبة جدا. وأقول صعبة جدا حتى لا أستعمل ألفاظا وعبارات ربما تسبب الاحباط. في ظرف تسع سنوات أصبح اقتصادنا عاجزا عن خلق أي نمو اقتصادي حقيقي يذكر.نسبة النمو المسجلة على مدى التسعة أشهر الأولى من سنة 2019 لم تتجاوز 1.1 % أي أقل من نسبة النمو الديمغرافي وأقل بكثير من كلفة الدين الأجنبي، من حيث نسبة الفائدة فقط. تونس اقتصادها ينمو بـ 1,1 ٪ سنويا وهي تقترض بـ 7 ٪ سنويا. تونس فقدت السيطرة على نفقات الدولة. ميزانية الدولة ارتفعت من 18 مليار دينار سنة 2010 إلى أكثر من 47 مليار دينار كنفقات مبرمجة لسنة 2020 وستأتي الميزانية التكميلية ككل سنة منذ 2011 لترفع في هذا المبلغ الى 50 مليار دينار أو ما يفوق.في 2010 كانت ميزانية الدولة تمثل 28 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي.

وهذا يعني أن الدولة كانت تكلف الاقتصاد الوطني ما يساوي 28 ٪ في الثروات التي ينتجها الاقتصاد.

المعروف في العالم ان ميزانية الدولة تساوي ما بين 18 الى 22 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي. أما في سنة 2020 فميزانية الدولة تساوي 38 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي. هذا يعني ببساطة أن الدولة التونسية أصبحت مكلفة جدا وعبئا ثقيلا على الاقتصاد التونسي، وذلك طبعا على حساب المؤسسة الاقتصادية وعلى حساب المواطن التونسي.

عجز الميزان التجاري شهد أيضا ارتفاعا بنسق جنوني منذ 2011. وصل هذا العجز وهو الفرق بين الواردات والصادرات، الى مستوى 19,2 مليار دينار في 2018 وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ تونس وهو أيضا مستوى لا قبل للاقتصاد التونسي به اذن لا بد من تغطيته بالكامل بالعملة الأجنبية. عجز الميزان التجاري سيصل أو ربما يتجاوز في 2019 مستوى 20 مليار دينار وذلك بالرغم من الركود الاقتصادي اذ أن نسبة النمو لا تتجاوز 1,1 ٪ نتيجة الزيادة بنسق مشط في نفقات الدولة (مع ضعف نفقات الاستثمار العمومي) وفي عجز الميزان التجاري هي حتما ارتفاع في الدين العمومي أي دين الدولة التونسية الذي تضاعف أكثر من ثلاثة مرات منذ 2010 حيث مرّ من 25 مليار دينار الى 83 مليار دينار نهاية 2019. كما تجدر الاشارة الى ان 70 ٪ من الدين العمومي هو دين خارجي بالعملة الاجنبية.

هذه الارقام تخص الدين المباشر للدولة فقط. أما اذا أضفنا اليها ديون المؤسسات العمومية المضمونة من طرف الدولة فتلك قصة أخرى. أما الدين الخارجي أي دين كامل الاقتصاد التونسي نحو الخارج، بما في ذلك الدولة التونسية، فقد تجاوز مستوى 100 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي تضاعف منذ نهاية 2016 (62 مليار دينار نهاية 2016 و120 مليار دينار نهاية 2019). الى جانب كل هذا فإن الصناعة التونسية تتقهقر يوما بعد يوم. كانت الصناعة التونسية من أهم محركات الاقتصاد التونسي اذ كانت تمثل حوالي ثلث الاقتصاد أي 32 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي وهي تمثل الآن أقل من 26 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي. الادخار الوطني نزل الى ما دون الثلث وفقد الدينار التونسي أكثر من 70 ٪ من قيمته منذ 2010.

كل هذا والمسؤول السياسي في تونس يجرؤ ويقول أن الوضع الاقتصادي والمالي في تحسن. نعم المسؤول السياسي يحدثنا فيقول أن عجز ميزانية الدولة نزل من 6.1 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي في 2016 الى 3.5 ٪ نهاية 2019.

نعم هو يقول هذا ولكنه لا يقول أن ميزانية 2019 كما وصفها نواب الشعب في البرلمان هي ميزانية تحويل نفقات 2019 الى 2020 كما لا يقول أن الضغط الجبائي أي وزن الرسوم الاجبارية من ضرائب ومساهمات اجتماعية ارتفعت من 27 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي الى 37 ٪ وذلك على حساب المؤسسة الاقتصادية وعلى حساب المواطن التونسي وعلى حساب قدرة الاقتصاد على افراز أي نمو يذكر. نسبة 37 ٪ هي من أعلى النسب في العالم مقابل خدمات عمومية متدنية في كل الميادين تقريبا. أنظر الى وضع قطاع التعليم في تونس، أو قطاع الصحة العمومية، أو قطاع الأمن العمومي، أو قطاع القضاء، أو المؤسسات العمومية، أو البنية التحتية. كل ركائز الدولة أو بالاحرى كل ركائز البلاد التونسية اهتزت وضعفت.

المسؤول السياسي يقول أيضا أن مستوى التضخم المالي تحسن في 2019 مقارنة بـ 2018. نعم المعهد الوطني للاحصاء يصرح بأن مستوى التضخم المالي نزل من 7.3 ٪ سنة 2018 الى 6.7 ٪ سنة 2019.

لابد من التذكير أولا أن نسبة التضخم المالي اذا اقتربت او وصلت الى مستوى 3 ٪ فهذا يعتبر خطا أحمرا ويستدعي اجراءات ومعالجة عاجلة نظرا لما يتسبب فيه من انخرام للتوازنات الاقتصادية والمالية ومن ضرر بالغ لمصالح الطبقة الوسطى ومن ضرر أبلغ لمصالح الطبقات الفقيرة والمعدومة، وكل أصحاب الدخل القار من أجور وجرايات.

من ناحية تقنية كان على المسؤول السياسي أن يعترف بأن نسبة التضخم لم تتحسن فعلا، نعم التضخم المالي سنة 2018 تم احتسابه على قاعدة نمط استهلاك العائلة التونسية في سنة 2010 بينما التضخم المالي في سنة 2019 تم احتسابه على قاعدة نمط استهلاك العائلة التونسية في سنة 2015 والفرق بين القاعدتين يساوي 5 ٪ أي أن نسبة التضخم في 2019 مقارنة بـ 2018 هي في الحقيقة 7,2 ٪ فأين التحسن يا ترى؟

المسؤول السياسي يقول أن مردود قطاع السياحة تحسن في 2019 اذ أن عدد السياح الوافدين ارتفع الى مستوى 9.4 ملايين سائح بما فيه السياح الجزائريين والليبيين والتورنسيين أيضا ولكنه لا يقول أن مردود السياحة محوّلا الى العملة (الاورو مثلا) لم يتحسن بنفس النسبة ولم يصل بعد الى مستوى مردود قطاع السياحة في 2010. كما أن معدل الدخل من كل سائح بقي متواضعا جد وأقل بكثير ممّا كان عليه في 2010. معدّل الدخل من كل سائح لا يتجاوز 600 دينار أو 190 اورو ولما في ذلك تذكرة الطائرة بالنسبة للسياح الاجانب.

للمقارنة فقط فإن الدخل من كل سائح يصل الى 600 اورو في المغرب والى 950 اورو في كينيا على سبيل المثال،. تونس في حاجة الى مراجعة كاملة لسياستها السياحية.

المسؤول السياسي يقول أيضا أن الدينار تعافى اذ أن سعره بالعملات تحسن، يا الله، كيف للدينار أن يتعافى ونسبة التضخم المالي في تونس تفوق 7 ٪ بينما هي في أوروبا دون 1 ٪ كيف للدينار أن يتعافى وعجز الميزان التجاري هو على ما هو عليه. كيف للدينار أن يتعافى ونسبة النمو في حدود 1,1 ٪ كيف للدينار أن يتعافى أمام جبال الديون المتراكمة. كيف للدينار أن يتعافى والمانحون الدوليون يتخلون عن تونس. ألا نفقه ما صرّح به مؤخرا كل من سفير أوروبا في تونس والمسؤول عن العمليات بالبنك الدولي وممثل صندوق النقد الدولي في تونس. أيعقل أن يتخلى المانحون الدوليون عن تونس بينما أوضاعها الاقتصادية والمالية تتحسن. متى استبلهتم الناس وقد خلقهم الله يفقهون؟ ألم يكن تحسن الدينار مصطنعا مفتعلا ومكلفا اذ كان الهدف من تحسنه سياسيا بحتا. ألم نكن هنا في حضرة السياسي الذي يعمل على تحسين موقفه السياسي على حساب مصلحة المجموعة الوطنية؟.

على صعيد آخر أفرزت الانتخابات الأخيرة، وأذكر منها بالخصوص الانتخابات التشريعية، نتائج بعيدة كل البعد عمّا كان يمكن أن تطمح اليه تونس. أفرزت مشهدا سياسيا متشتتا ومتذررا حتى بدا واضحا للجميع ان الاحزاب السياسية بتركيبتها الحالية لن تكون قادرة على تشكيل فريق حكومي له من المقومات ما يلزم لانقاذ الاقتصاد التونسي وبالتالي انقاذ التجربة التونسية برمتها. كيف لاحزاب سياسية تقصي بعضها البعض وتشوه بعضها البعض ان تكون في خدمة الصالح العام؟. كيف لاحزاب سياسية لا تتعامل الاّ بمنطق المحاصصة الحزبية القاتلة أن تكون في خدمة تونس أو حتى في خدمة ناخبيها؟. المسؤول السياسي في تونس قادر على اهدار الوقت الثمين ثم يقدم للتونسيين فريقا يدّعي بأنه مكوّن من الكفاءات المستقلة.

أين الكفاءة (باستثناء عدد قليل) وأين الاستقلالية يا ترى؟ أبمثل هذا الفريق ستفاوضون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والشريك الاوروبي ووكالات التصنيف الدولية؟ أبمثل هذا الفريق ستفاوضون في ملف أليكا Aleca؟ أبمثل هذا الفريق سننقذ المؤسسات العمومية؟ أبمثل هذا الفريق سننقذ تونس ونقدم للاجيال القادمة من هو من حقها أن يقدم لها؟. متى استبلهتم الناس وقد خلقهم الله يفقهون؟.

اللهم احفظ تونس من كلّ سوء ومن كل من يتربّص بها.

+ صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي ” بتاريخ 7 جانفي 2020


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING