الشارع المغاربي – الغنوشي‭ ‬يرسم‭  ‬خريطة‭ ‬وهمية‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد يستعيد فيها صدارته في الحياة السياسية / بقلم: صالح مصباح

الغنوشي‭ ‬يرسم‭  ‬خريطة‭ ‬وهمية‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد يستعيد فيها صدارته في الحياة السياسية / بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

8 أبريل، 2023

الشارع المغاربي: لسنا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يصدّقون‭ ‬دوما‭ ‬نتائج‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭. ‬لكننا‭ ‬نقف‭ ‬دوما‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬التّصديق‭ ‬لعمليات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬تُجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬راشد‭ ‬الغنوشي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬من‭ ‬يمقتهم‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭. ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬يكشف‭ ‬الغنوشي‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬الذي‭ ‬جلب‭ ‬له‭ ‬مقتَ‭ ‬أغلب‭ ‬شعب‭ ‬تونس‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬خطبتُه‭ ‬الأخيرة‭ ‬بمناسبة‭ ‬الوقفة‭ ‬الإحتجاجية‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬نظمتها‭ “‬جبهة‭ ‬الخلاص‭”  ‬ورديفها‭ “‬مواطنون‭ ‬ضد‭ ‬الإنقلاب‭”.‬جلس‭ ‬الغنوشي‭ ‬خطيبا‭. ‬وفي‭ ‬خطبته‭ ‬تزييف‭ ‬ومراوغة‭ ‬وتلفيق‭. ‬وبقدر‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬الوهمي،‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬ينوي‭ ‬الإهتداء‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬القريب‭. ‬

1/ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬الخطبة

ليست‭ ‬تلك‭ ‬الوقفة‭ ‬الإحتجاجية‭ ‬بالوقفة‭ ‬الاستثنائية‭. ‬هي‭ ‬تكرار‭ ‬لسوابق‭ ‬لها‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬دونها‭ ‬حضورا‭. ‬لكن‭ ‬الغنوشي‭ ‬أقام‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الوقفة‭ ‬خطبة‭ ‬كثيفة‭ ‬الألغام،‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬باستعادة‭ ‬الروح‭ ‬بعد‭ ‬انكسار،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نبرة‭ ‬الصوت‭. ‬رأى‭ ‬الغنوشي‭  ‬في‭ ‬ما‭ ‬شاع‭ ‬عن‭”‬مرض‭” ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬و‭”‬وضعه‭ ‬الحرج‭”  ‬فرصة‭ ‬انقضاض‭ ‬على‭ ‬اللحظة‭. ‬وقد‭ ‬صرفَه‭ ‬هاجس‭ ‬الإتقضاض‭ ‬عن‭ ‬وجوب‭ ‬التريث‭ ‬والتيقن‭ ‬من‭ ‬الإشاعة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬المرض‭ ‬إن‭ ‬صحّ‭. ‬فهذا‭ ‬الشأن‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭. ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬استباق‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬،‭  ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحوال،‭  ‬وليس‭ ‬منها‭ ‬الإحتفاء‭ ‬الضمني‭ ‬به‭. ‬فسعيد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ننقطع‭ ‬عن‭ ‬نقد‭ ‬مساره،‭ ‬ليس‭ ‬وجيها‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الغنوشي‭ ‬من‭ ‬مرضه‭ ‬المفترض‭ ‬مطية‭ ‬سياسية‭ ‬رخيصة‭ ‬استبق‭ ‬بها‭ ‬،‭ ‬بانتهاز‭ ‬بائس،‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬مرحلة‭. ‬فقد‭ ‬رسم‭ ‬في‭ ‬خطبته‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬خطابها‭ ‬القادم‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬علاقاتها‭ ‬السياسية‭ ‬المقبلة‭. ‬

‭/2 ‬الحرية‭”‬و‭”‬الديقراطية‭”‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الخطبة‭ ‬رأى‭ ‬الغنوشي‭ ‬نفسه،‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬مركز‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬ومهندس‭ ‬مساره‭ ‬القريب‭  ‬المباشر‭. ‬رأى‭ ‬نفسه‭ ‬مستأنفا‭”‬للديمقراطية‭”‬و‭”‬الحرية‭” ‬بعد‭ ‬مرحلة‭”‬الإنقلاب‭ ‬المعزول‭” ‬بعبارته،‭ ‬وبعد‭ ‬مرحلة‭ ” ‬نزول‭” ‬عنها‭ ‬مَثّلها‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرون‭ ‬من‭ ‬جويلية‭ ‬الذي‭ ‬صارت‭ ‬به‭ ‬تونس‭ ‬تحت‭ “‬حكم‭ ‬الدكتاتور‭”. ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنشأ‭ ‬غزلا‭ ‬بثالوث‭” ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والثورة‭”. ‬فقد‭ ‬كرر‭ ‬هذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬في‭ ‬خطبته‭ ‬التي‭  ‬دامت‭ ‬دقائق‭ ‬معدودات‭ ‬39‭ ‬مرة‭. ‬فهذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬هي‭ ‬مرجعه‭ ‬الزائف‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬ينوي‭ ‬رسم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭” ‬انتكاسة‭  ‬25‭ ‬حولية‭ “‬بعبارته‭.‬

فقد‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬فخور‭” ‬بالفعاليات‭ ‬الثورية‭” ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭” ‬الجبهة‭” ‬و‭” ‬مواطنون‭”. ‬وهي‭ ‬استئناف‭ “‬للثورة‭ “‬و‭ ‬لمزايا‭ “‬العشرية‭”  ‬التي‭ ‬استقبح‭ ‬أن‭ ‬توسم‭ ‬بغير‭ ‬أنها‭ ‬عشرية‭ “‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والثورية‭”‬،‭ ‬وليست‭ ‬عشرية‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب‭ ‬والنهب‭. ‬فلئن‭  ‬قفز‭ ‬سعيد‭ ‬بالثورية‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬ديسمبر‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬حولية‭ ‬2021،‭ ‬فقد‭ ‬قفز‭ ‬بها‭ ‬الغنوشي‭ ‬في‭ ‬خطبته‭ ‬مِمّا‭ ‬بين‭ ‬14‭ ‬جانفي‭ ‬2011‭ ‬و24جويلية‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬موفى‭ ‬مارس‭ ‬2023‭,‬،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬عنده‭ ‬لحظة‭ ‬دفن‭ ‬الرئيس‭ ‬حيا‭ ‬والإتجاه‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬الذي‭ ‬يليه،‭ ‬والذي‭ ‬سماه‭ “‬تاريخا‭ ‬جديدا‭” ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وإحياءً‭ ‬لعشرية‭ ‬حكمه‭ ‬الزاهية‭ “‬بالديمقراطية‭ ‬والحرية‭” ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬ويكون‭ ‬هذا‭ ‬الإحياء‭ ‬حسب‭ ‬زعمه‭ ‬بمشاركة‭ “‬شعب‭ ‬تونس‭ ‬الذكي‭”. ‬

وإلى‭”‬المحتجين‭” ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الوقفة‭ ‬بالذات،‭ ‬توجه‭ ‬الغنوسي‭  ‬في‭ ‬خطته‭ ‬قائلا‭:” ‬إنكم‭ ‬رفعتم‭ ‬رؤوسكم‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬طأطأت‭ ‬فيه‭ ‬الرؤوس‭” ‬وإنكم‭ “‬مستقبل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والثورة‭” ‬وإنكم‭ ” ‬باكورات‭ ” ‬ذلك‭ ‬المستقبل‭ ‬بعد‭ “‬الانتكاسة‭” ‬التي‭ ‬اقتضتها‭ ‬المرحلة‭ ‬الإنتقالية‭ ‬المُعرّضة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الثورات‭ ‬للنزول‭.‬

بهذا‭ ‬القول‭ ‬يُمنّي‭ ‬الغنوسي‭ ‬النفسَ‭ ‬بالانقضاض‭ ‬على‭ ‬اللحظة‭ ‬بكل‭ ‬انتهازية‭ ‬وبؤس‭ ‬أخلاقي‭. ‬فهو‭ ‬بصدد‭ ‬الإشهار‭ ‬للوحة‭ “‬بطولات‭”‬و‭ ‬رسمٍ‭ ‬لوجوه‭ “‬أبطال‭”‬ينوي‭ ‬استعمالهم‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬القريب‭ ‬وإنفاقهم‭ ‬على‭ “‬الشعب‭ ‬الذكي‭”‬،‭ ‬لا‭ ‬باعتبارهم‭ ‬نباتا‭ ‬قميئا‭ ‬ساما‭ ‬عقيما،‭ ‬وإنما‭ ‬باعتبارهم‭ “‬باكورات‭”‬غضة‭ ‬مخصبة‭. ‬وهو‭ ‬يعد‭ ‬العُدة‭ ‬ليكون‭ ‬قولُه‭ ‬في‭ ‬خطبته‭ ‬محاورَ‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬ينوي‭ ‬ترويجه‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬والذي‭ ‬سيكون‭ ‬مداره‭ ‬على‭ ‬تزيين‭ ‬عشرية‭ ‬الإخوان‭ ‬ليكون‭ ‬منها‭ ‬استئنافُها‭. ‬

وذهبت‭ ‬وقاحة‭ ‬الغنوشي‭ ‬إلى‭ ‬الأقاصي‭ ‬بأن‭ ‬سمّى‭ ‬عشرية‭ ‬حكمه‭ “‬مسار‭ ‬انتقال‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ناجح‭”‬،‭ ‬قياسا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬الخ‭…‬لقد‭ ‬تجاهل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬هناك‭  ‬من‭ ‬دمار‭ ‬وما‭ ‬جرى‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سيجري‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬تدبير‭ ‬تنظيمه‭ ‬الأم‭ ‬ورعاته‭ ‬الإقليميين‭ ‬والدوليين‭. ‬وإنّ‭  ‬ذاك‭ “‬النجاح‭” ‬المزعوم‭  ‬ينوي‭ ‬الغنوشي،‭ ‬بعد‭ ‬انقطاع‭ ‬فاصل‭ ‬الخامس‭ ‬والعشربن،‭ ‬أن‭ ‬يبعثه‭ ‬وهو‭ ‬رميم‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإتجاه‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬خطبته‭ ‬تفصيلا‭ ‬لخريطة‭ ‬الطريق‭.‬

‭  ‬ ‭/3 ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬الغنوشي

هاهنا‭ ‬اتضحت‭ ‬نوايا‭ ‬الغنوشي‭ ‬بالتفصيل‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬وهم‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭. ‬وأقام‭ ‬ذاك‭ ‬التفصيل‭ ‬على‭ ‬محاور‭ ‬ثلاثة‭ ‬لا‭ ‬جديد‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬سياقها‭ ‬الوهمي‭. ‬أما‭ ‬المحور‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬تجديده‭ ‬عبثا‭ ‬الثأر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإستقلال‭ ‬ومن‭”‬الدكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬بنتها‭”. ‬وربط‭ ‬تلك‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬المنقضية،‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬بالدكتاتورية‭ ‬التي‭”‬تحكم‭ ‬تونس‭” ‬اليوم‭. ‬وبسفسطة‭ ‬ساذجة‭ ‬مقيتة‭ ‬أقام‭ ‬وصلا‭ ‬بين‭ ‬لحظة‭ ‬الإنعتاق‭ “‬الثوري‭”‬من‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬جانفي2011‭ ‬ولحظة‭ ‬استئناف‭ ‬ذلك‭ ‬الإنعتاق‭ ‬من‭” ‬الدكتاتور‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭”. ‬ومثلما‭ ‬نسب‭ ‬عهد‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬إلى‭”‬ديمقراطية‭” ‬تنظيمه‭ ‬طيلة‭ ‬عشرية‭ ‬حكمه،‭ ‬نسب‭ ‬اليوم‭ ‬حرية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭”‬الإنقلاب‭ ‬المعزول‭”  ‬إلى‭”‬الفعاليات‭ ‬الثورية‭”‬،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُنفِذ‭ ‬فيها‭ ‬عبثا‭ ‬روحَ‭ ‬تنظيمه‭ ‬مجددا،‭ ‬بواسطة‭ ‬الأغلفة‭ ‬المتهالكة‭ ‬التي‭ ‬تمثّلها‭ ‬الجبهةُ‭ ‬ورديفُها‭. ‬وإنّ‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سوابق‭ ‬معلومة‭.‬

وأما‭ ‬المحور‭ ‬الثاني‭ ‬فمفاده‭ ‬أن‭ ‬زمن‭”‬الدكتاتور‭ ‬وتمركز‭ ‬السلطة‭” ‬هو‭ ‬بصدد‭ ‬الإنغلاق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قاومه‭”‬الثوريون‭ ‬ودعاة‭ ‬الحرية‭”‬مقاومةً‭ ‬تترجم‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬واستعار‭ ‬من‭”‬ماركس‭” ‬دون‭ ‬تصريح‭ ‬فكرةَ‭ ‬أن‭”‬الشعوب‭ ‬لا‭ ‬تطرح‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬إلا‭ ‬القضايا‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬حلها‭”. ‬فالرجل‭ ‬ثوري‭ ‬يستدعي‭ ‬مراجع‭ ‬الثورية‭!. ‬وبهذا‭ ‬الربط‭ ‬السفسطائي‭ ‬بين‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬ذهنه‭ ‬وأصحاب‭ “‬الفعاليات‭ ‬الثورية‭” ‬حاول‭ ‬الغنوشي‭ ‬عبثا‭ ‬أن‭ ‬يزين‭ ‬هؤلاء‭ ‬وإن‭ ‬يلمّع‭ ‬الموقوفين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬الجملة‭ ‬منهم،‭  ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنهم‭ ‬جميعا‭ ‬طليعة‭ ‬مناضلة‭ ‬باسم‭ “‬الشعب‭ ‬الذكي‭” ‬الذي‭ ‬سيزكيهم‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تزكية‭ ‬يستعيد‭ ‬بها‭ ‬الغنوشي،‭ ‬كما‭ ‬يتوهم،‭ ‬صدارته‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭.‬

وأما‭ ‬المحور‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬إخواني‭ ‬الروح‭ ‬نهضاوي‭ ‬المعنى‭. ‬قال‭ ‬في‭ ‬شأنه‭ ‬الغنوشي‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الموالية‭ ‬لسعيد‭ ‬هي‭ ‬إيذان‭ ” ‬بالاجتماع‭ ‬على‭ ‬الحرية‭” ‬وعلى‭” ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬تونس‭ ‬لكل‭ ‬التونسيين‭” ‬،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ” ‬الروح‭ ‬الإقصائية‭”. ‬فبهذا‭ ‬الرسم‭ ‬للخريطة‭ ‬الوهمية،‭ ‬يستعد‭ ‬الغنوشي‭ ‬ليجد‭ ‬لتنظيمه‭ ‬محلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لفظه‭ ‬التونسيون‭ ‬،‭ ‬وسبيله‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬التنكر‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الكيانات‭ ‬التي‭ ‬يُموّه‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينسفها‭ ‬كما‭ ‬نسف‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬قبلها‭. ‬‭ ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬المحور،‭ ‬فصّل‭ ‬الغنوشي‭ ‬القول‭ ‬متوهما‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬آذان‭ ‬له‭ ‬صاغية‭. ‬فقد‭ ‬ادّعى‭ ‬أن‭ ‬تنظيمه‭ ‬منفتح‭ ‬لكل‭ ‬التيارات‭ ‬،‭ ‬بخلاف‭ ‬من‭”‬يفكر‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬‭(…) ‬بدون‭ ‬اسلاميين‭”. ‬وهو‭ ‬ها‭ ‬هنا‭ ‬يومئ‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬،‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬والتمرار،‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬الذي‭ ‬الذي‭ ‬يجاهر‭ ‬وحده‭ ‬بحياة‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬إخوان‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬أشقاء‭ ‬لهم‭. ‬

إننا‭ ‬ممّن‭ ‬نرى‭ ‬سعيد‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬النهوض‭ ‬بتونس‭. ‬لكننا‭    ‬نرفض‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإشمئزاز‭ ‬تفاعل‭ ‬الغنوشي‭ ‬مع‭ ‬خبر‭ ‬المرض‭ ‬أو‭ ‬إشاعته‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬سعيد‭ ‬بالفعل‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬الناخب‭ ‬وليس‭ ‬بدفن‭ ‬الرجل‭ ‬حيا‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 افريل 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING