الشارع المغاربي – البرلمان لن يعود/ بقلم: كوثر زنطور

البرلمان لن يعود/ بقلم: كوثر زنطور

قسم الأخبار

11 ديسمبر، 2021

الشارع المغاربي: نبرة الثقة التي تحدث بها راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة عن عودة مجلس نواب الشعب كانت توحي بأن الرجل بصدد تقديم معلومة ثابتة لا تشكيك في صدقيتها وزادت تصريحات قيادات.

النهضة وعلى راسها علي العريض بخصوص عودة البرلمان كشرط لتعبئة موارد ميزانية الدولة في طرح التساؤلات حول حقيقة وجود ضغط دولي لإعادة هذه المؤسسة كشرط من شروط « الدعم المالي» .

اصبح «البرلمان» معضلة في حد ذاته وهو الى ذلك محددا لنجاح او فشل مسار 25 جويلية . هذه المؤسسة التي اعد سعيد للتخلص منها اشهرا قبل تفعيله الفصل 80 اصبحت منذ دخول مرحلة التدابير الاستثنائية عنوانا من عناوين فشل سعيد الذي يرفض حلها خشية من جره الى انتخابات سابقة لأوانها قد تنتج في صورة عدم تغيير القانون الانتخابي نفس التركيبة السياسية السابقة. لذلك تدرج سعيد في « انهاء « المجلس من وضعه في حالة تجميد اشغال الى احالة صلاحياته الى نفسه عبر التنظيم المؤقت للسلط او الامر 117 الذي مكنه من صلاحية التشريع عبر اصدار المراسيم، يبدو الآن أنه يتوجه على الارجح يوم 17 ديسمبر الجاري الى تقديم «مخرج» للقطع النهائي مع البرلمان المنبثق عن انتخابات خريف 2019 بناء على تقرير محكمة المحاسبات الخاص بهذا الاستحقاق .

الضغط الخارجي.. ماذا يريد اصدقاء تونس ؟

عرفت البلاد مباشرة بعد 25 جويلية تاريخ الاعلان عن دخول مرحلة «التدابير الاستثنائية» عبر تفعيل الفصل 80 من الدستور حراكا دبلوماسيا لافتا تميز خاصة بالوفود رفيعة المستوى التي زارت تونس بشكل مكثف خلال الاسابيع الاولى. الكل كان في حالة ترقب ويطرح الاسئلة عن طبيعة مرحلة ما بعد 25 جويلية وما يعتزم قيس سعيد القيام به وان كان ما يحدث انقلابا او تصحيحا للمسار.

وانطلق الامر خلالها بالبحث عن اجابات ومحاولات لفهم الوضع الجديد وترتيباته الخفية والمستقبلية الى الضغط لإصدار خارطة طريق تنهي فترة التدابير الاستثنائية مرورا بالتلويح بعقوبات وصولا الى التهديد بقطع المساعدات.

لم يكن سعيد « شحيحا» بالمعلومات عمن يطلبها من الخارج الى حد جعله محل انتقادات في الداخل وُوصف بالرئيس الذي يصمت امام شعبه فيما يتجاوب مع الخارج. تعددت في الاثناء القراءات حول المواقف الخارجية ذهب جلها الى غضب امريكي من التطورات الحاصلة وترحيب فرنسي وتململ ألماني واستبشار اماراتي سعودي و» تواطؤ واملاءات مصرية و» تنسيق» جزائري ومحاولات قطرية تركية للعب دور الوساطة بهدف احتواء اي حراك محتمل من القصر في اتجاه حركة النهضة اوالمتداول تسميته بمنع تكرار السيناريو المصري في تونس .

سادت الضبابية في المشهد مع غياب خارطة طريق وتتالي المؤشرات التي تؤكد انحراف 25 جويلية كلحظة وطنية للانقاذ نحو مشروع سياسي شخصي للرئيس مرفوض من قبل داعمي 25 جويلية قبل حتى رافضيه ويوصف بالخطير. تبددت الآمال سريعا باطلاق مسار اصلاحات سياسية تُدشن مرحلة الجمهورية الثالثة وانبرت في المقابل مخاوف من «جماهيرية قيسية» وزاد وقع الازمة بتبخر وعود امدادات مالية بشر بها رئيس الجمهورية في مناسبتين خلال لقائين مع محافظ البنك المركزي مروان العباسي وكشف مسؤول بهذه المؤسسة المالية بصريح العبارة انها قادمة من الامارات والسعودية والجزائر.

اصبح العجز حتى اليوم عن تعبئة موارد مالية وتفعيل الوعود على ارض الواقع كدليل على رفض خارجي لمسار ما بعد 25 جويلية وبات هذا الامر بمثابة رد دولي واعلان غير رسمي عن خروج تونس من نادي الديمقراطية .اما السردية المقابلة التي يقدمها قيس سعيد بطريقته وتتبناها « جماعته» او تنسيقياته فتشير الى ان ما يحصل في الخارج هو « تشويه للوقائع الداخلية ومحاولات للاستقواء بالاجنبي من قبل خونة» يكيل لهم سعيد ابشع النعوت ويوجه لهم اخطر الاتهامات منها حتى التخطيط لاغتياله.

الا ان الحقيقة قد تبدو بين السرديتين الاولى والثانية، اذ ان المعطيات المسربة من لقاءات الوفود التي زارت تونس من كبار المسؤولين والدبلوماسيين مع ممثلين عن احزاب ومنظمات وطنية واعلاميين وناشطين في المجتمع المدني وخبراء تتلخص في ما يلي :

-عودة البرلمان المنبثق عن انتخابات 2019 غير مطروحة بالمرة والطلب الاكيد الموجه لسعيد هو تنظيم انتخابات سابقة لاوانها بما يمكن من عودة المؤسسات الدستورية

– رفض للامر 117

– مخاوف من مشروع « البناء القاعدي»

– رفض للتفرد بالحكم وغياب التشاركية

– دعوة للمحاسبة وفقا لمبدأ المحاكمة العادلة وبعيدا عن تصفية الحسابات

– دعوة للاتفاق على آلية تشاركية للتوافق حول الاصلاحات السياسية المتعلقة بالقانون الانتخابي والنظام السياسي والتعديلات الدستورية

-برنامج انقاذ وطني مدعوم من مختلف الفاعلين

-المحافظة على المجتمع المدني كقوة داعمة

-عدم المساس بالبنك المركزي وبالسلطة القضائية والاعلام والحريات الفردية والعامة

عودة البرلمان والنهضة

اكثر التساؤلات واهمها التي توجه الى «المسؤولين» الذين زاروا تونس مؤخرا هو موقفهم من البرلمان الحالي. الرد يكون واضحا في العادة عبر التذكير بالبيانات الصادرة عن دولهم والتي لا تشير الى « برلمان بعينه». وفي المجمل تقدم التطورات في تونس على أنها «كانت منتظرة» وعلى انها « ربما كانت اقل وطأة من انفجار اجتماعي او ثورة جديدة كان يتوقع ان تكون عنيفة وحتى دموية. يقول مسؤول رفيع المستوى زار تونس مؤخرا ضمن وفد في لقاء بالاعلاميين انه «لاحظ خلال زيارة سابقة سوء الحوكمة خاصة في ادارة ملف كورونا» و»حالة الانقسام والازمة السياسية الحادة السائدة رغم سوء الاوضاع على جميع المستويات» .

كما يثار باستغراب الاتهام الموجه لبعض الدول خاصة منها الولايات المتحدة الامريكية بدعم حركة النهضة وبالضغط لمنع خروجها من السلطة. امر يُنفى بشكل قاطع من قبل عدد من المسؤولين الامريكيين في لقاءاتهم بفاعلين تونسيين ومنهم من يسخر من هذه التهمة ويصفها بـ»الاشاعة التي تقدم دون اي سند ودون فهم لطبيعة عمل المؤسسات في امريكا».

أما عن البرلمان وعودته فإن ما يجمع الامريكيين بالاتحاد الاوروبي خاصة هو التمسك بعودة البرلمان كمؤسسة وهذا محل ضغط كبير فعلا وستحرم تونس جراء عدم وجودها من تمويلات كانت مدرجة يقول دبلوماسي رفيع المستوى في تفسيره لهذا الموقف «من حق تونس عدم احترام الاجراءات مسالة داخلية لا تناقش فيها لكن بالنسبة لنا نحترم الاجراءات الجاري بها العمل في التعاون الدولي والتي تفترض مصادقة المؤسسة التشريعية على مختلف الاتفاقيات وخاصة منها ذات الصبغة المالية».

يتحدث عن هذا النقطة مختلف الدبلوماسيين والمسؤولين من دول اوروبية الذين لا ينفون حتمية «وجود برلمان» اثر اصلاحات سياسية قادرة على ضمان بقاء تونس في مسار ديمقراطي دون مس بالمكتسبات التي حققتها ودون التدخل في طبيعة هذه الاصلاحات. اما ربطها بدعم تونس في مفاوضاتها مع المؤسسات المالية المانحة فهذا امر لا يُنفى ايضا لا بلهجة قاطعة وإنما بلهجة دبلوماسية ذكية. من ذلك رد احد المسؤولين قبيل لقاء جمعه بقيس سعيد عن مدى دعم بلاده تونس في مفاوضات قادمة مع النقد الدولي مستعيرا قصة شخص قرر بيع سيارته بسعر معقول جدا لجاره الذي بقي اشهر دون اي تحرك قبل ان يقرر صاحب السيارة السفر على عجل بعد ان تلقى فرصة للعمل في دولة اخرى واكد لجاره انه سيناقش ملف السيارة عند عودته من اجازة بعد عام على الاقل…

لكن المواقف الواضحة من البرلمان لا تظهر في المقابل في البيانات الرسمية لهذه الدول التي فُهم حتى من بعضها انها حملت مطالبة باعادة هذه المؤسسة. هذا المطلب كان مطروحا فعلا من قبل « بعض الدول» حسب ما أكد لـ»الشارع المغاربي» مصدر دبلوماسي تونسي مخضرم قال ان المطلب طرح خاصة في الايام الاولى بعد 25 جويلية مبينا انه «بات مطلبا من الماضي» وان هناك «دفع اليوم نحو التأسيس لمنظومة سياسية جديدة قادرة على الانقاذ الاقتصادي وتقطع مع الاخلالات السابقة وتنهي احلام الرئيس في تثبيت مشروعه السياسي» الذي يشدد المصدر على انه مرفوض في الخارج وعلى انه محل تحفظات كبرى.

مع ذلك تاتي تصريحات قيادات النهضة لتوحي بوجود قرار خارجي يقضي بفرض اعادة البرلمان وتقديم ذلك بنبرة تحد لرئيس الجمهورية قيس سعيد. أما في صلب النهضة أين تتواصل الخلافات الحادة فتسوق هذه «العودة» كـ «معلومة مؤكدة» بما قد يمثل في النهاية مناورة لدفع سعيد لرد الفعل وحل البرلمان بما يفتح الباب امام تنظيم انتخابات سابقة لاوانها ويفرض على الرئيس تسقيفا زمنيا ينهي حالة التدابير الاستثنائية واستحواذه على كل السلطات كما يمكن ايضا من « تهدئة» الاوضاع داخل الحركة المهددة بانقسام جديد. ومهما كان من حال فان سعيد الذي سيكون قطعا مضطرا للقيام بعديد المراجعات وتقديم التنازلات لن يكون من ضمنها اعادة البرلمان الذي لا تعني عودته سوى انتحار سياسي له.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 ديسمبر 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING