الشارع المغاربي – الحرب‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ :‬صراع‭ ‬التوسع‭ ‬وخرائط‭ ‬الطاقة / بقلم: ‬رافع‭ ‬الطبيب

الحرب‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ :‬صراع‭ ‬التوسع‭ ‬وخرائط‭ ‬الطاقة / بقلم: ‬رافع‭ ‬الطبيب

قسم الأخبار

4 مارس، 2022

الشارع المغاربي: لم تكمل المعارك اسبوعها الأول على اراضي وفي اجواء اوكرانيا حتى توجه وفدا المتصارعين الى الجارة جمهورية بيلوروسيا لاجراء مفاوضات مباشرة والخوض في محتوى الترتيبات الأمنية لما بعد ايقاف القتال، او بالأحرى، توقف الآلة العسكرية الروسية عن التوغل العميق في اراضي اوكرانيا.

ان امتثال السلطة في كييف الى دعوة التفاوض ومدن البلاد وبناها التحتية المدنية والعسكرية تحت القصف ودون المطالبة بهدنة رمزية حفظا لماء الوجه يعد في قاموس التصرف عند الازمات، اذعانا للعدو واقرارا باختلال الموازين وقبولا بامكانية الهزيمة.

في المقابل، يبدو ان الاهداف التي حددتها موسكو قبل اجتياح جارتها الغربية قد انجزت بعيدا عن صخب الاعلام الغربي وسردياته التي، بفعل التكرار وانعدام المصداقية والعجز عن مقارعة الوسائط الجديدة، فقدت قدراتها التوجيهية للرأي العام.

ما هي الاهداف الروسية التي رسمها الرئيس بوتين وأشار اليها في خطابه المطول الذي سبق انطلاق العمليات العسكرية ؟

يمكن تلخيصها في محاور ثلاث : اولها، خلق مجال ترابي يمثل عمقا استراتيجيا عازلا يمتد على اراضي يسكنها الناطقون باللغة الروسية.

هذا الرواق المجالي العازل سيمنع حلف الناتو من الاقتراب من الاراضي الروسية ومن نصب منصاته الباليستية الهجومية على مرمى قريب من حواضر البلاد وقلب المعادلات الاستراتيجية التي أقرتها موسكو عند بناء قدراتها التسليحية ومن ابرزها حزام الدفاع الصاروخي.

اما المحور الثاني، فهو ترجمة مجالية للعقيدة الجيوسياسية لموسكو التي تسعى لتمدد حدود الدولة لتحوي كل الجماعات القومية التي تعتمد المرجعية والهوية الروسية. بقراءة لخريطة التوزيع الإثني واللغوي في مجمل الجوار الروسي، يبرز جليا تواجد اقليات وازنة داخل بلدان البلطيق الثلاث، لاتفيا، استونيا وليتوانيا، تسعى للإنضواء تحت سلطة موسكو باعتبارها مجموعات تعاني من التمييز والعنصرية.

في مواجهة انخراط بعض جيرانها، على غرار جمهوريات البلطيق واكرانيا وجورجيا، تعتمد موسكو على مبدأ “القضم المجالي” اي اعادة رسم الجغرافيا حسب الهويات القومية وتوزعها ضمن الدول الجارة التي التحقت بالناتو او خططت لذلك. هذه العقيدة الجيوسياسية مثلت اساسا لتفكيك جورجيا، الجار الجنوبي الغربي، حيث عمدت موسكو بعد حرب خاطفة شنتها على تبيليسي الى فرض استقلال جمهورية اوسيتيا المطلة على البحر الاسود ومجالها المائي الغني بالثروات الباطنية.

كما نجحت موسكو اثر التغيير السياسي في كييف سنة 2014، والذي ركز سلطة معادية للروس ولمناطق استيطانهم ولموروثهم الثقافي، في ضم شبه جزيرة القرم وبعث كيانين سياسيين مستقلين في دونيتسك ولوغهانسك اللذين تأسسا على حدود روسيا.

اما المحور الثالث فيشمل اعادة تنظيم الدفق الطاقي والغازي اساسا.  لقد حاولت السلطة الاوكرانية المساهمة في عرقلة مشاريع الربط بين غرب اوروبا وروسيا بافتعال عديد الحوادث وارباك الضخ. وتعد هذه السياسة جزءا من استراتيجيات الولايات المتحدة التي تسعى لفك الإرتباط الطاقي بين روسيا والمانيا اساسا وافشال التحول نحو الغاز الطبيعي وانهاء زمن الطاقة الأحفورية. ان واشنطن من ألد اعداء التحول نحو الغاز وخاصة منه المنقول عبر الانابيب من سيبيريا الى قلب اوروبا الصناعي وتعمل جاهدة لإعادة الروح لمشاريع الغاز الصخري التي تواجه رفضا واسعا في القارة العجوز باعتبارها مضرة بالبيئة.

لقد كشفت العمليات العسكرية الروسية في اوكرانيا عن عديد نقاط الضعف العميقة لدى حلف الناتو التي لا يمكن للدعاية الاعلامية حجبها ومن ابرزها عجز الآلة العسكرية كما الارادة القتالية عن مواجهة الاجتياح الروسي. ففي حين تقتحم المدرعات الروسية اراضي اوكرانيا وتعيد رسم وقائع الميدان، تنحصر ردود الفعل الغربية في رفع الصوت اعلاميا او التلويح بالعقوبات المالية التي يعلم الجميع انها أعجز من ان تؤثر في منظومة اقتصادية صلبة كالتي بناها الرئيس بوتين منذ ما يزيد عن عشرية كاملة في انتظار هذه اللحظة.

لكن اهم موطىء ضعف سلطت عليه الاضواء هو تعثر مشروع “اعادة التشغيل العظمى” (the great reset)  الذي يفترض انه يمثل مدخلا لاعادة صياغة منوال مندمج للمجتمع والاقتصاد والبيئة لما بعد جائحة كوفيد في اوروبا والغرب عموما.

حيث كان من المفترض ان تعيد القوى الغربية النظر في براديغمات السيطرة والاستئثار بموارد العالم وخيراته وتتوجه نحو منهج يؤسس على العدالة والتوازن مع قدرات المحيط.

لكن، ما ان بدأت الجائحة بالانحسار حتى انطلقت هذه الدول في مغامرة قلب المعادلات الجيوسياسية والتراجع عن الوعود المقطوعة سابقا للروس حول احترام الحدود وتجميد توسع الحلف الأطلسي شرقا.

ستكون للحرب في اوكرانيا تاثيرات كبيرة وهيكلية على عديد المنظومات الجيوسياسية في العالم ومن ضمنها منطقة المغرب العربي وقد مثلت زيارة وزير الخارجية الايطالي دي مايو هذا الاسبوع الى الجزائر فاتحة لمرحلة نوعية في العلاقات بين ضفتينا حيث طالب الديبلوماسي الايطالي بضرورة العمل على مضاعفة حجم الدفق الغازي نحو بلاده عبر الانبوب الذي يعبر اراضي تونس. هذا الطلب ترجمة لتغير الخرائط الطاقية في الاقليم عقب الحرب في اوكرانيا وما سيعقبها حتما من اعادة توازن لمصادر الغاز. ويعتبر الانبوب العابر لبلادنا من اكثر الممرات أمنا خاصة بعد اعتراف المشغلين الصناعيين الالمان باستحالة تعويض امدادات الانابيب الروسية بشحنات الغاز المسيل المنقول بحرا من الخليج.

ان اعادة التركيز على الدفق الغازي المنطلق من بلداننا سيفرض ترتيبات امنية وتنسيقا اعمق في العديد من الملفات التي بقيت معلقة ومن ابرزها التعاون المتكافيء في مراقبة  الحدود البحرية والهجرة والتنمية المشتركة والشراكة الاقتصادية.

لن تتمكن بلداننا من تحويل الازمة في اوكرانيا الى فرصة للاقليم الا باعتماد استراتيجيات استشرافية تثمن قدراتنا وانتظارات الشركاء وتبني مقاربة سيادية اساسها التنسيق والمبادرة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 1 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING