الشارع المغاربي – "الشوالق" تعمّق العجز التجاري مع تركيا

“الشوالق” تعمّق العجز التجاري مع تركيا

قسم الأخبار

20 نوفمبر، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أثارت مجددا المعطيات التي نشرها نهاية الاسبوع الفارط المعهد الوطني للإحصاء حول عجز الميزان التجاري مع عدد من البلدان جدلا كبيرا بعد ان اوضحت البيانات الاحصائية ان العجز مع تركيا تفاقم نهاية اكتوبر الفارط الى3.4 مليارات دينار بسبب تواصل نزيف توريد مواد الاستهلاك والتي يتكون اغلبها من النسيج والملابس ومنتجات اخرى تُغرق السوق التونسية في مخالفة واضحة لقوانين المنظمة العالمية للتجارة.

وبمزيد التثبت في احصائيات وبيانات موقع مركز التجارة الدولي الراجع بالنظر لوكالة التعاون التقني لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بحكم غياب اية معطيات صادرة عن الادارة العامة للمبادلات الخارجية في وزارة التجارة حول مبادلات تونس مع دول العالم، يتضح ان البيانات الدولية حول الواردات من تركيا تحيل الى حقائق صادمة بخصوص تركيبتها وتطورها القياسي خلال السنوات الاخيرة دون اعتبار الواردات “الموازية” التي لا تسجل بالمنظومات الاحصائية والتي تدخل الى البلاد بطرق ملتوية عبر شبكات معقدة.

الواردات التركية: ارقام رسمية منقوصة

يتسم الافصاح عن ارقام التجارة الخارجية لتونس من قبل الهيئات الحكومية على غرار وزارة التجارة والمعهد الوطني للإحصاء بنقص الدقة والتعتيم على تفاصيل مبادلات المنتوجات مع كل بلد على حدة وذلك لعدة اسباب اهمها سعي السلط لتغطية مكامن العجز التجاري مع عدد من الدول بعينها خصوصا حسب المواد الموردة. غير ان قواعد بيانات دولية عديدة معتمدة تقدم احصائيات دقيقة حول المبادلات التجارية سواء لتونس او لغيرها من دول العالم.

وتبين في هذا الاطار احصائيات وبيانات موقع مركز التجارة الدولي التابع لوكالة التعاون التقني لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ان المبادلات التجارية بين تونس وتركيا تتعلق أساسا حسب اخر المعطيات المحينة لسنة 2021 بمواد صدّرتها تركيا الى تونس بقيمة 1189.5 مليون دولار وأن ذلك يعادل 3449.6 مليون دينار مقابل واردات تركية من تونس لا تتجاوز كلفتها 230.2 مليون دولار (667.6 مليون دينار( مما يعني ان العجز التجاري لمبادلات تونس مع تركيا يناهز 2862 مليون دينار.

وتتمثل الواردات التونسية من تركيا بالخصوص، حسب الرموز الدولية للمنتوجات، في النسيج والملابس (285.2 مليون دولار) والمعدات المصنعة (240.7 مليون دولار( ومنتجات استهلاكية مختلفة في حين تمثلت الصادرات التونسية وفق بيانات موقع مركز التجارة الدولي بالخصوص في الاسمدة (72.5 مليون دولار( والمنتجات الكيميائية (60.4 مليون دولار(.

غير ان هذه الارقام تبقى منقوصة الى حد بعيد، باعتبار ان جل الواردات من تركيا تتم خارج المسالك المُهيكلة حيث يجري ضخ السلع من هذا البلد بخلاص قيمتها من قبل العديد من التجار في تونس بالعملة الوطنية وفق ممارسة تعرف بالـFormule  لتتولى شبكات موجودة في المناطق القريبة من الموانئ، بشكل عام، إيصال السلع الى التجار دون فواتير او مستندات تثبت عمليات استيرادها في سياق تعاملها مع شركات واجهة وجهات متخصصة في تهريب السلع في تركيا وهي ظاهرة مستفحلة في هذا البلد الذي يقوم اقتصاده بنسبة كبيرة على التعاملات الموازية.

من ناحية اخرى، تدخل السلع التركية بكميات كبرى للبلاد عبر توجيه مسافرين تونسيين لتركيا بعنوان “السياحة” شحنات من السلع التركية بعد خلاص قيمتها في هذا البلد لأطراف يتعاملون معهم ويتكفلون بكافة اجراءات تصديرها الى تونس.

كما تساهم الشركات العاملة في اطار “الاستغلال تحت التسمية الأصلية”franchise  في استيراد كميات كبرى من السلع التركية علما انه لا وجود لأرقام دقيقة حول انشطتها ومعاملاتها رغم حضورها الكبير والمتزايد في السوق التونسية منذ سنوات.

سلع رديئة ومسالك لتبييض الأموال

تتسم الواردات التركية عموما برداءتها ومخالفة المواصفات الصناعية التونسية فضلا عن تعمد العديد من الصناعيين الاتراك تغيير منشأ المواد التي يصدرونها لتونس وهي منتجات صينية في معظم الحالات وذلك للاستفادة من امتيازات الاعفاء الديواني التي تخوّلها اتفاقية التبادل التجاري بين تركيا وتونس لسنة 2004 والمنقحة في اتجاه التفكيك الكامل للرسوم الديوانية على الواردات التركية الى تونس سنة 2013.

يتضح كذلك من خلال تحليل المعطيات الاحصائية ان حجم السلع التركية التي تدفقت على تونس خلال عام 2021 بلغ من حيث الوزن 931.9 ألف طن بقيمة 3396.4 مليون دينار وهو ما يعني ان كلفة كل كيلوغرام من السلع التركية الموردة نحو تونس 0.3 دينار ويعني ذلك انه من المفروض ان السلع التركية تتكون من مواد اولية ومعدات وتجهيزات ثقيلة في حين ان السلع الموجودة في تونس هي في الاغلب منتجات استهلاكية خفيفة تتكون اساسا من الاقمشة والملابس والبلاستيك المنزلي ومواد التزويق وبعض المنتجات الغذائية البسيطة.

وعلى هذا الاساس تفسر هذه الوضعية على الأرجح بلجوء بعض الموردين الى تضخيم قيمة الواردات من تركيا في سياق تعامل مع شركات تربطهم بها في هذا البلد علاقات شراكة وهو ما يندرج في إطار عمليات تهريب الاموال وتبييضها في سياق التدفقات المالية غير المشروعة علما ان تونس تعد البلد الأول عربيا وفق تقرير نشره المرصد التونسي للاقتصاد اواخر 2019 من حيث التدفقات المالية غير المشروعة وذلك بنسبة 16.2 بالمائة من اجمالي حجم التجارة الخارجية للبلاد باستثناء المنتجات البترولية.

وزارة التجارة تبرر اغراق السلع التركية للسوق المحلية

صرحت المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات درة البرجي بداية جانفي الفارط أنه ستتم ضمن استراتيجية وخطة عمل ضبطتها الوزارة مراجعة اتفاقيات تجارية ممضاة مع عدة دول وتعديلها على ضوء تطور التبادل التجاري المشترك بينها وبين تونس. من ذلك أنه تم الانطلاق في مراجعة الاتفاقية المشتركة بين تونس وتركيا على مستوى الوزارة على أساس المبادلات التجارية وبمقاييس علمية تتعلق بفرص التصدير ومضار الواردات التركية لمواد لها مثيل مصنّع محليا.

وبيّنت درة البرجي أنه سيتم تحليل كل الجوانب في الاتفاقية إلى جانب مراجعة هيكلة واردات تركيا مع العالم ككل وحصص تونس منها. من ذلك مثلا أن تركيا تستورد الأسمدة بالمليارات من عدة دول بالعالم في حين ان حصتها من وارداتها من تونس من هذه المادة لا تتجاوز 7 بالمائة من مجمل وارداتها.

وأوضحت درة البرجي أنه سيتم عرض التقييم على الشريك التركي وتباحث اقتراحاتها لإصلاح وضعية الميزان التجاري بين تونس وتركيا مقرة بتفاقم العجز التجاري مع تركيا خاصة منذ سنة 2007 وبانه تضاعف بأكثر من 5 مرات الى حدود سنة 2020 مبرزة انه نتج عن ذلك تراجع ملحوظ لنسبة تغطية الصادرات للواردات.

وبررت البرجي وضعية ردم السوق التونسية بسلع عديمة الجودة ومخالفة للمواصفات في سياق اغراق سعري غير مقبول حسب قوانين منظمة التجارة العالمية بعدم التمكن من التغلب على الاختلال في المبادلات بين البلدين وهو ما حال، وفقا تقديرها، دون تحقيق تونس المنافع المرجوة من اتفاق الشراكة مع تركيا على النحو الأفضل حيث تسبب هذا الاتفاق في دخول البضائع التركية السوق المحلية دون فتح آفاق واسعة أمام الصادرات الوطنية.

وأعلنت انه تم الشروع في مراجعة اتفاق الشراكة بما يخدم مصلحة البلدين من خلال اعتماد تمش يرمي الى ترشيد الواردات ذات المنشأ التركي وتثمين الصادرات الوطنية إلى جانب التركيز على ضرورة الاستفادة من كل فرص التعاون الاقتصادي والفني الذي من شأنه النهوض بالاقتصاد الوطني. غير ان وضعية التوريد العشوائي للسلع التي بدأت مع الترويكا سنة 2012 تبقى متواصلة بنسق اعلى حتى بالمقارنة مع زمن حكمها وهو ما يؤكد وجود ارادة واضحة للسلط القائمة للاستمرار في السماح للواردات التركية بالتدفق على السوق الوطنية بما يخلق وضعية هيمنة كمية ونوعية وسعرية مما يؤدي في النهاية الى انهاك الصناعة التونسية بالكامل وانهائها.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 نوفمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING