الشارع المغاربي – بالأرقام وبالعين المجرّدة : انتشار مُفزع للفقر والجوع بين التونسيين

بالأرقام وبالعين المجرّدة : انتشار مُفزع للفقر والجوع بين التونسيين

19 أبريل، 2019

الشارع المغاربي – محمد بوعود : لا يحتاج الملاحظ العادي أي وسائل تفسير وأرقام ودراسات ليعرف أن نسب الفقر في تزايد مستمر في تونس، وأن هناك عشرات الآلاف قد تمّ سحقهم، وإنزالهم عُنوة من الطبقات التي كانت تعيش على حافة “الكفاف” إلى ما تحت الصّفر بكثير، بل إن ظاهرة الفقر بدأت تشكّل مشهدا عاما لا تكاد تخلو منه مدينة أو قرية، وانحدرت كثير من العائلات الى درجات التسوّل والعوز، في وقت تتشدّق فيه الدوائر الرسمية بارتفاع نسبة الدخل الفردي، وبتحسّن مستوى المعيشة، وبنموّ اقتصادي وتطوّر في مجال الانفاق والاقتراض والاستهلاك.

وباختلاف التقييمات وتحديدات الفقر، أو بالاحرى الانسان الذي يمكن أن نطلق عليه انسانا فقيرا، فان الارقام المتداولة في تونس تعرف اختلافا كبيرا بينها، ولا تتوحّد على نسبة الفقر ولا معاييره ولا حتى الحدّ الادنى الذي يحوّل الانسان الى وضعية الفقير.

ففي الوقت الذي تقول فيه وزارة الشؤون الاجتماعية أن نسب الفقر قد تجاوزت العشرين بالمائة من السكان، يرى المعهد الوطني للاحصاء أنها لم تتجاوز الاثني عشر بالمائة، وذلك اعتمادا على المعايير الدولية المختلفة بطبيعتها في تحديد الفقير، اذ يرى البنك الدولي انه المواطن الذي يقل دخله عن ستمائة دولار سنويا في حين يرى برنامج الامم لمتحدة للتنمية أن المواطن الفقير هو ذاك الذي يقلّ دخله عن دولار واحد في اليوم، وهي كلها حسابات لا يبدو أنها يمكن ان تنطبق بأي شكل من الاشكال على الواقع التونسي الحالي، اذ ان ستمائة دولار التي يتحدث عنها البنك الدولي كدخل أدنى مضمون، تعادل ما يقارب الالف وثماني مائة دينار تونسي في السنة، والتي أصبحت الان عاجزة عن تلبية حاجيات مواطن في شهر واحد وليس في سنة، فكيف ان كانت عائلة كاملة.

في الوقت نفسه يرى أخرون ومن بينهم الدكتور أحمد خواجة الخبير في الأمان الاجتماعي، أن نسبة الفقر في تونس قد فاقت الستة وعشرين بالمائة، وانها ترتكز خاصة في الريف، حيث تتجاوز الثلاثين بالمائة في حين تبقى في حدود العشرة في المائة في المدينة، مؤكدا أنها من بين النسب العالية للفقر في العالم، وقد كان ذلك في أشغال الورشة الختامية حول الاستراتيجية الوطنية للادماج الاجتماعي ومقاومة الفقر، التي انتظمت يوم 7 ديسمبر 2018 حيث أكد أن هناك 300 ألف شخص يعيشون تحت خط الفقر في تونس.

وهو ما يختلف تماما مع تصريح للسيد الهادي العبيدي، مدير المركز الوطني للاحصاء، على أمواج إذاعة “شمس إف إم”، بتاريخ 30 جانفي 2018، قال فيه “إن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر في تونس بلغ مليون و694 ألف مواطن”، مشيراً إلى أن نسبة الفقر تتفاوت من جهة إلى أخرى.
ويمثل مبلغ 1085 ديناراً، مجموع النفقات في السنة، الحد الأدنى في المدن الكبرى، بينما لا يتجاوز 1050 ديناراً في السنة في المناطق البلدية في حين يبلغ 952 ديناراً في المناطق غير البلدية، بحسب النسخة المغاربية من هاف بوست.

وأشار العبيدي إلى غياب منهجية حقيقية يقع الاستناد إليها في تحديد مختلف الطبقات الاجتماعية، وأوضح أن هذا التصنيف يختلف من بلد إلى آخر، وذلك وفقاً لما تعتبره تلك البلدان طبقة وسطى أو طبقة الأغنياء أو الفقراء.

مضيفا “منذ أن بدأنا احتساب خط الفقر في تونس، اعتمدنا معيار الفقر المادي، كما هو الحال في جميع البلدان الشبيهة بنا، مع العلم أن هذه المنهجية تعد المتبعة من قبل البنك الدولي”، وتجدر الإشارة إلى أن عدد الفقراء في المناطق البلدية، وفقاً لما ذكره المعهد الوطني للإحصاء، يبلغ 775 ألف نسمة، بينما يصل في المناطق غير البلدية إلى حدود 919 ألف نسمة.

خلافاً لذلك، انخفض معدل الفقر في تونس مقارنة بسنة 2010، خاصة وأن الإنفاق الاستهلاكي للفرد الواحد في السنة قد بلغ 3871 دينار في سنة 2015، مقابل 2601 دينار في سنة 2010، أي بزيادة قدرها 48.8 بالمائة خلال هذه الفترة. وقد انخفض معدل الفقر من 20.5 بالمائة في سنة 2010 ليصل 15.2 بالمائة سنة 2015، بينما وصل معدل الفقر في المناطق غير البلدية إلى 26 بالمائة. وقد أثارت هذه الأرقام التي أعدها المعهد الوطني للإحصاء جدلاً كبيراً منذ أن نشرت في سنة 2015.

الى هنا ينتهي كلام النسخة المغاربية من هاف بوست، وكلام السيد الهادي العبيدي، لكن الاسئلة التي تُطرح تبقى قائمة، ومن أهمها: هل يتعمّد المعهد الوطني للاحصاء اخفاء الارقام الحقيقية لنسب الفقر، وهل هي سياسة دولة رسمية تقوم على عدم الكشف عن الاعداد الحقيقية للفقراء والمُعدمين في تونس، وما الفائدة من وراء هذا التكتّم على الحقائق، وهذه اللخبطة في الارقام والاختلاف في التقييم من مؤسسة الى أخرى، وهل تسعى الحكومة بذلك الى التغطية على نسب الفقر حتى لا يُقال ان سياساتها فاشلة، أم أن للامر علاقة بالمؤسسات المالية العالمية التي تضع شروطا معيّنة على الاقراض للدول التي تعاني من نسب فقر مرتفعة؟

كلها اسئلة تبقى قائمة وملحّة، طالما أن الظاهرة في حدّ ذاتها أصبحت ظاهرة للعيان، بل تكاد تكون هي العنوان الابرز لمئات الالاف من الاشخاص الذين يعانون الفقر المدقع، والذين لا تبدو أمامهم فُرص كثيرة لتجاوزه أو الخروج منه، خاصة وان الواقع الاقتصادي يزداد صعوبة يوما بعد آخر في تونس، ويوشك أن يقضي على آمال وأحلام طبقات اجتماعية بأكملها في تحسين مواردها والخروج من وضعية الفقر، ودخول عامل الحياة الكريمة، أو على الاقل الوصول الى منطقة الكفاف.
وقد جاء في مقال للزميلة زهور المشرقي بموقع اسطرلاب أن “في خارطة توزيع نسب الفقر بالبلاد حسب المعهد الوطني للاحصاء نجد اعلى نسبة بولايات الوسط الغربي ب29.4 تليها ولايات الجنوب الغربي ب 14.07 بالمائة ثم الجنوب الشرقي ب 11.04 بالمائة و 11.01 بالمائة بالشمال الغربي خاصة ولاية جندوبة .
في حين تبلغ نسبة السكان تحت خط الفقر الاعلى في ولايات الشمال الشرقي 9.06 بالمائة و 6.09 باقليم تونس الكبرى .
هذا و تؤكد الدراسات التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية ان تونس تحتاج سنويا ال 7000 مليون دينارا للقضاء على هذا الظاهرة عكس ما هو متاح لها الآن والذي لا يلبي الحاجة 5000 مليون دينار” .

ولا شكّ أن هذه الأرقام تعكس الحجم المخيف الذي بلغته ظاهرة الفقر في تونس، وتعكس أيضا عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على وأد هذه الظاهرة نهائيا، او الحد منها، او على الأقل المحافظة على نسبتها في الحدود المعقولة او المقبولة دوليا، فهي تزداد بشكل سريع، بل انها أصبحت تقريبا هاجسا يؤرق كل المهتمين بالشأن التونسي، خاصة وأن أسبابها تتشابك بين فشل السياسات الاقتصادية وبين الواقع الاقتصادي الصعب، وقلة الثروات وقلة فرص العمل وانسداد الافاق وقتل الطموح. وكلها اسباب تولّد في نهاية المطاف مجتمعا يسير نحو “التفقير الجماعي” الذي لا يمكن الا أن يؤديّ الى الفوضى والتقاتل وحتى الى سقوط الدولة، فالشعب المفلس لا يمكن أن يقيم دولة ولا يمكن ان يحفظ أمنا، فهل تفطّن الفاعلون السياسيون والاقتصاديون القائمون على شؤون تونس الى خطورة هذه الظاهرة على مستقبل البلاد، أم ان وجودهم هم خارج هذه الطبقات المفقّرة قد أعمى بصائرهم عن حقيقة ما تعانيه شرائح واسعة من المجتمع، وعن حقيقة الخطر الذي يعنيه ذلك على البلاد وعلى مستقبل الاجيال؟

صدر بالعدد الأخير من “الشارع المغاربي”

 

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING