الشارع المغاربي – الملعب والبرلمان / بقلم: محمد جويلي

الملعب والبرلمان / بقلم: محمد جويلي

7 أبريل، 2018

الشارع المغاربي: في البدء وفي الظاهر لا علاقة ممكنة بين الملعب والبرلمان عدا كونهما إسما مكان. واحد لممارسة كرة القدم و الآخر لممارسة السياسة. ولكن على العكس من ذلك هناك روابط عديدة تجعل الملعب والبرلمان متشابهين في مناطق يمكن تعدادها.

أعتقد أن الملعب مجازيا هو الفضاء الأسلم لفهم ما يحدث في المجتمع، تحولاته، رموزه، تناقضاته، تشنجاته المفتعلة، سياقاته المتداخلة، والملعب إلى هذا كله يحتوي على المدينة بما هي فضاء للعيش المشترك، الملعب في المدينة و لكن ما يهمنا أكثر هو المدينة في الملعب.

البرلمان هو الآخر في المدينة و المدينة أيضا في البرلمان، هذه المدينة التي ترتب شؤونها وتعطي مدى لحضورها داخل البرلمان و سياقاته. الحكم يعطي إشارة الانطلاق بصافرته ورئيس المجلس يضرب بمطرقته، كلاهما يعلنان بدء المنافسة.

ليس من العجيب القول أن الملعب كما البرلمان فضاءان لممارسة الديمقراطية، أو للشعور بأنها موجودة تحاذينا في تفاصيل وجودنا. أنقلترا رائدة الديمقراطية الحديثة هي التي أعطت للبرلمان معناه، في ذات الوقت التي ابتكرت فيها لعبة اسمها كرة القدم، هيأت أنقلتلرا البرلمان لتعيد للتنافس السياسي حرمته وشيدت الملاعب لتعيد لكرة القدم جزءا من إنسانيتها. كلاهما نشآ في ظروف وسياقات متشابهة. حتى المصطلحات البرلمانية في جزء منها لها رديف في الملعب، التكتيك السياسي كما التكتيك الكروي، الهزيمة كما الانتصار، منطق الغلبة  هو السائد وهو الذي يوجه حركة اللاعبين كما حركة البرلمانيين. رؤساء الكتل هم رؤساء الأندية، الموسم البرلماني هو الموسم الكروي. العطلة البرلمانية هي ذاتها العطلة الكروية وعدد الأصوات هو عدد الأهداف المسجلة.نجوم البرلمان هم نجوم الملاعب. هناك المشاغبون وهناك الحكماء في الملعب وفي البرلمان، هناك التدخلات الأنيقة و الممتعة في الجلسات وهناك اللعب الأنيق والممتع في الملاعب. هناك كذلك من لا يلعب في الميدان تنحصر مهمته في تكسير اللعب والمنافسين وهناك  في البرلمان  من لا هدف له سوى تكسير سير الجلسة وإرباكها بكل الطرق. هناك وهناكهناك سياحة كروية منفلتة من كل الإنتماءات، فقط المصالح التي يفرضها الاحتراف، فنجد لاعبا يقضّي نصف الموسم الكروي في فريق لينهي النصف الثاني في فريق منافس. و هناك سياحة برلمانية مشابهة، من كتلة إلى أخرى.. احتراف كروي و احتراف برلمانيلمن يدفع أكثر.

هل يشبه برلماننا ملعبنا ؟

 أعتقد ذلك، اختناق في المجالين، عنف متبادل رمزي ومعنوي، الكل يريد الانتصار بكل الفرص المتاحة. إضاعة مفتعلة للوقت. المساحة الزمنية للعب ضئيلة، لا جمالية تذكر إلا في ما ندر، البقية حارس مرمى يتلكأ في إرجاع الكرة لأنه منتصر. تمارض لاعب يجعل من إصابة خفيفة أو وهمية سببا في نزول النسق. احتجاج مسير أو مدرب يشنج أعصاب المتابعين وجمهور يترصّد فرصة لاقتحام الملعب. بالكاد نحصل على زمن للعب جميل. نلعب كرة القدم كما نلعب في البرلمان، تشابه كبير في الأسلوبين.

برلماننا غير بعيد عن هذا الاختناق الكروي، الانتصار دون التفكير في قواعد اللعبة الديمقراطية ودون احترامها، هذا لا يهمّ. التحايل على التصويت، على الحضور وعلى تمرير القوانين، وبعض التوافقات المغشوشة، الكل يريد بسط النفوذ دون المرور بالكلفة الديمقراطية.

كرة القدم تجسيد للمثل الديمقراطية في أذهان مريديها وليس ضرورة في الواقع، البرلمان أيضا تجسيد للتنافس الديمقراطي ولكن بدرجات. عندما يتغير المشهد البرلماني نحو ديمقراطية أكثر يتغير المشهد الكروي نحو ديمقراطية أكثر. إلى ذلك الحين لا نزال في سياق الانتقال الديمقراطي

أيها البرلمانيون، أيها اللاعبون ساعدونا على تحمّل هذه الحياة


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING