الشارع المغاربي – المؤرخ الهادي التيمومي لـ "الشارع المغاربي": نعيش اليوم شعبوية سلطويّة تنزع الى الاستيلاء على كل شيء

المؤرخ الهادي التيمومي لـ “الشارع المغاربي”: نعيش اليوم شعبوية سلطويّة تنزع الى الاستيلاء على كل شيء

قسم الأخبار

20 مايو، 2023

الشارع المغاربي-حاورته: عواطف البلدي: مؤرخ‭ ‬تجاوز‭ ‬المفهوم‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬للتاريخ‭ ‬وصفة‭ ‬المؤرخ‭. ‬رغم‭ ‬تخصصه‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭ ‬فإنه‭ ‬يرفض‭ “‬سجنه‭” ‬في‭ ‬اختصاص‭ ‬تاريخي‭ ‬واحد‭. ‬مؤرخ‭ ‬لا‭ ‬ينفك‭ ‬يعلن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كتاباته‭ ‬عن‭ ‬تشبّعه‭ ‬بالفكر‭ ‬الماركسي‭. ‬منظّر‭ ‬خاض‭ ‬في‭ ‬جذور‭ ‬وأسباب‭ ‬التدمير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المعمّم‭ ‬واعتبر‭ ‬ان‭ ‬تونس‭ ‬أضاعت‭ ‬فرصتين‭ ‬مرة‭ ‬قبل‭ ‬1881‭ ‬وأخرى‭ ‬بعد‭ ‬1956‭.. ‬هو‭ ‬المؤرخ‭ ‬الهادي‭ ‬التيمومي‭ ‬صاحب‭ ‬موسوعة‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭” ‬الصادرة‭ ‬مؤخرا‭.‬

أسبوعية‭ “‬الشارع‭ ‬المغاربي‭” ‬التقت‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬ندوة‭ ‬علمية‭ ‬لتكريمه‭ ‬انتظمت‭ ‬بمؤسسة‭ ‬الأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ” ‬الهادي‭ ‬التيمومي‭ ‬مؤرخا‭ ‬تونسيا‭” ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الخاطف‭.‬

موسوعة‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭” ‬الصادرة‭ ‬لك‭ ‬مؤخرا‭ ‬تضمّنت‭ ‬1200‭ ‬صفحة‭. ‬لِم‭ ‬لمْ‭ ‬يصاحب‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الضخم‭ ‬ترويج‭ ‬كاف؟

موسوعة‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭” ‬تضم‭ ‬6‭ ‬أجزاء‭ ‬في‭ ‬1200‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬المتوسط‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الوزن‭… ‬هُردُباء‭ ‬بأتم‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭. ‬التونسيون‭ ‬ليسوا‭ ‬مشهورين‭ ‬بحب‭ ‬المطالعة‭ ‬مثل‭ ‬حبّهم‭ ‬للـ‭ “‬فاست‭ ‬فود‭”. ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬يحبون‭ ‬الكتب‭ ‬ذات‭ ‬الوزن‭ ‬المحدود‭ ‬والصفحات‭ ‬المحدودة‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يطلع‭ ‬على‭ ‬موسوعتي‭ ‬ذات‭ ‬الحجم‭ ‬الا‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬جدا‭ ‬منهم‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬تلق‭ ‬الموسوعة‭ ‬الرواج‭ ‬المطلوب‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬تنصبّ‭ ‬كل‭ ‬الأنظار‭ ‬على‭ ‬كتابي‭ “‬كيف‭ ‬صار‭ ‬التونسيون‭ ‬تونسيين؟‭” ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬طبعته‭ ‬السابعة‭ ‬وهو‭ ‬تقريبا‭ ‬أكثر‭ ‬كتاب‭ ‬ثقافي‭ ‬بيع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬وبآلاف‭ ‬النسخ‭.‬

وكأن‭ ‬سؤال‭ ‬الهوية‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬وجوديا‭ ‬لدى‭ ‬التونسيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى؟

نعم‭ ‬صحيح‭.. ‬فالإخوان‭ ‬مثلا‭ ‬يريدون‭ ‬وجهة‭ ‬ما‭ ‬وحزب‭ ‬التحرير‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬أخرى‭ ‬واليساريون‭ ‬بدورهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬أخرى‭ ‬والغرب‭ ‬المتعاطف‭ ‬معنا‭ ‬او‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬نوايا‭ ‬غير‭ ‬صادقة‭ ‬إزاء‭ ‬تونس‭ ‬يريد‭ ‬منا‭ ‬ان‭ ‬نتجه‭ ‬الى‭ ‬وجهة‭ ‬معينة‭ ‬الخ‭.. ‬قضية‭ ‬الهوية‭ ‬قضية‭ ‬حارقة‭ ‬لذلك‭ ‬نجح‭ ‬كتاب‭ “‬كيف‭ ‬صار‭ ‬التونسيون‭ ‬تونسيين؟‭”. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للموسوعة،‭ ‬فأتمنى‭ ‬ان‭ ‬يتدارك‭ ‬القراء‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭.. ‬على‭ ‬كل‭ ‬يمكن‭ ‬تصنيف‭ “‬الربيع‭ ‬العربي‭” ‬كعمل‭ ‬من‭ ‬انتاج‭ ‬مؤسسة‭ ‬بأكملها‭ ‬وليست‭ ‬نتاج‭ ‬مجهود‭ ‬شخص‭ ‬واحد،‭ ‬لكنني‭ ‬تجشّمت‭ ‬عناء‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬وتحدّثت‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عرفت‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬احداث‭ ‬الحوض‭ ‬المنجمي‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬حتى‭ ‬اعتلاء‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬الحكم‭ ‬سنة‭ ‬2019‭… ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭… ‬عن‭ ‬الطلاق‭ ‬وحوادث‭ ‬الطرقات‭ ‬والسينما‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬ورجال‭ ‬الاعمال‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬وأمور‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭… ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬غلاء‭ ‬سعرها‭ ‬وربّما‭ ‬لأن‭ ‬المعرض‭ ‬انتظم‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والعيد‭ ‬مباشرة‭ ‬حيث‭ ‬كثرت‭ ‬المصاريف‭… ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الظرف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬غير‭ ‬ملائم‭… ‬أتصور‭ ‬ان‭ ‬يلقى‭ ‬الكتاب‭ ‬ترحابا‭ ‬من‭ ‬جماهير‭ ‬الباحثين‭ ‬لأنهم‭ ‬سيجدون‭ ‬كل‭ ‬المعلومات‭ ‬جاهزة‭ ‬حول‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭..‬

في‭ ‬حديثك‭ ‬عن‭ ‬معدّل‭ ‬قراءة‭ ‬موسوعتك‭ ‬قدّمت‭ ‬رقما‭ ‬صادما‭ ‬حين‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬نسبة‭ ‬90‭%  ‬من‭ ‬المؤرّخين‭ ‬والنخب‭ ‬لم‭ ‬يقرؤوا‭ “‬مقدمة‭” ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بموسوعتك‭.. ‬لو‭ ‬توضح‭ ‬لنا‭ ‬أكثر؟‭ ‬

مع‭ ‬الاسف‭ ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬نُعرف‭ ‬كشعب‭ ‬يحب‭ ‬المطالعة‭ ‬مثل‭ ‬الشعبين‭ ‬الروسي‭ ‬والفرنسي‭… ‬وقد‭ ‬قدمت‭ ‬لكِ‭ ‬مثالا‭ ‬عن‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭… ‬التونسيون‭ ‬يقرؤون‭ ‬أحيانا‭ ‬ملخصا‭ ‬عن‭ ‬مقدمة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬من‭ “‬ويكيبيديا‭” ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يقرؤون‭ “‬المقدمة‭” ‬كاملة‭ ‬رغم‭ ‬انها‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬رفوف‭ ‬مكتباتهم‭. ‬انظري‭ ‬الى‭ ‬الرواج‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬لفايسبوك‭ ‬الذي‭ ‬اصبح‭ ‬اليوم‭ ‬يدعم‭ ‬النرجسية‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭ ‬حيث‭ ‬تجد‭ ‬شخصا‭ ‬خجولا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يصبح‭ ‬فصيحا‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬فايسبوك‭ ‬ويعبّر‭ ‬بطلاقة‭ ‬غريبة‭ ‬فيسبّ‭ ‬ويشتم‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬يبدو‭ ‬شخصا‭ ‬لطيفا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭… ‬اصبح‭ ‬الجميع‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬اراء‭ ‬بعيدة‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬فتجد‭ ‬صداها‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬لانهم‭ ‬يقتصرون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬على‭ ‬فايسبوك‭ ‬بينما‭ ‬بناة‭ ‬الحضارة‭ ‬الحقيقيون‭ ‬هم‭ ‬بُناة‭ ‬صامتون‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬يقوم‭ ‬برحلة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬وهران‭ ‬في‭ ‬طلعة‭ ‬بني‭ ‬سلامة‭ ‬الى‭ ‬مكتبة‭ ‬جامع‭ ‬الزيتونة‭ ‬فقط‭ ‬للتثبت‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المعلومات‭. ‬وكان‭ ‬يأتي‭ ‬مع‭ ‬غلامه‭ ‬ويظل‭ ‬احيانا‭ ‬مختبئا‭ ‬وراء‭ ‬كثبان‭ ‬من‭ ‬الرمل‭ ‬تجنّبا‭ ‬لقطاع‭ ‬الطرق‭ ‬بينما‭ ‬لاحظت‭ ‬أن‭ ‬طلبتي‭ ‬لا‭ ‬يكلفون‭ ‬انفسهم‭ ‬حتى‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬9‭ ‬أفريل‭ ‬الى‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنية‭ ‬المحاذية‭ ‬لها‭ ‬لانجاز‭ ‬عمل‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬طلبته‭ ‬منهم‭.‬

لو‭ ‬فكّرت‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬جزء‭ ‬سابع‭ ‬لموسوعتك‭ ‬عن‭ ‬مرحلة‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬2019‭ ‬كيف‭ ‬ستكون‭ ‬ملامحها؟

ذكرت‭ ‬في‭ ‬الموسوعة‭ ‬فترة‭ ‬تقلّد‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬الحكم‭. ‬سأسوق‭ ‬مثالا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭: ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتدمير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المعمّم‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬اي‭ ‬بعد‭ ‬هزيمتها‭.. ‬البرازيل‭ ‬أيضا‭ ‬تعرّضت‭ ‬لنفس‭ ‬التدمير‭ ‬وهنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬احتمالات‭ ‬تطوّرات‭ ‬معينة‭ ‬إما‭ ‬شعبوية‭ ‬يسارية‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬البرازيل‭ ‬مع‭ “‬لولا‭ ‬دا‭ ‬سيلفا‭” ‬او‭ ‬شعبوية‭ ‬سلطوية‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الان‭ ‬بحيث‭ ‬ان‭ ‬قدرنا‭ ‬هو‭ ‬الشعبوية‭ ‬السلطوية‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬وقعها‭ ‬الان‭.. ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬افرّق‭ ‬في‭ ‬كتاباتي‭ ‬بين‭ ‬المفاهيم‭ ‬الدكتاتورية‭.. ‬فبورقيبة‭ ‬كان‭ ‬متشددا‭ ‬وبن‭ ‬علي‭ ‬مستبدا‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هتلر‭ ‬دكتاتورا‭… ‬وثمة‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الاستبداد‭ ‬والدكتاتورية‭ ‬والتشدّد‭ ‬السياسي‭. ‬اما‭ ‬السلطوية‭ ‬فهي‭ ‬النزوع‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬رغم‭ ‬غياب‭ ‬برنامج‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭.‬‭.. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬برنامج‭ ‬لأن‭ ‬البلد‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭.. ‬أين‭ ‬هي‭ ‬الشركات‭ ‬الاهلية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬عماد‭ ‬البرنامجين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والاجتماعي؟‭ ‬ثمة‭ ‬ثلاث‭ ‬او‭ ‬اربع‭ ‬شركات‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬لها‭ ‬وجود‭… ‬هي‭ ‬موجودة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الورق‭.‬

بحكم‭ ‬اطلاعك‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬انسانية‭ ‬عديدة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬هل‭ ‬لك‭ ‬ان‭ ‬تحدد‭ ‬لنا‭ ‬الى‭ ‬اين‭ ‬تتجه‭ ‬تونس؟‭ ‬

‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقرّر‭ ‬مصيره‭ ‬مثلما‭ ‬قرر‭ ‬مصيره‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬الحاسمة‭… ‬اتمنى‭ ‬ان‭ ‬يقرّر‭ ‬مصيره‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬يخدم‭ ‬قيم‭ ‬التقدم‭ ‬والحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬لأن‭ ‬قطار‭ ‬الديمقراطية‭ ‬انطلق‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ولن‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬الوراء‭ ‬رغم‭ ‬بعض‭ ‬الانتكاسات‭ ‬والتعثّرات‭.‬

‭ ‬تحدثت‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬تكريمك‭ ‬عن‭ ‬عقدة‭ ‬أوديب‭ ‬عند‭ ‬بورقيبة‭ ‬لو‭ ‬توضح‭ ‬لنا‭ ‬أكثر‭ ‬مقصدك؟

كانت‭ ‬لبورقيبة‭ ‬عقدة‭ ‬أوديب‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الرجال‭ ‬المرموقين‭ ‬او‭ ‬اغلبهم‭ ‬على‭ ‬الاقل‭ ‬مثل‭ ‬بيتهوفن‭ ‬وارسطو‭.. ‬كان‭ ‬بورقيبة‭ ‬يحب‭ ‬أمّه‭ ‬حبا‭ ‬شديدا‭ ‬وكان‭ ‬عندما‭ ‬يذكرها‭ ‬في‭ ‬خطاباته‭ ‬يبكي‭ ‬بكاء‭ ‬حارا‭ ‬يشعرك‭ ‬بالصدق‭. ‬لكن‭ ‬لبورقيبة‭ ‬أيضا‭ ‬بكائيات‭ ‬سياسية‭ ‬برع‭ ‬فيها‭ ‬نظرا‭ ‬لشغفه‭ ‬بالمسرح‭ ‬وبالتمثيل‭… ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬قدرة‭ ‬عجيبة‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬الدموع‭.. ‬عندما‭ ‬ولدته‭ ‬امه‭ ‬كان‭ ‬عمرها‭ ‬52‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬وكانت‭ ‬البيئة‭ ‬بالمنستير‭ ‬محافظة‭ ‬جدا‭. ‬ونظرا‭ ‬لخجل‭ ‬الام‭ ‬آنذاك‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬ابنتها‭ ‬ان‭ ‬تعطيها‭ ‬منديلا‭ ‬تضعه‭ ‬بين‭ ‬اسنانها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تصيح‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬ويُفضح‭ ‬امرها‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭. ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬كان‭ ‬بورقيبة‭ ‬يقول‭:”‬جئتكم‭ ‬حسب‭ ‬المثل‭ ‬القائل‭ ‬باش‭ ‬يخرج‭ ‬دنفير‭ ‬من‭ ‬المنستير‭ ‬فيه‭ ‬الناس‭ ‬تحير‭ ‬وامي‭ ‬انجبتني‭ ‬في‭ ‬غلطة‭”..‬اذكر‭ ‬ان‭ ‬مجاهدا‭ ‬اصيل‭ ‬ولاية‭ ‬القيروان‭ ‬التقى‭ ‬بورقيبة‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬عكاظيات‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬ذات‭ ‬3‭ ‬أوت‭ ‬فحدّث‭ ‬الزعيم‭ ‬عن‭ ‬اعجابه‭ ‬باصلاحاته‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والسياسة‭ ‬ثم‭ ‬لامه‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬تحديد‭ ‬النسل‭ ‬قائلا‭:” ‬تخيل‭ ‬يا‭ ‬زعيم‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬تحديد‭ ‬النسل‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬فيها‭ ‬لحُرمت‭ ‬والدتك‭ ‬من‭ ‬انجابك‭ ‬ولحُرمت‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬ومن‭ ‬زعيم‭ ‬مثلك‭” ‬فضحك‭ ‬بورقيبة‭ ‬انذاك‭ ‬وقال‭ ‬له‭ “‬لقيتها‭ ‬يا‭ ‬حلوف‭”..‬

وأنت‭ ‬المشتغل‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬النشاط‭ ‬الصهيوني‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬أحداث‭ ‬النكبة‭ ‬ومع‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬جربة‭ ‬مؤخرا؟

طبعا‭ ‬أنا‭ ‬ضد‭ ‬التطبيع‭ ‬لأنني‭ ‬اعتبر‭ ‬ان‭ ‬اسرائيل‭ ‬بمثابة‭ ‬ورم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬معادية‭ ‬له‭ ‬طال‭ ‬الزمان‭ ‬او‭ ‬قصُر‭.. ‬ففي‭ ‬افريقيا‭ ‬مثلا‭ ‬ظل‭ “‬الافريكانس‭” ‬أربعة‭ ‬قرون‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أخذ‭ ‬السود‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬علما‭ ‬ان‭ “‬الافريكانس‭” ‬ظلوا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬ولم‭ ‬يرجعوا‭ ‬الى‭ ‬هولندا‭.. ‬بقي‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬اطرحُه‭ ‬على‭ ‬المحللين‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬حريق‭ ‬بنك‭ ‬الزيتونة‭ ‬وأحداث‭ ‬العنف‭ ‬الاخيرة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المباريات‭ ‬الرياضية‭ ‬وعملية‭ ‬جربة‭ ‬؟‭ ‬هل‭ ‬ثمة‭ ‬خيط‭ ‬رابط‭ ‬بين‭ ‬الأحداث‭ ‬الثلاثة‭ ‬؟‭ ‬لننتظر‭ ‬التحقيق‭ ‬ماذا‭ ‬سيقول‭… ‬فعندما‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الخيط‭ ‬الرابط‭ ‬ربما‭ ‬تحصل‭ ‬لنا‭ ‬مفاجآت‭.‬

مفاجآت‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع؟

من‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬أجّجت‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬جهة‭ ‬واحدة‭ ‬أم‭ ‬أكثر‭ ‬؟

هل‭ ‬تلمّح‭ ‬الى‭ ‬وقوف‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬وراء‭ ‬ذلك؟

هذا‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سيخلص‭ ‬إليه‭ ‬التحقيق‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬يذكرّنا‭ ‬بحادثة‭ ‬حريق‭ ‬القاهرة‭ ‬سنة‭ ‬1952‭ ‬والتي‭ ‬اتضح‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬كانت‭ ‬وراءه‭.. ‬بالنسبة‭ ‬لتونس‭ ‬لننتظر‭ ‬نتائج‭ ‬التحقيق‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نتسرع‭ ‬لكن‭ ‬لدينا‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬حتى‭ ‬نفهم‭ ‬هل‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭ ‬سيكون‭ ‬موضوعيا‭ ‬أم‭ ‬موجّها‭.‬

هل‭ ‬يحتاج‭ ‬الباحث‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬التطبيع‭ ‬الأكاديمي؟

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬الباحث‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التطبيع‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬ربط‭ ‬أية‭ ‬علاقة‭ ‬بإسرائيل‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬لدينا‭ ‬مثقفين‭ ‬كبارا‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والجزائر‭ ‬ضد‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭..‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 16 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING