الشارع المغاربي – الانتخابات البلدية: الأمنيون والجيش يصفعون السلطة الحاكمة / بقلم: معز زيّود

الانتخابات البلدية: الأمنيون والجيش يصفعون السلطة الحاكمة / بقلم: معز زيّود

4 مايو، 2018

الشارع المغاربي: قد تختلف التوصيفات السياسيّة لمشاركة حاملي السلاح من أمنيين وعسكريين في الانتخابات البلديّة ومدى تأثيرها في المشهد الانتخابي العام، غير أنّها تجتمع على ما شهده الإقبال على عمليّة الاقتراع من ضعف شديد وما يحمله من دلالات عميقة. هذا العزوف المشهود أعاد إلى الأذهان خيبة الانتخابات التشريعيّة الجزئيّة بدائرة ألمانيا، كما وجّه رسالة مضمونة الوصول إلى الأحزاب السياسيّة، وخصوصا منها الائتلاف الحاكم

لم تتجاوز نسبة مشاركة القوّات الحاملة للسلاح في الانتخابات البلدية، يوم الأحد 29 أفريل 2018، حوالي 12 بالمائة من عدد المسجّلين في دوائر الاقتراع. وهي نسبة تزداد ضُعفا بالمقارنة مع العدد الإجمالي الكبير للأمنيين والعسكريين التونسيين الذي يبلغ أضعافا عدّة للمرسّمين بالجداول الانتخابيّة وعددهم 36 ألفا. عزوف اجتهدت العديد من الأوساط في تبريره، لكنّها سعت إلى غض البصر عن أهمّ الأسباب

المبرّرات ونقيضها

برّر رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات محمد التليلي المنصري النسبة الضعيفة لمشاركة حاملي السلاح في عمليّة الاقتراع بدعوات المقاطعة التي أطلقتها النقابة الوطنية لقوّات الأمن الداخلي، بعد أن حثّت الأمنيين بمختلف أسلاكهم على عدم المشاركة في اقتراع يوم 29 أفريل المنقضي. تبرير قد يحمل جزءًا من الصحّة، لكنّه لا يعكس حقيقة عزوف الأمنيّين بمختلف أوجهها. ودليل ذلك أنّ معظم النقابات الأمنية كانت لا فقط في طليعة المُطالبين بمنح حاملي السلاح حقّ الانتخاب قبل سنّ القانون ذي الصلة، وإنّما واجهت دعوات المقاطعة بحدّة وسخّرت كلّ جهودها لدفع الأمنيين إلى المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي.

في هذا المضمار كان الاتحاد الوطني لنقابات قوّات الأمن التونسي قد أكّد أنّ «اتحاد نقابات قوّات الأمن» و«الجبهة الوطنية للنقابات الأمنيّة»، باعتبارهما يُمثّلان كافة الأسلاك الأمنيّة من حرس وشرطة وسجون وإصلاح وحماية مدنيّة، متّفقان تمامًا على إنجاح استحقاق هذه الانتخابات البلديّة التاريخيّة الأولى من نوعها في تونس والمشاركة فيها بأكبر قدر ممكن.

ومن ثمّة لا يبدو أنّ دعوة النقابة الوطنية لقوّات الأمن الداخلي للأمنيين إلى عدم المشاركة في عمليّة الاقتراع كانت هي المحدّد الذي أدّى إلى نسبة المشاركة الضعيفة المذكورة. فقد اعتبرها الاتّحاد الوطني لنقابات الأمن «دعوة خارج السرب وخارج الإجماع النقابي الأمني»، بل أدرجها أيضا «في خانة التشويش على العملية الانتخابية وعلى الأمنيين».

ويعود هذا التوصيف إلى الرغبة العامّة، لا لرغبة الاتحاد الوطني لقوّات الأمن الداخلي فحسب، في بناء «أمن جمهوري» وفق ما ينصّ عليه دستور 2014. وهو ما من شأنه أن يكون رافدا قويّا للمسار الديمقراطي الذي تحاول البلاد أن تشقّه ولو ببطء شديد. تلك في الحقيقة مطالب مشروعة باعتبار أنّ حاملي السلاح هم من دافعي الضرائب، ومن حقّهم أن يُسهموا في اختيار من يمثلهم في المجالس البلدية والجهوية والمحليّة.

ومع ذلك من الأهميّة الإشارة إلى وجود دواعٍ أخرى كان لها وقعها في إضعاف نسبة مشاركة حاملي السلاح في الانتخابات البلديّة. ومن بينها ما حفّ بهذا الاستحقاق من ظروف غير مواتية، على غرار شبه غياب حملات التوعية لفئة حاملي السلاح بأهميّة هذا الحدث الوطني، وكذلك انشغال جانبٍ غير هيّن من الوحدات الأمنية والعسكرية بتأمين مراكز الاقتراع. ويُضاف إلى ذلك ما تشهده جزيرة جربة في الجنوب التونسي، خلال هذه الأيّام، من «عسكرة» شديدة بمناسبة زيارة اليهود تونسيين وأجانب معبد «الغريبة». ومن الضرورة بمكان، في هذه الصدد، تفهّم ترتيب أولويّات الدولة، ذلك أنّ تجنيب البلاد أيّ احتمال لعمليات إرهابيّة يُعدّ أسبق لممارسة حاملي السلاح لحقّ المواطنة وواجب الانتخاب.

مؤشّرات سياسيّة

من المعلوم أنّ «النقابة الوطنيّة لقوّات الأمن الداخلي» قد أكّدت أنّ رفعها شعار مقاطعة الأمنيين الانتخابات جاء سعيا منها إلى إبقاء الأمنيين محايدين وبعيدين قدر الإمكان عن التجاذبات الحزبيّة التي من شأنها تعطيل العمل داخل المؤسّسة الأمنية، حسب ما ذهبت إليه. ومن أجل ذلك نصبت النقابة خيمة في شارع الحبيب بورقيبة، بما يحمله من رمزيّة، بهدف حثّ الأمنيين على المُضيّ في مقاطعة الانتخابات. ولا شكّ أنّها تعتبر نفسها قد حقّقت انتصارًا «نقابيّا/سياسيّا» بالنظر إلى نسبة المشاركة الضعيفة لحاملي السلاح في الاقتراع.

والواضح أنّ هذا التبرير، المرفوع باسم الحياد الأمني إزاء النشاط السياسي، قد جاء ليُؤكّد أنّ هناك محاولات لاستقطاب القوّات الحاملة للسلاح والتأثير في توجّهاتها الانتخابيّة. فجاء ردّ فعل الأمنيين سريعا عبر مقاطعة أغلبهم للاستحقاق الانتخابي. فعلى الرغم من أنّ الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات كانت قد أقرّت عددًا من الإجراءات الخاصة بهدف «النأي بالمؤسّستين الأمنيّة والعسكريّة عن أيّ توظيف سياسي»، فإنّ عددا من الجمعيّات المكلّفة بمراقبة عمليّة الاقتراع قد سجّلت العديد من الإخلالات تصبّ معظمها في باب التأثير على الأمنيين المشاركين في الانتخابات البلديّة.

ومن التجاوزات الفادحة التي سجّلتها «الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات» (عتيد)، ضمن تقريرها الأوّلي عن سير عملية اقتراع الأمنيين والعسكريين، ما جدّ من عمليّة «هرسلة» اقترفها أحد المكلّفين بتأمين مركز اقتراع بمدينة القصرين، قائلا حرفيّا لناخبٍ من حاملي السلاح: «بوليس وجاي تنتخب»!. وفي الأثناء فإنّ محاولات الحزبين الكبيرين للائتلاف الحاكم، سواء حركة النهضة أو نداء تونس، للتأثير في الخيارات الانتخابية للناخبين لم تكن غائبة كما يُروّج البعض.

الجدير بالذكر أيضا أنّ «رابطة الناخبات التونسيّات» كانت قد أعلنت عن تسجيل محاولات من حركتي النهضة ونداء تونس للتأثير في اقتراع حاملي السلاح. فقد أشارت إلى انتهاك «مبدأ الصمت الانتخابي» والناخبين»، مسجّلة مثلا محاولة مُمثلين عن حزبي حركة نداء تونس وحركة النهضة التأثير في الناخبين والناخبات بمركز اقتراع في منزل تميم بولاية نابل وعدم مغادرتهما لمركز الاقتراع رغم مساعي رئيسة المركز إخراجهما من محيط الاقتراع. والغريب، حسب وأضاف رابطة الناخبات التونسيّات، أنّ عملية الخرق هذه لم تُوثّق بتقرير مثلما يفترض أن يكون عليه الأمر. وهذا بالإضافة مثلا إلى حضور ممثل عن القائمة المرشحة عن حركة نداء تونس بمركز اقتراع بالدائرة الانتخابية بجندوبة وتحديدا بمركز الاقتراع بالمدرسة الابتدائية بشارع الحبيب بورقيبة جندوبة.

المؤكّد طبعا أنّ هناك أمثلة أخرى عديدة لمثل هذه التجاوزات والإخلالات، ورغم ذلك فإنّ نسبة مشاركة حاملي السلاح كانت ضعيفة جدّا، فوجّهت صفعة لمن يُريد تجريد الأمنيين والعسكريين من صفة «المواطنة» و»المسؤوليّة الانتخابيّة». فالمعلوم أنّ المشاركة في الاستحقاقات الانتخابيّة لا تُعدّ المطلب الأساسي للقوّات الحاملة للسلاح، بالمقارنة مع مطالب أخرى معروفة، تأتي في مقدّمتها توفير الحماية القانونيّة لهم ومنحهم ما هم جديرون به من حقوق ماديّة ومعنوية وتعويض لائق عن الأضرار والأخطار التي يتعرّضون لها أكثر من غيرهم.

ولا يخفى، في هذا المضمار، أنّ التنافس كان حاميًا بين حركتي النهضة ونداء تونس من أجل الفوز بأكبر قدر ممكن من أصوات حاملي السلاح، باعتبارهم خزّانا انتخابيّا جديدا من الضرورة استدراجه وتوظيفه بقدر المستطاع. وينبع ذلك من قناعة لا صلة لها بالقيم الديمقراطيّة تعتبر أنّ أهمّ سمة تكمن في حاملي السلاح هي الانضباط، أو ما تُصنّفه حركة النهضة ضمن أخلاقيّات «الطاعة» وما تُدرجه حركة نداء تونس ضمن أدبيات «الولاء» التي ترى أنّ الأمنيّين والعسكريّين التونسيّين قد تعوّدوا عليها على مرّ الأعوام والعقود. وهو ما يسلبهم، في نظر الحزبين، الحقّ في أن يُشكّلوا فعلا أمنا وجيشا جمهوريّيْن، على خلاف ما يُروّجانه في كلّ مناسبة.

هكذا إذن جرت الرياح الأمنيّة والعسكريّة بما لم تشتههِ السفن الحزبيّة، في انتظار مواعيد انتخابيّة لاحقة قد تضع حدّا لهذه الممارسات السياسويّة وتُتيح لحاملي السلاح حقّهم غير المنتقص في ممارسة مواطنة هم جديرون بها.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING