الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: اتسمت الفترة الفارطة بسلسلة احداث طغت على المشهد المؤسساتي بتونس وتعلقت اساسا بالخطوط التونسية التي قامت شركة “تاف” التركية بعقلة توقيفية على حساباتها، من جهة والتي كشفت وسائل الاعلام ارتباط ألفة الحامدي رئيستها المديرة العامة المعزولة بدوائر نفوذ وتأثير في الولايات المتحدة لها علاقات مباشرة بحركة النهضة، من جهة اخرى.
وشهدت المؤسسة الوطنية حدثا كبيرا وغير مسبوق تمثل في شن اعوانها إضرابا عاما للمطالبة بحماية الشركة من الطيور الكاسرة التي تتربص بها للانقضاض عليها او بالأحرى على ما تبقى منها عبر خوصصتها وهي عملية مريبة كثر حولها الحديث منذ اواسط شهر جويلية الفارط عقب نشر مواقع قطرية معطيات في هذا الاتجاه.
الأطماع المريبة
نشرت صحيفة “الشرق” القطرية يوم 14 جويلية الفارط، مقالا افتتحت به ملحقها الاقتصادي تحت عنوان “القطرية تستحوذ على حصة بالخطوط التونسية”.
واستند كاتب المقال على تقرير صدر في موقع “northAfrica post”أكد رغبة الخطوط الجوية القطرية في الاستحواذ على أسهم في الخطوط التونسية، وذلك ضمن المشروع التوسعي للقطرية على المستوى الدولي، مع الاشارة إلى أن المفاوضات بين الجانبين سجلت تقدما واضحا في انتظار ما ستسفر عنه الأشهر المقبلة التي من المنتظر أن تشهد الاتفاق على ما تبقّى من تفاصيل، حيث تم التشديد، في ذات السياق، على تصريحات الرئيس المدير العام السابق للخطوط التونسية إلياس المنكبي، والذي بين أن ممثلين عن الشركتين توصلا إلى اتفاق مبدئي يقضي باستحواذ الخطوط الجوية القطرية على حصة معينة في الخطوط التونسية، لافتا إلى قرب انهاء الصفقة وإظهارها إلى العلن في المستقبل القريب.
وبيّن التقرير أهمية الصفقة بالنسبة للجهتين، بداية من الخطوط التونسية التي تسعى إلى إعادة هيكلة نفسها للتموقع في مركز قوة بخارطة النقل الجوية في القارة السمراء، وبالذات بعد تضررها الكبير من الأزمة التي خلقها انتشار فيروس كورونا في غالبية دول العالم، مما دفعها إلى التقليل من عدد موظفيها وإلغاء البعض من وجهاتها باتجاه مجموعة من المطارات الأوروبية، مشددا على الفوائد التي ستعود بها الصفقة على الخطوط الجوية القطرية وعلى أنه سيتسنى لها الاستمرار في تحقيق استراتيجيتها التوسعية بأحد أكبر القارات العالمية مضيفا أن الاستحواذ على أسهم في الخطوط التونسية سيمكن الشركة من البروز في السوق الإفريقية للطيران، ومنافسة الخطوط الإثيوبية في عقر دارها بالقارة السمراء عبر الاستناد على الموقع المميز الذي تحظى به تونس في شمال أفريقيا، بما يعطيها القدرة على لعب دور مهم في المشهد الافريقي للطيران.
ورغم عدم صدور أي ردّ أو توضيح أو موقف رسمي عن شركة الخطوط التونسية أو عن وزارة النقل واللوجستيك بخصوص مقال الصحيفة القطرية علما انها تعد من بين أهم ثلاثة جرائد تعتبر لسان حال النظام القطري، فإن المسألة برمّتها تثير الريبة والشك، على أكثر من صعيد.
ويرجع الامر في الواقع الى ان راس مال الخطوط التونسية سلبي وذلك في حدود 433 مليون دينار في ظل بلوغ خسائرها المتراكمة 2700 مليون دينار أي ما يعادل مليار دولار بواقع خسائر تناهز شهريا 80 مليون دينار.
ومن هنا، فإن الاستحواذ على حصة في رأس مال الخطوط التونسية يشكل عملية لا معنى لها من الناحية الاستثمارية باعتبار ان القيمة المحاسبية للشركة سلبية فضلا عن ان قيمتها السوقية باعتبار سعر السهم الواحد (0.63 دينار) لا تتجاوز 43 مليون دينار اي ما يعادل 15 مليون دولار لا غير مما يجعل من قرار شركة الطيران القطرية اقتناء قسم من رأس مالها او حتى رأس المال كله قرارا سياسيا بامتياز لعدم وجود أي مردود جراء عملية الاستحواذ المالي فضلا عن ان التواجد على ارض تونس لغاية التوسع افريقيا او اوروبيا امر لا طائل منه نظرا لضعف عدد المسافرين من الوجهة التونسية الى جانب ان تونس لا تعتبر وجهة استثمارية او منطقة مبادلات تجارية او مالية بصفة تبرر اقبال احدى اكبر شركات الطيران في العالم عليها وهي شركة القطرية للطيران.
وينسحب ما سبق تقريبا على موضوع الحضور الاستثماري القطري في تونس الذي يعتبر على أهميته دون مردود يذكر. ولعل أبرز مثال على ذلك وضعية البنك القطري التونسي الذي هو بنك خاسر تناهز خسائره سنويا نحو 35 مليون دينار اضافة لعدة وضعيات اخرى سيما في المجالين السياحي والعقاري علما ان الاستثمارات القطرية المباشرة في تونس شهدت نسقا تصاعديا، إذ تضاعفت 6 مرات في عام 2018 لتتجاوز 479 مليون دينار تونسي (نحو 168 مليون دولار)، مقابل 83.19 مليونا في 2017، حسب وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي في تونس.
وتدعم قطر حضورها الاقتصادي في تونس عبر أكثر من مجال، سواء في قطاع السياحة من خلال شركة “الديار القطرية” التي تمتلك أكثر من منتجع سياحي ضخم بتونس سيما في صحراء ولاية توزر، أو في تكنولوجيا الاتصال عبر شركة “أوريدو” فضلا عن تمكن مجموعة “ماجدة” القطرية من اقتناء أسهم الدولة التونسية في “بنك الزيتونة” وشركة التأمين “الزيتونة تكافل”.
وقدمت قطر عام 2016 للحكومة التونسية وديعة حوّلتها الى قرض بقيمة 1.25 مليار دولار، سبقتها وديعة اخرى تحولت هي الاخرى الى قرض بقيمة 500 مليون دولار عام 2013.
الأتراك والدور المشبوه
أكدت المديرة العامة للشركة التركية “تاف”، كاهنة مملوكي، يوم الخميس 18 فيفري الفارط، ان الشركة قامت بإجراء عُقلة توقيفية على حسابات الخطوط التونسية لدى البنوك عن طريق عدل تنفيذ لاستخلاص ديون متخلدة بذمة الناقلة الوطنية.وأوضحت أن الخطوط التونسية مطالبة بتسديد ديونها المتراكمة لأكثر من 6 سنوات تجاه الشركة التركية والتي قالت انها فاقت 20 مليون اورو (66 مليون دينار) بالإضافة الى تكاليف العقلة التي أقدمت عليها الشركة والتي تقدر قيمتها بـ 28 مليون دينار.
كما ابرزت المديرة العامة لشركة “تاف” التي تدير مطاري النفيضة والمنستير في إطار صفقة لزمة، أنّه تم اقتناء الشركة من قبل مجمع مطار باريس، منذ سنة 2012 وانه توجد حصّة تركية محدودة في رأسمالها مع الاشارة الى ان “تاف” و”مجمع مطار باريس” يديران 27 مطارا في العالم.
وذكرت مديرة شركة “تاف” أنّ ديون شركات مجمع الخطوط التونسية بلغت نحو 70 مليون دينار منذ 2015، وأنّ تنفيذ العقلة على حسابات الخطوط التونسية، جاء من أجل تسديد جزء من الدين وجدولة البقية.
وتعليقا على ما يتم تداوله حول تنفيذ العقلة بعد استقبال ألفة الحامدي الرئيسة المديرة العامة للخطوط التونسية المقالة سفير تركيا بتونس، قالت كاهنة مملوكي إنّ الحامدي تحادثت مع السفارتين التركية والفرنسية حول ملف الديْن.
وبمجرد تحرك الاتحاد العام التونسي للشغل واعلان اعوان الخطوط التونسية يوم الجمعة 19 فيفري المنقضي دخولهم في اضراب مفتوح للدفاع عن المؤسسة من خطة باتت مفضوحة للاستيلاء عليها وكشف وسائل اعلام ملف ارتباط ألفة الحامدي بدوائر نفوذ مالي دولية لحركة النهضة صلة وثيقة بها تراجعت الشركة التركية عن الاجراء بعد ما وصف بالمفاوضات مع وزارة النقل.
في جانب اخر، استنكر رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان بدر الدين القمودي قيام شركة “تاف” التركية بعقلة على الحسابات البنكية لمجمع الخطوط التونسية مبرزا أنّه لنفس الشركة ديون متخلّدة لدى الخطوط التونسية. وصرح يوم الجمعة 19 فيفري 2021، أنّه يحقّ للشركة التركية المستغلة لمطار النفيضة القيام بعقلة على جميع الحسابات البنكية لمجمع الخطوط التونسية مشيرا،في ذات السياق، أنّ ذات الشركة مدينة للدولة التونسية بمبالغ تصل إلى 400 مليون دينار.وعبّر القمودي عن استغرابه من قرار العقلة بعد اللقاء الذي جمع السفير التركي بتونس بالمديرة العامة السابقة للخطوط التونسية ألفة الحامدي بيومين، وأضاف أنّه كان من الواجب على الحامدي أن تسعى لتسوية هذه الوضعية دون أن تصل الامور إلى توجيه الشركة التركية إهانة مباشرة لتونس، وفق تعبيره.
واكّد أنّ الناقلة التونسية محلّ تتبّع ومراقبة من قبل لجنة الإصلاح الإداري وأنه سيتمّ ضبط موعد قريب مع وزارة النقل لمتابعة ظروف عمل الخطوط التونسية وكيفية إيجاد حلول لإنجاحها مشيرا الى أنّ الطرف الاجتماعي أيّ اتحاد الشغل عبّر عن استعداده للتقليص في عدد العمال الذين تمّ توظيفهم بعد سنة 2011 بما أرهق الناقلة التونسية.
في جميع الحالات، يؤكد العديد من المراقبين ان السعي لالحاق الضرر بالخطوط التونسية حصل بعد ضرب مصداقية المؤسسة ووضعها في موقف محرج مع المزودين الدوليين وأن هؤلاء قد ينتقلون الى مرحلة مطالبة الناقلة الوطنية بدفع ما عليها نقدا – رغم اعلان الحكومة ضخ 60 مليون دينار لخلاص قسم من ديونها – أو مواجهتها في المدى القصير او المتوسط وقف التعامل معها بكل المطارات التي تحط فيها الطائرات التونسية. وحسب عدة عارفين بقطاع النقل الجوي في تونس، فان شركة “تاف” التركية تهدف بالأساس الى تلويث سمعة الخطوط التونسية ومن ثم تسهيل الاستحواذ على جزء من راس مالها.
وحصلت هذه الشركة على صفقة مطار النفيضة المنستير بطرق ملتوية حتى ان وزير النقل السابق ياسين ابراهيم فتح بحثا في الغرض وأحال ملفها للقضاء ولكن لم يحدث اي شيء منذ ذلك اليوم لأسباب غامضة. وكان ياسين ابراهيم قد افاد في افريل2011 بأن “تاف” فشلت في الايفاء بالعديد من التزاماتها، بما في ذلك إعادة تأهيل مطار المنستير، وكذلك التزاماتها الاجتماعية، منذ أن وقعت اتفاقية مبدئية مع النقابة عام 2010 غير ان موقف وزير النقل الحالي معز شقشوق يثير الانتباه اذ عوض الدفاع عن الناقلة الوطنية اعلن في غمار مشكل عقلة الحسابات أن الشركات التابعة لشركة الخطوط التونسية تعاني من جملة من الاشكالات الى درجة أنها لن تتمكن من دفع رواتب موظفيها وخلاص المزودين…
ونسي الوزير ان يذكر اشكالات شركة “تاف” التركية لدى ديوان الطيران المدني وديونها تجاهه المقدرة بنحو 196 مليون دينار وهي التي كانت تفوق ذلك بكثير قبل ان يشطب رئيس الحكومة الاسبق يوسف الشاهد جزءا كبيرا منها. كما غفل معز شقشوق او تغافل عن موضوع عدم تحرك السلطات التونسية لاستخلاص هذه الديون خاصة ان عقد اللزمة مع هذه الشركة لا يتضمن بندا يتعلق بالحالات الطارئة التي تمكنها من تأجيل خلاص ديونها مثل الجوائح الصحية وما شابه ذلك من وضعيات. كما لم يشرح الوزير علاقة السفير التركي بهذا الملف خاصة ان شركة “تاف” اصبحت تابعة لشركات مطارات فرنسا بنسبة 46 بالمائة من رأس مالها.
على كل يبقى الغموض كاملا بخصوص ملف الخطوط التونسية وشركتي الطيران القطرية واستغلال المطارات التركية. فعدة جهات باتت تخطط اليوم وعلى مرأى ومسمع من الجميع لوضع موطأ قدم في تونس أيا كان الثمن وفي كل قطاع لتخريبه وجعل البلاد تفقد اي مكسب حققته حتى لو كان بسيطا وسيأتي الدور حتما، بدفع من اطراف باعت ذممها للشياطين، على كافة المؤسسات والمنشآت العمومية وهو مبتغى طائفة كبيرة لإعادة تونس الى الرجعية وادخالها في بوتقة المسخ والذوبان التي افنت اجيال كاملة عمرها للتخلص منها.
نُشر بصحيفة “الشارع المغاربي” الصادرة يوم 2 مارس 2021