الشارع المغاربي – النهضة تضع مصير الشاهد من جديد في الميزان وتطالب بحكومة تكنوقراط

النهضة تضع مصير الشاهد من جديد في الميزان وتطالب بحكومة تكنوقراط

11 يوليو، 2019

الشارع المغاربي – كوثر زنطور: عاد ملف بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد من عدمه ليطرح من جديد في الساحة الوطنية ، هذه المرة على لسان اهم داعميه حركة النهضة التي كانت حتى وقت قريب صمام أمان بقائه في السلطة خلال مراحل متعددة يمكن القول إن أهمها كان خلال مفاوضات “وثيقة قرطاج 2” وحال موقفها الداعم له دون ابعاده من القصبة . الجديد في هذا الطرح هو الزام الشاهد مغادرة رئاسة الحكومة أبضا بشروط واقتراح تشكيل حكومة تكنوقراط.

جاء تصريح عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى في الندوة السنوية الثالثة للحركة المنعقد منذ ايام والذي اعادت الحركة نشره على صفحتها الرسمية بموقع “فايسبوك ” يوم السبت 6 جويلية 2019 ، والذي تحدث فيه عن مصير يوسف الشاهد ليؤكد ان ما جاء في حوار راشد الغنوشي لقناة حنبعل يوم الاحد 30 جوان 2019 بخصوص هذا الملف موقف مؤسساتي متفق بخصوصه وتجري مفاوضات في شأنه مع المعني بالأمر بشكل مباشر رئيس الحكومة وحزب تحيا تونس .
المعطيات المتداولة في هذا السياق تشير الى ان الحركة وضعت استقالات وزرائها على الطاولة في صورة اعتزام الشاهد الترشح للسباق الرئاسي ، وانها عاقدة العزم ان اقر ذلك ، على المطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط ، وهي الصيغة التي سبقت ان رفضتها بشكل بات في مفاوضات قرطاج 2 ونددت حتى بخلفيات الداعين لتشكيلها وشككت قيادات منها وقتها حتى في وجود “تكنوقراط” وتمسكت بحكومة سياسية تعكس نتائج انتخابات 2014.
الشروط
تحدث عبد الكريم الهاروني خلال الندوة السنوية عن 3 ثوابت في خط النهضة في هذه المرحلة : الثابتة الاولى المحافظة على علاقات جيدة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي والثانية علاقة بناءة مع الاتحاد العام التونسي للشغل والثالثة التفاوض مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد حول بقائه او مغادرته الحكومة . وقال الهاروني حرفيا بحماس ” اعلمكم حتى لا يقع التباس ..نمارس السياسة التي حددها مجلس الشورى المتمثلة في علاقة جيدة مع رئيس الجمهورية وعلاقة بناءة مع الاتحاد والتفاوض ( أعادها مرتين) مع يوسف الشاهد من اجل اما بقاء بشروط او الخروج بشروط”.
تصريح الهاروني ليس بمفاجئ بالمرة اذ سبق ان تم تداول مصير الشاهد واعلن مجلس الشورى ان مساندته لرئيس الحكومة مقترنة باستجابته لشروط تتمثل أساسا في عدم الترشح للاستحقاقات القادمة . الجديد الوحيد والمثير للانتباه هو اعلان الهاروني ان المفاوضات شملت حتى شروط المغادرة من القصبة وهي سابقة لم يطرحها أي من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والنقابيين،وقد تُؤول الى اكثر من طرح خاصة اننا في مشهد تتراشق فيه التهم وتتناقل في الكواليس حرب يخفي فيها كل طرف ملفات ثقيلة عن منافسيه المحتملين ، والمعلوم أن الشاهد ان غادر او ان لم ينصع لشروط لنهضة سيصبح حتما من بين خصومها .
وقبل اكثر من شهرين ، وتحديدا في النصف الاول من شهر رمضان كانت لقيادات من النهضة لقاءات مع خبراء في سبر الاراء وفي ادارة الحملات الانتخابية من الداخل والخارج ، طرحت خلالها الخطة الاتصالية التي يمكن ان تتبعها الحركة في استحقاقات 2019 ، ومن بين ما تم اقتراحه فك الارتباط مع الشاهد وتحميله مسؤولية حصيلة الحكم الهزيلة والفاشلة في منظور الكثيرين او تشكيل حكومة جديدة من ” تكنوقراط” تخفف عبء تقييم 3 سنوات من الحكم المشترك وتحد من التوتر الذي يسود المشهد .
لا يُعلم ان كان لطرح النهضة الجديد علاقة بالاقتراحات التي تلقتها او بتكتيك انتخابي مرده على الارجح نوايا التصويت التي تتجه لمرشحين مناهضين لمنظومة الحكم على غرار نبيل القروي وعبير موسي وقيس سعيد وبدرجة أقل “عيش تونسي” ، أم ان لها علاقة بما يتناقل في الدوائر القريبة من القصبة ومن تحيا تونس بخصوص اعتزام الشاهد اتخاذ مسافة من النهضة وتغيير ” واجهة الحكم” بطاقم استشاري جديد والمرور بعدها الى تحوير وزاري قد يشمل وزراء منها ، وهناك من يؤكد ذلك ويرى في منشور منع النقاب بالمؤسسات والمنشآت العمومية دليل على ذلك .
تنضاف الى كل هذا ، تساؤلات حول الشروط التي وضعتها النهضة لبقاء الشاهد في القصبة والشروط التي وضعتها لمغادرتها ، عدم ترشحه تعني بقاءه ، لكن ما هي شروط مغادرته ؟ هل ستدعوه الحركة للاستقالة من السياسة مثلا ؟ ام ستساومه بملفات ليلزم الصمت ويبتعد عن المعترك الانتخابي ؟ في الحقيقة شروط المغادرة من اخطر تصريحات قيادات النهضة ان لم نقل أخطرها على الاطلاق وتنم عن تعفن كبير بين أحزاب منظومة الحكومة وأساسا تحيا تونس والنهضة .
من جهة اخرى ، يفترض طرح الحركة مصير الشاهد التساؤل أيضا عن جدية هذا الطلب ونحن على بعد أيام من فتح باب الترشح للانتخابات التشريعية وعلى بعد اربعة أشهر من انتخابات تشريعية ( 6 اكتوبر) و5 اشهر من الرئاسية ( 17 نوفمبر ) ؟ ومن منطلق تصريح الغنوشي منذ أيام لقناة حنبعل اعتبر فيه ان “تشكيل حكومة جديدة يعد ارباكا حقيقيا لمسار الانتقال الديمقراطي” ، فهل هذا يعني ان طلب النهضة هو في الاخير تحسين لشروط التفاوض وعملية “احتواء” لرجل القصبة الذي يوصف بـ”المغامر” وصاحب “الطموحات المجنونة” ؟
هذه الامكانية تبقى ورادة أيضا ، وتصريحات الهاروني تحيل الى ذلك بشكل أو بآخر بتشديده على ان “الحركة ستناضل من اجل صرف جبر الضرر قبل الانتخابات واصدار التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة في الرائد الرسمي ” ، وملف “صرف التعويضات” من الملفات الحارقة داخل الحركة المتهمة من جهتها بالفشل في ادارة “العدالة الانتقالية” وبعدم الضغط على الشاهد “بالشكل المطلوب” لصرفها خاصة ان أكثر من 50 الف نهضوي ممن يسمون بضحايا الاستبداد معنيون بها .
الايام القادمة ستكشف مدى جدية طرح مصير الشاهد ، وان كانت النهضة تحسن في شروط التفاوض ام انها تحينت الفرصة لفك الارتباط والتخلص من رئيس حكومة محسوب عليها وفشل في الاستحقاقات الحكومية ولم يعد حتى رقما صعبا في المعادلة الانتخابية ، وفي كل الاحول للنهضة مشروعية للمطالبة بحكومة انتخابات باعتبارها سبق ان غادرت الحكم بعد حوار وطني افضى الى تشكيل حكومة المهدي جمعة سنة 2014
اكتساح الحكم
كشفت كلمة الهاروني الحماسية في الندوة السنوية للحركة الخطوط العريضة لاستراتيجية الحركة الانتخابية ، الهدف كما قال هو الفوز في الاستحقاق التشريعي للتفاوض من موقع قوة بعد سنوات من الاكتفاء بالحكم من موقع “الثاني والتابع” ، وهذا الفوز هو بوابة ، وفق الهاروني ، للتفاوض أيضا حول الرئاسية والبرلمان وتشكيل الحكومة وهذا يعني اكتساح الحكم.
وان خاضت النهضة انتخابات 2014 بفكرة “التونسة” و”التغيير ” وابعاد الشخصيات المثيرة للجدل من الواجهة على غرار الحبيب اللوز والصادق شورو ، فإنها تقدم نفسها اليوم كحزب “الاسرة التونسية المحافظة” ، وهنا يذكر الهاروني ان الحركة هي من اطاحت بمشروع قانون المساواة الذي قال انه لن يرى النور مشددا على ان النهضة لن توقع على أية اتفاقية تمس جملة من الثوابت التي قال ان الحركة تدافع عنها على غرار الاسلام والحريات والعدالة واستقرار البلاد.
وتسعى الحركة لتقديم قائمات متوازنة في التشريعية ستعكس وفق مصادر منها القدرة على تطبيق “مشروعها التنموي لنهضة تونس” كاشفا ان رؤساء القائمات وبقية المرشحين سيكونون من “الكفاءات المتنوعة من مختلف المجالات” وانها تعد مفاجآت على مستوى الاسماء المرشحة من خارج قواعدها لاستحقاق 6 اكتوبر قالت المصادر انهم في حدود 10 من المستقلين ومنهم حتى من كان في الهياكل الدستورية .
ويبدو ان “اكتساح الحكم” الذي لا يبدو بالامر الهين في ظل ما تُقدم على الاقل نتائج سبر الآراء ، له علاقة بمصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تحول الى عبء ثقيل على الحركة تريد التخلص منه ، لتعزيز حضورها في المنافسة الانتخابية التي ستكون حامية الوطيس ينطلق فيها مناهضو “السيستام” بحظوظ أوفر للفوز . والخسارة في التشريعية هي أسوء السيناريوهات بالنسبة للحركة الذي يهدد حتى وحدتها الداخلية التي تعد السلطة من بين عوامل ابقائها رغم كم العواصف التي مرت بها الحركة خلال السنوات الاخيرة .

صدر في اسبوعية”الشارع المغاربي” في عددها الأخير.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING