الشارع المغاربي – الشاهد في «سُرسِي»... في انتظار قضاء الباجي...

الشاهد في «سُرسِي»… في انتظار قضاء الباجي…

9 يونيو، 2018

الشارع المغاربي – وليد أحمد الفرشيشي : وسط حالة الانتظار والترقّب التي تخيّم على المشهد السياسي التونسي، بعد تعليق النقاشات حول وثيقة قرطاج 2 أو الحرب التي أعلنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد على حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، لا يبدو أنّ الصمت «المحيّر» للاّعبين الكبار أربك حسابات رئيس الحكومة الماضي قدمًا في مشاوراتهِ بخصوص التحوير الجزئيّ. وقد لا يكونُ من باب المبالغة في شيء التأكيدُ هنا على استفادة يوسف الشاهد، ولو ظرفيًّا، من حالة الارتباك الحاصلة في مواقفِ المفاوضين الكبار، أي رئيس الجمهورية واتحادي الشغل والأعراف وحركتي نداء تونس والنهضة، لتتعزّزُ قناعاته الذاتيّة بأن رئاستهُ بمنأى عن رياح التغيير، رغم كثرة النافخين فيها.

ورغم غياب أيّة ضمانات سياسيّة حقيقية  توفّرُ لـ«الرئيس الشاب»، الحزام الآمن في ما تبقّى من عهدتهِ، باستثناء ما يتداولُ عن الحماية التي وفّرها لهُ سفراء الدول الكبرى، فإنّ كلّ المعطيات تشيرُ صراحةً إلى أنّ الشاهدَ فضّل سياسة الهروب إلى الأمام، وكأنّ وثيقة قرطاج 2 مجرّدَ دردشة بين مجموعة من المتقاعدين، ولسانُ حالهِ يردّدُ «أنا وبعدي الطوفان».

يوسف يزكيّ الشاهد !

  وإذا كان الخروج الإعلامي الأخير لرئيس الحكومة، قد شكّل منعرجًا خطيرًا في لعبة الرمال المتحرّكة التي جرّت إليها أغلب القوى الرئيسية في البلاد، رغم حالة الارتباك التي بدا عليها وتوظيفه مرفق عمومي لا فقط لتصفية حساباته مع خصمه السياسي، حافظ قائد السبسي، وإنّما لتقديم جملة من المغالطات حول الوضع الاقتصادي العام للبلاد، فإنّ حالة الصمت والانتظار التي أعقبت ذلك، بدت وكأنّها وفّرت لرئتي رئيس الحكومة جرعة أوكسجين هامّة، رفعتهُ من مقام «كبش الفداء» إلى مقامِ «كبش النطيح». وبدلاً من أن يجد نفسهُ في وضعيّة المغادرِ هو وحكومتهِ، انطلقَ يوسف الشاهدِ في مشاوراتهِ حول التحوير الجزئيّ للحكومة، رغم تأكيده على نجاحها في تحقيق الجزء الأكبر من الأهداف المرسومة لها، بل ودعا الأحزاب والأطراف الاجتماعيّة إلى التشاور والتباحث حول التحويرِ المزمع إجراؤهُ، في تجاوزٍ واضحٍ لتفاهمات وثيقة قرطاج 2، وفي تحدٍّ صارخٍ للمطالبين برأسهِ، وتحديدًا قيادات حزبهِ.

هنا ثمّة ثلاث ملاحظات جوهريّة قد تفسّر الانتعاشة التي تعرفها أحلام الرئيس الشابّ الذي لم يعد يخفي طموحاتهِ السياسية. أوّلا، استفاد الشاهد من حالة الارتباكِ العامّ التي أحدثتها كلمته التي توجّه بها إلى الشعب، وخاصة إلى خصمه الأوّل حافظ قائد السبسي، فاتحاد الشغل وحركة النهضة، أبرز لاعبين في موقعة وثيقة قرطاج 2، فضّلا الصمت تماما والنأي بنفسيهما عن لعبة الاصطفافِ وراء شقّ دون آخر. وإذا كانت المواقفُ متباينة بين المنظمة الشغيلة وحركة النهضة في مسألة بقاء الشاهد من عدمه، فإنّ «الانتظار» وحّدهما في انتظارِ موقف رئيس الجمهورية التي رحّلت لهُ مسألة إزاحة الشاهدِ أو الإبقاء عليه.

رئيس الجمهوريّة نفسهُ فاجأ المراقبين والمحلّلين بملازمتهِ الصمتِ، رغم أنّ ابنه بات الطرفَ الأبرز في هذه الحرب المعلنة، بمناوشات أعضاده على مواقع التواصل الاجتماعي أو ببياناتهِ الحزبيّة المصرّة على رحيل الشاهد، صمتٌ قد يعني الكثير في مجال المناورة، كأن يترك الرئيسُ لعامل الوقت فرصة «إسقاط» الشاهد وحكومته دون الالتجاء إلى الفصل 64 من وثيقة قرطاج أو الفصل 99 من الدستور، وقد لا يعني شيئًا أيضًا طالما أنّ مقاربة «التغيير الجذريّ» قد تفضي إلى سيناريوهات أسوأ من الوضع الحالي.

ثانيا، استفاد الشاهدِ من غياب حزب مهيمن على السّاحة السياسيّة، وهو ما يجعلُ سحب الثقة من الحكومة لا يبدو بالسهولة التي يتوقّعها البعض ناهيك أنّ التباينات في مواقفِ الأحزاب والأطراف الاجتماعية المشاركة في مشاورات قرطاج، رغم جاهزية حركة النهضة المصرة على المحافظة على «الاستقرار السياسي»، لتغيير موقفها في أيّة لحظة، أطالت من عمر الأزمة السياسيّة وغطّت على الملفات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، ومنحت بالمناسبة يوسف الشاهد فرصة أخرى خاصة بعد تعليق رئيس الجمهورية النقاشات حول وثيقة قرطاج 2 التي انسحب منها اتحاد الشغل.

ثالثًا، لعبَ الشاهد على وتر «الشعبويّة» في كلمته التلفزيّة، محيّدًا رئيس الجمهورية والأطراف الإجتماعية عن الصراع الدائر بينه وبين حافظ قائد السبسي، ومحمّلاً هذا الأخير مسؤوليّة الأزمة السياسية في ما يشبه «الاستجداء المعلن» لفئة من التونسييّن عاجزة عن فكّ شفرة ما يحدث في الأزقة الخلفية لمنظومة الحكم، ومستميلاً الشقّ الغاضبَ داخل نداء تونس، في ما بدا أنّهُ تحضيرٌ بسيكولوجيّ لمقدم «زعيم» جديد لنداء دمّره حافظ ومجموعتهِ.

كلّ هذه الظروف يضافُ إليها الحذرُ الذي طغى على قراءة اللاعبين الكبار لخطوة الشاهدِ وصمت رئيس الجمهورية، مكّنت «يوسف» من تزكية «الشاهد» ليواصلَ مهامّهُ على رأس الحكومة، ولو وقتيًّا، وإعداد العدّة لعمليّتهِ الجراحيّة صلبَ فريقه الحكوميّ.

تحويرٌ بأيّ ثمن؟ !

إلاّ أنّ منطق «استعراض القوّة» الذي ميّز نقلات الشاهد الأخيرة على رقعة حذرة وصامتة، يطرحُ أكثر من سؤال حول «جدّية» الرّجل في التعاملِ مع ملفّ التحويرِ الجزئيّ وتحديدًا في طريقة تعاملهِ مع الرّافضين لبقائه خاصة اتحاد الشغل الذي يطالبُ برحيلهِ تماما كنداء تونسِ الذي جدد هذا الطلب في بيانه الأخير إثر اجتماع المدير التنفيذي مع المنسقين الجهويين للحركة أو منظمة الأعراف التي ترفضُ تشكيل حكومة سياسية وتطالبُ بحكومة كفاءات أو حركة النهضة التي سترفضُ حتمًا المساس بقاعدة التمثيلية الحزبيّة أو حتّى في طريقة تعاملهِ مع عدد من وزرائهِ، وتحديدًا في الحقائب السياديّة، الذين ساءت علاقتهم به.

وإذا كان التعاملُ مع كلّ هذه الأطراف يطرحُ أكثر من إشكاليّة، فإنّ مجموع العقبات يبدو أرفع بكثير من أحلام «الفتى الطائر»، ذلك أنّ أيّ تغيير جزئيّ لا بدّ أن يستندَ إلى عمليّة تقييم، وهنا سيناقضُ رئيس الحكومة نفسه، فمن جهة يتحدّث عن تحسّن المؤشرات العامة وعن نجاح فريقهِ في تحقيق الجزء الأكبر من الأهداف المرسومة، وهو ما لم يتحقق منذ أربع سنوات حسب قوله، ومن جهة أخرى يتحدّث عن تغيير جزئيّ لإضفاء النجاعة على الأداء الحكومي. وهنا من المهمّ أن نتساءل عن الحقائب التي سيشملها التحوير ووفق أيّ تقييم وهل سيتمّ الاعتماد كليّا على وثيقة قرطاج 2، التي تمّ تعليقها، أو الأخذ ببعض فصولها، أو تجاوزها كليًّا والمواصلة ضمن مسار «النجاحات» التي تحدّث عنها.

ثمّ، وهنا مربط الفرس، هل سيتخلّى يوسف الشاهدِ، الباحثِ عن موقع «الخليفة» أو «الزعيم» عن طموحاتهِ التي يتشوّف إلى تحقيقها سنة 2019، أم يرضخ للأمر العليّ القاضي بحرمانِ الرئيس الشاب من «حلمهِ» وتحويلِ جهده إلى إنهاءِ عهدته بأقلّ الأضرار الممكنة؟

هذه التساؤلات وغيرها لا تحجبُ في حقيقة الأمر معطى يتّفقُ عليه كلّ الخبراء الاقتصاديين وهو أنّ سياسة «المغالطات» التي تنتهجها رئاسةُ الحكومة حول حقيقة الوضع الاقتصاديّ وسياسة الهروب إلى الأمام وغياب الشفافيّة في التعامل مع الملفات الحارقة، وتراجع أغلب المؤشرات الحيوية للاقتصاد التونسي، الأمرُ الذي ينذرُ بكارثة محققة، وتفاقم الفساد وسط ارتفاع غير مسبوق للتضخم المالي، وسياسة «النهم الجبائي» التي تدفعُ فاتورتها الطبقات المسحوقة، هي من ستكون «العامل» الذي ينهي حقبة الشّاهدِ دون تدخّل خارجيّ.

ذلك أنّهُ على ضوء كلّ هذه المؤشّرات، لا تبدو الطريق سالكة مثلما يتصوّرها الشاهدِ، خاصة أنّ جرعة الأوكسجينِ التي تلقّاها مؤخّرًا قد تتسبّبُ في حالة شلل عامٍّ لحكومتهِ، سواءً أجرى التحوير أم لا، وهو ما يفسّرُ ربّما صمت رئيس الجمهوريّة وترقّبهِ في انتظارِ أن يقومُ «الوقتُ» بما عجزت عنه «الوثيقة».


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING