الشارع المغاربي – العميد الصادق بلعيد : فرضية فوز نبيل القروي في الرئاسية تؤدي قانونيا إلى طريق مسدود (حوار)

العميد الصادق بلعيد : فرضية فوز نبيل القروي في الرئاسية تؤدي قانونيا إلى طريق مسدود (حوار)

13 سبتمبر، 2019

الشارع المغاربي – نقل خالد النوري: لم يُخف أستاذ القانون الدستوري العميد الصادق بلعيد مساندته المطلقة للمترشح المستقل للرّئاسية عبد الكريم الزبيدي معتبرا انّه الافضل والاقدر على رئاسة البلاد. واعتبر بلعيد في الحوار الذي ادلى به لـ”الشارع المغاربي” أنّ ما بين 4 او 5 ترشحات فقط من مجموع 26 مترشحا يمكن اعتبارها جدية. وتوقع محدثنا تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها محملا النظام الانتخابي الحالي مسؤولية عدم حصول نتائج مرضية في الانتخابات التشريعية.

*وانت تتابع مجريات الحملة الانتخابية الرئاسية ما الذي يخيفك وما الذي ربما يسعدك؟
– ما يخيفني هو ان الحملة الانتخابية والتي لها اهمية مصيرية تشبه كثيرا الحملات السابقة بمعنى انها تُشكّل حقيقة خيبة امل لان التونسيين وبعد تجربتين وعهدتين اي قرابة 10 سنوات، “تليّعوا” في مناسبتين وكانوا يتطلعون الى ما هو افضل وخصوصا ينتظرون من الاحزاب والمترشحين بأن يفرزوا لنا ما يبعث بعض الامل في تحوّل الحالة السيئة التي تعرفها بلادنا على جميع المستويات، وربما هذا ما سنتعرض اليه بأكثر تفصيل من خلال هذا الحوار

*ما هي تحديدا الاشياء أو الاحداث في مجريات الحملة التي بعثت فيك الخوف ؟
– لنبدأ بكيف تصور المترشحون حملاتهم الانتخابية … فقد قالوا انهم سيقومون بحملات انتخابية جدية وشفافة وأنهم سوف يصارحون الشعب بالحقائق ويطرحون عليه الحلول التي تستجيب لتطلعاته وأنهم سيقدمون هذه الحلول في برنامج انتخابي، وهذه هي الكلمة السحرية الجديدة …ففي السابق كانوا يقولون انهم سيعدّون لنا دستورا لكن لا نعرف ما هي المفاجآت التي ستتضمنه اما الآن فان الكلمة السحرية الجديدة هي البرنامج الانتخابي..
* لو نبقى في الحملة الانتخابية ومجرياتها ؟
-في هذه النقطة بالذات فإن الحملة تشبه كثيرا الحملات السابقة ومثلما تقول الاغنية الفرنسية “كلام في كلام “، وبكل اسف فان الاغلبية من المترشحين ما يبيعون الكلام. أما النقطة الثانية ومثلما نعلم فان الحملات السابقة كانت مشوبة بالكثير من الفساد … كالفساد العلني الذي اضحى على قارعة الطريق على غرار من يتم جلبهم للانتخاب مقابل “قفة”، والنوع الثاني من الفساد اعمق واخطر، وهو المال السياسي اي المال الفاسد.

وللأسف فان مثل هذه الممارسات مازالت متواصلة وتلعب دورا ربما لا نعرف عمق خطورته لأن هناك اشياء تحصل ونعلم بها ولكن هناك اشياء اخرى تحدث ولا يحصل العلم بها، وعلى سبيل الذكر، لنتفكر الواقعة التي حصلت في بلدة بجهة صفاقس حيث حصل “عراك “والسبب في ذلك ان بعض المتطرفين من بعض الاحزاب يهددون الناخبين وهناك من تم الاعتداء عليه بالعنف الشديد وهذه الواقعة حصلت قبل 3 او 4 ايام، والاكثر من ذلك فانه اذا كانت الاحزاب في السابق تقوم بمثل هذه الممارسات “في الستر” فإنها اصبحت الان تقوم بها علانية وتكاد تكون رسمية، وخير دليل على ذلك ان احد المترشحين عمل على امتداد 6 اشهر او اكثر وتوجه الى اعماق البلاد للاتصال بالفقراء والمساكين فيها بقصد تقديم العون لهم وتزويدهم بالطعام وغيره. وهذا كان بمثابة” الاستغلال”، فقد اكتشفنا في ما بعد نواياه ، وان هذا المترشح صعدت اسهمه الى القمة بما من شأنه أن يفسد العملية الانتخابية برمتها ويزعزع الثقة فيها .

وبمثل هذه الممارسات التي اتاها هذا المترشح (وهي ممارسات استعملها غيره ايضا) سنصل الى ادانة الديمقراطية التونسية واعتبارها “ديمقراطية فوضوية “وديمقراطية جمهوريات الموز ” اذ يجب الا ننسى ان المجلس التاسيسي ومن بعده المجلس التشريعي الحالي متهم بصفة ثقيلة بان المال السياسي لعب على طول المدة دورا كبيرا مما أثّر على التوازن السياسي وعلى العملية الديمقراطية حتى انها اصبحت “ديمقراطية كوميدية”.وما يحصل الان هو ان هناك من جهة الاشخاص الذين اشتروا الذمم بالمليارات على مراى من الجميع، فأين هي هيئة الانتخابات والهايكا وأين الحكومة …؟
*هناك من يقول ان الصراع بين بعض المترشحين خرج من مربع العمل السياسي المقبول واصبح صراع ملفات “ورّي نورّي” فما رايك؟
– الحملة الديمقراطية الحقيقية النظيفة هي حملة تَواجُه بين افكار ومشاريع وبرامج ورؤى، لكن الديمقراطية الحالية في بلادنا للأسف منذ سنة2011 لم تكن من قبيل الديمقراطية الحقيقة بل كانت ديمقراطية مزيفة وديمقراطية مغلوطة لأنه لم تكن هناك افكار ولا برامج ولا سياسات بل هناك أطراف يتخاصمون في ما بينهم “تحت الطاولة” ويمسكون بخيوط اللعبة وبالطبع كل واحد منهم يحتفظ بملفات عن الاخر، وفي الوقت الراهن اصبح كل حزب يمسك بملفات الخصوم.. ,اصبح العديد من المترشحين اللذين في قلوبهم مرض يتزاحمون على المناصب سعيا للتّحصل على الحصانة الرلمانية… صحيح ان الحصانة موجودة في كل الديمقراطيات ومعمول بها في فرنسا وبلجيكا ..لكن الحصانة التي عندنا في تونس “ما جاء بها قاموس” لانها حصانة يكون فيها المتهم او المشبوه فيه خصما وحكما في آن واحد … ومن كتب نص الحصانة كان يعرف ماذا يفعل ومثلما هو معلوم من خلال وسائل الاعلام فإن ما لا يقل عن 30 بالمائة من النواب لهم ملفات .
* اذا كانت هذه السلبيات موجودة فهل هناك ما يبعث على التفاؤل في الحملة الانتخابية؟
– عندما أصبحت مطالب الترشحات للرئاسية تتهاطل وبلغ عددها قرابة المائة، قلت في نفسي ان هذا لن يخرجنا من المأزق والحقيقة ان في القانون نقاط ضعف كثيرة وجسيمة، فان أقل ما كان يجب المطالبة به هو تقديم كل مترشح للبطاقة عدد 3 الى جانب الاستظهار بما يفيد تسوية الوضعية الجبائية والتصريح بالممتلكات وغيرها؛ إلا أن للأسف تفاجئنا بثغرة مريبة في القانون في هذا المجال فتقدم الى الانتخابات المترشحون اللذين يملكون بطاقة نظيفة وغيرهم من اللذين لهم ملفات جنائية خطيرة ومريبة.
– هل معنى هذا انه ليس هناك ما يسعدك؟
* النزول بعدد المترشحين الى الرئاسية من 97 الى 26 يعتبر في حد ذاته ايجابيا رغم انه حسب تصوري هناك تقصير من قبل الحكومة ومن قبل هيئة الانتخابات نفسها واللذين كان بوسعهما لعب دور بأكثر حزم وجديّة. ..
والنقطة الثانية انه من ضمن المترشحين للرئاسية لا توجد بكل موضوعية سوى 4 أو 5 ترشحات جدية، ولكان أفضل لو اهتدينا الى مثل هذا الحل من البداية.
* هل لديك فكرة عن برامج اهم المترشحين … يوسف الشاهد مثلا ؟
عندما بدأت المعركة الانتخابية اذكر ان المترشحين تعهدوا بانها ستكون افضل من سابقاتها وأنهم سيقدمون برامج يتعهدون بتنفيذها في صورة الفوز
لكن بمتابعة انشطة الاحزاب لا نجد اثرا لأنشطة تتعلق بضبط البرامج الانتخابية والتي تقول من خلال مرشحيها انها تتعهد بإنجازها.
*لكن هناك بيانات انتخابية ؟
– هناك فرق كبير بين البيانات والبرامج الانتخابية … البيانات هي مجرد كلام .. اما البرامج فهي التزام سيحاسب عليه المترشح او الحزب ..وثانيا تطرح البرامج الانتخابية للنقاش للوصول الى الدقة والوضوح اللذين يمكنان الناخب من تحديد اختياره فإما ان يقتنع بالبرنامج أو ينفر منه.
ومن المؤسف ان كل الاحزاب فعلت نفس الشيء ما يعني ان الناخب لن يجد امامه ما يشفي الغليل ويساعده على تحديد اختياره.
وبحكم متابعتي هناك على الاقل مترشح قال حرفيا ان لديه برنامجا انتخابيا واعلن نشره في بداية شهر سبتمبر وهذا المترشح هو يوسف الشاهد.. وهذا النص الذي امامي الآن يتضمن 7 نقاط. وقد تمعنت في هذه النقاط ومنّيت النفس بأن أجد ما يشفي الغليل، لكن للأسف الملاحظة العامة انه “كلام فارغ” … ومجرد اعلانات “فارغة” لأنها اعلانات تتعلق “بجزئيات الجزئيات” وعوض أن يعلن مثلا انه سيهتم بوضعية المرأة لان المرأة هي نصف المجتمع ولان الدستور نص على ذلك ويشدد خاصة على قضية المساواة يعلن بأنه سيهتم بوضعية المرأة الريفية؛ “فما أقوى سعد المرأة الريفية” التي كانت منسية على امتداد قرون والان أصبحت يتذكرها الجميع…وهذا من قبيل الدمغجة السافرة.
مع احترامي للمرأة الريفية والعديد من ضعاف الحال، فإني أعتبر ان دور رئيس الدولة والمترشحين لهذه المهمة أن ينكبوا على كبار المسائل وعلى ابتكار الحلول المناسبة لها، وكذلك استنباط البرامج التنموية والحلول في ميدان التشغيل والحد من هروب الادمغة وغيرها من الاشكاليات الكثيرة.
* ما هو العنصر او العناصر المحددة لاختيارك عبد الكريم الزبيدي من بين المترشحين للرئاسة ؟
– اذا اخذنا بعين الاعتبار المعايير الصحيحة والمتفق عليها بالاجماع فإننا نريد مترشحا “نظيفا “وحسب معلوماتي فان هذه الصفة تتوفر تماما في المترشح عبد الكريم الزبيدي هذا زيادة على اكتسابه لمعرفة ودراية بالمشاكل الاقتصادية تفوق خصال الكثير من الاعلام السياسية في البلاد. ولا ننسى أن وزير الدفاع،يعرف “الشقيقة والرقيقة” و “الكبيرة والصغيرة”، ورئيس الدولة يراجع يوميا وزير الدفاع عندما يرغب في الحصول على المعلومة او النصح، فالزبيدي استاذ جامعي في الطب واستاذ في كبرى الجامعات الاجنبية ورئيس جامعة وعميد، وهذا يعني أن له من الكفاءة والتجربة في الشؤون الداخلية كما في الخارجية التي يصعب تواجدها في غيره.
* ما هي توقعاتك بالنسبة للانتخابات التشريعية وهل ستؤدي حسب قراءتك الى تشكيل اغلبية متماسكة ومستديمة؟
– مع كل الاسف، هذه المسألة شُرّع لها مسبقا بالنظام الانتخابي الفاسد.. وما دام النظام الانتخابي الحالي قائم الذات فإن خوفنا هو أن النتائج ستكون ربما غير مرضية.
*يعني انك تتوقع برلمانا متشظيا؟
نعم، أنا اخشى بكل أسف ان يكون للفساد الذي عمّ البلاد في “التأسيسية والتشريعية” تأثيرا سليا عميقا على الانتخابات التشريعية القادمة.
*هناك من يقول إنه من الصعب تشكيل أغلبية وأنه من الوارد أن يقع اللجوء الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في سنة 2020 ؟
هذا يحيلنا الى السؤال: من سيكون رئيس الدولة؟ لأنه هو الذي سيكون القائد وهو من يطالبه الدستور بتقريب وجهات النظر وادارة مشاورات المرحلة ولا استبعد الا ينجح رئيس الدولة في محاولات المصالحة وتقريب وجهات النظر وأن هذا سيجره الى اللجوء الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
إن الاغلب على الظن أن تفضي نتائج الانتخابات التشريعية الى تشكّل قطبين: قطب محافظ وآخر حداثي فإما هذا او ذاك.
وعموما فان الشرعية القادمة ستكون ضعيفة لانه ليس لها مشروعية تذكر.
*ماذا لو افضت الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها الى نفس النتائج؟
-… ينبغي ان ندرك ان البلاد الآن معطلة وكنا ننتظر أنّ الديمقراطية والانتخابات الديمقراطيّة ستساعد على حل المشاكل العظيمة التي تواجهها بلادنا؛ لكن مع الاسف، نحن بعيدون عن هذه الفرضية؛ فإن لم تستقم الامور والمؤسسات وسياسيات، فلا هروب من شبح فترة عدم استقرار وحتى فترة “ثورة جديدة”، “لا قدر الله”.
كيف سيتم التعامل مع نبيل القروي في صورة فوزه في الانتخابات الرئاسية، قانونيا ودستوريا، كيف سيتم التعامل مع هذا الفوز؟
قانونيا

من الناحية القانونية، يتعين الاقرار بأن المنظومة الدستورية والمؤسساتية التي وضعت في 2014 قد أفلست وأن اي حل سيقع اللجوء اليه من طرف المنظمات الحزبية أو “الخبرات القانونية” لن تكون الا حلولا ترقيعية تؤول آجلا أو عاجلا الى طريق مسدودة والى وجوب مراجعة المنظومة الحكمية من أساسها اي الى وجوب المراجعة الكلية للدستور الحالي في ظروف سليمة أكثر مما كانت عليه الحال في فترة المجلس التأسيسي.
سياسيا
اولا هي مجرد فرضية قد لا تحصل، وهي في صورة حصولها، عفانا الله، لا شك أن ذلك ورغم حصول المعني بالأمر على كميّة كبيرة من الاصوات، سيكوّن وضعية سياسية نادرة لا يرتاح لها الشعب بأغلبيته وسيدرك عندها بخطورة وربما باستحالة تدبير شؤون البلاد بصورة مرضية، وهذه الأزمة ستؤول عاجلا أو آجلا الى ضرورة اعادة خلط الأوراق وإلى إعادة تقويم عميق للمؤسسات الحكمية للبلاد؛ وهذا يرجع بالأساس الى وجوب تدخّل القوى السياسية، ما ينبئ بإمكانية الرجوع الى انعدام الاستقرار في البلاد ….
ماذا عن فرضية فوز الشاهد بالرئاسة، كيف سيكون التعامل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وهل يمكن أن يستعمل التفويض مرة أخرى؟
لا يوجد حل لهذه الاشكالية في نص الدستور الحالي ما يعني أن الخروج من المأزق الذي تفكرون فيه لن يكون الا عن طريق استقالة الحكومة الحالية وتكليفها حالا بمهمة تصريف الاعمال الى حين ارساء حكومة جديدة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING