الشارع المغاربي – العلّة في النظام السياسي الحالي / بقلم خالد عبيد

العلّة في النظام السياسي الحالي / بقلم خالد عبيد

قسم الأخبار

12 نوفمبر، 2019

الشارع المغاربي : – بقلم خالد عبيد: ها قد مرّت انتخابات 2019 كما مرّت انتخابات 2011 و2014، وسنشهد قريبا فصول انعقاد البرلمان الجديد ومن سيكون رئيسه؟ ومن ثمّة مسألة تشكيل الحكومة ومن سيتولّى رئاستها؟ فالمشهد يتكرّر وهو ذاته، حتى وإن كانت السياقات مختلفة كمَا الظرفية!

لكن كيف نضْمن ألا يتكرّر ذات الذي عايشنا جميعا ؟ والذي كان السبب وراء هذا “القَرَف” الذي لوحظ لدى جزء كبير من التونسيين تجاه عموم الطبقة السياسية مع بعض الاستثناءات القليلة، قرَفٌ سرعان ما أصبح خيْبةً مريرةً وإحْبَاطًا انْعكس سلْبًا عليها في انتخابات 2014 و2019. كيف نضْمن ألا يصبح المشهد السياسي التونسي كَافْكَاوِيًا أي عَبَثيا؟ يُستنسخ في كلّ انتخابات وما بعدها في مشاهد تتكرّر وفي كلّ مرّة وبأكثر حدّة من ذي قبل؟ تبدأ بِبَهْجَةِ طَرَفٍ وحُزْنِ طرَف آخر وتنتهي بخيْبة هذا الطرف وتأهّب الآخر “للانقضاض”، وهكذا هو حالنا في هذه الأيّام!
هل أنّ قدرنا في تونس أن نبقى نُعاني من العَبثية في أرْذَلِ تجلّياتها، بينما الاقتصاد قاب قوْسين أو أدْنى من الانهيار والدولة على شَفَا الإفلاس؟ هل لدينا متسع من الوقت كي نتراشق بسَخَافات عَدَمية ونترك اللُبَّ وأصْل الداء؟ في مشاهد أقرب منها إلى التَرَاجِيدِيَا- المُضْحِكة والمُبْكية في ذات الوقت! فإذا كانت من قبل لدينا القدرة، كما لاِقْتصادنا، على تحمّل ما بعد انتخابات 2011 و2014، فهل لدينا ولديه القدرة الآن؟ قطْعا لا !.
عِلَّتُنا وعِلًّة تونس، تكمن في نظرنا، في هذا النظام السياسي المُعْتلّ وقانونه الانتخابي، فما دام هذا النظام مُسَلّطًا على رِقابنا، فإنّ الوضع لن يتغيّر، بل سيزداد سوءًا، فهو الذي يفرز سُلوكات مُسْتنْسَخة في طريقة التسيير والحكم ، وهو الذي يفرز كلّ هذا اللَغَط والهَرَج حول تشكيل حكومة من عَدَمِه، وهو الذي يُفرز حتْما حكومة مُحَاصصة حزبية، وهو الذي يُتَوَّج بحكومة الأربعين وزيرا وأكثر وجيش متكرّر من المستشارين، وهو الذي يقف وراء تعطيل مرافق الحكم وتسييره، وهو الذي يضعف من هيبة الدولة المركزية، إِنْ بقيت لها هيبة في انتظار الإجهاز عليها، إذا ما قُيّض يوما تطبيق باب الحكم المحلّي في هذا الدستور أو نجح رئيس الجمهورية الحالي في تمرير مشروعه “الهرم المقلوب” ! .
لا يهمّ هنا من هم هؤلاء الأشخاص الذين على رأس الحكم؟ فالأسماء تتبدّل والسلوكات هي نفسها! لأنّها إفراز حتمي لطبيعة النظام السياسي المعتمد، وفي كلّ مرّة يقع البحث عن كبش فداء محتمل ومفترض يُلْصق به الفشل الحتمي لهذه الحكومة أو تلك ! .
قناعتنا أنّ تغيير الدستور الحالي أو تعديله، كما القانون الانتخابي هو أمر حتمي ولا مَناص منه، وقناعتنا أكثر أنّ الهَدْرُ الذي تعيشه تونس على جميع المستويات وخاصّة هدْر الوقت والقدرة على الفعل قد بلغ أقْصَاه، وقناعتنا أكثر فأكثر أنّ البرلمان الحالي كما الرئيس الحالي عاجزان عن هذا التغيير، بالنظر تحديدا إلى طبيعة النظام السياسي المعتمد، هذا إن مكّنتهما الظروف الطارئة المحتملة من التفكير جدّيا في ذلك ! .
عندما نرى حصيلة ما يمكن تسميته بـ: “عَشْريَة الهَدْر” التي شارفت على الانقضاء، يحقّ لنا أن نتساءل لماذا لم يتمّ الاستماع إلى آراء خبراء القانون الدستوري آنذاك الذين نصحوا بعدم الذهاب إلى ما ذهبنا إليه وقتها من مجلس تأسيسي …الخ؟ واقترحوا إدخال بعض التعديلات على دستور 1959 ! لأنّ الأصل في الدستور أن تكون مبادؤه عامّة وليست تفصيلية كما هو الحال في الدستور الحالي الذي يكبّلك أكثر ممّا يساعدك على تجاوز الإشكالات.
جوابنا بديهي ! لأنّ هناك ريْبة تجاه كلّ من يمثل النخبة والأنْتَلِجنْسِيا، سُرْعان ما تطوّرت لاحقا والآن إلى شيْطَنةٍ وهتْكٍ لها بغاية إجبارها على الصمت في انتظار تحقيق الهدف الأسمى وهو “فيْشَسَة” المجتمع التونسي ( أي أن يصبح فاشيا) الذي يسير الآن بخطى حثيثة خاصّة أمام “التقاعس” المُريب لما يسمّى بالنخبة التي نرى بعضها يبذل كلّ جهده في معارك دُونْكِيشُوتِية ولا غَرْوَ! فهي مرآة لهذا المجتمع الذي انبثقت منه!
والحلّ في نظرنا هو في الإسراع قبل فوات الأوان، في تغيير النظام الحالي اعتمادا على آراء أهل الاختصاص من القانونيين خاصّة، وإن كنّا نرى أنّ النظام الأقرب للذهنية الجماعية للتونسيين هو النظام الرئاسي على الطريقة الأمريكية، فقد يحقق الاسْتئْنَاس به التوازن الحقيقي بين سلطة تنفيذية قويّة ذات رأس واحد ومعه كتّاب دولة لوزارات محدودة ومحدّدة وسلطة تشريعية قويّة ذات مجلس واحد فقط، كلّ سلطة تراقب الأخرى وتعدّلها إذا ما حَادَت.
لكن هل هذا أو غيره من الاقتراحات ممكن حاليا؟ جوابنا هو بالنفي قطْعًا! وخوْفنا أن تضطرّنا الظروف الطارئة التي نراها قادمة ونتوجّس منها خِيفَةً إلى القبول صَاغِرِين باسْتتْبَاعَاتِها دون أن تكون لدينا القدرة على الفعل، وهنا منتهى الهَدْر العشْرِي الذي عِشْناه وبداية عشرية كلّ الاحتمالات!
 

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING