الشارع المغاربي – انطلق السهم من القوس../ بقلم: عمر صحابو

انطلق السهم من القوس../ بقلم: عمر صحابو

قسم الأخبار

30 يوليو، 2021

الشارع المغاربي: الجدل حول دستورية الإجراءات التاريخية التي أعلن عنها رئيس الدولة يوم 25 جويلية عقيم وعبثي وعدمي. هل لنا دستور متفق وطنيا على جدواه وسلامته وسلطانه حتى نمتعض من التجاوزات التي قد تصيب روحه أو نصّه ونشهّر بها؟ أليس هذا دستور بنفسه الذي وُلد عاقا(1) وفُصّل على مقاس خلفيات سلطوية لا وطنية هو من أسّس لتلاشي السلطات السيادية الثلاث وجهّز لتطاحن بعضها البعض حتى أصاب الدولة الشلل والعجز؟ أكثر من 200 مشروع قانون تنام منذ شهور على مكتب رئيس المجلس بتواطؤ حكومة ثلثيها وزراء بالنيابة. ألم نكن قبل الإجراءات الرئاسية متفقون على ضرورة مراجعة هذا الدستور أو حتى إلغائه جملة وتفصيلا؟ فكيف نصرخ ضدّ إجراءات تضع حدّا لمفاسد هذا الدستور؟ تجاوز هذا الدستور يؤسس في الحقيقة لشرعية جديدة. الشرعية لا تأتي من احترام دستور لا يُحترم بل من خرقه لمصلحة شعب وبقاء دولة.

لا أدري شخصيا لماذا حرص الأستاذ قيس سعيد على إضفاء شرعية دستورية على اجراءاته الثورية. لم يكن في حاجة إلى ذلك! لا سيما أن بعض التناقضات تخللت سعيه هذا. إجراءات في الحقيقة تنخرط في نفس ثوري يتجاوز النصوص مهما كانت علويتها، نَفَس من شأنه أن يضع حدا والحمد لله لانهيار دولة وتفكّك مجتمع. كسب قيس سعيد بقراراته يوم 25 جويلية 2021 شرعية أعظم من شرعية الدستور. فإذا كان لقوم أن يطيلوا الجدل في ما ليس فيه جدل فقد حسم الشعب التونسي الأمر: خرج بمئات الآلاف مستبشرا مطبّلا مزغردا نساء رجالا شبابا وشيوخا يهللون تفاؤلا واستفاقة بزلزال قيس سعيد. كسب اذن معركة الشرعية بعدما زكّى الشعب التونسي الأبي خطابه يوم 25 جويلية 2021.

يتباكون على الديمقراطية ومسارها الاستثنائي في تونس خوفا من ميلاد دكتاتورية أو نمط استبدادي جديد، لكن لنتفق أولا على المضامين التي أسندت للتمشي الديمقراطي التونسي. ما دخل الديمقراطية في السياحة الحزبية مدفوعة الأجر؟ ما دخلها في برلمان “سيركوي” دهس كل أصول العمل الديمقراطي وأصبح مجرد وكالة لـMontplaisir ؟ إضافة إلى عجزه عن تحمل وظيفته الأساسية في سنّ التشاريع وفي مراقبة السلطة التنفيذية؟ ما دخل الديمقراطية في رعاية فاسدين مدانين قضائيا بين أعضاء البرلمان وحمايتهم بقانون حصانة يخجل من ظلمه كل ضمير حيّ؟ ما دخلها في تعيين أناس على أهم مراكز الدولة والحكومة لا صفة لهم ولا ذات سوى أنهم نتيجة محاباة وسمسرة سياسية؟ لا يا سادة ليست هذه الديمقراطية التي حلم بها التونسيون بعد 14 جانفي حتى أصبحوا اليوم يتحسّرون على دكتاتورية بن علي وفساده ويفضّلونها على ديمقراطية جوّعتهم وأذلّت دولتهم بالتسوّل والتوسّل ولسان حالهم يقول مرحبا باستبداد بن علي وخبزه ولا سهلا بديمقراطية فقّرتنا وأهانتنا وقتلتنا!

كسب سعيد يوم 25 جويلية شرعية المنقذ التي لا يقيّدها دستور ولا قانون لأنها شرعية مصدرها أسمى من المتغيرات ومن العرضيات، مصدرها التاريخ يا سادة ! كان سعيد يوم 25 جويلية على موعد مع التاريخ وأضاف لشرعيته الانتخابية العريضة شرعية لا يرتقي إليها إلا من يدوس الفروع ليُحيي الأصل، والأصل هنا هو انقاذ تونس، أما الفروع فهي الأسباب بما فيها الدستور التي أدّت الى خرابها! لاسيما أن قادة جيشنا الوطني العظيم وقفوا في هذه الأيام الحاسمة والحساسة والتاريخية وقفة وطنية رجولية الى جانب الرئيس. بسرعة التفّ الجيش حول المقرات الرمزية للدولة وحماها ممن سيجلبون لأنفسهم حسب تعبير قيس سعيد “وابلا من الرصاص” لو خطر في بالهم زعزعة الدولة. الجيش هذه المرة لم يرتض لنفسه أن يبقى شاهدا صامتا قاصرا على ضياع تونس وموت أبنائها وتجويع أولادها وإهانة دولتها.

وقف مساندا لقائد قواته المسلحة. انطلق السهم من القوس يا سادة !

لن يعود، والحمد لله.

1 – فوض الشعب التونسي المجلس التأسيسي كتابة الدستور في ظرف سنة فسمح لنفسه أن يستبيح هذا التفويض ويمدّد صياغة الدستور طيلة 3 سنوات ولد على اثرها دستور أعرج ودولة متمكنة منها حركة النهضة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 27 جويلية 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING