الشارع المغاربي – العنف في الملاعب :أيّة عتبات للفهم ؟ / بقلم : محمد جويلي

العنف في الملاعب :أيّة عتبات للفهم ؟ / بقلم : محمد جويلي

30 مارس، 2018

الشارع المغاربي : دعت الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم إلى ندوة حوارية من أجل تشخيص ظاهرة العنف في الملاعب التونسية واقتراح حلول لها. وهذه ليست الندوة الأولى ولن تكون بكل تأكيد الأخيرة. هناك سؤال يتكرر في مثل هذه اللقاءات يتعلّق بجدوى هذه الحوارات، هناك من يقول أن الأمر مجرّد تنظير وأنّ علينا التسابق نحو التطبيق. وهناك من يرفع صوته عاليا مذكرا بغياب إرادة سياسية لحلّ الإشكال. وهناك من يصنّف مثل الندوات في خانة ردود الأفعال تظهر متى ظهر العنف في الملاعب وتنكفئ متى قلّ منسوبه وتراجع.

لكل من هذه القراءات وجاهتها. ولكننا نعتقد أن المراكمة في التعامل مع هذا الموضوع ضرورية. لم تدخل العلوم الإنسانية والاجتماعية غمار التداول في الشأن الكروي والرياضي إلا مؤخرا. وليس من السهل على الفاعلين في كرة القدم التونسية قبول المقاربات السوسيولوجية لظاهرة العنف في الملاعب على سبيل المثال. ثمة فقط المقاربتان الأمنية والتشريعية. ولذلك من المهم إنشاء ديناميكية معرفية في التعامل مع ظواهر الرياضة وظواهر كرة القدم لأن المشكل الذي يحول دون توجّه نحو المعالجة هو مشكل معرفي، مشكل في الفهم، وعندما تعوزنا المعرفة العميقة للظاهرة نعجز عن إيجاد حلول لها حتى ولو كانت الإرادة السياسية موجودة. الفهم الخاطئ والسطحي والمتسرع يقود إلى علاجات خاطئة ومتسرعة.

هناك شروط علمية لفهم دقيق لظاهرة العنف في الملاعب إنّ الشرط الأساسي هو أن العنف ليس حدثا تسجله كاميروات المحطات التلفزية، هو ليس ما يقدم لنا جاهزا في نشرة إخبارية عاجلة. العنف مسار يتمّ بناؤه من طرف فاعلين ضمن سياقات لها شروطها الموضوعية والذاتية. علينا إذا تحديد هؤلاء الفاعلين، من هم؟ كيف يتصرفون؟ ماهي رهاناتهم؟ ما هي الرسائل التي يريدون التعبير عنها؟ ما هو السياق المناسب الذي يدفع بأفراد أو بمجموعات إلى ممارسة العنف؟ ماهو منطق هذا العنف؟ أسئلة عديدة تطرحها السوسيولوجيا في تعاملها مع ظاهرة العنف عموما ومع ظاهرة العنف في الملاعب خصوصا. عندما يقرأ العنف كمسار، عندها يتمّ العلاج باستعمال مقاربة أخرى تدمج كل العناصر المؤدية إليه.

الشرط الآخر الذي لا يقل أهمية في فهم الظاهرة هو أن للملاعب ولعالم كرة القدم عالمها الخاص، منطقها الخاص ونوعا من الاستقلالية. يعطينا هذا الشرط  التأويل التالي: عندما ترفع مجموعاتالأولتراس  مثلا صورا لبن لادن أو لعلم داعشمع تنديدنا بهذا السلوكفي المدارج، فهذا لا يعني أن هذه المجموعات الشبابية تتبنى مشروع داعش وتدافع عنه وتنخرط فيه وأنّها مخترقة من مجموعات إرهابية.هذه مجرد قراءة أمنية متسرعةمع واجب الحذر والاحتياط طبعاوهي قراءة تدفع بإجراءات قد تقودنا إلى عنف أكبر. منطق هذه المجموعات عندما ترفع لافتات بن لادن أو داعش أو حزب الله أو شي غيفارا هو منطق من يريد التعبير عن قوته الرمزية، هو منطق من يريد أن يرعب الغريم، أن يثبت له تفوقه وأنه ممسك في هذا السياق بالذات بمنابع القوة والشراسة والتحدي، هو شكل تراه هذه المجموعات مناسبا لمسرحة وجودها في المدارج، هو مجرّد محاكاة لرغبة في إبراز القوة والفتوة والانتصار على الغريم . عندما يكون السياق فلسطينيا مثلا فلا يتردّد هؤلاء في استثمار الموارد الرمزية التي تتيحها القضية الفلسطينية مثلا لتسجيل موقف، لإبراز هوية المجموعة، المهم أن تثير هذه المجموعات انتباه الآخرين.

الفهم العلمي الدقيق لمسارات العنف ولأشكاله الجديدة ولفاعليه المختلفين باختلاف رهاناتهم واستراتيجياتهم، للعنف الذي تقوده الهويات، للعنف الذي يعتمد على الرغبة الجامحة في البروز، كل هذه العناصر هي التي بمقدورها قيادتنا إلى تشخيص دقيق من أجل معالجة ناجعة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING