الشارع المغاربي – النادي الافريقي من "لطخة" الى أخرى: لا أحد مذنب.. وكلّهم مجرمون

النادي الافريقي من “لطخة” الى أخرى: لا أحد مذنب.. وكلّهم مجرمون

قسم الرياضة

25 ديسمبر، 2019

الشارع المغاربي – العربي الوسلاتي: لم تكن نهاية الأسبوع المنقضي داخل وخارج أسوار مركّب النادي الإفريقي عادية بالمرّة حيث تمّ إلغاء مباراة هيلاس فيرونا الوديّة لأسباب قيل إنها تنظيمية لا تليق بجمعية على مشارف المائوية ثمّ أغلق الملفّ مؤقّتا باستقالة مفاجئة لنائب رئيس النادي مجدي الخليفي الذي اختار والدموع تملأ عينيه أن يعلن استقالته على الملإ في بلاتو “الأحد الرياضي”… تطوّرات مثيرة ومتواترة مثلما تعوّدنا في محيط النادي الافريقي رافقتها ردود فعل جانبية من جماهير الفريق التي تحرّكت سريعا وبشكل أكثر حدّة لترفع بالصوت العالي شعار “ديقاج” في وجه كلّ أعضاء الهيئة الحالية بعد ما سمّي بـ “فضيحة” فيرونا…

استقالة أولى قد تعقبها استقالات أخرى استجابة لنبض الشارع وحالة ترقّب بشأن هويّة الناجين من زورق الفضيحة… وتهديد باللجوء الى القضاء لمحاسبة الفاسدين… وتوقّعات بشأن سقوط مرتقب لهيئة عبد السلام اليونسي خلال الساعات القليلة القادمة… أخبار تكشف حالة المخاض العسير الذي يعيشه النادي الافريقي هذه الأيّام والجميع ينتظر ما ستؤول اليه الأمور بين الضفّتين… فإمّا ولادة يسيرة لهدنة اختيارية تنتفع بها الهيئة الحالية وتؤجّل الحساب الى ما بعد نهاية مرحلة الذهاب وتطيل بالتالي مقام اليونسي ومن معه على رأس الجمعية… أوعملية قيصرية لاستخراج قبلة الحياة من جوف بقايا هيئة مديرة يعتبرها البعض أفشل ما أفرزت لعنة الانتخابات…

لعنة البيت…

والنادي الافريقي على مشارف الاحتفال بقرن كامل على انبعاثه يتعالى منذ سنوات ضجيج الخيبات فوق “ناطحات الحساب” وبات النادي الذي يطارد منهكا سراب التتويجات حبيس مربّع الفشل والأزمات… ديون بالمليارات وتراشق بالاتهامات وهيئات تُقبل وأخرى تُدبر  والنتيجة إخفاق وراء إخفاق وهوّة كبيرة تتسّع رقعتها يوما بعد يوم بعد النادي وافريقيا التي ابتعدت كثيرا بعد أن غزاها الفارس الأحمر في أوّل التسعينات… اليوم لم يعد يخفى على أحد أنّ النادي الافريقي رياضيا وإداريا لم يعد افريقي الزمن الجميل وأنّ الفريق في نسخته الحالية بعيد كلّ البعد عن هويّته الحقيقية وعن تاريخه المجيد الحافل بالانجازات وبأحلى الذكريات… اليوم يُصارع النادي الافريقي أبناءه قبل أعدائه للبقاء حيّا وحتى لا يلفّه النسيان ولا تطحنه عجلة السنوات… مائة سنة من المجد والجدّ والعدّ لم تعد تكفي لترميم القلعة الحمراء فالمرض استشرى في كامل زوايا المعبد… و”سوس” الخيانة نهش كلّ الجدران و”آل البيت الكبير” تفرّقوا شيعا وجماعات يطوفون حول الأسماء… فرقة تسبّح بحمد فلان… وأخرى تلعن البيت بمن فيه وتعلن العصيان… وبين هذا وذاك يتمايل البنيان ويترنّح البيت على حافة السقوط… لا أحد من وجهة نظرهم مذنب… لكنّهم في الأصل جميعهم مجرمون…

مسؤولية من…؟

الحالة المتردّية التي بلغها النادي الافريقي اليوم هي نتاج تراكمات سنوات وسنوات من الفشل الإداري والرياضي وهي ضريبة عقلية الهواة التي طبعت عمل الهيئات المديرة التي تعاقبت على رئاسة النادي خاصة بعد الثورة والتي لا ترتقي في غالبيتها الى مستوى الإدارة التي كان عليها النادي أيّام الزمن الجميل عندما كان للإفريقي مسؤولون برتبة “رجال دولة” شيّدوا سور النادي العالي وجعلوا منه حرما رياضيا لا يرتاده سوى الأبطال… المسؤولية اليوم ليست مسؤولية رئيس النادي عبد السلام اليونسي ومن معه فقط بل مسؤولية جيل كامل من المسؤولين وحتى من اللاعبين… فاليونسي جاء في ظرف صعب ودقيق على كلّ المستويات ماليا وقانونيا وفنّيا… والأمانة كانت ثقيلة وكبيرة جدا عليه لدرجة أن لا أحد وقتها فكّر في الاقتراب من “الحديقة الملغومة” اعتقادا ويقينا بأنّ “غول الفشل” كان ينتظر في آخر الطريق فاتحا ذراعيه لكلّ العابرين في طريق العتمة… لذلك يبدو أن في تحميل اليونسي مسؤولية كلّ الذنوب التي ارتكبت في حقّ الافريقي على الأقلّ خلال السنوات الأخيرة الكثير من القسوة والتجنّي خاصة أن الرجل دخل المركّب دون حصانة ودون مباركة من “شيوخ الدار” ممّن امتهنوا علوم التنبير وتفنّنوا في تدريس سياسات وضع العصا في العجلة وفي فنون التنظير…

عبد السلام اليونسي الباحث عن بقعة ضوء وسط الظلام كان يعلم أنّ طريق الافريقي شائكة ووعرة لأنّه كان داخل البيت عندما ضربته أولى الهزّات لكنه ظنّ وبعض الظنّ إثم أنّ “بذرة” الرئاسة التي تسكنه وتكبر داخله شيئا فشيئا ستقوده حتما الى النجاح فقط لو كفّ البعض عن النباح… ولكن ثبت على ما يبدو أن حساباته كانت خاطئة لأنّ الداخل الى مركّب الافريقي مفقود والناجي من بين أسواره مولود…

المسؤولية إذن ليست فردية وعبد السلام اليونسي “ولد الكاف” الذي وضعته جهته “في المنداف” وهذه حقيقة وليست تخمينات لا يتحمّل بمفرده وزر كل الذنوب التي دنّست قميص النادي الافريقي على مرّ السنين لكنّه وبحكم منصبه وبسبب بعض سياساته جزء من المسؤولية وسبب مباشر في الفشل لأنّه اختار الاستعانة بكتيبة من الانتهازيين والمتسلّقين وبهيئة مديرة لا تجيد سوى الفتن والتصارع في برك العفن… دون أن ننسى بطبيعة الحال المعارضة الهدّامة التي تتشكّل من بعض الذئاب المنفردة الحالمة بنصيب من الغنيمة من لعبة الكراسي المقلوبة…

نظرية المؤامرة…

التطوّرات الأخيرة الحاصلة في النادي الافريقي تنبئ بأن شيئا ما يطبخ في الكواليس والحديث المتواصل عن استقالة مرتقبة لما بقي من هيئة اليونسي يوشي بوجود سيناريو شبيه بما حصل عقب الاطاحة بهيئة سليم الرياحي… وصمت بعض الأطراف الفاعلة والمتدخّلة في الشأن العام للنادي سواء من أبناء الفريق أو من الوصيّين عليه على غرار المكتب الجامعي وعدم التعليق على استقالة مجدي الخليفي يدعم هذا الطرح لأنّ الخليفي كان هو همزة الوصل بين هيئة اليونسي والبقيّة… فهو الرجل الأقرب الى المدعّم الأوّل للنادي حمادي بوصبيع كما أنه على اتصال دائم برئيس الجامعة التونسية لكرة القدم وديع الجريء بالإضافة الى كونه يعتبر المنسّق الأوّل بين الهيئة الحالية وحاشية رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كان في أكثر من مرّة طرفا فاعلا في ملفّات الافريقي القانونية.

المطّلعون على الغرف المظلمة داخل النادي يعرفون جيّدا أنّ كلّ الخطوات التي تحصل بالنادي سواء استقالة أو انسحاب لا تكون بصفة اعتباطية أو تصدر كأنّها ردود انفعالية وهؤلاء يرون أن استقالة الخليفي تندرج في هذا الإطار بمعنى أنها تمهيد للدخول في مرحلة جديدة على ما يبدو… والأخطر من ذلك هو أنّ بعض الثقاة يراهنون على أنّ كرسي الرئاسة في النادي بات يسيل لعاب كوادر حزب تحيا تونس الذي يراهن على تجميع قواه من خلال الارتماء في حضن حزب كبير يحتكم على قاعدة جماهيرية عريضة تكون خزانا انتخابيا كبيرا في المواعيد السياسية القادمة.

هذه المطامع إنّ صحت ستجعل أيّام اليونسي على رأس النادي الافريقي معدودة لأنّ الحرب التي يخوضها “الرئيس” حاليا سيتسّع مداها بدخول خصم أكبر وأشرس… قد تكون هذه التخمينات مجرّد وساوس أو تهيّؤات صحفية لكنها حتما لن تكون أحلام يقظة لأنّ نظرية المؤامرة التي يتحدّث عنها عبد السلام اليونسي في سرّه وكشف عن جانب منها عضده المستقيل مجدي الخليفي في حصّة “الأحد الرياضي” باتت اليوم حقيقة ساطعة ستتشكّل عناوينها قريبا جدا…

بارقة أمل…

ما سبق ليس دفاعا عن رئيس النادي الافريقي فاليونسي هو الآخر عنوان رئيسي في عهدة الفشل وهو سبب مباشر في تردّي وضعية الإفريقي بسبب سياسته التسييرية الخاطئة فهو ضعيف اتصاليا وهذا عيب كبير لدى أيّ رئيس جمعية وحتى خرجاته الاعلامية غير موفّقة ان لم نقل كارثية كما أنه غير “متوفّر” عند الأزمات وهو وفيّ لنظرية التسيير عن بعد… وكل هذه المساوئ فتحت الباب على مصراعيه لكلّ الطامعين في الدخول الى “جنّة الحديقة الملعونة”… وعلى الرغم من كل هذا السواد القاتم يبقى النادي الافريقي محافظا على جرعة الأوكسجين الحقيقية التي بفضلها يحيا ويتنفّس الصعداء… والحديث هنا عن “شعب” الافريقي الذي يعتبر بارقة الأمل الوحيدة في زمن النكسات…هذا الجمهور العظيم الذي كان ولازال الحصن الحصين وحامي العرين وبفضله نجا النادي من براثن الملاعين…

“لطخة” تمحو خيبة كبرى وتخفي وراءها لطخة أخرى ومليارات تُودع في حساب النزاعات وجمهور بقي على العهد على أمل استعادة المجد… لذلك رغم كلّ اللطخات “بالمعنى السلبي والايجابي” لا خوف على النادي طالما للافريقي شعب يحميه…


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING