الشارع المغاربي – كوثر زنطور : “الدور الثاني أو الدور الثاني” ، هكذا يجيب المقربون من رئيس الحكومة يوسف الشاهد المترشح للانتخابات الرئاسية عن حزبه تحيا تونس ، مغامرة بكل ما تحمل الكلمة من معان سيخوضها الشاهد ، بطموحات تخطي الدور الاول لتفادي الهزيمة السياسية النكراء ، وبعدها ستتغير المعادلة رأسا على عقب بالنسبة له شخصيا ولحزبه المترشح بقائمات في 33 دائرة انتخابية .
حالة استنفار قصوى في القصبة و”تحيا تونس” على وقع استعدادات أصبحت على قدم وساق لتعبيد مسار وصول الشاهد الى قصر الرئاسة بقرطاج ، حلم “الانتصار” والفوز بالرئاسة بات مسألة حياة أو موت بالنسبة لـ” مجموعة الشاهد” ، ولتحقيق هذا الرهان وُضعت كل الامكانات المشروعة منها وغير المشروعة وجُهزت كل الأسلحة لمواجهة الخصوم ، وعلى رأس القائمة عضو الحكومة عبد الكريم الزبيدي المترشح بدوره للانتخابات الرئاسية .
وعكس الـ25 مترشحا الآخرين ، تعد انتخابات 2019 الرئاسية السابقة لاوانها مصيرية بالنسبة للشاهد ، اذ ان عدم المرور الى الدور الثاني سيهز من مشروعية البقاء على رأس الحكومة ومن حظوظ الحزب في الانتخابات التشريعية المقررة ليوم 6 أكتوبر القادم ويعني اعلان اقتراب ساعة مغادرة السلطة ومواجهة مرحلة ما بعدها ، لذلك بات كل شيء مباحا لتحقيق “انجاز” المرور للدور الثاني.
مشاورات
طموحات الشاهد الرئاسية ، لم تكن خفية على أحد رغم نفيه المستمر لها منذ جويلية 2017 . فالرجل الذي دخل “عالم الكبار” بقرار شخصي من الرئيس الراحل في اطار “مشروع عائلي” ، انخرط سريعا في خط مشروعه الشخصي مستعينا في ذلك بتيارات ظهرت فجأة في احزاب الحكم تقودها شخصيات راهنت على الشاهد للحصول على موقع في ثنايا السلطة والتنعم بغنائمها .
حافظ الشاهد على موقعه في القصبة بفضل دعم النهضة ورئيسها راشد الغنوشي ، وأسس بعد سنتين ونيف من دخول القصبة حزبا سياسيا هجينا بلا لون ولا رائحة ولا قيادة متمرسة على العمل الحزبي ، تشكل من رحم كتلة برلمانية تأسست بدورها بمرحلة صراعات سياسية وحرب بين رأسي السلطة التنفيذية حول” الاستقرار الحكومي” .
وفي مختلف المحطات التي مرت بالشاهد وجماعته ، كانت النهضة حاضرة داعمة وحاضنة ، حتى اعلانها ترشيح نائب رئيسها عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية ، اعلان بعثر أوراق “الجماعة” الذين كانوا ينتظرون دعما نهضويا سريا لتحقيق فوز في الرئاسية يُمكن الحزب من تحقيق نتيجة ايجابية في الاستحقاق التشريعي.
ودون الخوض في المشاورات الطويلة التي جدت بين الشاهد وأصدقائه من “شورى النهضة” ومن “محيط الغنوشي” للحصول على دعم في سباق الرئاسة ، فإن لحظة الحقيقة باتت جاثمة على “تحيا تونس” ومرشحه في السباق نحو قرطاج ، الذي سيخوضه مع ما لا يقل عن 10 منافسين من نفس العائلة السياسية هم عبد الكريم الزبيدي وعبير موسي والمهدي جمعة وسعيد العايدي وسلمى اللومي ومحسن مرزوق وناجي جلول والياس الفخفاخ وسليم الرياحي ونبيل القروي .
ويعول الشاهد على تشكيل حزام سياسي داعم له مع انطلاق الحملة الانتخابية يوم 2 سبتمبر القادم ، وستنطلق جولة مشاورات جديدة مع عدد من المترشحين للانسحاب لفائدته على رأسهم سلمى اللومي ومحسن مرزوق والمهدي جمعة وسعيد العايدي ، وهناك من يطمح حتى لاقناع الزبيدي بالانسحاب بدوره لفائدة مرشح حزب تحيا تونس .
المشاورات تعني عرض سيقدمه الشاهد ، يتضمن حسابات الريح والخسارة ، وصاحب الحظوظ الاوفر.فوفق قراءة تحيا تونس ، سيتمكن الشاهد من تخطي الدور الاول في صورة تمكنه من التحول الى مرشح العائلة الوسطية ، وخلال الايام القادمة ستنطلق معركة استقطاب بينه وبين المرشح عبد الكريم الزبيدي منافسه المباشر في هذه المعركة .
ماذا سيقترح الشاهد ؟ سيقترح الشاهد شراكة في الحكم اذ ان حسابات حزبه تشير الى ان الفوز في الرئاسية او المرور إلى الدور الثاني يعني اكتساح الانتخابات التشريعية ، والهزيمة ستعني هزيمة مزدوجة لبقية ممثلي هذه العائلة من الاحزاب ، والتي يخوض رؤساؤها السباق الرئاسي دون حظوظ جدية ، بما يفترض تقديم مرشح واحد منذ الدور الاول لإنقاذ ما يمكن انقاذه في مواجهة مرشحي ما يسمى بـ”الخط الثوري” الذي يضم قيس سعيد والمنصف المرزوقي اساسا والشعبويين وهما اساسا نبيل القروي وعبير موسي وممثل النهضة عبد الفتاح مورو .
وهذا التحالف ” التكتيكي البراغماتي” مثلما يسمه مصدر من “تحيا تونس” ممكن وفق تقديره مستندا في ذلك الى ” رسائل ايجابية” قدمها عدد من المترشحين للرئاسية رفض الكشف عن أسمائهم ، لافتا الى ان تطورات سيعرفها المشهد الانتخابي خلال الايام القليلة القادمة ، وإلى ان خوض الدور الاول بمرشح واحد ” فرضية ورادة جدا” وإلى ان المشاورات المرتقبة ” ستزيد من تعزيزها”.
مرشح خاص
لا يخوض يوسف الشاهد انتخابات 2019 الرئاسية كغيره من المترشحين ، فهو يترشح بصفته رئيسا للحكومة ، يلوح الكثيرون بمحاسبته ، واشهروا حتى “السكاكين في وجهه” منهم مترشحون للرئاسية لهم حظوظ وافرة للفوز بها ، وهو ايضا رئيس حزب مترشح في 33 دائرة انتخابية ونكسة في السباق الرئاسي تعني نكسة مضاعفة في التشريعية .
والشاهد عكس جل منافسيه ، سيخوض السباق بحصيلة حكم لن تكون بالمرة في صالحه ، وعكس منافسيه الـ25 ، ” داخلين في الربح خارجين من الخسارة” يعني عدم مروره الى الدور الثاني هزيمة سياسية ستحول دون تمكنه من العودة الى القصبة في كل الحالات حتى في صورة فوز حزبه في الانتخابات التشريعية وتصدرها .
كل هذا ، جعل الشاهد في سباق مع الزمن مثلما يقال ، فهو يتصل بصفة مباشرة برجال الاعمال والنواب وبإعلاميين ، وبالولاة وكانت له منذ أيام جلسة مع كل العمد ، وانطلق حزبه في حملات واسعة بمواقع التواصل الاجتماعي وسخرت اللوبيات للحشد لدعمه في الجهات ، مع معاقبة كل المخالفين ممن تقاعسوا في مساندته أو أعلنوا صراحة الانخراط في حملة مترشح منافس .
وفي غضون أسبوعين ، سيكون الشاهد امام امتحان جديد ، يتعلق بكيفية الفصل بين صفته كرئيس للحكومة وكمترشح للانتخابات الرئاسية ، وكيفية خوضها : هل سيجوب الولايات ونشاهده في اجتماعات يقدم مشروعه الانتخابي ام انه سيوكل هذه المهمة لمدير حملته وامين عام حزبه سليم العزابي ؟ المعطيات المؤكدة تشير الى ان الشاهد يعتزم المشاركة في الحملة بشكل غير مكثف لتجنب أي مس من مكانته كرئيس حكومة ، وإلى ان فريق الحملة سيكون “ضخما” ولن يقتصر على مديرها العزابي الذي سيكون مرفوقا بـ 5 مساعدين وسيتكفل هو بمهمة الناطق باسم الحملة الانتخابية.
ويوم امس ، التقى الشاهد بمجموعة من الشخصيات والنواب الذين اعلنوا مساندتهم لمرشحين آخرين ، وتحديدا عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني المستقيل ، ويرجح ان يكون قد طلب خلال لقائه يوم امس بالقائم بأعمال رئيس الجمهورية محمد الناصر توضيحات بخصوص استقالة الزبيدي الذي اختار الا يقدمها له .
ويبدو ايضا ان مسألة الاستقالة ستحسم بشكل نهائي اليوم أو غدا ، في وقت نفت مصادر من رئاسة الجمهورية ان يكون قد تم تحديد موعد نهائي لاجتماع مجلس الوزراء الذي اعلنت سعيدة قراش انه سيكون يوم غد الاربعاء 21 اوت 2019 ، وسيخصص لملف الانتخابات وحياد السلطة التنفيذية على مستوى الحكومة تحديدا التي ستشارك فيه بـ7 مترشحين للتشريعية ومترشحين اثنين للرئاسية وعضو اخر سيكون مدير حملة انتخابية للمترشح محسن مرزوق.
ورغم انه لا قرارات منتظرة من مجلس الوزراء في ما يخص حياد اجهزة الدولة في العملية الانتخابية المرتقبة ، فإن طرح هذا الملف على اعلى مستوى في الدولة يبقى مهما لاسيما ان المخاوف من توظيف اجهزة الدولة مطروحة بشكل جدي وحتى التزوير بات مطروحا على اكثر من صعيد بعد فضائح التزكيات البرلمانية والشعبية وتسجيل “الاموات” للانتخابات وحتى الاشباح استنادا الى الشهادات التي تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
انتخابات 15 سبتمبر 2019 ، هي اول مواجهة للشاهد مع صندوق الاقتراع بعد مسار سياسي لعب فيه الحظ و”القرابات” دورا اساسيا ، ونأمل الا تلعب اجهزة الدولة “وقوة السلطة” دورا في العملية الانتخابية ، التي يخوضها الشاهد بخوف من خسارة كل شيء في سباق رئاسي سيكون محددا له ولحزبه.
صدر بالعدد الأخير من اسبوعية “الشارع المغاربي”.