الشارع المغاربي : أصبح برلماننا بالعبارة التونسيّة “سوق ودلّال” وبات مسرحًا مفتوحًا أمام شتّى البذاءات!.. الأنكى من ذلك أنّ بعض نخبنا المتمارضة، بأطماعٍ ذاتيّة لا حدود لها، تفانت في البحث عن مبرّرات سرك باردو المتعفّن، ولاسيّما بعد بثّ مشهد سقوطه المدوّي على الهواء مباشرةً خلال الأيّام الماضية…
لم يأت نوّاب البرلمان من أحد أوكار الإجرام، ولا هُم من خرّيجي سجون تفيضُ بمتنكّرين لِما تبقّى من قيم هذا المجتمع، بل اختارهم التونسيّون وصوّتوا لهم في انتخابات عامّة شهد العالم بنزاهتها، رغم بعض المؤاخذات والهِنات والمزايدات. ومع ذلك يبدو أنّ العديد من هؤلاء قد غرّهم حلو المقام، وكأنّ بحوزتهم صكّا أبيض للتنفيس عمّا يعتمل في دواخلهم من عقدٍ أو آثام، فسمحُوا لأنفسهم بالتسّاقط في غياهب غِيّ بلا قاع. هنا نجد أنفسنا في حرج إعادة التذكير بأطوار مشاهد مقرفة وخطاب بذيء…
نائبٌ خاطبَ رئيس الجمهوريّة يومًا قائلا: “ولدك في دارك“، فنحَتَ شعارًا عبّر به عمّا يُخامر الكثيرين بشأن الألعوبة المكشوفة لسياسة التوريث. أفلح مرّةً أو مرّاتٍ، لكنّه حين استرسل تصوّر نفسه مُهرّجًا بلا مثيل، إلى حدّ تكليف نفسه عبء اقتناء مصّاصاتٍ للرُضّعٍ والحديث عن “هزّ الأرجل“! وبصرف النظر عن كلّ المبرّرات حتّى الموضوعيّة منها، فإنّه ما هكذا يُدارُ النقاش العام تحت قبّة البرلمان! فهل انتفتْ كلّ مفردات الخطاب حتّى تُصبح البذاءة الملاذ والبديل والدليل على شجاعة الشجعان؟!.
عضو آخر في “المجلس الموقّر” أظهر أنّه أقربُ إلى نابٍ أو ربّما نائبةٍ من نوائب الدهر اللئيم. استبسل في بثّ رسائل تبنّتها قبله عصابات تُسمّي نفسها “رابطات حماية الثورة“، لكنّها تُعرفُ بفاشيّتها وتمتهن التشجيع على الكراهيّة والعنف. لم يتردّد في الدعوة إلى محاكمة رئيس البرلمان ورميه بتهمة “الخيانة العظمى“، مع أنّ عقوبتها في قانوننا الإعدام أو السجن المؤبّد في أفضل الأحوال. خطاب إطلاقي موسوم بالتعصّب والتطرّف حول فصلٍ في قانون العدالة الانتقاليّة، أقرّ عدد من القضاة بأنّه يحتمل قراءتين. تصارخ قائلا حرفيًّا: “أنا اليوم مستعد باش نوقف هذه المهزلة الانقلابيّة بكلّ الوسائل، أنا اليوم داخل هذا المجلس انتحاري باش نقصفكم“. من المشروع أنْ نتساءل إذن إنْ كان هذا الناب الهجين قد تلفّظ بتهديده المباشر في برلمان باردو أمْ في إحدى مغارات جبل الشعانبي؟!. والأغرب أنّ هذا “الانتحاري” حائز على شهادات جامعيّة عليا في القانون العام وحقوق الإنسان!. ومع ذلك استلذّ حلقُه طعمَ معجمٍ يختصّ به الإرهابيّون، وإذْ تهاوى إلى منحدرٍ السقوط المبين، هلّل بعض كتلته البرلمانية تضامنًا معه بوصفه عنوانا لـ“الرجولة” في وجه الشيطان الرجيم!. فهل هي مجرّد نوبةٍ لنائبٍ غِرٍّ لا يستوعب معنى الخطاب والكلام أمْ أنّ نائبة طبيعيّة أنهكت عقله دون سابق إنذار؟!..
يبدو أنّ هذا الخطاب المنفطر بالبذاءة والكراهيّة والأحقاد وادّعاء الحقيقة المطلقة واحتكار ثوب الثورة، قد جعل الحفاظ على “حرمة” البرلمان من المنسيّات والمخلّفات الضائعة نهائيّا. ولا يخفى في المحصّلة أنّ واقعة هذا السقوط الرنّان إنّما تُذكّرنا مجدّدا بمسؤولية رئيس البلاد في حبك خديعة التوافق المغشوش. “توافقٌ” أبان اليوم معدنَه البخسَ، بعد أن تضاربت الأجندات الحزبيّة ومُسّت أوصال الغنيمة، فألقت عرض الحائط بمصالح الشعب والدولة، وتحوّلَ الوفاقُ إلى وباءٍ متمكّن عفّن الأجواء السياسيّة وعكّر أوضاع البلاد والعباد، ولا يزال!…