الشارع المغاربي – المنظومة الصحية مهددة بالانهيار التام إذا لـم تتدخل الدولة ولا أحد غيرها ! / بقلم: الدكتور رفيق بوجدارية

المنظومة الصحية مهددة بالانهيار التام إذا لـم تتدخل الدولة ولا أحد غيرها ! / بقلم: الدكتور رفيق بوجدارية

قسم الأخبار

17 يوليو، 2021

الشارع المغاربي: اصبحت المنظومة الصحية بتونس اليوم مُهددة بالانهيار بصفة جدية وحقيقيّة في ظل أزمة وكارثة صحية بأتمّ معنى الكلمة نتيجة تفشي فيروس كورونا وعجز المستشفيات العمومية عن تلبية حاجات كلّ الوافدين عليها لتلقي العلاج.

هناك اشخاص يتمّ ايواؤهم بالداخل وآخرون يبقون في الخارج ..وأصبحنا نواجه تهديدا جديّا بسبب نفاد مخزون الأوكسيجين… بتنا نرى أشخاصا يموتون على عتبات المستشفيات أو بمنازلهم أو في سيارات الاسعاف دون ان تتوفر لهم أسرّة لأنّه لم يعد بالإمكان استقبال عدد أكبر من المرضى… وحتى الاطارات الصحيّة من أطباء وأطباء داخليين وممرضين فيعملون ليلا نهارا و”ما عادش خالطين” بسبب غياب التعزيزات.

أصبحنا نتحدث عن كارثة صحية بعدما راح الوباء يحصد مئات الأرواح … بلغنا ألف وفاة ولم نكمل بعد شهر جويلية والمتحور “دلتا” يسبب آلاف الاصابات كلّ يوم سواء التي يتم اكتشافها بالتحاليل أم لا، كل ذلك حصل لأن نسبة التلاقيح لم ترتفع إلى مستوى حدّة الوباء ولأنه لم يتمّ اقرار حجر صحي شامل على كلّ التراب الوطني ولم يتم إعلان حالة طوارئ صحية والتوجه بنداء لإغاثة تونس.

القول إنّ المنظومة الصحية انهارت صحيح وكذلك القول انها لم تنهر بعد… مازالت المستشفيات وأقسام الاستعجالي والإنعاش والمستشفيات الميدانية وأسرّة الأوكسيجين تستقبل المصابين وتسدي الخدمات وهذا دليل على أنّ المنظومة لم تنهر ولكن تمّ تجاوزها بشكل كبير لأنّ العديد من المرضى اليوم يبقون بأقسام الاستعجالي وينتظرون في ظروف لاإنسانية نراها على مقاطع الفيديو وفي نشرات الأخبار التونسية والعالمية …لم تنهر لأنّ الاطباء والعملة والممرضين والإداريين بكلّ المستشفيات مجنّدون و”ثانين الركبة” ويعملون بكلّ جهدهم وقوتهم ولكن هذا لم يمنع وجود أشخاص لم يجدوا أماكن بالمستشفيات وعادوا الى منازلهم وفارقوا الحياة في سيارات الاسعاف أو في وسائل النقل وحتى على عتبات المستشفيات وهذا مؤشر على بداية انهيار المنظومة الصحيّة.

بداية الانهيار تتجلّى في عدم تمكن عدد كبير من الناس من الدخول لمسالك العلاج بسبب قلة الاماكن المتوفرة .. الناس مكدّسون على بعضهم البعض خاصة بأقسام الاستعجالي الكبيرة والصغيرة ولم يعد بإمكان حتى ميسوري الحال العثور على أسرة في المصحّات وحتى ان وجدوا فإنّ الأسعار باهظة وبات على من يريد العلاج في المصحات بيع سيارته او ارضه او منزله وهذا أمر يستوجب تدخلا من طرف سلطة الاشراف ولو ان ذلك أصبح متأخرا لوضع الأسرّة على ذمة المصابين ولكن ليس مجانا كما هم خائفون.. خاصة ان القطاع العمومي يُعالج المرضى بصفر مليم …والإصابة بفيروس كورونا مبوبة في باب الأمراض الاجتماعية (maladie sociale) التي لا يدفع المواطن مقابلا للعلاج منها مثل مرض السلّ مثلا…المريض في الانعاش يدفع صفر مليم والمستشفى لا يجني أموالا وبالتالي لم يعد للمستشفى العمومي موارد مالية في حين أنه مطالب في المقابل بتوفير الدواء ومواد التطهير والطعام والغاز والاوكسيجين وهذه مشكلة حوكمة.

إنّ عدد الاسرة الموضوعة على ذمّة مرضى كوفيد في المستشفيات الكبرى لا يفوق 20 % ورغم تنبيهنا وتحذيرنا وتشديدنا على وجوب توفير برامج تدخل سريعة لمتابعة مستوى تفشي الجائحة فقد بقيت الحال على ما هي عليه. على سبيل الذكر لا الحصر هناك مستشفى كبير بتونس العاصمة له 900 سرير يمكن للمرضى تلقي الأوكسيجين بها لكن عدد الأسرة الموضوعة على ذمّة المصابين بفيروس كورونا بغضّ النظر عن قسم الاستعجالي الذي هو في حالة كارثية، لا يفوق 120 سريرا ..ماذا يعني هذا ؟ ماذا يفعلون بالـ 880 سريرا المتبقية ؟ هل ستبقى شاغرة ؟.. في اعتقادي وتقديري هذه مسؤولية السلطة والولاة بما أنّهم يمثلون رؤساء اللجان الجهوية لمقاومة الكوارث ..بجرّة قلم يقومون بتسخير الأقسام .. لا بدّ من تسخير نصف الأسرّة الموجودة بتونس لمرضى الكوفيد “باش الناس ما تقعدش تتلاوح” في السيارات وبأقسام الاستعجالي وحتى يتوفّى من حانت ساعته – لا قدّر الله – في ظروف كريمة وليس وهو ممدّد على 3 كراس او على “كردونة” .

“دلتا” ضرب كل الأعمار

لماذا وصلنا لهذه الحالة ؟ أولا لأن استراتيجيتنا خلال الموجة الاولى كانت استباقية وفيها نظرة استشرافية.. كنا مثلا في مستوى 2 من انتشار الفيروس وكان مخططنا في مستوى 3 وتمّ حصر الجائحة ووصلنا في الصيف حينها الى تسجيل 0 اصابات لمدّة 40 يوما وسعدنا وربما كانت فرحتنا خاطئة قليلا لأنّها اضاعت الحذر ولهذا كان يجب عندما تمّ فتح الحدود يوم 27 جوان ارفاق الفتح بإجراءات كبيرة وجريئة في تقصي الحاملين للفيروس.. دخل الوافدون الى تونس وجاءنا الفيروس مع السياحة ومع العائدين الى البلاد. الموجة الثانية الكبيرة بدأت في أكتوبر وأعتقد أننا بقينا في مستوى عال يمكن القول انه مستوى 3 او 4 من تفشي الوباء… تارة ترتفع الاعداد وأخرى تنخفض وعاودنا الارتفاع في جانفي ثمّ في فيفري وكل مرة ترتفع فيها الارقام تكون قد سبقتها أحداث أو مناسبات، إمّا عيد أو عودة مدرسية أو مظاهرات في الشارع مثل التي حدثت يوم 27 فيفري بتونس العاصمة… اليوم هذا المستوى غير مسبوق ..الفيروس المتحور “دلتا” السلالة الهندية ينتقل بسرعة كبيرة ويضرب كل الاعمار ولهذا امتلأت المستشفيات بالحالات الصعبة.

رأينا رضّعا واطفالا فيهم من تبلغ اعمارهم 10 سنوات يموتون بسبب الفيروس ورأينا اشخاصا يبلغون 20 سنة من العمر فارقوا الحياة بأقسام الاستعجالي ..قصص درامية تسبب فيها المتحور الهندي الذي يتفشى مثل الحريق بين الناس…

الامر مرتبط بالحوكمة على مستوى الاستراتيجية وعلى مستوى حملة التلقيح التي واجهت في بدايتها صعوبات والآن نريد تدارك الاشكالات لكننا مازلنا بعيدين عن الاهداف التي رسمتها الوزارة في حدّ ذاتها وهي التوصل لتلقيح 3 ملايين مواطن مع نهاية شهر جوان ولم نتمكن إلى اليوم من تلقيح سوى 600 أو 700 الف مواطن بجرعتين ومليون و900 مواطن بجرعة واحدة.

أمّا على مستوى انخراط والتزام المواطنين بالوقاية فحدّث ولا حرج ..هناك دراسة تقول ان 53 % من التونسيين لا يخافون من فيروس كورونا لكن الحقيقة أن كل التونسيين ساهموا بقسط في هذه الموجة العنيفة والخطيرة من تفشي الفيروس بعدم الالتزام باجراءات الوقاية الصحية. وحتى الدولة فهي لم تبع الكمامة برأس مالها البسيط الذي لا يفوق 200 مليم من المصنع… أيهما أرخص؟ كمامة بـ200 مليم أم سرير انعاش بمليونين؟

تتمثل المشكلة الاساسية في ادارة الازمة الصحية أي في الحوكمة… وكان من المفروض توزيع الكمامات في الاماكن العامة مثلما فعلت دول اخرى بصفة مجانية للتلاميذ والعمال والفقراء وللناس في الأحياء الشعبية وغيرهم وأن تقوم البلديات بواجبها ..كلّ هذا لم يتم وهذه هي الثغرات التي اوصلتنا لهذه المرحلة.

حتى لا نخسر الاقتصاد والأرواح

الوضع خطير والمنظومة الصحية مهددة بالانهيار التام اذا تواصل الوضع بهذا الشكل وفي صورة انهيار المنظومة فإنّ هذا يُمثّل خطرا على الجميع ويمكن للكارثة الصحية أن تتحول الى كارثة إنسانية… سابقا لم تكن الحوكمة في هذا المستوى من الرداءة… مررنا سابقا بأزمات ولم تكن لدينا كل هذه المستشفيات والأطباء والممرضين وهذا الحجم الكبير من الآلات والأدوية و”خرجنا منها سلامات” ..شهدت تونس وباء الكوليرا اول السبعينات والسلّ ثمّ عدّة أمراض اخرى ثمّ انفلونزا الخنازير سنة 2008 وكان الدواء مجانيا اشترته حينها الدولة التونسية وقُدم مجانا للناس وبقي منه… كانت هناك احاطة وهذا يعيدنا الى مسألة الحوكمة في القطاع الصحي… اليوم المنظومة مهددة بالانهيار اذا لم يتمّ التدخّل السريع من طرف الدولة ومن طرفها وحدها ولا أحد غيرها.

أوّلا يجب كسر ارقام العدوى الكبيرة ..ولا يمكن كسرها إلاّ عبر الحجر الصحي الشامل …اليوم هناك 8 ولايات في حجر شامل وأخرى بها حجر موجه من درجة اولى وأشخاص في آخر الحجر الشامل.. هناك لخبطة في الفهم ولعب على الكلام …اذا واصلنا بهذه الطريقة فسنخسر الاقتصاد والأرواح ويجب ان نتوجه لإقرار حجر صحي شامل بأسبوعين على أقل تقدير ونقيس عدد الاصابات ونرى النتيجة لنخفف الضغط عن المستشفيات لمعالجة المرضى في ظروف أفضل ولإنقاذ أكثر عدد ممكن من الناس.. هذه مسؤولية سياسية لأنّ الآراء الطبية المتعددة سواء داخل اللجان الرسمية او الاستشارية او من خارجها.. تنادي بإقرار حجر صحي شامل مثل الذي تمّ اقراره في بلدان اخرى وكما الذي تم اقراره في تونس السنة الماضية …وبخصوص الكلفة الاجتماعية فمن دور الدولة اعادة توزيع الموارد ودور الجميع ايضا خلق بعض التضامن بيننا في هذه الفترة الصعبة لتمرّ بسلام.

يجب ايضا الترفيع في عدد الاسرة بالمستشفيات العمومية الى النصف بـ50 أو 60 % لمرضى كوفيد وليس مثلما هي الحال الآن اذ لم يتم تخصيص سوى 20 % من الاسرّة لايواء المحتاجين للاوكسيجين.

لا بدّ من ايجاد مخزون احتياطي كبير من الاوكسيجين ولا يجب أن تنقطع عنّا هذه المادة الحياتية بالنسبة للمرضى والدولة مسؤولة عن ايجادها بعلاقاتها الدولية.. نحن ساعدنا ايطاليا في السابق ونحن اصدقاء مقربون من اوروبا… والجزائر ..وقت الضيق لا نجد غير الجزائر التي تساعدنا وتمدّنا بالأوكسيجين.. الجزائر لم تغلق حدودها معنا ودائما تقف الى جانبنا في كلّ المحن التي نعيشها وهذه فرصة جديدة لتوجيه تحية اليها حكومة ورئيسا وشعبا.

ويجب ايضا توفير مخزون من الدواء خاصة الذي نستعمله اليوم بصفة كبيرة بالنسبة للمرضى في المستشفيات وخارج المستشفيات والذي توفره الصيدلية المركزية والمتعلق خاصة بالمضادات الحيوية والدواء الذي يمنع تخثر الدم.

وعلينا تعزيز المستشفيات بأطباء وممرضين متعاقدين مع القطاع الخاص.. كل هذا يدخل في اطار ما دافعت عنه الى حدّ اليوم وهو “اعلان حالة طوارئ صحية “.

التلقيح هو الاداة المثلى والعصرية والعلمية للتوقّي بصفة دائمة من الارتدادات المتكررة والموجات الصغرى او حتى من الموجات الكبيرة لتفشي متحورات جديدة من الفيروس…لا أحد يعلم ما هو المتحور القادم ..التلقيح ولا شيء غير التلقيح ..هو اليوم ضرورة علمية وواجب على الدولة توفيره وهو حق لكلّ مواطن ،يجب تلقيح الجميع بشكل سريع وهذا يستوجب امرين ..اولا ايجاد اللقاحات وهذه مسؤولية الدولة عبر الشراءات والعلاقات الدبلوماسية ثم التلقيح عن قرب للجميع وخاصة المصابين حتى ان كانت اعمارهم صغيرة.

ونُحذّر من بيع التلاقيح في الصيدليات فهذا امر خطير جدا لأننا نعلم ماذا سيحدث بعد بيع اللقاحات في الصيدليات ونذكّر بما حدث عند بيع تلاقيح نزلة البرد في الصيدليات خلال شهر اكتوبر …حينها يصبح المال هو المحدد لحياة الانسان وهذا امر مخالف لكلّ الاعراف والقوانين والقيم وبالتالي لا بدّ من توفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بشكل كبير وبأعداد كبيرة تمكن من تلقيح 80 % من المواطنين وبشكل مجاني وأنا من الاشخاص الذين يرون أنّ التلقيح بصفة اجبارية فكرة ليست سيئة بل بالعكس.

وأحييّ بالمناسبة جهود الجيش الوطني لتطعيم المواطنين بالجنوب.

وبخصوص المجتمع المدني شهدت السنة الفارطة هبّة ولكن الناس صدموا في الحقيقة بمآل الاعانات خاصة اثر مواكبة صندوق 1818 وما دار بين رئيس الحكومة ووزير الصحة على مستوى الدولة ..احدهم يقول انه لا يعلم اين ذهبت الاموال والآخر يقول ان الاموال موجودة ..هذا عصف بالثقة ..”الناس جبدت رواحها اليوم” ولكنهم عادوا منذ شهر للمساعدة خاصة بكل ما يمكن… هناك اغنياء الحرب الذين يبيعون هذه الالات ولا بدّ في الحقيقة من فرض أداء خاص على من راكموا اموالا كبيرة …الناس تجيب من الخارج وينشرون هاشتاغ save tunisia وانا دعوت الجالية التونسية بالخارج للمساعدة عبر علاقاتهم وشبكاتهم بتوفير اللقاحات والالات الطبية ومكثفات الاوكسيجين…كل الأشخاص خائفون من النقل والديوانة وايضا من التعطيلات التي يتعرضون اليها… الناس يريدون التبرع ..انا مثلا اريد التبرع بـ10 مكثفات اوكسيجين لجهتي ..لماذا يجب اعطاؤها لمستودع وزارة الصحة لتقوم بالتوزيع؟ يجب التخفيف من الاجراءات البيروقراطية للتعامل مع السلط الصحية الجهوية وعلى الديوانة تسهيل ادخال هذه المواد التي هي ليست للبيع او للمتاجرة.

لا بد من اقرار استراتيجية كوارث وهذا لا يتطلب اسابيع بل سويعات ويحيلنا إلى ملف قيادة الحرب على الوباء . بلادنا تعيش أزمة صحية خانقة تحوّلت الى كارثة صحية ..منظومتها الصحية ومستشفياتها العمومية مهددة بالانهيار وهذا يتطلب منا كسلطة وكمواطنين وكإطارات طبية وكبينة اقتصادية ومالية ومجتمع مدني وأحزاب في هذه الفترة بالذات نسيان الاختلافات والتوحّد لمقاومة الوباء…نحن مقدمون على عيد الاضحى وما يتبعه من شراءات …هذا العام يمكن الاستغناء عن إحياء هذه الشعيرة وما على الدولة إلا ايجاد حلول للفلاحين.

نشر بأسبةعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 13 جويلية 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING