الشارع المغاربي – المديونية: السلاح الذي يُمكّن فرنسا من السطو على تونس

المديونية: السلاح الذي يُمكّن فرنسا من السطو على تونس

قسم الأخبار

20 مايو، 2022

الشارع المغاربي-جمال الدين العويديدي: أعلن السفير الفرنسي إثر الندوة التي نظمتها جمعية التونسيين خريجي المعاهد العليا الفرنسية ATUGE عن استعداد تونس وفرنسا لتأسيس وكالة للتصرف في المديونية التونسية.

تصريح السفير الفرنسي يعود بنا مباشرة إلى زيارة «إيمانويل مولان» لتونس في شهر فيفري 2022 التي خلّفت جدلاً كبيرا لأن الرجل يشغل منصب المدير العام للخزينة الفرنسية ويترأس نادي باريس الذي يُمثّل مجموعة غير رسمية مُكوّنة من مسؤولين ماليين مُموّلين من 19 دولة تعد من أعتى الدول اقتصاديا في العالم. وتعنى هذه المجموعة بتقديم خدمات مالية للبلدان المُثقّلة بالدُيون خدمات ليست مجانية طبعا، مثل الموافقة لإعادة جدولة الديون بدلاً من إعلان إفلاسها، أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، أو بإلغاء بعض الديون بعد التدخل بينها وبين دائنيها.

الملفت للانتباه في زيارة «إيمانويل مولان» إلى تونس والتي أثارت مخاوف مشروعة، تم تسريب الخبر عنها عبر إحدى وسائل الإعلام الفرنسية، المعروفة بقربها من دوائر السلطة والقرار في فرنسا. حيث كشف موقع «أفريكا إنتلجينس» أن رئيس «نادي باريس» إيمانويل مولان سيؤدي زيارة إلى تونس، بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،

 (https://www.africaintelligence.fr/afrique-du-nord_diplomatie/2022/02/02/paris-envoie-son-patron-du-tresor-emmanuel-moulin-en-mission-speciale-a-tunis,109730938-art))

مشروع إنشاء وكالة التصرف في المديونية التونسية تحت إشراف فرنسي تم في مجلس نواب الشعب منذ سنة 2016 وتهدف إلى التفريط في المؤسسات العمومية

المدير العام للخزينة الفرنسية يُعتبر رمزا من رموز انتصاب الاستعمار الفرنسي في تونس حيث يُذكّر «باللجنة المالية» «La Commission financière». للتذكير فإن «الكومسيون المالي هو لجنة مالية دولية تشكلت بتونس عام 1869، تحت ضغط بعض الدول الأوربية، في ظرف اشتدت فيه الأزمة المالية التونسية واستحال على الدولة تسديد ديونها الخارجية التي بلغت آنذاك 125 مليون فرنك. وقد كانت تضم ممثلي أهم الدول الدائنة، وهي فرنسا وإيطاليا وإنكلترا. فكان الكومسيون المالي أحد مظاهر التدخل الأجنبي والفرنسي بالأخص في الشؤون الداخلية للبلاد التونسية من خلال إخضاع ماليتها للرقابة الدولية خاصة وأن المدير العام للخزينة الفرنسية كان يشرف على هذه اللجنة نيابة على الأطراف الأجنبية.

رغم هذا التاريخ المؤلم الذي يتشابه مع الوضع التي تعيشه البلاد اليوم، يتبين أن النص التطبيقي لمشروع إنشاء وكالة التصرف في المديونية تحت إشراف فرنسي تم في مجلس نواب الشعب منذ سنة 2016 حسب ما صرح به النائب فتحي العيادي عن كتلة حزب حركة النهضة الذي أكد دفاعه عن هذا المشروع مُعلنا «ضرورة إنشاء هذه الوكالة للتصرف في المديونية وفي المالية الخارجية للبلاد تحت مُسمّى فرنسيا «Tunisie Trésor « «المالية التونسية». كما بين أثناء تدخله في جلسة عامة لمجلس نواب الشعب التأمت في بداية شهر ديسمبر 2020 للتداول في مشروع ميزانية وزارة الاقتصاد والمالية ودفع الاستثمار «أن الدولة في حاجة لهذه الوكالة التي تهدف إلى تمويل العجز في الميزانية العمومية وتمويل الدين العمومي حيث ستُوفّر موارد إضافية للدولة وتعمل على التحكم في المديونية…».

وقد أعلنت وزارة المالية أن «إنشاء وكالة «المالية التونسية» «Tunisie Trésor» التي كانت مُبرمجة لآخر سنة 2016 سوف تُعنى بالتصرف في المالية العمومية للدولة التونسية». كما أضافت الوزارة «أن هذه الوكالة سوف تكون لها «مُهّمة التصرف في المديونية العمومية المباشرة وغير المباشرة المتعلقة بالقروض التي تتحصل عليها المؤسسات العمومية بالعملة الأجنبية سواء كانت من الخارج أو من الداخل (من البنوك التجارية) وبضمان من الدولة التونسية» مع تحميل المؤسسات العمومية مخاطر انهيار صرف الدينار.

كما تم تكليف هذه الوكالة «بمهمة التواصل مع شبكات العلاقات الخاصة بالأسواق المالية الدولية من بينها المؤسسات والصناديق المالية والمستثمرين والوسطاء الماليين». وكذلك «تنظيم حملات إعلامية وجدولة لقاءات وزيارات مع الفاعلين في المجال الاقتصادي والمالي تهدف إلى التحكم في المديونية العمومية وإلى ضمان نجاح خروج تونس للاقتراض من السوق المالية الدولية…»

وقد عهد لهذه الوكالة «مهمة القيام بعمليات التدقيق الداخلي (التدقيق في المؤسسات العمومية المستهدفة) من أجل توفير الموارد المالية للدولة…»

 مُهمّات عديدة وُكّلت لهذه الوكالة تبدو ذات بعد هام خاصة وأن هذه المُهمات صيغت بطريقة غير شفافة وفضفاضة. غير أنه في  غاية الأمر يبدو أن خصخصة المؤسسات العمومية هي المستهدفة  نذكر من بينها على سبيل الذكر لا الحصر: وكالة التبغ والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لتوزيع البترول والشركة التونسية لتكرير النفط ومصنع الفولاذ والناقلة الوطنية تونس الجوية والبنوك العمومية الثلاثة المتبقية…   

التدخل الفرنسي المباشر في الشأن الوطني تكرّس داخل البنك المركزي التونسي منذ سنة 2014 عبر    « اللجنة التوجيهية للدراسة الإستراتيجية لإعادة إعمار وتنمية الاقتصاد التونسي:

 البرنامج الخماسي 2015-2020

 ما حدث في شهر جويلية 2014 داخل البنك المركزي التونسي يعتبر مخلا لكل المعايير السيادية في العالم. حيث تكونت لجنة رسمية سُمّيت «اللجنة التوجيهية للدراسة الاستراتيجية لإعادة إعمار وتنمية الاقتصاد التونسي: المخطط الخماسي 2015-2020»

 «Comité de Pilotage de l’Etude Stratégique de Reconstruction et de Développement de l’Economie Tunisienne : Programme Quinquennal 2015-2020 »                        

https://www.bct.gov.tn/bct/siteprod/actualites.jsp?id=74

هذه اللجنة الرسمية التي يترأسها محافظ البنك المركزي تتكون من 16 عضو رسمي من بينهم وزير الاقتصاد والمالية التونسي والوزير المكلف بالشؤون الاقتصادية لدى رئاسة الحكومة …وسفير فرنسا بتونس «فرنسوا قويات» والمدير العام للخزينة العمومية الفرنسي» ومعهد المتوسط – لتونس» وهو فرع تابع «لمعهد المتوسط -مرسيليا « وكليهما عضوين في «المنتدى الأورو-متوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية» بفرنسا « FEMISE « وهي لوبيات تفكير مُموّلة أساسا من الاتحاد الأوروبي. كما تتكون هذه اللجنة من تمثيلية الاتحاد الأوروبي بتونس. 

هذه اللجنة تعتبر بمثابة لجنة صياغة مخطط خماسي وطني… يتكون  بعضوية السفير الفرنسي والمدير العام للخزينة العمومية الفرنسي؟

أخطر ما تمخض عن هذه اللجنة هو أن الطرف الفرنسي أقنع أو بالأحرى اتفق مع الطرف التونسي على دفع المؤسسات الوطنية العمومية الاستراتيجية وفي مقدمتها الشركة التونسية للكهرباء والغاز بأن تقترض من الخارج بالعملة الأجنبية وبضمان الدولة التونسية بدعوى أن رصيد تونس من العملة الأجنبية ضعيف، مع تحميل المؤسسات العمومية مخاطر انهيار سعر الدينار. 

إذا ما علمنا أن الدينار انهار بنسبة %43 منذ الانطلاق بتفعيل قرار اللجنة التوجيهية وأن المؤسسات العمومية انهارت توازناتها المالية بصفة كارثية نتيجة هذا القرار على غرار ما جرى للشركة التونسية للكهرباء والغاز حسب وثائق موازناتها المالية السنوية بين سنة 2015 و2018. 

في سنة 2016 قروض الشركة التونسية للكهرباء والغاز أصبحت بنسبة %99 بالعملات الأجنبية بينها %73,5 باليورو ووضعها المالي تدهور كثيرا بين سنة 2015 وسنة 2018 نتيجة انهيار الدينار في نفس المدة. هذه النتائج لا يمكن الاعتقاد أنها عفوية.

إعلان السفير الفرنسي عن إنشاء وكالة التصرف في القروض عبر ندوة جمعية ATUGE ليس صدفة

إذا ما اضفنا على ذلك ما أفضت إليه دراسة في العلوم الاستراتيجية السياسية والاجتماعية قامت بها خبيرة ألمانية أصدرتها سنة 2008 حدّدت بمقتضاها الوسائل العملية المُعتمدة من طرف الاتحاد الأوروبي للضغط والتمكين من مفاصل القرارات السياسية والاقتصادية لبلدان شمال إفريقيا تتبين لنا مدى أهمية النشاط الدؤوب الرسمي والجمعياتي لبلدان الاتحاد الأوروبي في وطننا سعيا لتحقيق أهدافهم في منطقتنا.  

حيث شملت هذه الدراسة مقارنة بين كلا من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر تبيّن من خلالها أن تونس والمغرب في صدارة البلدان التي تتعرض إلى أقصى الضغوط للتحكم في قراراتها السيادية بمقتضى تغلغل بلدان الاتحاد الأوروبي في مفاصل الاقتصاد والسياسة داخلها عبر آليات عديدة. 

من أهم هذه الآليات الاستراتيجية ذكرت الخبيرة الألمانية احتكار المبادلات التجارية حيث تمثل أعلى نسبة توريدا وكذلك تصديرا باحتساب منتوجات الشركات الأوروبية المنتصبة في كل من تونس والمغرب في إطار المناولة. كما ذكرت تواجد المهاجرين من تونس ومن المغرب بكثافة في بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا حيث أصبحت تحويلاتهم تمثل مصدر هام لتعزيز رصيد البلدين من العملة الأجنبية. وهي تمثل نقطة قوة في الظاهر ولكنها يمكن أن تمثل نقطة ضعف خطيرة بتم استعمالها من الطرف الأوروبي للضغط على كل من تونس والمغرب في حال عدم الاستجابة لمصالحها مثل تحقيق صفقات تجارية لصالح شركات أوروبية (عبر التهديد بتعطيل أو التقليص إداريا بدعوى الضرورة لتحويلات المهاجرين إلى بلدانهم). 

كما ذكرت هذه الدراسة سعي بلدان الاتحاد الأوروبي إلى تشجيع النخب المحلية التونسية والمغربية بالدرجة الأولى خاصة منها التي تخرجت من المعاهد العليا والجامعات الفرنسية للانحياز لقيم الاتحاد الأوروبي وسياساته. وهو ما يتجلّي من خلال توظيف عديد الجمعيات من بينها جمعية ATUGE   لخريجي المعاهد العليا الفرنسية. 

في خاتمة هذا الموضوع الهام لا يسعنا إلا أن نؤكد أن مشروع إنشاء وكالة التصرف في المديونية التونسية تمت صياغته منذ 2016 في مجلس نواب الشعب من طرف حزب نداء تونس وحزب حركة النهضة والرئيس قيس سعيد تبنى نفس المشروع الذي يهدف للتفريط في مؤسساتنا العمومية الاستراتيجية في غياب بديل وطني يضع حد للمديونية عبر ترشيد التوريد وتنشيط الاقتصاد المنتج في قطاع الفلاحة والصناعة والصناعات التقليدية والخدمات.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 17 ماي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING