الشارع المغاربي – انهيار خطير للقدرة الشرائية : التونسي "تمسّ" في "قوتو" و"قراية أولادو"/ ابراهيم بوغانمي

انهيار خطير للقدرة الشرائية : التونسي “تمسّ” في “قوتو” و”قراية أولادو”/ ابراهيم بوغانمي

22 سبتمبر، 2018

الشارع المغاربي : تلوح في الأفق سنة سياسية واقتصادية ومدرسية صعبة جدا على عموم التونسيين الذين يشعرون بعبء مادي ثقيل وضغوطات مالية كبرى تفاقمت بالتزامن مع العودة المدرسية التي تحلّ بعد سلسلة من المناسبات والأعياد المتتالية بدءا من رمضان وعيد الفطر مرورا بالصيف وأعراسه ومهرجاناته ومصاريفه ثم عيد الأضحى.. ويتوقع عديد الملاحظين تعمُق الأزمة الاقتصادية في فترة العودة المدرسية مما سيرفع نسبة الاحتقان لدى التونسيين الذين كانوا يكابدون من أجل توفير لقمة العيش ليجدوا أنفسهم في مواجهة نفقات عودة مدرسية هي الأثقل في السنوات الأخيرة.

لم تعد معضلة –وإن كانت كذلك فعلا- مسألة الارتفاع المُشطّ في أسعار المواد الاستهلاكية وبالتالي التدهور المُدوّي للمقدرة الشرائية للمواطن
التونسي.
وليست هي الطامة الكبرى –وإن كانت فعلا كذلك- مسألة ارتفاع تكاليف العودة المدرسية التي أرغمت عديد الأسُر التونسية على الإقرار بالعجز إزاء هذه المناسبة التي شكلت كابوسا بعد أن كانت فرصة يحتفل بحلولها التونسيون بطريقة أقرب إلى احتفالاتهم بالأعياد.. فالمعضلة الحقيقية والطامة الكبرى يكمنان في السياق الزمني الذي حلّت فيه العودة المدرسية.

فالسياق العام والواسع يقول إن الاقتصاد التونسي يمرّ بأصعب فتراته في ظل التدحرج المتواصل لقيمة الدينار أمام العملة الأوروبية الموحدة الأورو, العملة الأبرز في واردات البلاد.

والسياق الضيّق يتعلق ب «تراكم » المناسبات والأعياد التي تتالت مؤخرا والتي لا ترغب أغلب العائلات التونسية في تفويت أيّ منها رغم ما
تتسبب فيه من اختلال يصل في أحيان كثيرة إلى العجز في ميزانيات العائلات. والنتيجة القاسية هي أن التونسي اليوم بات غير قادر على تأمين
قوته اليومي ولا على تأمين عودة أبنائه للمدارس والمعاهد والكليات.

أرقام مفزعة.. و «الحبل على الجرّارة »

أرقام رسمية أوردها البنك المركزي التونسي تفيد بأن حجم القروض البنكية المسندة إلى الأسُر التونسية قد تضاعف مرتين ليبلغ 20.8 مليار دينار في مارس 2017 بعد أن كان لا يتجاوز 10.7 مليارات دينار في ديسمبر 2010 .
وصرّح مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية الخميس الماضي بأن «قيمة قائم القروض المسلّمة من البنوك للأسُر التونسية ارتفعت بحوالي 117 بالمائة مقارنة بديسمبر 2010 وأنها بلغت في جوان الماضي 23.3 مليار دينار.
وفي بحث ميداني أنجزه المعهد الوطني للإحصاء في 2017 تبيّ أن العائلات التونسية تنفق حوالي 473 مليون دينار لتغطية تكاليف العودة المدرسية. ففي السنة الدراسية الماضية قدّر المعهد الوطني للإحصاء تكاليف عودة تلميذ السنة الأولى ابتدائي إلى المدرسة بحوالي 91 دينارا مقابل 79 دينارا في السنة التي قبلها, بينما تجاوزت كلفة عودة تلميذ السنة السادسة ابتدائي 153 دينارا.

وتظهر الإحصائيات المقارنة التي توصل إليها البحث الميداني أن كلفة العودة المدرسية لتلميذ المرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي ارتفعت بنسبة تراوحت بين 15 و 22 بالمائة مقارنة بالسنة الدراسية التي سبقتها بينما ارتفع معدل كلفة العودة في المرحلة الإعدادية الى ما بين 9 و 12 بالمائة وهو تقريبا
نفس المعدل لدى تلميذ الباكالوريا.
وأصدرت منظمة الدفاع عن المستهلك مؤخرا بيانا حذرت فيه من مغبّة استمرار تدهور القيمة الشرائية للمواطن مشيرة إلى أن نسبة ارتفاع تكاليف الأدوات المدرسية لهذه السنة تتراوح بين 30 و 40 بالمائة مقارنة بالسنة الدراسية الماضية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الكلفة لا تُعتبر نهائية إذ ترتفع بعد احتساب جميع مستلزمات العودة المدرسية التي تشمل كذلك المحفظة والميدعة والحذاء والزي الرياضييْ, فضلا عن مصاريف أخرى كاللمجة ومراكز الرعاية المدرسية التي تمثل ضرورة ملحة لعديد العائلات التي يعمل فيها الأبوان ولا يجد الأبناء من يهتمّ بهم في ما بين الفترتين الصباحية والمسائية. إلى جانب معاليم التسجيل والاشتراكات المدرسية في مختلف وسائل النقل العمومي والتي ارتفعت قيمتها جميعا هذه السنة.
وبالعودة إلى البحث الميداني الذي ذكرناه سابقا فإن تقديرات ارتفاع تكاليف العودة المدرسية بين السنتين الماضيتين ارتفعت من حوالي مائتيْ دينار
إلى أكثر من 288 دينارا للتلميذ الواحد.
أمثلة لا تُحفظ.. بل يُقاس عليها
وكانت منظمة إرشاد المستهلك قد حددت على سبيل الذكر لا الحصر أسعار بعض المواد المدرسية التي شهدت ارتفاعا مقارنة بالسنة
الماضية من بينها:
-كراس 200 صفحة سعره اليوم تسعة دنانير بعد أن كان سبعة دنانير العام الفارط.
-كراس 96 صفحة موجود في المكتبات بسعر 5500 مليما بعد ان كان يباع السنة الماضية ب 3800 مليم.
-أقلام التلوين ب 6890 مليما بعد أن كانت ب 5200 مليم
-المقصّ سعره في السنة الحالية 2100 مليما مقابل 1800 مليم في السنة الماضية.
-المحفظة والميدعة زادت أسعارهما بنسبة 40 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية.
المصعد الاجتماعي.. معطّل
في زمن الجمهورية الأولى التي أسسها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة كان التعليم قاطرة اجتماعية يتأكد من خلالها مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم العمومي المجاني. كما كان يمثل مصعدا اجتماعيا لا بديل عنه حتى أن التونسي كان منذ تلك الفترة يُؤْثر تعليم أبنائه على نفقاته اليومية ورغم الفقر النسبي الذي
كانت تعيشه العائلات التونسية فجر الاستقلال كان الأب يبيع جزءا من أرضه والأم ترهن أو تبيع بعضا من حُليّها لتأمين نفقات تعليم الأبناء.
ولكن اليوم.. لم يعد لدى أغلب الأسر المحتاجة ما تبيع أو ترهن وهي المدينة أصلا للبنوك بمبالغ طائلة تستوجب منها عشرات السنين لتسديدها دون احتساب الفوائض.
ومع تعطل دور المدرسة كمصعد اجتماعي وتحولها إلى فضاء «لتصنيع » عاطلين جدد عن العمل من أصحاب الشهائد العلمية، أحسّ العديد من الأطفال والمراهقين «بتعطّل » هذا الذي كان يُعتبر مصعدا اجتماعيا فانقطع العديد منهم عن الدراسة وارتفعت نسبهم بشكل يدعو لتدخل ضروري وعاجل إذ بلغ عدد المنقطعين عن التعليم في 2016 حوالي 96 ألفا ليتجاوز 120 ألفا في السنة الموالية.

وإذا تأملنا في خارطة المنقطعين مبكرا عن الدراسة نجد أن النسبة الأكبر منهم تتمركز في ولاية القصرين أين تتجاوز نسبة المنقطعين في المرحلة الابتدائية 36 بالمائة بينما تستأثر ولاية قبلي بالنسبة الأعلى من المنقطعين مبكرا عن التعليم بالمرحلة الثانوية والتي تتجاوز 66 بالمائة. والقصرين وقبلي تُعتبران الولايتين الأكثر فقرا وتهميشا الأمر الذي يدل على أن هناك علاقة وطيدة بين الظروف المادية والمالية للعائلة وبين نسبة التمدرس.. حتى أنه في بعض الأوساط تشعر بعض العائلات بالراحة ويخفّ عبئها عندما يغادر أحد أبنائها مقاعد الدراسة.

السوق الموازية.. حلّ مُسرطن
لم يعد خافيا على الجميع أن التونسيين غير القادرين على مجابهة مصاريف العودة المدرسية وتكاليفها الباهظة غالبا ما يلجؤون للسلع المقلدة والمهربة والتي غالبا ما تكون مجهولة المنشأ أو مصنوعة في الصين.

هذه السلع تباع في الأسواق العشوائية وعلى قارعة الطريق بأسعار مغرية مقارنة بمثيلاتها في المكتبات والفضاءات التجارية الكبرى وتجذب الأولياء نحوها رغم عديد التحذيرات المتكررة كل عام من جهات حكومية ومنظمات وجمعيات مدنية من مخاطر هذه الأدوات التي تحتوي على مواد غير صحية وغير خاضعة للرقابة ومسرطنة في حالات عديدة تسبب على المدى المتوسط أضرارا صحية لدى الأطفال وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية التي ذكرت أن هذه المواد التي تصدّرها الصين إلى الأسواق العربية من بينها السوق التونسية تسبب السرطان بفعل ما تحتويه من مواد خطيرة كالرصاص والبلاستيك مصنوعة بالأساس من البتروكيماويات وهي مواد بترولية سامّة.
المارد الجديد.. ارتفاع نسبة الأميّة
وإزاء هذه الصعوبات التي باتت تلقاها الأسر التونسية في تعليم أبنائها دخل على الخط مارد أو «غول » جديد كنا نخال أنفسنا قضينا عليه أو نكاد منذ زمن بورقيبة الذي نشر التعليم العمومي وأصبغه بالمجانية والإجبارية.
فقد أفادت وزارة الشؤون الاجتماعية في مؤتمر خُصص لدراسة طرق تقليص ظاهرة الأمية بأن نسبة الأمية ارتفعت لأول مرة منذ استقلال البلاد لتلامس 19.2 بالمائة خلال السنة الجارية بعد أن كانت 18.2 بالمائة في 2010 .
ونتذكر جميعا أن دولة الاستقلال كانت في مرحلة بناء البلاد قد خصصت حوالي ثلث ميزانيتها لتمويل قطاع التعليم. بينما تراجع اليوم هذا المجهود بالتوازي مع ضعف المناهج التعليمية وتفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد منذ 2011 .

صدر باسيوعية الشارع المغاربي بتاريخ 18 سبتمبر 2018.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING