الشارع المغاربي : في الوقت الذي تستعد فيه تونس لاستضافة الدورة الثلاثين للقمة العربية عاد الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان يشكو منذ مطلع الألفية الثالثة من الإهمال والتهميش الدولي، الى صلب الاهتمامات العربية والدولية خاصة في اعقاب مواقف الإدارة الامريكية غير المسبوقة في انحيازها لإسرائيل ومنها اعتراف الرئيس ترامب بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل مثلما سبق له ان اعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل تمهيدا لإعلانه الوشيك عما يعرف ب”صفقة القرن” التي تعتبر مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.
ما تسرب عن هذا المخطط يؤكد تنكره لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاستعمار وتقرير مصيره وبناء دولته المستقلة في حدود 1967 على أساس الشرعية الدولية مع اعترافه بإسرائيل كدولة “يهودية” وبالقدس عاصمة لها الى جانب تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وانكار حقهم في العودة الى ديارهم.
في هذا الصدد نشير الى حديث ادلى به الى صحيفة الصباح بتاريخ 22 مارس الجاري مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل شعت الذي أكد ان القيادة الفلسطينية طلبت من تونس إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية بجدول اعمال القمة وإعادتها لصدارة الاهتمامات عربيا ودوليا من خلال اتخاذ قرارات واضحة ضد موجة التطبيع مع اسرائيل والعودة لتفعيل خارطة الطريق التي اقرتها مبادرة السلام العربية.
لا شك ان بتونس، المعروفة منذ مرحلة الستينات بمواقفها المبدئية الداعمة للحقوق الفلسطينية والعربية، قادرة على اعادة الحد الأدنى من التضامن والاجماع العربي حول القضية الفلسطينية وذلك من خلال احياء مسيرة السلام المتعثرة وقرارات القمم العربية المنعقدة ببيروت سنة 2002 وبتونس سنة 2004 التي عرضت السلام والتطبيع الشامل مقابل إقامة دولة فلسطينية بعاصمتها القدس في حدود 1967 والانسحاب الإسرائيلي من أراضي الدول العربية المحتلة عل أساس الشرعية الدولية.
وقد تكون قمة تونس 2019 منطلقا لاستعادة الدول العربية لزمام المبادرة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي واعادته الى الأمم المتحدة كإطار وحيد للبحث عن حل سلمي عادل يستند الى قرارات الأمم المتحدة ومنها القرار 1397 الصادر عن مجلس الأمن في مارس 2002 وهو الوحيد – إلى جانب قرار التقسيم عدد 181 الصادر سنة 1948 – الذي يستند الى حل الدولتين ويقر بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة بحدود آمنة ومعترف بها.
لكن التمسك بالشرعية الدولية لن يكون مجديا إذا لم يصاحبه تحول في موقف القيادة الفلسطينية باتجاه احياء خيار المقاومة في مواجهة الاحتلال الذي يكفله القانون والمواثيق الدولية للشعوب المحتلة خاصة بعد تنكر الولايات المتحدة وإسرائيل لعملية السلام واتجاههم نحو تصفية القضية الفلسطينية وإضفاء الشرعية على اغتصاب الأراضي العربية وفرض سياسية الامر الواقع على الدول العربية وعلى العالم.
ويبدو ان المسؤولين الفلسطينيين أصبحوا يشعرون بحتمية التحرك للخروج من حالة الجمود والتردي القصوى التي آلت اليها القضية الفلسطينية وهو ما المح اليه د نبيل شعت بقوله انه لا يجوز الاستمرار في اللهث وراء السراب بعد فشل العملية السلمية مضيفا ” انه لا يمكن للمقاومة الفلسطينية بكل اشكالها ان تتوقف دون انجاز حقيقي على الأرض”.
ولعل هذا هو السبيل الوحيد لدفع المجموعة الدولية والعربية لتحمل مسؤولياتها إزاء القضية الفلسطينية و توحيد مواقفها إزاء التهديدات و الاطماع الجدية التي تستهدف المنطقة و الأقطار العربية عموما في استقلالها وحرمتها الترابية و مقدراتها فضلا عن الاخطار المحدقة بالسلم والامن الدوليين نتيجة عودة الحرب الباردة و تهميش دور الأمم المتحدة في إدارة العلاقات الدولية.