الشارع المغاربي – المسألة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والنفخ‭ ‬في‭ ‬الرماد‭...‬/ بقلم: محمد الخالدي-شاعر وروائي

المسألة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والنفخ‭ ‬في‭ ‬الرماد‭…‬/ بقلم: محمد الخالدي-شاعر وروائي

قسم الأخبار

25 مارس، 2023

الشارع المغاربي: طغت‭ ‬المسألة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بشكل‭ ‬مثير‭ ‬للريبة،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوقيت‭ ‬وحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أيضًا‭ ‬لما‭ ‬صاحبها‭ ‬من‭ ‬هجمة‭ ‬عنصرية‭ ‬شرسة‭ ‬ضدّ‭ ‬العرب‭ ‬‮”‬الهمّج‭ ‬ودينهم‭ ‬الدموي‭ ‬المتخلّف‮”‬،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأوصاف‭ ‬البشعة‭ ‬والمستهجنة‭ ‬التي‭ ‬دأب‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬على‭ ‬إلحاقها‭ ‬بالعرب،‭ ‬بمناسبة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مناسبة‭. ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يُشبه‭ ‬الهستيريا‭ ‬أحيانا،‭ ‬حتى‭ ‬ليتساءل‭ ‬المرء‭ ‬عن‭ ‬الثأر‭ ‬الدفين‭ ‬الذي‭ ‬يحرّك‭ ‬هؤلاء،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬لم‭ ‬يُشر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬اقتتال‭ ‬عرقي‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والبربر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استثنينا‭ ‬المناوشات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬نشر‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انخرط‭ ‬البربر‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الجديد‭ ‬ليحملوه‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الرّماح،‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬وينشروه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يسمّى‭ ‬بالغرب‭ ‬الإسلامي‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الجزيرة‭ ‬الإيبيرية‭ ‬بكاملها‭. ‬بل‭ ‬أصبحوا‭ ‬حماته،‭ ‬يذودون‭ ‬عنه‭ ‬ويثبتون‭ ‬أركانه‭. ‬ولأن‭ ‬الإسلام‭ ‬أصبح‭ ‬هو‭ ‬الموحّد‭ ‬لسكان‭ ‬المنطقة،‭ ‬أصبحت‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬السائدة‭. ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬تحصيل‭ ‬الحاصل‮ ‬‭! ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬العلم‭ ‬والدواوين‭ ‬والفقه‭ ‬والأدب‭ ‬والسياسة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لها،‭ ‬بالتالي،‭ ‬لغة‭ ‬منافسة‭ ‬كأنْ‭ ‬تكون‭ ‬البربرية‭ ‬مثلا،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬لغة‭ ‬بربرية‭ ‬قائمة‭ ‬الذات‭ ‬كما‭ ‬يدّعي‭ ‬البعض‭ ‬زورًا‭ ‬وبهتانا،‭ ‬بل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬اللهجات‭ ‬المختلفة‭ ‬غير‭ ‬المكتوبة‭)‬حوالي‭ ‬اثنتيْ‭ ‬عشرة‭ ‬لهجة‭( ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬المتحدثون‭ ‬بها‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬فيلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬وسيطة‭ ‬هي‭… ‬العربية‭. ‬وهي‭ ‬مفارقة‭ ‬عجيبة‭ ‬كما‭ ‬نرى‭. ‬وباختصار،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للبربر‭ ‬لغة‭ ‬جامعة‭ ‬ولذلك‭ ‬تعرّبوا‭ ‬تلقائيا،‭ ‬فكانت‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لسانهم،‭ ‬كتبوا‭ ‬وألّفوا‭ ‬وتفقّهوا‭ ‬بها‭ ‬وحكموا‭ ‬أيضا،‭ ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬طالبوا‭ ‬أو‭ ‬حاولوا‭ ‬استبدالها‭. ‬أو‭ ‬تعويضها‭ ‬لأن‭ ‬المسألة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مطروحة‭. ‬

لن‭ ‬أخوض‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬خاض‭ ‬فيه‭ ‬غيري‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وهم‭ ‬كثر،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأصل‭ ‬البربر،‭ ‬لكني‭ ‬أذكّر‭ ‬فقط‭ ‬بأن‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬المحايدة‭ ‬والموضوعية‭ ‬قد‭ ‬حسمت‭ ‬المسألة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬باحثون‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬بربرية،‭ ‬لعل‭ ‬أشهرهم‭ ‬الأديب‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬الجزائري‭ ‬عثمان‭ ‬سعدي،‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭: ‬‮«‬البربر‭ ‬عرب‭ ‬عاربة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬غادرنا‭ ‬مؤخرا‭. ‬وقد‭ ‬أكّد‭ ‬جميع‭ ‬هؤلاء‭ ‬بأن‭ ‬البربر‭ ‬فينيقيون‭ ‬قدموا‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬الهجرات‭ ‬البشرية‭ ‬المتتالية‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬كنعان،‭ ‬ولم‭ ‬ينزلوا‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬ليستوطنوا‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬وممّا‭ ‬يؤكد‭ ‬ويدعم‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬هو‭ ‬انتشار‭ ‬الفينيقيين‭ ‬المبكر‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬سواحل‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وتأسيسهم‭ ‬للمدن‭ ‬والموانئ‭ ‬التجارية‭ ‬والامبراطوريات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬قرطاج‭ ‬وكان‭ ‬بن‭ ‬خلدون‭ ‬قد‭ ‬أرجع‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬نسب‭ ‬البربر‭ ‬إلى‭ ‬مازيغ(دون‭ ‬الألف‭ ‬المهموزة) ‬بن‭… ‬كنعان‭. ‬لكن‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬طمسوا‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتبنّوا‭ ‬ما‭ ‬روجته‭ ‬الدوائر‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬أساطير‭ ‬وخرافات‭ ‬من‭ ‬نسج‭ ‬الخيال‭ ‬لدقّ‭ ‬اسفين‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬سكان‭ ‬البلدان‭ ‬المغاربية‭. ‬وكان‭ ‬البلد‭ ‬الأكثر‭ ‬استهدافا‭ ‬هو‭ ‬الجزائر‭ ‬الشقيقة‭. ‬الحلقة‭ ‬المستعصية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ففرنسا‭ ‬لم‭ ‬تحتمل‭ ‬خروجها‭ ‬مدحورة‭ ‬تجر‭ ‬أذيال‭ ‬الخيبة‭ ‬بعد‭ ‬استعمار‭ ‬دام‭ ‬مائة‭ ‬وثلاثين‭ ‬عاما،‭ ‬فحرّكت‭ ‬عملاءها‭ ‬وحشت‭ ‬أدمغتهم‭ ‬بترهات‭ ‬وأراجيف‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬افتعال‭ ‬هويّة‭ ‬أمازيغية‭ ‬منافسة‭ ‬للهوية‭ ‬العربية،‭ ‬فالقوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬تدرك‭ ‬جيّدًا‭ ‬ما‭ ‬للهويات‭ ‬المتصارعة‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬البلدان‭ ‬والشعوب،‭ ‬وما‭ ‬الصراع‭ ‬المفتعل‭ ‬الذي‭ ‬يخوضه‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬ضد‭ ‬أشقائهم‭ ‬العرب‭ ‬إلاّ‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المدمرة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تعدّد‭ ‬اللغات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬عاملا‭ ‬مساعدا‭ ‬على‭ ‬تفتيت‭ ‬البلدان،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬الحرب‭ ‬الشعواء‭ ‬ضد‭ ‬العربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬لغة‭ ‬موحّدة‭ ‬أحبّ‭ ‬من‭ ‬أحبّ‭ ‬وكره‭ ‬من‭ ‬كره‭. ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬نشطاء‭ ‬حراك‭ ‬تيزي‭ ‬وزو‭ ‬في‭ ‬احد‭ ‬بياناتهم‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: (‬أورد‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬أصله‭ ‬الفرنسي‭). ‬Promouvoir les deux langues‭ ‬nationales‮ ‬‭: ‬le berbère et l’arabe algérien‭. ‬ما‭ ‬ترجمته‭: ‬‮«‬تشجيع‭ ‬اللغتيْن‭ ‬الوطنيتين‭: ‬البربرية‭ ‬والعامية‭ ‬الجزائرية‮»‬،‭ ‬وكما‭ ‬نرى،‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المطلب‭ ‬واضح‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬لندرك‭ ‬غايته‭ ‬ومراميه‭ ‬المبطّنة‭: ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬التخلّي‭ ‬عن‭ ‬العربية‭ ‬وعدم‭ ‬اعتبارها،‭ ‬بالتالي،‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬للبلاد‭. ‬ولأنّ‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬عاقل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتصوّر،‭ ‬للخطة‭ ‬بأن‭ ‬الأمازيغية‭ ‬أو‭ ‬العامية‭ ‬الجزائرية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحلّ‭ ‬محل‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬البلاد‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬فإن‭ ‬البديل‭ ‬سيكون،‭ ‬والحال،‭ ‬هذه‭ ‬هو‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ولن‭ ‬نبالغ‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أثير‭ ‬و‭ ‬يثار‭ ‬حول‭ ‬الحقوق‭ ‬الثقافية‭ ‬للأمازيغ،‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬الثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمتّ‭ ‬بصلة‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬لغةً‭ ‬وحضارةً‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يتنزّل‭ ‬ما‭ ‬روّج‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬الصهاينة‭ ‬الفرنسيّين‭ ‬وتبناه‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأمازيغ‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬أوروربية،‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬أبناء‭ ‬عمومة‭ ‬الفيكينغ،‭ ‬وهي‭ ‬فرية‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عنها‭ ‬إنها‭ ‬مثيرة‭ ‬للضحك‭ ‬حدّ‭ ‬البكاء‭… ‬

وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬هيمنتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بيادقها،‭ ‬بعثت‭ ‬فرنسا‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بالأكاديمية‭ ‬البربرية‭ ‬عام‭ ‬1966‭ ‬التي‭ ‬انبثق‭ ‬عنها‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأمازيغي،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬‮”‬الثقافية‮”‬‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬خلق‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الواحد‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقي،‭ ‬وأمام‭ ‬الضغوط‭ ‬المتتالية‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الجزائرية‭ ‬اضطرّت‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬غلقها‭ ‬عام‭ ‬1978‭. ‬ويُعزى‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأكاديمية‭ ‬العلم‭ ‬الأمازيغي‭ ‬الذي‭ ‬صممه‭ ‬الصهويني‭ ‬جاك‭ ‬بينيه‭ ‬J.Benet‭ ‬ليكون‭ ‬راية‭ ‬الدولة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬المقبلة‭. ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بذلك‭ ‬فأوجد‭ ‬أبجدية‭ ‬جديدة‭ ‬لتوحيد‭ ‬اللهجات‭ ‬البربرية،‭ ‬وهي‭ ‬بدعة‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب‭ ‬والحضارات‭ ‬مثيلا‭ ‬لها‭: ‬فاللغات،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬كائنات‭ ‬حيّة،‭ ‬تولد‭ ‬وتتطوّر‭ ‬وقد‭ ‬تختفي‭ ‬أو‭ ‬تُهجر،‭ ‬وأثناء‭ ‬تطوّرها‭ ‬تتفرّع‭ ‬عنها‭ ‬لغات‭ ‬ولهجات‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬اللغات‭ ‬السامية‭ ‬واللاتينية،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يستغرق‭ ‬ذلك‭ ‬عدّة‭ ‬قرون‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬آلاف‭ ‬السنوات‭. ‬وأما‭ ‬الأنكى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مخترع‭ ‬هذه‭ ‬الأبجدية‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المجال‭ ‬الجغرافي‭ ‬والثقافي‭ ‬واللاتني‭ ‬للناطقين‭ ‬بهذه‭ ‬اللهجات‭. ‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬إلا‭ ‬القلة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأمازيغ‭ ‬ليسوا‭ ‬كلهم‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد‭. ‬فالحركة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستقلال‭ ‬الذاتي‭ ‬لمنطقة‭ ‬القبائل‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬عام‭ ‬ 2001‭ ‬ ثم‭ ‬تحوّلت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬لمنطقة‭ ‬القبائل،‭ ‬والمعروفة‭ ‬اختصارا‭ ‬بالـMAK‭ ‬ تنادي‭ ‬بهوية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬الأمازيغ،‭ ‬لها‭ ‬رايتها‭ ‬التي‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬العلم‭ ‬الأمازيغي‭ ‬المعروف،‭ ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬اللهجة‭ ‬القبائلية‭ ‬لغة‭ ‬قائمة‭ ‬بذاتها‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬ببقية‭ ‬اللهجات‭ ‬البربرية‭ ‬الأخرى‭. ‬وإمعانا‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬البلاد‭ ‬تتحدّث‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬المعروفة‭ ‬بصلاتها‭ ‬الوثيقة‭ ‬بالكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬أديباتها‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الشعوب‭ ‬الجزئرية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬العرب‭ ‬والأمازيغ‭ ‬والقبائل،‭ ‬بل‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فتنفي‭ ‬وجود‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬أصلاً‭. ‬

أمّا‭ ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدّم‭ ‬فهو‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬سكان‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬كانوا‭ ‬يدينون‭ ‬باليهودية‭ ‬والمسيحية،‭ ‬وجاء‭ ‬الغزو‭ ‬الإسلامي‭ ‬فأجبرهم‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬هاتيْن‭ ‬الديانتيْن‭. ‬وهذه‭ ‬فرية‭ ‬اخرى‭ ‬روّج‭ ‬لها‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬روّج‭ ‬من‭ ‬أكاذيب‭ ‬وأساطير‭ ‬استطاع،‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬تشكيل‭ ‬عقلية‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬الذين‭ ‬تلقفوها‭ ‬معتبرين‭ ‬إياها‭ ‬من‭ ‬المسلمات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إليها‭ ‬الشك‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يتنزل‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬المفكر‭ ‬الجزائري‭ ‬محمد‭ ‬أركون‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬ابنته‭ ‬بريجيت‭ ‬–‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬اسمها‭- ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الصحافيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عائلة‭ ‬والدها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬امتعاض‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية‭ ‬واشمئزازها‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬القصد‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬إصدار‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬بالذات‭ ‬هو‭ ‬تسريب‭ ‬هذه‭ ‬المعلومة‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬لإيهام‭ ‬الرّأي‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بأن‭ ‬البربر‭ ‬كانوا‭ ‬يدينون‭ ‬باليهودية‭ ‬والمسيحية‭. ‬وهذا‭ ‬تزييف‭ ‬آخر‭ ‬للتاريخ‭. ‬فاليهود‭ ‬كانوا‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تذكر،‭ ‬وهم‭ ‬أساسًا‭ ‬من‭ ‬الفينيقيين‭ ‬الذين‭ ‬جاءت‭ ‬بهم‭ ‬الهجرات‭ ‬المتتالية‭ ‬إلى‭ ‬سواحل‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬وما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬اليهود‭ ‬يقال‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬المسيحيين،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا،‭ ‬هم‭ ‬أيضا،‭ ‬قلة‭ ‬وكانوا‭ ‬موالين‭ ‬ثقافيا‭ ‬وروحيًّا‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬ويعدّون‭ ‬من‭ ‬رعاياها‭. ‬وكانت‭ ‬لغتهم‭ ‬هي‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬القديس‭ ‬أو‭ ‬غستينو‭. ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هاتان‭ ‬الديانتان‭ ‬متجذرتيْن‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كما‭ ‬يدّعي‭ ‬البعض‭ ‬لما‭ ‬استطاع‭ ‬الدين‭ ‬الجديد،‭ ‬أي‭ ‬الاسلام‭ ‬استئصالهما‭. ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنهما‭ ‬حافظتا‭ ‬على‭ ‬وجودهما‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬مهد‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولم‭ ‬تندثرا‭ ‬لتجذّرهما‭ ‬هناك‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نضرب‭ ‬مثلا‭ ‬آخر‭ ‬أقرب‭ ‬إلينا‭ ‬تاريخّيًّا‭: ‬فالمناطق‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬إليها‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬السوداء،‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي،‭ ‬بالرّغم‭ ‬من‭ ‬محاولاته‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬النصرانية‭ ‬على‭ ‬سكانها،‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬رأينا‭ ‬سكان‭ ‬المناطق‭ ‬الوثنية‭ ‬يدخلون‭ ‬المسيحية‭ ‬أفواجا‭ ‬أفواجا‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬ديانة‭ ‬رسمية‭ ‬بعد‭ ‬حصول‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬لاحقًا‭. ‬

وطبقا‭ ‬لما‭ ‬تقدّم،‭ ‬فإن‭ ‬سكان‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬الأصليين‭ ‬وهم‭ ‬فينيقوين،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬كانوا‭ ‬وثنيّين‭ ‬من‭ ‬عبدة‭ ‬الكواكب‭ ‬والنجوم‭ ‬والأوثان‭ ‬التي‭ ‬ارتقوا‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬الآلهة‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬لا‭ ‬يهودًا‭ ‬ولا‭ ‬مسيحيّين‭ ‬كما‭ ‬يروّج‭ ‬لذلك‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬وأسيادهم‭ ‬الاستعماريون‭. ‬

ولا‭ ‬يفوتنا‭ ‬هنا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬المسعورة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬العرب‭ ‬وإرثهم‭ ‬الحضاري‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬بوادر‭ ‬إقامة‭ ‬الهلال‭ ‬الأمازيغي‭ ‬الذي‭ ‬تحدّثنا‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬سابقة‭. ‬ولتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬والانفصاليين‭ ‬لا‭ ‬يتورّعون‭ ‬عن‭ ‬نسج‭ ‬الأساطير‭ ‬وتزوير‭ ‬التاريخ‭ ‬واصطناع‭ ‬الأحداث‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مخططهم‭ ‬الخبيث‭. ‬ويذكّرنا‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬بممارسات‭ ‬زعماء‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬عندما‭ ‬وظفوا‭ ‬الميثيولوجيا‭ ‬التوراتية‭ ‬لإقامة‭ ‬كيانهم‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬وها‭ ‬هم‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬ينسجون‭ ‬على‭ ‬منوالهم،‭ ‬فلا‭ ‬غرابة،‭ ‬والحال‭ ‬هذه‭ ‬أن‭ ‬يرثوا‭ ‬عنهم‭ ‬حقدهم‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬وحضارتهم،‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطابهم‭ ‬العنصري‭ ‬الحاقد‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يتركون‭ ‬مناسبة‭ ‬إلاّ‭ ‬وذكّروا‭ ‬‮«‬بالغزو‭ ‬الهمجي‭ ‬للأعراب‮»‬‭. ‬وما‭ ‬ارتكبوه‭ ‬من‭ ‬فظائع‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬البربر‭ ‬المسالمين‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬السرديات‭ ‬البائسة‭…‬

لقد‭ ‬تناسى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬وما‭ ‬ارتكبه‭- ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬خاصة‭- ‬من‭ ‬فظائع‭ ‬تشحب‭ ‬أمامها‭ ‬فظائع‭ ‬هولاكو‭ ‬كبقر‭ ‬بطون‭ ‬الحوامل‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬وجزّ‭ ‬الرؤوس‭ ‬وإبادة‭ ‬قرى‭ ‬كاملة‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭. ‬والاعدامات‭ ‬الجماعية‭ ‬للآلاف‭ ‬من‭ ‬المقاومين،‭ ‬واحتفظت‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬فقط‭ ‬‮”‬بجرائم‭ ‬العرب‮”‬،‭ ‬بالرّغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬قرنا،‭ ‬وقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لتحرير‭ ‬بلاد‭ ‬الأمازيغ‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬العربي‭… ‬كما‭ ‬يروجون‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬أدبياتهم‭ ‬وفي‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭… ‬إنها‭ ‬المازوشية‭ ‬في‭ ‬أبشع‭ ‬مظاهرها‭. ‬

لهؤلاء‭ ‬ولأضرابهم‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬والمأجورين‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬المحدّد‭ ‬الأوّل‭ ‬والأخير‭ ‬للهويّة،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬والعرق‭ ‬أو‭ ‬اللون،‭ ‬وأن‭ ‬تسمية‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يعترفون‭ ‬بها‭ ‬مستمدّة‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬أقطاره‭ ‬منذ‭ ‬تعريبها‭ ‬قبل‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬قرنًا‭. ‬وأن‭ ‬اللهجات‭ ‬الأمازيغية‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬احترامنا‭ ‬للناطقين‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬شيئًا‭ ‬يذكر‭ ‬أمام‭ ‬كونية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬أبدعته‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬سادت،‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيّام‭ ‬نصف‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬ومهما‭ ‬فعلتهم‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬عنها‭ ‬ولدينا‭ ‬ما‭ ‬يؤيد‭ ‬ذلك‭ ‬بالوقائع‭ ‬الملموسة‭: ‬فبالرّغم‭ ‬من‭ ‬دسترة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬ظل‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬محتشما‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمازيغ‭ ‬أنفسهم‭ ‬منعوا‭ ‬أبناءهم‭ ‬من‭ ‬دراستها‭ ‬لصعوبة‭ ‬تقبّلها،‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬جامدة‭ ‬بلا‭ ‬روح‭ ‬باعتراف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬اللغة‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعي‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬ولادة‭ ‬طبيعية‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬اللغات‭. ‬ومن‭ ‬أوجه‭ ‬رفض‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬وعدم‭ ‬تقبّلها‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬أئمة‭ ‬المساجد‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬أمازيغية‭ ‬عندما‭ ‬رفضوا‭ ‬رفضا‭ ‬باتا‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬قرار‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الجزائرية‭ ‬باعتمادها‭ ‬في‭ ‬خطب‭ ‬الجمعة،‭ ‬نزولا‭ ‬عند‭ ‬رغبة‭ ‬بعض‭ ‬نشطاء‭ ‬الحراك‭ ‬البربري،‭ ‬مؤكدين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لغة‭ ‬الدين‭ ‬كانت‭ ‬وستبقى‭ ‬هي‭ ‬العربية‭. ‬

إن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬خاسرة‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬وأوّل‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬هم‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭. ‬إنما‭ ‬يصرّون‭ ‬على‭ ‬عدائهم‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المكابرة‭ ‬وإثبات‭ ‬الذات‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬وإلاّ‭ ‬كيف‭ ‬يفسّرون‭ ‬اختيار‭ ‬الكتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬وسائر‭ ‬المبدعين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬أمازيغية‭ ‬العربية‭- ‬وأحيانا‭ ‬الفرنسية‭ ‬لغة‭ ‬للكتابة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الأمازيغيّة،‭ ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬يفسّرون‭ ‬دفاع‭ ‬المعرّبين‭ ‬من‭ ‬الأمازيغ‭ ‬عن‭ ‬العربية‭ ‬لغةً‭ ‬وثقافةً‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بها،‭ ‬وما‭ ‬موقفهم‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬جلدتهم‭ ‬رشيد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬عالم‭ ‬اللغات‭ (‬يكتب‭ ‬ويتحدّث‭ ‬عشر‭ ‬لغات‭ ‬منها‭ ‬ست‭ ‬قديمة‭) ‬والخبير‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأونيسكو‭ ‬طيلة‭ ‬خمسة‭ ‬وثلاثين‭ ‬عامًا‭. ‬فقد‭ ‬فضح‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الجليل،‭ ‬وهو‭ ‬قبائلي‭ ‬دسائس‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية‭ ‬ومؤامراتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إثارة‭ ‬الفتنة‭ ‬العرقية‭ ‬خدمة‭ ‬لأسيادهم‭ ‬الاستعماريين،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يني‭ ‬يذكّر‭ ‬في‭ ‬محاضراته‭ ‬ولقاءاته‭ ‬التلفزيونية‭ ‬وهي‭ ‬متوفّرة‭ ‬بالعشرات‭ ‬بأن‭ ‬اللهجات‭ ‬الأمازيغية‭ ‬هي‭ ‬لهجات‭ ‬غير‭ ‬مكتوبة‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬كتابتها‭ ‬فبالحروف‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬بعض‭ ‬اللغات‭ ‬الأخرى؟؟‭ ‬

هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬وأخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬لن‭ ‬يجيبوا‭ ‬عنها‭ ‬لأنها‭ ‬تحرجهم‭ ‬وتفضح‭ ‬أهدافهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬تفتيت‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عرقي‭ ‬خدمة‭ ‬لأسيادهم‭. ‬وسيواصلون‭ ‬سعيهم‭ ‬المحموم‭ ‬والنفخ‭ ‬في‭ ‬الرماد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك،‭ ‬بالرّغم‭ ‬من‭ ‬قناعتهم‭ ‬باستحالة‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬يحلمون‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭…‬

من‭ ‬حق‭ ‬أيّ‭ ‬شعب‭ ‬أو‭ ‬أقلية‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقوقها‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحط‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الآخرين‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬أهميتهم‭. ‬فكلما‭ ‬جرى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الأمازيغ‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬لأقطار‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬ورافق‭ ‬ذلك‭ ‬هجمة‭ ‬عنصرية‭ ‬شرسة‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭. ‬سواء‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأحاديث‭ ‬الخاصة‭. ‬أمّا‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يطيقون‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يتورّعون‭ ‬عن‭ ‬شتمهم‭ ‬بلغتهم‭. ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬كرم‭ ‬العرب‭ ‬وفضلهم‭ ‬عليهم‭ ‬لكنهم‭ ‬يجحدون‭ ‬هذه‭ ‬النعمة‭ ‬التي‭ ‬لولاها‭ ‬لظلوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬آخر‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يتذرّع‭ ‬به‭ ‬هؤلاء‭ ‬محاربتهم‭ ‬للسلفية‭ ‬الدينية‭ ‬والإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬عامة‭ ‬محمّلين‭ ‬العرب‭ ‬مسؤولية‭ ‬المدّ‭ ‬الظلامي،‭ ‬مع‭ ‬أنهم‭ ‬أولى‭ ‬ضحاياه‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬القاص‭ ‬والداني‭. ‬أما‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬النسيج‭ ‬السكاني،‭ ‬فإن‭ ‬الخيال‭ ‬يذهب‭ ‬بهؤلاء‭ ‬كل‭ ‬مذهب،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يُروّج‭ ‬منذ‭ ‬مدّة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأربعة‭ ‬بالمائة‭ (‬4%‭). ‬وهنا‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬مروّجي‭ ‬هذه‭ ‬الفرية‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬بهذه‭ ‬القلّة،‭ ‬فكيف‭ ‬استطاعوا‭ ‬فرض‭ ‬لغتهم‭ ‬ودينهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬على‭ ‬الستة‭ ‬والتسعين‭ ‬بالمائة‭ ‬المتبقية؟‭ ‬ألا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أنهم‭ ‬عباقرة‭ ‬ويحق،‭ ‬بالتالي،‭ ‬لمن‭ ‬ينتسب‭ ‬إليهم‭ ‬أن‭ ‬يفخر‭ ‬بهم‭ ‬حسب‭ ‬المنطق‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬مواقف‭ ‬دعاة‭ ‬البربرية؟‭ ‬

إن‭ ‬العنصرية‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتجزأ‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬علمنا،‭ ‬أمّا‭ ‬أن‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الحداثة‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بمعاداة‭ ‬العرب،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬ذلك‭ ‬عند‭ ‬رهط‭ ‬من‭ ‬التونسيين،‭ ‬في‭ ‬بدعة،‭ ‬وأي‭ ‬بدعة‮‬‭!‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 مارس 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING