الشارع المغاربي – الفلفل‭ ‬والفقوس‭ ‬بسبعة‭ ‬دنانير‭ ‬والتضخّم‭ ‬7‭.‬2‭ ‬% والتوانسة‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬الجوع‭ ‬والغضب‭

الفلفل‭ ‬والفقوس‭ ‬بسبعة‭ ‬دنانير‭ ‬والتضخّم‭ ‬7‭.‬2‭ ‬% والتوانسة‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬الجوع‭ ‬والغضب‭

قسم الأخبار

15 أبريل، 2022

الشارع المغاربي-العربي‭ ‬الوسلاتي: “اللهم أعنّا على صيامه وقيامه” بهذا الدعاء كان التونسيون يستقبلون شهر رمضان.. وكانت أقصى أمانيهم أن يتقبله الله في صالح الأعمال ويضعه في ميزان حسناتهم. كان هذا بالأمس القريب عندما كانت الحياة الدنيا لا تساوي حقّا جناح بعوضة بل ربّما أرخص قبل ان يتقلّب الحال وتتبدّل الأحوال ويتغيّر نصّ الدعاء من مطاردة مكان مريح في نعيم الدنيا والآخرة الى مدّ اليد وتسوّل دعاء الإفطار في موائد الرحمان التي أصبح الحجّ اليها لمن استطاع سبيلا.

جولة عابرة في الأسواق التونسية المعطّرة برائحة رمضان الشهية تكفي لتكشف حجم الانفلات الجنوني الذي ضرب أسعار المواد الغذائية. انفلات وانفجار غير مسبوق والدولة غائبة ومستقيلة تاركة شعبها يصارع على عديد الجبهات ويقاتل لأجل لقمة العيش وسط طوابير طويلة من المحتكرين وتجّار الحروب الذين يقتاتون من الأعياد ومن الأزمات.

في آخر دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء سجّل شهر رمضان ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك بنسبة 0,8 % خلال شهر مارس 2022 مقارنة بشهر فيفري 2022. كما شهد مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعا بنسبة 0,8 % خلال شهر مارس بعد الارتفاع بنسبة 0,3 % في شهر فيفري و0,7 % في جانفي. ويعود هذا التطور حسب الدراسة التي نشرها المعهد بالأساس الى الارتفاع المسجّل في أسعار المواد الغذائية بنسبة 1,1 % وأسعار المشروبات الكحولية والتبغ بنسبة 1,4 % وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 1,3 % وكذلك أسعار النقل بنسبة 1 %..

في السياق ذاته شهد مؤشر أسعار مجموعة التغذية والمشروبات ارتفاعا بنسبة 1,1 % مقارنة بالشهر المنقضي. ويعود ذلك بالأساس الى الارتفاع المسجل في أسعار الماء المعدني والمشروبات الغازية بنسبة 2,7 % وأسعار لحم البقر بنسبة 2,3 % وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 2,2 % وأسعار مشتقات الحبوب بنسبة 1,3 %..

وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8,7 %. ويعود ذلك اساسا الى ارتفاع أسعار البيض بنسبة 22,2 % وأسعار زيت الزيتون بنسبة 20,6 % وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 18,9 % وأسعار الدواجن بنسبة 14,1 %. كما ارتفعت أسعار الأجبان ومشتقات الحليب بنسبة 8,8 % وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 8,6 % وأسعار مشتقات الحبوب بنسبة 7,0 %.

لن نتحدّث عن اللحوم لأنها أصبحت خارج دائرة اهتمام التونسيين فالأرقام وحدها تسمن وتغني من جوع بل ربّما تقطع الشهية برمتها حتى لا نقول شيئا آخر. سنتحدث فقط عن الفلفل و”الفقوس” اللذين ارتقيا الى مرتبة الموز الذي كان بدوره بالأمس القريب في مرتبة الفلفل عندما كان سعره يلامس سقف 1600 مليم قبل ان يطلّ فجر الثورة المجيدة ويختلط الحابل بالنابل وتتغيّر كل الأرقام والمفاهيم. قلنا سنتحدث عن الفلفل و”الفقوس” على وجه الخصوص فالكيلوغرام منهما يساوي 7 دينارات وأكثر. نعم في بلد مثل تونس معدّل الدخل الفردي فيه لا يغادر مربّع الفقراء يباع الفلفل والخيار كأنهما أحجار كريمة. والفلفل ليس الحجر المقدّس الوحيد في تونس بعد الثورة فكل المواد الغذائية والسلع تقريبا تشهد أسعارها صعودا صاروخيا لا يتماشى مع المقدرة الشرائية للتونسي الذي بات اليوم يتسوّل الماء والدواء والغذاء.

مدير عام بوزارة التجارة أكّد في تصريحات إذاعية وجود انفلات في الأسعار خلال الأيام  الأولى لشهر رمضان داعيا المواطنين إلى مقاطعة المواد التي تشهد ارتفاعاً مشطاً. واضاف “تمّ تسعير الفلفل المسكي والفلفل الحار العادي ولكن الفلفل “البقلوطي” مازالت اسعاره مرتفعة لأنّ الكميات قليلة وتواجده في السوق قليل هذه الفترة… لكن تمّ تسعير الفلفل المسكي من طرف وزارة التجارة وندعو كافة المستهلكين الى انتهاج سياسة مقاطعة بعض المواد التي تشهد ارتفاعا في الاسعار”. يضيف السيّد المدير كحلّ للتصدّي لهذه الظواهر “ليس ضروريا ان يأكل المواطن الفلفل البقلوطي في هذا الظرف وهناك انواع أخرى من الفلفل”. قريبا سيكون الحلّ في الاستغناء عن الفلفل بجميع أنواعه لأنه مثلما قال وزير الفلاحة الاسبق سمير بالطيب عن زيت الزيتونة بأنه ليس من عادات التونسي.

بالنسبة للغلال فذلك موضوع آخر وحتى لو أمطرت السماء صباحا مساء لن تتعدّل الأسعار لأننا دخلنا في سياق تصاعدي لن يتوقّف الاّ بحدوث الانفجار الذي يبدو قريبا جدّا وأقرب مما يتصورون فالبطون الخاوية تقف على حدّ الهاوية ولن تعود الاّ بعد حصول الكارثة.

هذا الارتفاع الفلكي في أسعار جميع المواد والخدمات يحيلنا بالضرورة الى مؤشر هام وخطير على قتامة الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد الا وهو ظاهرة التضخّم.

في تناولنا لهذا المؤشّر يتضح جليا أنّ الوضع الاقتصادي يسير نحو المجهول ذلك أنه في آخر دراسة قام بها المعهد الوطني للإحصاء بلغت نسبة التضخم 7.2 في المائة وهي نسبة قياسية لم تعرفها تونس أبدا وحتما ستكون تداعياتها كبيرة وخطيرة على الاقتصاد والنسيج المجتمعي التونسي. وللتضخم المرتفع عواقب وتداعيات خطيرة على الاقتصاد منها اتساع عدم المساواة في توزيع الدخل وزيادة تكاليف الاقتراض وانخفاض الدخل الحقيقي وانخفاض الرغبة في الادخار وانخفاض الاستثمارات وتوقف الأعمال والمبادلات التجارية مما يعني شللا تاما في العجلة الاقتصادية.

في تونس يعرّف التضخم باستمرار  (أنظر غول التضخم يفترس المستهلكين ويهدد باضطرابات عارمة) على أنه ارتفاع شامل وعام ومطرد لأسعار السلع والخدمات وتقاس نسبته عموما بالاعتماد على التطور السنوي لمؤشر الأسعار عند الاستهلاك. وقد وضع من قبل المختصون في الاقتصاد معايير ومحددات جليّة وواضحة للتقييم، في هذا الصدد. في صورة وجود نسبة تضخم أقل من 2 بالمائة فمعنى ذلك أن السياق العام للنشاط الاقتصادي يتم في اتجاه استقرار للأسعار وعندما تنحصر النسبة بين 2 و4 بالمائة فإن التضخّم يوصف بالزاحف. كما يصبح التضخم مفتوحا بالكامل وهو الحال في الظرف الحالي بالبلاد التونسية عند تراوح نسبة ارتفاع الأسعار بين 5 و10 بالمائة سنويا مع ملاحظة نقاط تصل فيها النسبة في بعض الحالات إلى 20 بالمائة.

التداعيات على تونس خطيرة وهذا الخطر نبّهت له عديد الجهات والأصوات على غرار كارمن راينهارت كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي التي قالت يوم 10 مارس الفارط إن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب حرب روسيا على أوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي بالشرق الأوسط وافريقيا، وقد يؤدي إلى تنامي الاضطرابات الاجتماعية.

وذكرت راينهارت أنه ستكون هناك تداعيات مهمة على الشرق الأوسط وافريقيا وشمال افريقيا على وجه التحديد، والتي تعاني بشكل فعلي من انعدام الأمن الغذائي مبرزة أن انعدام الأمن الغذائي وأحداث الشغب كانا جزءا من قصة الربيع العربي الذي كانت تونس شرارته الأولى.

 هذه التحذيرات لها ما يبرّرها ويدعمها وهي ليست مجرّد تخمينات أو تهيؤات صحفية عابرة. فالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد ينبئ حقا بما هو أسوأ والطوابير الطويلة التي تنتظر ساعات أطول لشراء الخبز تلخّص الصورة البشعة التي وصلت اليها تونس بعد عشرية الدمار والخراب. والأكيد أن تواصل الحال كما هو عليه سيضاعف الاحساس بالنقمة والقهر وسينمّي منسوب الجوع والفقر في صفوف الأوساط الفقيرة والمهمشة والتي لا ترى خلاصا لها ولذويها سوى بإحراق الأرض ومن عليها. فالوقوف على باب الجوع يوّلد الشعور بالغضب عندها يتساوى مفهوم الموت بالحياة فتفتح أبواب العدم وحينها “يا نعيشو عيشة فل يا نموتو الناس لكل”.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 12 أفريل 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING