الشارع المغاربي – المدرسة التي تستجدي الملعب / بقلم: محمد جويلي

المدرسة التي تستجدي الملعب / بقلم: محمد جويلي

27 أبريل، 2018

الشارع المغاربي: ما هذه المدرسة التي تتحول نهاية كل سنة إلى ملعب كرة القدم؟ ما هذه الإحتفالية التي تسمى الباك سبور؟ هل هي مجرّد احتفال كروي بامتحان دراسي؟

المدرسة مؤسسة محافظة. من العصيّ أن تقبل بسهولة طقوسا مشابهة ليست من سجلاّتها. ما الذي يحدث إذا ؟

الباك سبور هو امتحان الرياضة السنوي الذي تحسب أعداده ضمن التحصيل النهائي للباكالوريا. بدأ الاحتفال به منذ سنوات خلت ويتمّ التحضير له في انسجام والتزام وإبداع جماعي لا مثيل له. في اليوم المخصص لهذه الاحتفالية يمتلئ فضاء المعهد بقاعاته وساحاته وأسقفه  لممارسة هذا الطقس.

الإبهار، سرية الكوريغرافيا، الشماريخ، الرقصات، قرع الطبول، الشخصيات التي ستظهر والرسائل التي ستكتب، كلها عناصر للفرجة المنتظرة. الجميع يشارك، الفتيات كما الفتيان، البارزون في الدراسة كما المتخلين عنها،الراسبون كما الناجحون، هؤلاء جميعا لا ينظرون للمشهد بعيونهم فقط بل بقلوبهم أيضا.

المدرسة للمتعة لا للإكراه

جلّ التلاميذ يرغبون في الذهاب إلى مدرستهم. روتين يومي على مشقته، له من المتعة ما يضاهي متعة التنصل من قرف البقاء في المنزل. الدروس فقط  هو ما يزعجهم في هذه الفسحة اليومية. الضحك والمزاح في الطريق إلى المدرسة في صحبة الأتراب، ساعات الفراغ التي تمضى حثيثا في كرة القدم أو في سرديات التلاميذ التي لا تنتهي. تعلّم أشياء مناسبة للمرحلة، اختبار الذات في مواقف متعدّدة ومختلفة. بناء الصداقات والبحث عن الحبّ متى تسمح الظروف بذلك. أشياء أخرى تمنح للمراهق صورة مثلى عن نفسه يصنعها بنفسه أو يعطيه إياها من يرافقونه طول اليوم. إلاّ الدروس، فتلك قصة أخرى.

  إحتفالية الباك سبور التي ينظمها التلاميذ هي خلاصة كل هذا، هي هذه القدرة على صنع شيء ما، مبهر ومثير، سلطتهم عليه مطلقة. يتقاطع داخل هذه الاحتفالية إبداع فرد مع فعل جماعة، إتحاد تلاميذ في أبهى حلله وتدرّب على الإستنفار يضاهي استنفار كتيبة.

المدرسة لللإحتجاج وتضمين الرسائل

ليست دخلة الباك سبور بالبساطة التي يعتقد البعض. مضامينها توازي مضامين مؤتمرات دولية وحركات احتجاجية متمرّسة. شكل مغاير للالتزام بقضايا الشأن العام. إحدى الدخلات في أحد المعاهد تشير بشكل واضح إلى عمق المأزق البيئي الذي تعرفه المدينة منذ عقود، اقتناص ذكي للأحداث وعرضها، الشاعر أولاد أحمد، صالح بن يوسف في أحد معاهد جربة تنشيط للذاكرة المحلية والوطنية، تحية العلم في حضرة سيّد الشهداء شكري بلعيد، عن المناخ السياسي في البلاد، احتجاج على الذي يحدث في سوريا وفلسطين وفي بقاع أخرى من العالم. لا ينسى التلاميذ تكريم أساتذتهم وبقية الإطار التربوي.

يتمّ ذلك كله بلغات عالمية وكأن نص الدخلة هو خلاصة الدروس الممكنة التي تقدمها المدرسة ولكن بشكل مغاير

ونصيبي من مدرستي 

هناك دعوات عديدة لما يسمى تأطير دخلة الباك سبور واحتفاليتها. يقع التأطير من طرف إدارة المعهد. من يدعو لهذه المهمة لا يفهم المقاصد التي يدفع بها التلاميذ حين انجاز مهمّتهم. المسألة الأساسية هي إبعاد الإدارة عن هذا الشأن وتولي مسؤولية الحدث دون تدخل آخرين. المعنى وراء هذا التملك هو الإقرار بتحول التلميذ من مجرّد رقم يتابع الدروس بانتباه إلى تلميذ فاعل له نصيب من مدرسته، وكأنه يعلن بذلك عن تصوّر مغاير للمدرسة وعن موقعه داخلها، وكأنه يقول أيضا على المدرسة أن تكون أكثر تشاركية وأكثر جرأة وإبداعا وأن تحترم الذكاءات المتعدّدة الكامنة في تلاميذها. يحدث كل هذا استعارة من عالم كرة القدم


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING