الشارع المغاربي : في ظل تصاعد التهديدات الأمنية بحوض المتوسط، والانتكاسة التي يشهدها التحالف الأمريكي الأوروبي منذ صعود إدارة ترامب إلى السلطة، تشهد السياسة الأمنية والدفاعية الأوروبية تحولات كبرى تستحق أن نتوقف عندها سيما أنها تنطوي على تشدد واضح في سبل التعاطي مع تونس وبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط.
فقد كشف مؤخرا عن تقرير صادر بتاريخ 26 جوان 2018 عن اللجنة الأوروبية المختصة في تقييم ومتابعة السياسة الأوروبية في مجال مقاومة الإرهاب عن توصيات من بينها توسيع الدور الموكول للقوة البحرية الأوروبية (سوفيا)، التي تم بعثها سنة 2015، ليشمل مقاومة الإرهاب، إلى جانب مهامها الأصلية المنحصرة في مقاومة الهجرة السرية الوافدة على أوروبا عبر المتوسط.
ما يهمنا أن هذه اللجنة أوصت بتوسيع الرقعة الجغرافية لعمل هذه القوة لتشمل المسالك البحرية ذات الصلة بموجات الهجرة القادمة من تونس مع النظر في إمكانية استصدار قرار عن مجلس الأمن يخول للبوارج الحربية الأوروبية الولوج إلى المياه الإقليمية لدول الضفة الجنوبية للمتوسط لمراقبة البواخر المشبوهة.
وتدعو اللجنة إلى توسيع مجال التدخل إلى أراضي وسواحل الدول التي يثبت أنها متواطئة أو عاجزة عن مقاومة شبكات الجريمة المنظمة وتجارة البشر أو ممارسات العبودية وغير ذلك من الجرائم المتصلة بالإرهاب والهجرة السرية. اللافت أن هذا التطور يتزامن مع الضغوط المكثفة التي يمارسها الاتحاد الأوروبي على تونس وبلدان جنوب المتوسط للقبول بإقامة منصات أو معسكرات للمهاجرين غير الشرعيين المرحلين قسرا من أوروبا فضلا عن استعادة مواطنيهم المقيمين بصفة غير قانونية في البلدان الأوروبية.
و بالنسبة لتونس ، يستند الموقف الأوروبي إلى اتفاق «الشراكة من اجل الحركية» الموقع في مارس 2014 في جوانبه المتعلقة بالهجرة السرية التي أصبحت اليوم شديدة الارتباط بمقاومة الإرهاب والجريمة المنظمة والعلاقات مع الضفة الجنوبية وفقا للعقيدة الأمنية الأوروبية الجديدة.
ولا شك أن هذه التوصيات تؤشر لحصول تحول واضح باتجاه التشدد في سبل التعاطي الغربي الأوروبي مع تونس وهو مرتبط أيضا مع التصنيفات الأوروبية لتونس في القائمات السوداء للجنات الضريبية وبؤر تبييض الأموال فضلا عن الضغوط المتواصلة للتسريع بإمضاء اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق. ما يهمنا في هذه العجالة هو التأكيد على مسؤولية الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في ما آلت إليه علاقات تونس بأوروبا بسبب عجزها عن مقاومة الضغوط الأوروبية فضلا عن تراخيها إزاء تنامي الهجرة السرية المنطلقة من تونس وارتباطها بشبكات منظمة لتجارة البشر فضلا عن إقحام أعداد كبيرة من التونسيين في بؤر التوتر وانتمائهم للمنظمات المتطرفة المشاركة في الحروب الأهلية العربية وتورطهم أيضا في أعمال إرهابية عديدة حصلت فوق الأراضي الأوروبية. صحيح أن تونس ظلت وفية لسياسة التعاون الوثيق مع الغرب في المجال الأمني والدفاعي بما يخدم مصالح الجانبين وهو ما تجلى في انخراطها كحليف غير عضو في الحلف الأطلسي والتوقيع على العديد من الاتفاقيات الأمنية مع مجموعة السبع للتعاون في مجال حفظ الحدود ومقاومة الإرهاب.
لكنها تدفع ثمنا غاليا مقابل ذلك في شكل تبعية متزايدة أمنية ودفاعية واقتصادية ومالية. خلاصة القول علينا أن نتذكر ان القوات العسكرية الغربية لم تتردد، حفاظا عن مصالح بلدانها، في التدخل العسكري السري والعلني في الدول العربية دون غطاء أممي ودون استئذان من احد، مثلما هو الحال في ليبيا المجاورة، إذا ارتأت أن تلك الدول تحولت إلى مصدر خطر على مصالحها وأضحت عاجزة عن احترام تعهداتها الأمنية والدفاعية.