الشارع المغاربي – اليوم العالمي للفلسفة: الفلسفة والثقافة -بقلم د.فتحي التريكي

اليوم العالمي للفلسفة: الفلسفة والثقافة -بقلم د.فتحي التريكي

8 ديسمبر، 2018

الشارع المغاربي : من المعلوم أنّ المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو أعلن سنة 2005 الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة سنويا يوم الخميس الثالث من شهر نوفمبر، وقد ركّز على أهميّة تطوير الفكر الفلسفي في كل ثقافة ولدى كل فرد وقد دعت اليونسكو كل الجامعات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية وكل من يهتم بالفلسفة الى الاحتفال بهذا اليوم على امتداد شهري نوفمبر وديسمبر من كل سنة وذلك لأن “الفلسفة مجال يشجّع على التفكير الناقد والمستقل ويمكّن من العمل نحو فهم أفضل للعالم وتعزيز التسامح والسلام”. وكلفت منظمة اليونسكو كراسي اليونسكو في العالم للقيام بهذه المهمة والتشجيع عليها.

دأب كرسي اليونسكو للفلسفة بالعالم العربي منذ سنة 2005 على تنظيم هذه الاحتفالات بندوات ومؤتمرات وأيام دراسية اهتمت بمواضيع مختلفة. وفي هذا المجال يعتزم كرسي اليونسكو للفلسفة بالعالم العربي تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية تنظيم لقاء فلسفي بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة 2018 حول إشكالية الفلسفة والثقافة. إذ يجب على التفكير، في قناعتنا ، أن يهتمّ بمواضيع الثقافي التي تتضمّن الفنون وكل الممارسات القولية وغير القولية الخاصة بالميادين الثقافيّة. ويأخذ هذا اللقاء شكل موائد مستديرة الغاية منها فتح نقاش فكري حول وجودنا في العالم الحالي. وسنركّز التفكير حول الجوانب الأساسية التالية “الفنون والفلسفة والفلسفة والثقافة ودينامكية الحرّية والفيلسوف والمثقف ومقاربات فلسفية للثقافة”.

لا أعتقد أنه من الضروري التذكير بأن الفلسفة بنسقيّتها الحالية قد ولدت في الثقافة الإغريقية ولكنها الآن قد توسّعت في ثقافات عديدة وشملت إشكاليات متنوّعة بعد أن ترعرعت في الثقافة العربية والإسلامية وفي الثقافة الغربية. ذلك يؤكد ارتباطها العضوي بالثقافة ولادة وصيرورة. وفي الواقع تحوّلت الثقافة إلى موضوع فلسفي في الحداثة عندما اهتمّمت بالإنسان من حيث هو ذات مفكرة وفاعلة وقد أكّد الفيلسوف الألماني كانط أنّ تكوين القدرة في الإنسان المتعقل على أن يكون حرّا ويمتلك حرّيته هو أساس الثقافة. بمعنى أنّ الثقافة وحدها يمكن أن تكون الغاية القصوى التي يمكننا أن نعطيها للطبيعة البشرية.
على ضوء هذه الإشكالية وجب في مجتمعاتنا العربيّة الحالية على المثقف المفكر أن يعبّر بشكل أو بآخر عن روح العصر وذلك بواسطة استبطان العلوم المعاصرة والتكنولوجيات المتطورة والإبداعات الفكرية والفنية المتميزة وعن حضور الأنا في الهنا والآن بواسطة تجذير التراث الثقافي في المعاصرة ليجعل من الإنسان العربي مثقفا ومتحضّرا ومتخلّقا وذلك بتطوير عقليّة المواطنة ونعني بذلك تلك الحرّية الحقيقيّة وتلك المساواة الاجتماعيّة الخاضعة كلها لقوانين معقولة ومقبولة. وبربط عاداتنا وتقاليدنا، بأخلاقيّات تعتمد في الآن نفسه حرّية الفرد وحرّية الآخر. ولعل أفضل طريقة لتحسّن وضعيّة الإنسان العربي الثقافيّة والمدنيّة والأخلاقيّة تتمثّل بالنسبة إلى الثقافة في تطوير التربية، وبالنسبة إلى المدنيّة في تطوير القوانين، وبالنسبة إلى الأخلاق في تطوير الدين وحرية الضمير. فكلها وسائل ناجعة لتنمية إنسانيّة الإنسان بشرط أن تكون هي أيضا مبنيّة على مبدأ الحرّية. تربيّة حرة وقوانين تضمن الحرّية ودين متحرّر يقبل حرّية الفرد في اختيار عقيدته ويعتمدها : لعل ذلك في الأخير ما يحتاجه الإنسان العربي حاليا ليبلغ أقصى درجة عليا من درجات التآنس والتحضر وهي المهمة المؤكدة حاليا للمفكر العربي الثوري الحر والنزيه أي المناضل الحقيقي من أجل رفاهية شعبه.
لذلك ارتأينا أن نعيد طرح إشكالية الفلسفة والثقافة على الدرس والتمحيص مجددا لا لتمييز الثقافة عن الطبيعة ودراسة العلاقات الشائكة معها فقط وهي إشكالية مازالت حيويّة لاسيما بعد تطور الفكر الإيكولوجي ولكن وأيضا لربطها بإشكاليات المعاصرة في حياتنا اليومية فربطناها بقضايا الإبداع الفني وبالحريات المدنيّة والمسائل السياسية وبالتطوّرات الاجتماعية وتغيّراتها.

ففي مائدة مستديرة أولى ترأسها الأستاذة رشيدة التريكي سنفتح النقاش حول العلاقات الممكنة بين الممارسات الفنية الإبداعية والتدخلات النظرية والفلسفية تلك التدخلات التي تضمن العمليات التوضيحية والتشخيصية والنقدية والتنظيرية وهي عمليات ضروريّة لتحديد الأثر الفني الحقيقي والملحوظ وتمييزه عن الآثار المزعومة لذلك تمت دعوة فلاسفة ومبدعين حتى يكون النقاش مفيدا. أمّا المائدة المستديرة الثانية التي يرأسها الأستاذ حميد بن عزيزة فستتعرّض إلى القاسم المشترك بين التفلسف والتثقف ونعني دينميّة الحرّية التي تعبر تقريبا كلّ محالات الفلسفة المعاصرة كما هي أساس الثقافة النقديّة. وسنحاول في المائدة المستديرة الثالثة التي يرأسها الأستاذ محمد محجوب فتح النقاش حول منزلة المثقف في مجتمعاتنا وتحديد ملامح الفيلسوف والتحقق من العلاقات الممكنة بينهما. وستعالج هذه المائدة من ضمن ما ستعالجه إشكالية الكاتب والمبدع والمفكر. أما المائدة الرابعة التي سيرأسها الأستاذ محمد علي الحلواني فستكون خلاصة للموائد الأخرى بما أنها ستناقش المقاربات الفلسفية الممكنة للثقافة والتناول الثقافي للفلسفة.
ففي هذا المعنى، تكون الثّقافة هي الأخرى مثلها مثل الفلسفة ذات وظيفة استراتيجيّة تأخذ بعين الاعتبار محالات السياسة والأخلاق.

في واقع الأمر يجب أن نميّز بين ثلاثة تصوّرات ممكنة للثّقافة. فالتصوّر الأوّل، ذو طابع أنتربولوجي، والثّاني ذو طابع روحاني وعقلاني، والثّالث ذو طابع سياسي. يشير الأوّل إلى مجموعة من القيم والأفعال والممارسات مركّبة تتضمّن المعارف والعقائد الدّينية والفنّ والأخلاق والحقّ والعادات وكلّ القدرات والتّقاليد التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع. أمّا التّصوّر الثّاني فيشير، على عكس ذلك، إلى التّفكير الفردي والحرّ، أي إلى القدرة الكامنة في كلّ فرد على الخلق والتّأويل، وعلى الإعجاب والحكم، و على رفض الأنساق الجماعيّة من الاعتقادات إذا لزم الأمر. أمّا الثالث، فيستعيد معطيات الأوّل ووسائل الثّاني كي ينظّمها رسميّا، ويجمع المعرفة والإبداعات داخل هدف محدّد سياسيّا أو إيديولوجيّا. يسعى الفهم الأول إلى تركيز الهوية على قيم وإفعال محددة إقحاما للفرد داخل جماعة معنيّة، والتصور الثّاني نقديّ بالأساس يعمل من أجل تحيين المكتسبات المعرفية والعلمية نظرا وممارسة وتحرير الفرد من الثّقل الاجتماعي؛ أما التصور الثالث فهو الذي يقحم الثقافة بفهميها الأول والثاني في مؤسسات الدولة فيكون غالبا تحت سيطرة الإيديولوجيا المهيمنة.
هذا التمييز بين التعريفات الثلاثة لمفهوم الثقافة ذو أهمية قصوى لأنه يمكّننا من فهم جدليّة الثّقافة والمؤسّسة التي تميّز في نطاق أوسع وضعيّة عمل الفكر. وبالفعل يوجد حاليا توجّه، في كلّ مكان من العالم، من أجل فرض التصوّر الأوّل الأنثربولوجي للثّقافة بصفته التّصوّر الوحيد الممكن، والعمل بطريقة تجعل المفهوم الثّاني في خدمة الأوّل. وبهذا يسهل إقحام هذين التّصورين في نسق مركّب محكوم باختيارات سياسيّة وإيديولوجيّة. لذلك لابد من تدخّل الفلسفة للتمييز والتوضيح والنقد حتى لا نخلط بين مفهوم الثقافة وتصور الحضارة من ناحية ومن ناحية أخرى حتى لا نعتبر أن الثقافة الصادرة عن المؤسسات في الدولة هي الحقيقية والأخرى هامشية.

نشأ التصوّر الثّالث الذي نسمّيه بلفظة «ثقافي» من خلال هذا التّعيين. فالثّقافي يمكن تعريفه بما هو السّياسة التي تمنح لكلّ أنشطة الإبداع الثّقافي مكانا معينا، وتخصّص لها وظائف خاصة داخل خيار إيديولوجي مقنن.
هناك أيضا قضيّة أخرى مطروحة على الفكر الفلسفي حاليا وهي ما يعبر عنه بحوار الثقافات وأعبر عنه شخصيا بالتثاقف الذي أصبح اليوم ضرورة حياتية لا مناص منها. ولاحظوا معي صيغة اشتقاقه التي تفيد الاشتراك المتبادل والذي يفترض أن يتم قبول التنوع الثقافي من حيث هو واقعة بديهية للحداثة والتواصل بين الثقافات ومن حيث هو غاية التعايش بطريقة متبادلة وبتأثير متبادل دون أن تكون هناك هيمنة أحادية لطرف على طرف آخر. هذه الصيغة المتبادلة والتي عبرنا عنها بهذا الاشتقاق ذات دلالة تأسيسية لأنها ستعلو بالنقاش حول هذه الإشكالية إلى المستوى الفلسفي التنظيري.
فالهدف من النقد الفلسفي للثقافة هو أن نعيد إلى الإنسان ماهيته وغائيته وذلك خارج نرجسيته الخاصة وأن نذكّر بوجوده من حيث هو وجود مع الآخر ( )، ومن حيث هو تاريخ مقترن بالكثرة والتنوع.

فمنذ الوهلة الأولى، نفهم إلى أي حد يجب على التـثاقف القائم على قيم الانفتاح والخلق واستشراف المستقبل والاختلاف أن يتجذر أكثر ضمن طريقتنا في مقاربة الحداثة مما يجعل علاقة الذات بالآخر غير منفصلة وغير مجزأة بل هي تشير إلى تنظيم واقعي مؤسس ( ) يخص سيرورات التـماهي التي تتعلق بمفهومي الهوية والاختلاف، وبوظيفتيهما في المجتمع بشكل عام.

هذه بعض الإشكاليات التي ستتعرّض لها هذه الموائد المستديرة التي ستجمع أكثر من أربعين باحث أتونا من تونس والجزائر وفرنسا وأسبانيا والبرازيل وإيطاليا.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING