الشارع المغاربي – ‮"‬القُرعة‮"‭ ‬أداة‭ ‬لانتخاب‭ ‬المجالس‭ ‬الجهوية‭ ‬أو ‬عودة‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬الجاهلية / بقلم أنس الشابي

‮”‬القُرعة‮”‭ ‬أداة‭ ‬لانتخاب‭ ‬المجالس‭ ‬الجهوية‭ ‬أو ‬عودة‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬الجاهلية / بقلم أنس الشابي

قسم الأخبار

23 مارس، 2023

الشارع المغاربي: نصّ‭ ‬المرسوم‭ ‬عدد‭ ‬10‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬2023‭ ‬والمتعلّق‭ ‬بتنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬وتركيبة‭ ‬المجالس‭ ‬الجهويّة‭ ‬ومجالس‭ ‬الأقاليم‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬21‭ ‬و22‭ ‬و27‭ ‬و32‭ ‬و35‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬القرعة‭ ‬بين‭ ‬المترشحين‭ ‬للمجالس‭ ‬الوارد‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬المرسوم،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لافت‭ ‬للنظر‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يدر‭ ‬بخلدنا‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬القرعة‭ ‬التي‭ ‬تنفي‭ ‬ببساطة‭ ‬شرطَي‭ ‬الكفاءة‭ ‬والمقبوليّة‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬لتسود‭ ‬العشوائية‭ ‬والفوضى‭. ‬

وبالبحث‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬محرّر‭ ‬المرسوم‭ ‬المذكور‭ ‬استند‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬ينصّ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬مكلّفة‭ ‬بتحقيق‭ ‬المقاصد‭ ‬الشرعية‭ ‬وعلى‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أدواتها‭ ‬القُرعة‭ ‬وهي‭ ‬مبحث‭ ‬فقهي‭ ‬تعود‭ ‬جذوره‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬حيث‭ ‬عرف‭ ‬العرب‭ ‬الاستقسام‭ ‬بالأزلام‭ ‬ومفاده‭ ‬أن‭: “‬الأزلام‭ ‬سهام‭ ‬كانت‭ ‬لأهل‭ ‬الجاهلية‭ ‬مكتوب‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ “‬أمرني‭ ‬ربّي‭” ‬وعلى‭ ‬بعضها‭ “‬نهاني‭ ‬ربّي‭”. ‬فإذا‭ ‬أراد‭ ‬الرجل‭ ‬سفرا‭ ‬أو‭ ‬أمرا‭ ‬ضرب‭ ‬تلك‭ ‬القداح‭ ‬فإن‭ ‬خرج‭ ‬السهم‭ ‬الذي‭ ‬عليه‭ “‬أمرني‭ ‬ربّي‭” ‬مضى‭ ‬لحاجته‭ ‬وإن‭ ‬خرج‭ ‬الذي‭ ‬عليه‭ “‬نهاني‭ ‬ربّي‭” ‬لم‭ ‬يمض‭ ‬في‭ ‬أمره‭”(‬1‭). ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬بقيت‭ ‬حاضرة‭ ‬بعد‭ ‬انتشار‭ ‬الإسلام‭ ‬وصنّف‭ ‬لها‭ ‬الفقهاء‭ ‬مباحث‭ ‬تحت‭ ‬مُسمّى‭ ‬القرعة‭ ‬محدّدين‭ ‬مجالاتها‭ ‬وشروطها‭ ‬وكيفية‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬ممّا‭ ‬سنأتي‭ ‬على‭ ‬بعضه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭. ‬وقد‭ ‬استند‭ ‬الفقهاء‭ ‬لإثبات‭ ‬مشروعيّة‭ ‬القرعة‭ ‬على‭ ‬الآية‭ ‬44‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬آل‭ ‬عمران‭: “‬وما‭ ‬كنت‭ ‬لديهم‭ ‬إذ‭ ‬يلقون‭ ‬أقلامهم‭ ‬أيّهم‭ ‬يكفل‭ ‬مريم‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬اختلف‭ ‬زكريا‭ ‬مع‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬حول‭ ‬حضانة‭ ‬مريم‭ ‬فاتفقوا‭ ‬على‭ ‬رمي‭ ‬الأقلام‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬ومن‭ ‬وقف‭ ‬قلمه‭ ‬ولم‭ ‬يجرِه‭ ‬الماء‭ ‬فهو‭ ‬حاضنها‭. ‬بعد‭ ‬رمي‭ ‬أقلامهم‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬قُرع‭ ‬لزكريا‭ ‬بحضانة‭ ‬مريم‭(‬2‭). ‬ومن‭ ‬السنّة‭ ‬عن‭ ‬عائشة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭ ‬قالت‭ “‬كان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬سفرا‭ ‬أقرع‭ ‬بين‭ ‬نسائه‭ ‬فأيتهن‭ ‬خرج‭ ‬سهمها‭ ‬خرج‭ ‬بها‭ ‬معه‭”(‬3‭). ‬ولأن‭ ‬الرسول‭ ‬شرّعها‭ ‬احتلّت‭ ‬القرعة‭ ‬موقعا‭ ‬متميزا‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الفقهيّة‭. ‬يقول‭ ‬القرطبي‭ ‬في‭ ‬تفسيره‭: “‬هي‭ ‬أصل‭ ‬في‭ ‬شرعنا‭ ‬لكلّ‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬القسمة‭”(‬4‭) ‬ومجالاتها‭ ‬متعدّدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تعيين‭ ‬الإمام‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬عند‭ ‬الاستواء‭ ‬في‭ ‬الصفات‭ ‬وفي‭ ‬تغسيل‭ ‬الميت‭ ‬عند‭ ‬تساوي‭ ‬الأولياء‭. ‬والقرعة‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬ابتداء‭ ‬المبيت‭ ‬لأن‭ ‬تعيين‭ ‬واحدة‭ ‬لذلك‭ ‬هو‭ ‬تفضيل‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬البقية‭. ‬لذا‭ ‬اعتبر‭ ‬الفقهاء‭ ‬القرعة‭ ‬تسوية‭ ‬بينهن‭ ‬وإذا‭ ‬اشترك‭ ‬رجلان‭ ‬في‭ ‬وطء‭ ‬امرأة‭ ‬فأتت‭ ‬بولد‭ ‬يُقرع‭ ‬بينهما‭ ‬ويكون‭ ‬لُحُوقُهُ‭ ‬بالوطء‭ ‬لا‭ ‬بالقرعة‭(‬5‭). ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬القرعة‭ ‬في‭ ‬الطلاق‭ ‬وفي‭ ‬عتق‭ ‬العبيد‭ ‬وفي‭ ‬الحضانة‭ ‬وفي‭ ‬تنازع‭ ‬أولياء‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬القصاص‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬إجراء‭ ‬القرعة‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬الفقهاء‭ ‬أنها‭ ‬تتمّ‭ ‬إمّا‭ ‬بكتابة‭ ‬الأسماء‭ ‬أو‭ ‬بكتابة‭ ‬أجزاء‭ ‬المقسوم‭ ‬في‭ ‬رقاع‭ ‬ليقع‭ ‬السحب‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬ولأن‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬يتصيّدون‭ ‬كل‭ ‬جديد‭ ‬لاستعماله‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬وُضع‭ ‬له‭ ‬التقطوا‭ ‬الحاسوب‭ ‬والأجهزة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬وجعلوها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬طريقا‭ ‬ثالثا‭ ‬لإجراء‭ ‬القرعة‭ ‬لنجد‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬يقول‭: “‬تنفيذ‭ ‬القرعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسب‭ ‬بعد‭ ‬إدخال‭ ‬البيانات‭ ‬والأسماء‭”(‬6‭). ‬والذي‭ ‬نخلص‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬الفقهية‭ ‬لِما‭ ‬اختُلف‭ ‬فيه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مقبولا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬الزمان‭. ‬أمّا‭ ‬اليوم‭ ‬فمع‭ ‬التقدّم‭ ‬العلمي‭ ‬والتطوّر‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬حدوث‭ ‬الالتباس‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬ضبطها‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية‭. ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬مسألة‭ ‬الحكم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬للقرعة‭ ‬أو‭ ‬للاختيارات‭ ‬العشوائيّة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفرز‭ ‬إلا‭ ‬الأسوأ‭ ‬لأنها‭ ‬مسألة‭ ‬حياتيّة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأمة‭ ‬وبموقعها‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬ومصادر‭ ‬قوّتها‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تُترك‭ ‬للصدف‭ ‬وللأهواء‭. ‬فاختيار‭ ‬الحاكم‭ ‬يكون‭ ‬باعتبار‭ ‬الكفاءة‭ ‬والمقبولية‭. ‬اليوم‭ ‬انحصر‭ ‬وجود‭ ‬القرعة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬المتنافسين‭ ‬في‭ ‬المقابلات‭ ‬الرياضية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الميسر‭ ‬والقمار‭ ‬وحتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقرعة‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬فقد‭ ‬انتفت‭ ‬لأن‭ ‬التعدّد‭ ‬في‭ ‬الزوجات‭ ‬مُنع‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحكم‭ ‬فقد‭ ‬أبعدت‭ ‬التجربة‭ ‬الإنسانية‭ ‬القرعة‭ ‬عن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يثبت‭ ‬إلا‭ ‬بالغلبة‭ ‬أو‭ ‬بالانتخاب‭ ‬وبرضا‭ ‬الناس‭. ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬الحكم‭ ‬تكليف‭ ‬وأمانة‭ ‬يستلزم‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬شروطا‭ ‬تندّ‭ ‬عن‭ ‬الحصر‭ ‬ولا‭ ‬تتوفّر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬اجتهد‭ ‬للحصول‭ ‬عليها‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬بالذات‭ ‬تؤسّس‭ ‬الدول‭ ‬والأحزاب‭ ‬مدارس‭ ‬لتكوين‭ ‬الإطارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬تصعيدها‭ ‬في‭ ‬سلّم‭ ‬المهام‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬التجربة‭ ‬والنجاح‭ ‬فيما‭ ‬كُلّفت‭ ‬به‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحفظ‭ ‬للدولة‭ ‬وللحزب‭ ‬كذلك‭ ‬الاستمرارية‭ ‬بمراكمة‭ ‬النجاحات‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإخفاقات‭. ‬

أما‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القرعة‭ ‬فهو‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬الحكم‭ ‬منفعة‭ ‬وكعكة‭ ‬من‭ ‬المصالح‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتداول‭ ‬عليها‭ ‬الناس‭ ‬جميعا‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬كفاءتهم‭ ‬وملاءمة‭ ‬تكوينهم‭ ‬العلمي‭ ‬وخبراتهم‭ ‬للمهام‭ ‬التي‭ ‬ستناط‭ ‬بعهدتهم‭. ‬والغريب‭ ‬أنه‭ ‬تمّ‭ ‬استثناء‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تتوفر‭ ‬فيهم‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهمّة‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬17‭ ‬من‭ ‬المرسوم‭ ‬كالقضاة‭ ‬وإطارات‭ ‬الولاية‭ ‬والبلدية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإدارات‭ ‬ومحاسبي‭ ‬المالية‭ ‬ورؤساء‭ ‬الهياكل‭ ‬والجمعيات‭ ‬الرياضية‭ ‬وغيرهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬لدينا‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المجالس‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬خلوا‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬تجربة‭ ‬أو‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الاقتراح‭ ‬والمتابعة‭ ‬لِما‭ ‬عليه‭ ‬مكوّنات‭ ‬لا‭ ‬همّ‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمجلس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القرعة‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬كل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الفصلين‭ ‬22‭ ‬و32‭ ‬من‭ ‬المرسوم‭. ‬هذه‭ ‬المدّة‭ ‬الزمنيّة‭ ‬القصيرة‭ ‬تمنع‭ ‬إمكانية‭ ‬متابعة‭ ‬تنفيذ‭ ‬أي‭ ‬برنامج‭ ‬لتغيّر‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬ولكنها‭ ‬تمكِّن‭ ‬من‭ ‬ترضية‭ ‬مختلف‭ ‬المترشحين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬بأن‭ ‬محرّر‭ ‬المرسوم‭ ‬يستهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تجميع‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬السلطة‭ ‬ومنافعها‭ ‬وليس‭ ‬خدمتهم‭ ‬لأن‭ ‬خدمة‭ ‬الشعب‭ ‬لا‭ ‬تتأتى‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اقتراح‭ ‬البرامج‭ ‬وليس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القرعة‭ ‬والانتخابات‭ ‬التي‭ ‬تُغيّب‭ ‬فيها‭ ‬الكفاءات‭. ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحكم‭ ‬ومستلزماته‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬القرعة‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬المحاذير‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير‭ ‬لأنه‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يفرز‭ ‬الأسوأ‭. ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬للعشوائية‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مصائر‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تفطن‭ ‬اليه‭ ‬أحد‭ ‬أقدر‭ ‬السياسيّين‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬وبدايات‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حيث‭ ‬يروي‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬الضياف‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬أن‭ ‬الوزير‭ ‬الأكبر‭ ‬يوسف‭ ‬صاحب‭ ‬الطابع‭ ‬قال‭: “‬ونخشى‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لهم‭ ‬منهج‭ ‬مسلوك‭ ‬ينظرون‭ ‬لأنفسهم،‭ ‬والعامة‭ ‬إذا‭ ‬قدرت‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬قدرت‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭”(‬7‭) ‬ويضيف‭ ‬صاحب‭ ‬الإتحاف‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬سقوط‭ ‬المُلْك‭ ‬بجانب‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭: “‬أن‭ ‬يستكفي‭ ‬المَلِك‭ ‬بالأحداث‭ ‬وبمن‭ ‬لا‭ ‬خبرة‭ ‬له‭ ‬بالعواقب‭… ‬واستهانته‭ ‬بنصائح‭ ‬العقلاء‭ ‬وأراء‭ ‬ذوي‭ ‬الحكمة‭”(‬8‭). ‬فاختلاق‭ ‬الشعارات‭ ‬الوهميّة‭ ‬كالشباب‭ ‬مقابل‭ ‬الأكفاء‭ ‬والعامّة‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬الخاصّة‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الرأي‭ ‬والقُرعة‭ ‬عوضا‭ ‬عن‭ ‬المقبوليّة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬والانتخاب‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مؤذن‭ ‬بالإفلاس‭ ‬والسقوط‭ ‬الحتمي‭ ‬لأنه‭ ‬بُني‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬وبصيرة‭.  ‬ووجب‭ ‬حتى‭ ‬نحمي‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬والعشوائية‭ ‬وسوء‭ ‬التدبير‭ ‬أن‭ ‬نستأنس‭ ‬بقول‭ ‬الأفغاني‭: “‬أَنِ‭ ‬الحكم‭ ‬إلاّ‭ ‬للعقل‭ ‬والعلم‭”(‬9‭)  ‬وليس‭ ‬للقرعة‭ ‬أو‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬الدستور‭.‬

‭———————-‬

الهوامش

1) ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬ج12‭ ‬ص478‭ ‬ طبعة‭ ‬دار‭ ‬صادر‭ ‬بيروت،‭ ‬عن‭ ‬الضرب‭ ‬بالقداح‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬انظر‭ “‬السيرة‭ ‬النبوية‭” ‬لابن‭ ‬هشام،‭ ‬تحقيق‭ ‬مصطفى‭ ‬السقا‭ ‬وإبراهيم‭ ‬الأبياري‭ ‬وعبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬شلبي،‭ ‬نشر‭ ‬دار‭ ‬القلم‭ ‬بيروت،‭ ‬ج1‭ ‬ص160‭ ‬وما‭ ‬بعدها،‭ ‬و‭”‬المفصّل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭” ‬الدكتور‭ ‬جواد‭ ‬علي‭ ‬الطبعة‭ ‬الثانية‭ ‬1993،‭ ‬ج6‭ ‬ص776‭.  ‬

2) ‬الجامع‭ ‬لأحكام‭ ‬القرآن‭” ‬للقرطبي،‭ ‬تحقيق‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬التركي‭ ‬ومحمد‭ ‬رضوان‭ ‬عرقسوسي،‭ ‬طبع‭ ‬مؤسّسة‭ ‬الرسالة‭ ‬بيروت‭ ‬لبنان‭ ‬2006،‭ ‬ج5‭ ‬ص131‭.‬

3) ‬صحيح‭ ‬البخاري،‭ ‬الحديث‭ ‬رقم‭ ‬2593‭ ‬ورقم‭ ‬2688‭.‬

4) ‬تفسير‭ ‬القرطبي،‭ ‬ج5‭ ‬ص‭ ‬132‭. ‬

5) ‬المغني‭ ‬لابن‭ ‬قدامة‭ ‬تحقيق‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬تركي‭ ‬وعبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الحلو،‭ ‬دار‭ ‬عالم‭ ‬الكتب‭ ‬الرياض،‭ ‬الطبعة‭ ‬الثالثة‭ ‬1997،ج8‭ ‬ص371‭.‬

6) ‬القُرعة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والسنة‭ ‬المطهرة‭” ‬للدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬مقبل‭ ‬القرني،‭ ‬مجلة‭ “‬الدراسات‭ ‬القرآنية‭”‬للجمعية‭ ‬العلمية‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وعلومه،‭ ‬الجزء‭ ‬الأوّل‭ ‬العدد‭ ‬الثاني،‭ ‬سنة‭ ‬2007‭ ‬ص231‭.‬

7) ‬الإتحاف‭ ‬لابن‭ ‬أبي‭ ‬الضياف،‭ ‬ج3‭ ‬ص93‭.‬

8) ‬المصدر‭ ‬السابق‭ ‬ج3‭ ‬ص202‭.‬

‭ (9‬خاطرات‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني‭ ‬الحسيني‭” ‬تحرير‭ ‬محمد‭ ‬باشا‭ ‬المخزومي،‭ ‬دار‭ ‬الحقيقة‭ ‬بيروت‭ ‬1980،‭ ‬الطبعة‭ ‬الثانية،‭ ‬ص83‭.‬

*نشر بأسبوعية”الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 مارس 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING