الشارع المغاربي – الثنائي الشاهد / العزابي : من الدعوة للتمرّد في الشارع لافتكاك الحكم الى تأسيس حزب الحكومة

الثنائي الشاهد / العزابي : من الدعوة للتمرّد في الشارع لافتكاك الحكم الى تأسيس حزب الحكومة

1 فبراير، 2019

الشارع المغاربي – بقلم كوثر زنطور : يوم 31 ماي 2011 ، اعلن عن تأسيس القطب التقدمي الحداثي ، الجبهة التي شكلت اول التقاء سياسي بين الثنائي سليم العزابي ويوسف الشاهد ولحقه انصهار بين حزب الشاهد الذي أسسه غداة الثورة ويحمل اسم ” صوت الوسط” والحزب الجمهوري وتولى بمتقضى قرار الانصهار العزابي خطة امين عام فيما الت للشاهد رئاسة الحزب . 7 سنوات بعد ذلك التاريخ عاد الثنائي لتقاسم نفس المهام في فضاء جديد يحمل اسم “تحيا تونس” ، لكن عكس تجربة 2011 التي مرت دون ان تثير اهتمام أحد ، رافقت الإعلان عن تأسيس الحزب الجديد ضجة واسعة سياسيا واعلاميا من حسن حظ الطرفين انها اقتصرت على الظاهر من الامور ولم تغص في خفايا وكواليس ليلة التأسيس.

شكل اجتماع المنستير المنعقد يوم أول امس الاحد 27 جانفي 2019 الانطلاق الرسمي للمسار التأسيسي لحركة ” تحيا تونس” ، مسار انطلق بنجاح تعبوي لافت مقابل غياب عرض سياسي وضعف خطابي لم ينفه ” أصحاب المشروع الجديد” الذين يعولون على ” حجة القوة” فاقدين قوة الحجة للتمكن من الانتشار واعداد العدة في نفس الوقت لتركيز هياكل الحزب والتحضير لاستحقاقات 2019 الانتخابية.

الواضح ان جماعة الشاهد المنضوين اليوم بشكل رسمي تحت يافطة ” تحيا تونس” حرصوا على تزويق مشروعهم مستندين إلى التقنيات والتكنولوجيات الحديثة التي ستكون ، حسب ما أسر احد ابرز مهندسيه لـ “الشارع المغاربي”، اهم أدوات عمل الحزب في اطار ” عصرنة وتجديد” آليات الممارسة الحزبية من حيث التنظيم الداخلي والهيكلة وأيضا من حيث الاتصال السياسي والاعلامي.

بعيدا عن المشهد الرسمي وتزويقاته البنفسجية منها والعصرية ، يعتمل المطبخ الداخلي لمشروع ” تمديد الحكم” باختلافات جدية سبقت الاعلان الرسمي بسويعات منها اختلاف حول إعلان تأسيس الحزب او اعلان انطلاق مشاورات تدوم أسبوعين ، ويتداول ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد المعني الأساسي بالمشروع ، تحفظ قبل 24 ساعة من اجتماع المنستير عن إعلان تأسيس الحزب وطلب التأجيل وان عددا من داعميه تخلفوا عن الحضور ويبدو ان متانة العلاقة بين العزابي والشاهد حالت دون تعمق الاختلافات.

الحزب الجديد
تحاول مجموعة الشاهد اعادة استنساخ تجربة تأسيس ” كتلة الائتلاف الوطني” ، بنفي انتماء رئيس الحكومة المباشر لها وبكونه رئيس الحزب دون الإفصاح العلني عن ذلك ، والمعلوم ان كتلة الائتلاف تفند منذ الاعلان عن تأسيسها أنها كتلة الشاهد ، تماما مثل حال الحزب الجديد الذي يقدم نفسه كداعم للحكومة وليس كحزب لرئيسها الشاهد.

وخلال الـ24 ساعة التي سبقت اجتماع المنستير ، سوّقت اطراف قريبة من الشاهد أنه رافض تماما للاعلان عن تأسيس حزب ، وانه تبرأ حتى منه ، وانه يدعم فقط ” مبادرة تجميع القوى الوسطية التقدمية” ، وان اطرافا عديدة تدخلت حتى تشكل المنستير محطة الانطلاق السياسية للحزب الجديد .

لذلك كانت ليلة التأسيس طويلة على جماعة المشروع الجديد ، بين رواية رفض الشاهد ورواية ضيق الوقت وضرورة تسريع الخطوات للاعداد للانتخابات القادمة ، وبين الروايتين بات واضحا للكثيرين ان الشاهد اصبح ” كتوما” يقدم معطيات متضاربة وينصت لكل من يتصل به الرواية التي يراها ملائمة لانتظاراته بما جعل من العزابي مرجع الجميع باعتباره الشخصية الاقرب من رئيس الحكومة .

لذلك راهن العزابي خلال سلسلة الاستشارات على المحافظة على القدرة على استيعاب الجميع ، والجميع يشكلون كتلة قابلة للانفجار في اية لحظة وظهر كشخصية قادرة على ” الطمأنة” وعلى احتواء الخلافات بين النواب والوزراء وروافد القادمين من النداء وافاق والجمهوري والتجمعيين وبين القيادات المفترضة للمشروع الجديد.

لكن هذا النجاح سيكون حتما ظرفيا ، اذ ان ترضية الجميع أمر غير ممكن خاصة ان ” الجميع” قادم من تجارب لم تمكنهم من مراكز قيادية ولم تقدهم لمناصب برلمانية او حكومية او دبلوماسية وغيرها ، لذلك ستكون عملية الفرز حتى وان تمت بشكل انتخابي ديمقراطي ، مثلما اعلن عن ذلك العزابي، عسيرة الهضم على العديدين .

بعيدا عن صراع القادمين لثنايا الدولة بطموحات التعيين ، يمكن القول ان اجتماع المنستير هو اول فوز في معركة استقطاب الصفوف الخلفية لاحزاب النداء وافاق والجمهوري وبعض التجمعيين ، لانه حتى يوم الاحد المنقضي لم نر شخصيات وازنة وفاعلة واسماء وطنية كبرى وكفاءات التحقت بالحزب في انتظار مآل المشاورات التي قال العزابي انه سينطلق فيها اليوم الثلاثاء.

كما تشير المعطيات الى ان ضعف الخطاب سيكون من بين الملفات التي ستطرح للنقاش، وستطرح ايضا “المحسوبية” التي تلاحق اعضاء من المشروع في اختيار عدد من الشخصيات التي ظهرت في الصورة دون ان تكون لها اية مشاركة فاعلة فيه ، على غرار فاتن قلال التي رافقت مداخلاتها انتقادات واسعة في الكواليس .

هذا الضعف كان من أهم أسباب غياب اي عرض سياسي واضح للمشروع الجديد تنضاف اليهما صعوبات جدية ابرزها اية امكانية لتقديم وعود والحزب ماسك بالسلطة ولا تقديم اي موقف من النهضة وهي الحصن الوحيد للتمدد في الحكم حتى انتخابات 2019، لذلك ظهر الحزب دون هوية أو افكار تميزه عن الـ217 حزبا الموجود في الساحة ، وعزز بالتالي تهمة مشروع امساك بالحكم تجمع حوله اصحاب الطموحات وطغت عليه قيادات الحزب الجمهوري ، في انتظار ظهور القيادة الفعلية خلال الاسابيع القادمة.

الثنائي يوسف وسليم
تعود العلاقة السياسية بين الثنائي “العزابي/ الشاهد” الى ماي 2011 بالتواجد جنبا الى جنب في جبهة” القطب التقدمي الحداثي” التي جمعت حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري وصوت الوسط مبادرتي من اجل قطب ديمقراطي ثقافي وكفى تشتتا وشخصيات وطنية ، وبفشل القطب في انتخابات 2011 ، خاض الثنائي تجربة الانصهار واقتسم المهام في الحزب الجمهوري العزابي امينا عاما والشاهد رئيسا للحزب (عبد العزيز بلخوجة رئيسا شرفيا له) قبل ان يلتحقا في 9 أفريل 2012 بالحزب الجمهوري باندماج كل من الحزب الديمقراطي التقدمي والجمهوري وافاق تونس وحزب الارادة وحزب الكرامة وحركة بلادي وحزب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .

عملية الاندماج تلك افقدت الثنائي الوافد على عالم السياسة اي موقع قيادي بارز وتحول العزابي والشاهد إلى مجرد عضوين في حزب امينته العامة الراحلة مي الجريبي وزعيمه أحمد نجيب الشابي ومديره التنفيذي ياسين ابراهيم فيما تقلد العزابي موقع امين مال وعضو بمكتبه التنفيذي وتواصلت التجربة حتى 26 جويلية 2013 بظهورهما ضمن قائمة القيادات المستقيلة ويقودها وقتها سعيد العايدي داعين في بيان استقالتهم لحل المجلس التأسيسي واسقاط الحكومة والى التمرد واحتلال الشوارع والساحات إلى حين تحقيق مطالبهم.

وتضمن بيان الاستقالة ( الذي وقع على نصه كل من الشاهد والعزابي) دعوة لتوحيد القوى الديمقراطية والوطنية على قاعدة القطيعة الكاملة مع النهضة ، وفي اكتوبر 2013 انخرط الثنائي في نداء تونس ضمن ما سمي وقتها بمجموعة العايدي ، وبفضل القرابات العائلية كان لكل منهما موقع في الحملة الانتخابات الرئاسية ، الشاهد بمجرد عضوية والعزابي كمنسق تنفيذي للحملة وبالنجاح في الاستحقاق الانتخابي عين العزابي في جانفي 2015 كمكلف بتنسيق اعمال الديوان الرئاسي ثم مديرا للديوان الرئاسي من 1 فيفري 2016 حتى سبتمبر 2018.

على مستوى النشاط الحزبي ، أصبحت للثنائي العزابي – الشاهد 6 محطات حزبية خلال 7 سنوات اي بمعدل تجربة كل سنة تقريبا ، وهي تأسيس حزب ( صوت وسط بالنسبة للشاهد والحزب الجمهوري بالنسبة للعزابي) ثم الانخراط في القطب الحداثي ثم الانصهار في نفس الحزب فالانخراط في الحزب الجمهوري وبعده نداء تونس واخيرا تأسيس حزب حركة ” تحيا تونس” . وبتعدد التجارب للشابين حافظا على متانة العلاقة التي طبعها التقارب في السن والوسط العائلي وانعدام الخبرة السياسية ، وتحولا بعد 5 سنوات من التجوال الحزبي الى اهم المناصب بالدولة ، الشاهد على رأس الحكومة والعزابي مديرا لديوان رئيس الجمهورية.

ويمكن القول ان العنصر المحدد في خروج الثنائي من العدم السياسي الى الفعل في اعلى مستوى بالدولة ، هو علاقة القرابة التي تجمعهما برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي مكنهما من صعود أثار حفيظة فيلة نداء تونس ، واعتُبر وقتها (سنة 2016) مخططا لحماية مصالح العائلة وتأكيدا للتداخل العائلي في تسيير شؤون الدولة ، ولم يكن يُخيّل لا للرئيس ولا للوسط العائلي المشترك ان الثنائي يخطط لابعد من مجرد حراس للحكم وانه سينقلب على صاحب الفضل الأوحد في صعوده السياسي.

هذا الثنائي صمد خلال 8 سنوات ، جاءت بهما الصدفة ومكنهما الوسط العائلي من الصمود ومن دخول عالم الكبار رغم صغر سنيهما ، التجربة السادسة في النشاط الحزبي لن تكون سهلة وقد تفرض على أحدهما الاستغناء عن الآخر ان عاجلا أو آجلا ، أو خيبة في انتخابات يخيل للجماعة انها مضمونة رغم الحصيلة الكارثية .

صدر باسبوعية الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 29 جانفي 201.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING