الشارع المغاربي – المحاسبةُ‭ ‬بين‭ ‬المساندةِ‭ ‬الشعبيةِ‭ ‬والضّبابيةِ‭ ‬القانونية / بقلم صالح مصباح

المحاسبةُ‭ ‬بين‭ ‬المساندةِ‭ ‬الشعبيةِ‭ ‬والضّبابيةِ‭ ‬القانونية / بقلم صالح مصباح

قسم الأخبار

2 مارس، 2023

الشارع المغاربي: استقر‭ ‬اليوم‭ ‬أنّ‭ ‬إطار‭ ‬الإيقافات‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنضاف‭ ‬إليها‭ ‬أخريات‭ ‬هو‭”‬المحاسبة‭”. ‬استقر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي،و‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬المُنصِتِ‭ ‬حصريا‭ ‬لذلك‭ ‬الخطاب‭. ‬ولهذه‭ ‬المحاسبة‭ ‬جانب‭ ‬قانوني‭ ‬أكيد،‭ ‬لأنها‭ ‬موضوع‭ ‬يَنظرُ‭ ‬فيه‭ ‬القضاءُ‭. ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬ملفات‭ ‬التهم‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬ملفات‭ ‬قضايا‭ ‬حق‭ ‬عام،‭ ‬وليس‭ ‬كذلك‭ ‬تكييفُها‭. ‬فعنوانها‭ ‬الجامع،‭ ‬وفق‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬المحركة‭ ‬للقضايا،‭ ‬هو‭” ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭”. ‬وبهذا‭ ‬العنوان‭ ‬تخرج‭ ‬القضايا‭ ‬عن‭ ‬النطاق‭ ‬القانوني‭ ‬الخالص،‭ ‬لتتعلق‭ ‬بالأمن‭ ‬العام‭ ‬تعلقا‭ ‬يجعلها‭ ‬شأنا‭ ‬عاما‭ ‬يُحظى‭  ‬بالتفاعل‭ ‬الشعبي‭. ‬وإن‭ ‬الراشح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬ومن‭ ‬سير‭ ‬التحقيق‭ ‬والإجراءات‭ ‬يجتمع‭ ‬عليه‭ ‬جانبان‭ ‬اثنان،‭ ‬وهما‭ ‬المساندة‭ ‬الشعبية‭ ‬التلقائية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬مساندة‭ ‬المحاسبة‭ (‬1‭)‬،‭ ‬والضبابية‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تلازم‭ ‬ذلك‭ ‬التحقيق‭ ‬وتلك‭ ‬الإجراءات‭ (‬2‭) .‬

1/‬المساندة‭ ‬الشعبية‭:‬

للإيقافات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مساندة‭ ‬شعبية‭ ‬لا‭ ‬تنكر‭. ‬وتأتي‭ ‬المساندة‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬من‭ ‬عبثوا‭ ‬بالدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬طيلة‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬الشعبية‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬واحد‭. ‬فقد‭ ‬تبلور‭ ‬اليوم‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬التمايز‭ ‬نوعان‭ ‬منها،‭ ‬المساندة‭ ‬الإتباعية‭( ‬ا‭) ‬والمساندة‭ ‬النقدية‭(‬ب‭).‬

أ‭/‬المساندة‭ ‬الإتباعية‭:‬

يمثّل‭ ‬هذه‭ ‬المساندةَ‭ ‬عمومُ‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬أدرك،‭ ‬بحدس‭ ‬ومعاينة‭ ‬يوميَين،‭  ‬أنّ‭ ‬عشرية‭ ‬الحكم‭ ‬الإخواني‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬قد‭ ‬أرهقت‭ ‬قدرته‭ ‬الشرائية،‭ ‬وبدّدت‭ ‬أحلام‭ ‬ابنائه،‭ ‬وعصفت‭ ‬بأمنه،‭ ‬وبشّعت‭ ‬صورة‭ ‬توتس‭ ‬ومواطنيها‭. ‬فهذا‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬المحكوم‭ ‬بالإندفاع‭ ‬والتلقائية،‭ ‬قد‭ ‬توجّه‭ ‬إليه‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬بما‭ ‬يفيد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الإيقافات‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬المحاسبة‭ ‬التي‭ ‬سيخضع‭ ‬إليها‭ ‬صناعُ‭ ‬تلك‭ ‬المتاعب‭. ‬وتبدو‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬لها‭ ‬الخطابُ‭ ‬الرسمي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭. ‬فهي‭ ‬مساندة‭ ‬انفعالية،‭ ‬سطحية،‭ ‬ثأرية،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬انتقامية‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬التشفي،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الفرز‭ ‬بين‭ ‬مَن‭ ‬تحقّ‭ ‬عليهم‭ ‬المحاسبة‭ ‬التي‭ ‬تتهيأ‭ ‬لهم‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬تحق‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬تتهيأ‭ ‬لهم‭. ‬

وإنّ‭ ‬الخطاب‭ ‬الرئاسي،‭ ‬خطابا‭ ‬رسميا‭ ‬وحيدا‭ ‬باسم‭ ‬السلطة‭ ‬والنيابة‭ ‬والقضاء،‭ ‬قد‭ ‬وسّع‭ ‬مِن‭ ‬دائرة‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬الشعبية‭ “‬الثأرية‭”. ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬احتكر‭ ‬النطقَ‭ ‬باسم‭ ‬الشعب،‭ ‬وباسم‭ ‬الثأر‭ ‬له‭ ‬من‭ “‬أعدائه‭”‬،‭ ‬و‭”‬ناهبي‭ ‬أمواله‭”‬و‭”‬محتكري‭ ‬قوته‭” ‬و‭”‬المتآمرين‭ ‬على‭ ‬دولته‭”. ‬فهو‭ ‬خطاب‭ ‬تقسيم‭ ‬يفصل‭”‬شعبا‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭”‬و‭ “‬شعبا‭ ‬عن‭ ‬أعداء‭ ‬الشعب‭”.‬

لا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مساندةَ‭ ‬المحاسبةِ‭ ‬الشعبيةَ‭ ‬محمودةٌ‭. ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬مِن‭ ‬حقّ‭ ‬السلطة‭ ‬الرسمية‭ ‬أن‭ ‬تستحسنها‭ ‬وأن‭ ‬تستقويَ‭ ‬بها‭. ‬لكن‭ ‬السلطة‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬بصدد‭ ‬توجيه‭ ‬المحاسبة‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تريد،‭ ‬إذْ‭ ‬أرادتها‭ ‬غطاءً‭  ‬للمداهمات‭ ‬الليلية‭ ‬غير‭ ‬المتقيدة‭ ‬دوما‭ ‬بسلامة‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وتداركا‭ ‬على‭ ‬شعبيةٍ‭ ‬لرأسها‭ ‬تضاءلت‭.‬

إنّ‭ ‬المساندة‭ ‬لِما‭ ‬يراه‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬محاسبةً‭ ‬قد‭ ‬انتزع‭ ‬منها‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬أصالتَها،فلوَّنَها‭ ‬بروح‭ ‬انتقامية‭ ‬تصفّق‭ ‬لكل‭ ‬إيقاف‭ ‬جديد،‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭. ‬وهذا‭ ‬التصفيق‭ ‬الإنتقامي‭ ‬يقبل‭ ‬التّفهم‭ ‬في‭ ‬نطاقه‭ ‬الشعبي‭ ‬العفوي‭. ‬فالدوافع‭ ‬القهرية‭ ‬إليه‭ ‬قد‭ ‬تراكمت‭ ‬طيلة‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬العقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬والشرائح‭ ‬المأخوذة‭ ‬بهذه‭ ‬المساندة‭ ‬الحماسية‭ ‬الإنتقامية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الضريبة‭ ‬الأليمة‭ ‬لسنوات‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬الفاسدين،‭ ‬ونهب‭ ‬الناهبين،‭ ‬ورشاوى‭ ‬المرتشين،‭ ‬ومازالت‭ ‬تدفع‭. ‬

لكن‭ ‬الخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬نَفَخ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬الإنتقامية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬عدالة‭ ‬يكون‭ ‬بعدها‭ ‬استقرار‭. ‬ولم‭ ‬يجنح‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬به‭ ‬تتوازن‭ ‬فيلتئمَ‭ ‬نسيج‭ ‬المواطنة‭ ‬بعلوية‭ ‬القانون‭ ‬،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التقسيم‭ ‬والتحريض‭ ‬والتشنّج‭ ‬وزرع‭ ‬الفرقة‭ ‬والحقد‭ ‬والثأرية‭ ‬العمياء‭. ‬

ب‭/‬المساندة‭ ‬النقدية‭:‬

تمثل‭ ‬هذه‭ ‬المساندةَ‭ ‬الشرائحُ‭ ‬المتبصرة‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬الأنفار‭ ‬الذين‭ ‬تعودت‭ ‬مؤخراتهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المقاعد،‭ ‬وأيديهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الموائد،‭ ‬وافواههم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأطعمة‭. ‬

لكن‭ ‬الفئات‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬منها‭ ‬أولئك‭ ‬الأنفار،‭ ‬إنما‭ ‬تساند‭ ‬المحاسبةَ‭ ‬مساندةً‭ ‬متبصرة‭ ‬مستنيرة‭ ‬فيها‭ ‬قَدر‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬النقدية‭ ‬المتماسكة‭. ‬فهي‭ ‬مساندة‭ ‬لا‭ ‬تفصل‭ ‬الحق‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬المحاسبة‭ ‬عن‭ ‬علوية‭ ‬القانون،‭ ‬وعن‭ ‬سلامة‭ ‬الإجراءات‭. ‬فليس‭ ‬قانون‭ ‬الإرهاب‭ ‬بصكٍّ‭ ‬على‭ ‬بياض‭ ‬تجوز‭ ‬به‭ ‬كلُّ‭ ‬الخروقات‭ ‬الشكلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭.‬

ولا‭ ‬تَغفل‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬الشعبية‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬أصداؤها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والإتصال‭ ‬عن‭ ‬طابع‭ ‬هذه‭ ‬المحاسبة‭ ‬الإنتقائي‭ ‬من‭ ‬ناحيتين‭ ‬اثنتين‭. ‬الناحية‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬المتّهمين‭ ‬الموقوفين‭ ‬قد‭ ‬وُضِعُوا‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬اتّهام‭ ‬واحدة،‭ ‬وتحت‭ ‬عنوان‭ ‬واحد‭ ‬كما‭ ‬سنرى‭ ‬لاحقا،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬موازين‭ ‬اتهامهم‭ ‬تتفاوت‭. ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أقوال‭ ‬الدفاع‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬تسرب‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬كذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬التهم‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬رأسُ‭ ‬السلطة‭ ‬نفسه‭ ‬سواء‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬والتي‭ ‬تتعلق‭ ‬بأشخاص‭ ‬هم‭ ‬اليوم‭ ‬أحرار‭ ‬وبكيانات‭ ‬يُحظى‭ ‬نشاطُها‭ ‬بالحماية‭.‬

والناحية‭ ‬الثانية‭ ‬أن‭ ‬المحاسبة،‭ ‬كما‭ ‬تراها‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬النقدية،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬متآمري‭ ‬اليوم‭ ‬وأن‭ ‬تغفل‭ ‬عن‭ ‬متآمري‭ ‬الأمس،‭ ‬أو‭ ‬أن‭  ‬تغفل‭ ‬عن‭ ‬التآمر‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬والأخطر،‭ ‬والذي‭ ‬يخص‭ ‬كيانات‭ ‬منتظمة‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬تغفل‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬النقدية‭ ‬عن‭ ‬وجوب‭ ‬ألاّ‭ ‬تكون‭ ‬شاغلا‭ ‬للشعب‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬مشاغل‭ ‬البلاد‭ ‬الأخرى‭. ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬المحاسبة،‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬المساندة،‭ ‬شأن‭ ‬قانوني‭ ‬أولا،‭ ‬وشأن‭ ‬عام‭ ‬ثانيا‭. ‬وليس‭ ‬كونه‭ ‬شأنا‭ ‬عاما‭ ‬بمبرر‭ ‬لإغناءِ‭ ‬السلطة‭ ‬عن‭ ‬واجباتها‭ ‬تجاه‭ ‬المواطنين‭ ‬وأمنهم‭ ‬ومعاشهم‭ ‬ومصير‭ ‬أبنائهم‭. ‬فهؤلاء،‭ ‬شبابا‭ ‬،‭ ‬هم‭ ‬اليوم‭ ‬فارّون‭ ‬من‭ ‬وطنهم‭ ‬بالفعل‭ ‬وبالقوة‭. ‬إنّ‭ ‬مغزى‭ ‬المحاسبة‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬المساندة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تزرع‭ ‬الأمل‭ ‬بالعدالة‭ ‬لا‭ ‬الحقد‭ ‬بالإنتقام‭.‬

‭ -2 ‬الضبابية‭ ‬القانونية‭ :‬

لهذه‭ ‬الضبابية‭ ‬القانونية‭ ‬وجهان‭ ‬متلازمان‭ ‬لدى‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬؛‭ ‬المظاهر‭  (‬أ‭) ‬والاهداف‭ (‬ب‭) ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الحيثيات‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬الاجراءات‭ ‬وعلاقتهما‭ ‬بالخطاب‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬الإيقافات‭ ‬الجهة‭ ‬المحركة‭ ‬للدعوى‭ .‬

‭ ‬‭  ‬أ‭ / ‬مظاهر‭ ‬الضبابية‭ ‬القانونية‭: ‬

‭  ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬أربعة‭ ‬الأقل‭ .‬أما‭ ‬المظهر‭ ‬الأول‭ ‬فهو‭ ‬تنوع‭ ‬التهم‭ ‬وانفصال‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّ‭ ‬حملة‭ ‬الاعتقالات‭ ‬واحدة‭ ‬،‭ ‬وعنوان‭ ‬التهم‭ ‬واحد‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭. ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬يستوي‭ ‬الاعتقاد‭ ‬المبرّر‭ ‬أن‭ ‬بين‭ ‬المتّهَمين‭ ‬جامعا‭ ‬ضبابيا‭ ‬آخر‭ ‬بخلاف‭ ‬الجامع‭ ‬الجنائي‭ ‬المفتعل‭. ‬وأما‭ ‬المظهر‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬ضبابية‭ ‬الموجبات‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تجري‭ ‬الإحالات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سراح‭ ‬وحالة‭ ‬إيقاف‭ ‬وحالة‭ ‬إيقاف‭ ‬تتبعه‭ ‬بطاقة‭ ‬إيداع‭. ‬فالتآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬وجّهَه‭ ‬سعيد‭ ‬مرارا‭ ‬للغنوشي‭ ‬،‭ ‬بصبغة‭ ‬النكرة‭ ‬المقصودة‭ ‬،و‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سراح‭ ‬،‭ ‬وبخلاف‭ “‬المتآمرين‭ ‬الجدد‭”. ‬ثم‭ ‬إنّ‭ ‬مِن‭ ‬المتّهمين‭ ‬اليوم‭ ‬مَن‭ ‬توجّهت‭ ‬اليهم‭ ‬سابقا‭ ‬التهمةُ‭ ‬نفسُها‭. ‬فكيف‭ ‬نفهم‭ ‬أنّ‭ ‬شروط‭ ‬اعتقالهم‭ ‬لم‭ ‬تتوفر‭ ‬إلا‭ ‬اليوم،‭ ‬بمعية‭ ‬متهمين‭ ‬آخرين‭ ‬تنوّعت‭ ‬تُهمُهم‭ ‬بين‭ ‬التآمر‭ ‬واختلاس‭ ‬الاموال‭ ‬والاحتكار‭ ‬والمناوءة‭ ‬الإعلامية‭  ‬للسلطة‭ ‬الخ‭ … ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مقتضيات‭ ‬السير‭ ‬القانوني‭ ‬،‭ ‬أليس‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬تفصِل‭ ‬الجهةُ‭ ‬الرّافعة‭ ‬للدعوى‭ ‬بين‭ ‬التّهم‭ ‬والمنهمين‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أنّ‭ ‬مِن‭ ‬القضايا‭ ‬الجارية‭ ‬السابقة‭ ‬المتعلقة‭ ‬ببعض‭ ‬المتهمين‭ ‬قضايا‭ ‬إرهاب‭ ‬واغتيالات‭ ‬وتسفير‭ ‬للارهابيين‭ .‬

‭  ‬وأما‭ ‬المظهر‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الضبابية‭ ‬القانونية‭ ‬فهو‭ ‬عدم‭ ‬التلاؤم‭ ‬بين‭ ‬ملفات‭ ‬التّهم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ونصوص‭ ‬الإحالة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ . ‬فبعض‭ ‬التهم‭ ‬إرهابية‭ ‬،‭ ‬والإحالة‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مقتضى‭  ‬الفصل‭ ‬43‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الاساسي‭ ‬عدد‭ ‬26‭ ‬لسنة‭ ‬2015‭ ‬المتعلق‭ ‬بمكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وغسيل‭ ‬الأموال‭ . ‬وبعض‭ ‬التّهم‭ ‬جنائية‭ ‬والإحالة‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مقتضى‭ ‬الفصول‭ ‬49‭ ‬و51‭ ‬و55‭ ‬من‭ ‬المجلة‭ ‬الجزائية‭ . ‬فأين‭ ‬يظهر‭ ‬الجامع‭ ‬بينها‭ ‬وهو‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬امن‭ ‬الدولة‭”‬؟‭ ‬أليس‭ ‬السؤال‭ ‬جديرا‭ ‬بالجواب‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬به‭ ‬سير‭ ‬الأبحاث؟‭ ‬وهل‭ ‬بين‭ ‬التهمة‭ ‬

‭ ‬الجنائية‭ ‬والتهمة‭ ‬الإرهابية‭ ‬مشترك‭ ‬أكيد‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التّهم‭ ‬وهو‭ “‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ “‬؟‭. ‬وعلَيهِ،‭ ‬هل‭ ‬مِن‭ ‬مشترك‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يعقوب‭!‬

‭ ‬وأما‭ ‬المظهر‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الضبابية‭ ‬القانونية‭ ‬فهو‭ ‬الحكم‭ ‬البات‭ ‬الذي‭ ‬اطلقه‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬اطلاقا‭ ‬مسبقا‭ ‬لا‭ ‬يعبّر‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ !‬؟‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تظهر‭ ‬الضبابية‭ ‬في‭ ‬تجريمه‭ ‬المسبق‭ ‬لمن‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬تبرئة‭ ‬ايّ‭ ‬متهم‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ضمنيا‭ ‬بريئا‭. ‬فقرينة‭ ‬البراءة،‭ ‬وإن‭ ‬هي‭ ‬نظريةٌ‭ ‬قياسا‭ ‬على‭ ‬الرائج‭ ‬من‭ ‬التهم‭ ‬والرائج‭ ‬عن‭ ‬المتهمين‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬وجاهة‭ ‬في‭ ‬نسخها‭ . ‬فلعل‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬ينازع‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬المحاكمةَ‭ ‬القانونيةَ‭ ‬المؤسسية‭”‬بالمحاكمة‭ ‬الشعبية‭” .‬

‭ ‬‭ ‬ب‭ – ‬أهدافُ‭ ‬الضبابيّة‭ ‬القانونية‭ :‬

‭  ‬يصعب‭ ‬التّسيلم‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬الضبابية‭ ‬القانونية‭ ‬عفوية‭ ‬،‭ ‬سواء‭ ‬بالمظاهر‭ ‬التي‭ ‬ذكرنا‭ ‬او‭ ‬بالتي‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬وهي‭ ‬شتى‭. ‬فالضبابية‭ ‬متراكبة‭ ‬طبقاتٍ‭ ‬،‭ ‬متراكمة‭ ‬حلقات‭ . ‬فهي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬،‭ ‬حصيلة‭ ‬تعمّد‭ ‬تدبّرته‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬المحركة‭ ‬للدعوى‭ . ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التّهم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالإرهاب‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ . ‬لكنّ‭ ‬جهة‭ ‬الدعوى‭ ‬لم‭ ‬تضعها‭ ‬في‭ ‬أوانها‭ ‬السابق‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭. ‬لكنها‭ ‬وضعتها‭ ‬اليوم‭ ‬تحته‭ ‬وضعا‭ ‬انتقائيا‭ ‬غامضا،‭ ‬مرفوقةً‭ ‬بقضايا‭ ‬اخرى‭ ‬جنائية‭. ‬فلعل‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬تهمة‭ ‬التآمر‭ ‬على‭” ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ” ‬على‭ ‬الشياع‭ ‬هو‭ ‬معارضة‭ ‬السلطة‭ ‬وتهديد‭ ” ‬أمن‭ ‬الرئيس‭”. ‬وهو‭  ‬أمن‭ ‬سبّقه‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬لعله‭ ‬سبّقه‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬معا،‭ ‬وإلا‭ ‬كيف‭ ‬نفهم‭ ‬ان‭ ‬حزب‭ ‬التحرير‭ ‬ذا‭ ‬العقيدة‭ ‬الناسفة‭ ‬للدولة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬يُحظى‭ ‬بالنشاط‭ ‬والحماية‭ ‬،‭ ‬ويُضطَهد‭ ‬من‭ ‬يعارضه‭ ‬؟‭ ‬وكيف‭ ‬نفهم‭ ‬انّ‭ ‬القاضي‭ ‬السابق‭ ‬البشير‭ ‬العكرمي‭ ‬يودع‭ ‬السجن‭ ‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الغنوشي‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬آمر‭ ‬العكرمي‭ ‬ورأش‭ ‬التنظيم‭ ‬،‭ ‬يغادر‭ ‬التحقيق‭ ‬مرارا‭ ‬رافعا‭ ‬اشارة‭ ‬النصر‭ ‬؟‭! ‬

‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الاسئلة‭ ‬وحدها‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬الإرتباب‭ ‬في‭ ‬الأهداف‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬وراء‭ ‬الايقافات‭ ‬والإحالات‭ ‬رغم‭ ‬أنّ‭ ‬مبدأ‭ ‬المحاسبة‭ ‬العادلة‭ ‬مطلب‭ ‬شعبي‭ ‬أثير‭ ‬لا‭ ‬نشك‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬وجوبه‭ . ‬فلعل‭ ‬هذه‭ ‬التّهم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نشكّ‭ ‬في‭ ‬جدّية‭ ‬أغلبها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬،‭ ‬قد‭ ‬ارادتها‭ ‬السّلطة‭ ‬مطايا‭ ‬لإسكات‭ ‬المعارضين‭ ‬وترهيبهم‭ ‬والتخلّص‭ ‬منهم‭ ‬،‭ ‬ولآستدرار‭ ‬الولاء‭ ‬الشعبي‭ ‬التلقائي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحصِّل‭ ‬مِمّا‭ ‬يجري‭ ‬إلاّ‭ ‬شعار‭ ‬أنّ‭ ‬سعيد‭ ‬بصدد‭ “‬رَحيِ‭” ‬مَن‭ ‬عاثوا‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬فسادا‭ ‬؛‭ “‬الرحي‭” ‬بالعبارة‭ ‬الشعبية‭ ‬الرّائجة‭ ‬اليوم‭ ‬بضرب‭ ‬من‭ ‬الثأرية‭ ‬العفوية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرشّدها‭ ‬العقل‭ ‬القانوني‭ ‬البارد‭ ‬المتّزن‭. ‬ولعلّ‭ ‬هدف‭ ‬السلطة‭ ‬أولا‭ ‬هو‭ ‬ضمانة‭ ‬ولاء‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬الشعبي‭ ‬السّاذج‭ .‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING