الشارع المغاربي – الجنوب تونسي لا نهضوي ولا دستوري..إنما تونسي ! - بقلم لطفي النجار

الجنوب تونسي لا نهضوي ولا دستوري..إنما تونسي ! – بقلم لطفي النجار

30 مارس، 2019

الشارع المغاربي : في العلوم والمعارف التعميم خطيئة العقل، مضلّل وحاجب للحقيقة، يأتيه من أراد خداع المتلقّي وتزييف الوقائع. أمّا في السياسة فهو “كذب بواح وهراء صراح” وهو عين ما جاء على لسان راشد وعبير لمّا صنّف الثنائي الجنوب التونسي تصنيفا “شعبويا” مصبوغا بالإيديولوجية فجعلاه نهضويا “إخوانيا” كما اشتهاه “الشيخ” حينا، وتجمّعيا دستوريا كما مثلما روّجت له عبير موسي حينا آخر.

” إنّ النهضة ليست في حاجة إلى حملة انتخابية في الجنوب، فهذه المنطقة ظلّت باستمرار نهضوية، منذ انتخابات سنة 1989 ولها ميل واضح نحو الاتجاه الإسلامي والنهضة”، هي الجملة التي أتحفنا بها الغنوشي في زيارته الحزبية إلى ولاية تطاوين والحاملة لكمّ رهيب من المغالطات العددية والتاريخية، ولصلف كاشف لاستهزاء واضح بالعقول يضرب وحدة التونسيين ويبث بينهم خطابات التقسيم والتفتيت. في “المعسكر” المقابل تردّ عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ من بن قردان بهجوم مضاد وقوده ومدار صراعه الخطير “الانتماء الإيديولوجي” لأهل الجنوب، فتعلن أمام بعض مناصريها أنّ الجنوب دستوري وسيبقى دستوريا.
بين شدّ راشد وجذب عبير للثوب الجنوبي وتنازعهما على “ملكيته” توارت الحقيقة وهي أنّ الجنوب هو أوّلا وآخرا تونسي تربة وتاريخا وهوى وانتماء ضاربا في التاريخ السحيق. الجنوب تونسي المبنى والمعنى والروح قبل ظهور النهضة والدساترة وسيبقى على حاله ووفائه بعدهما.
مغالطات راشد وعبير
للغنوشي نقول أنّ الأرقام ذاتها تكذّب “حجتك”، فنتائج انتخابات 2014 كمثال للذكر فحسب تشير إلى أنّ النهضة تحصّلت على 6 مقاعد بمجلس نوّاب الشعب من جملة 14 مقعدا في عاصمة الجنوب ( صفاقس 1 و2 ) أي أقل من النصف، وهو ما يعني أنّ البقية غير نهضويا، هذا دون أن ننسى العدد الكبير من الذين أحجموا عن الذهاب إلى الانتخاب ولم تقنعهم الأحزاب بما فيها حركة النهضة. أمّا في بقيّة ولايات الجنوب التونسي فإنّ النتائج لا تبتعد من حيث المقارنة مع صفاقس كثيرا: في قبلي مثلا مقعدان للنهضة من جملة 5 مقاعد، في توزر 3 من 7، في قفصة 2 من 7 …فعن أي “ميل واضح نحو النهضة” تتحدّث سيّدي !
تعميمك مسيء لأهل الجنوب أوّلا، فربّما تكون بعض الأرقام في بعض المعتمديات المحقّقة في الجنوب من طرف الحركة في محطّات انتخابية محدّدة “محترمة” مقارنة بمناطق أخرى هزمت فيها حركة النهضة قد ضلّلتك ودفعتك إلى هذا الاستنتاج الخاطئ. ولكنّ الحقائق كما النتائج في السياسة متحرّكة وغير ثابتة، وما اعتبرته اليوم “منطقة ظلّت باستمرار نهضوية” ربما لن تكون كذلك غدا، ولك في التاريخ السياسي والحزبي المعاصر بتونس خير حجّة ( حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في انتخابات 1981 مثالا ).
الهوى السياسي ليس طبعا تتطبّع به منطقة أو جهة ما فهو أكبر من الانتماء الإيديولوجي العابر أو أيّ انتماء آخر “تحت وطني” ( عرقي، قبلي، عشائري، مذهبي أو غيره ). ووسم الجنوب ب”النهضوية” استصغار لأهله ومحاولة بائسة لدقّ إسفين بينه وبين سائر الجهات الأخرى، وهو تصنيف “تحت وطني” وضرب تحت حزام الوحدة.
أمّا لعبير موسي فنقول إنّ ردّك مماثل في تهافته مع ما ذهب اليه الشيخ من انحراف في الخطاب السياسي ولعب خطير على أوتار “النعرات الجهوية”. وما حديثك عن “الجنوب الدستوري التجمّعي” إلّا كذبا وبهتانا بسبب الغياب الكلّي لمعيار “انتخابي” نقيس به استنتاجك العجيب نظرا لخلوّ “عهدك” من كلّ “صدقية” ونزاهة” انتخابية.
الجنوب…تونسي أوّلا واخرا
نقول الجنوب التونسي على سبيل التحديد الجغرافي فحسب، دون أيّ تصنيف آخر يسيء له ويحجّمه ليجعله “معلّبا” حكرا على حزب أو فكر أو إيديولوجيا بعينها. في الجنوب التونسي قوميون وإسلاميون ويساريون وليبراليون، فيه مثقّفون وشعراء ومفكّرون وعلماء وكوادر. وقبل ذلك فيه مواطنون، عمّال وفلاحون وتجّار وبحّارة، ونساء ورجال وأطفال لا يليق أن نجعلهم على نمط واحد وقالبا واحدا “إيديولوجيا” مهما كان….الجنوب كما الشمال والوسط تونسي وطني حدّ النخاع، لا يليق به إلّا الالتحاف بالثوب الوطني دون سواه، و الانتماء والولاء لتونس وحدها فوق كلّ اعتبار.

صدر بالعدد الأخير من أسبوعية “الشارع المغاربي” .


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING