الشارع المغاربي – بتواطئ مع الحكومات المتعاقبة: الاتحاد الأوروبي و الصندوق يتحملان مسؤولية تدمير الاقتصاد الوطني وتهجير الشباب /بقلم: جمال الدين العويديدي

بتواطئ مع الحكومات المتعاقبة: الاتحاد الأوروبي و الصندوق يتحملان مسؤولية تدمير الاقتصاد الوطني وتهجير الشباب /بقلم: جمال الدين العويديدي

8 يونيو، 2018

الشارع المغاربي: في الوقت الذي يسعى فيه المفوض الرسمي هشام بن أحمد كاتب الدولة للتجارة الخارجية بطريقة غير مسؤولة، عبثية و خطيرة لتوريط البلاد من جديد عبر التعجيل للتوقيع مع الاتحاد الأوروبي على اتفاق منطقة التبادل الحر الشامل و المعمق الخطير الذي سوف يشمل قطاعات حساسة و هشة مثل الفلاحة و الخدمات، فوجع الشعب التونسي بالإعلان عن غرق أحد قوارب الموت الذي أودى بحياة خيرة شبابنا

إنه لمن دواعي الاستغراب أن يسعى كاتب الدولة للتجارة الخارجية التونسي للتعجيل الحثيث لإتمام هذه المهمة الخطيرة على مستقبل أجيالنا تنفيذا للوعد الذي اتخذه رئيس الحكومة يوسف الشاهد في بروكسيل للتوقيع على هذه الاتفاق في غضون سنة 2019 نزولا تحت رغبة الاتحاد الأوروبي مقابل وعد بمساندته و عدم الإطاحة به، بينما يتغافل كاتب الدولة عن العناية بما تبقى من مؤسساتنا الوطنية التي توفر مواطن شغل مستدامة لأبنائنا عبر تطبيق القوانين لصالحها  و التي بقيت حبرا على ورق منذ صدورها للغرض في سنة 1998.

هذا المثال الواقعي يدل بوضوح أن ما يجري في تونس هي سياسة ممنهجة و متواصلة منذ عدة عقود تؤكد تخلي الدولة التونسية عن مسؤولياتها تجاه أبنائنا عبر تخليها عن حماية و صيانة مؤسساتها الوطنية و أنها أصبحت في خدمة الطرف الأجنبي المهيمن على القرار الوطني.    

بهذه المناسبة الأليمة والموجعة لابد من التذكير أن سيل الهجرة السرية وما ترتب عليه من الموت غرقا لم يتوقف منذ قرابة ثلاثة عقود نتيجة البطالة والفقر والتهميش التي استشرى في البلاد تزامنا مع بداية تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي والتوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي شكلمسار برشلونةنقطة انطلاقه و الذي وعد بتوفير الأمن و الأمان و الرخاء الذي ستتشارك فيه كل شعوب المنطقةغير أننا اكتشفنا أن الطرف الأوروبي استفرد بالأمن و الرخاء لشعوبه و ترك شعوب الضفة الجنوبية في الحروب و التشرد و التدمير الاقتصادي كان الطرف الأوروبي المتسبب الرئيسي في نشوبها مثل الوضع في فلسطين و ليبيا و سوريا ولبنان   وتونس و المغرب علاوة على البلدان الإفريقية جنوب الصحراء.

و قد ذكر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية أرقاما مرعبة في هذا الموضوع حيث أكد أن عدد المهاجرين عبر المتوسط نحو أوروبا و الذين توفوا غرقا ارتفع إلى 33 293   شخصا بين سنة 1993 و سنة 2017 من بينهم آلاف التونسيين. و أنه في سنة 2017 فقط بلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا119 369   شخص. كما ذكر المنتدى أن عدد المهاجرين التونسيين الذين حاولوا الهجرة في سنة 2017 ارتفع إلى 9 329   شخص من بينهم  6 157  تونسي دخلوا إلى إيطاليا و البقية تم التفطن إليهم و إيقافهم من طرف السلطات التونسية. إنها مأساة حقيقية تجري أمام العالم مسرحها البحر الأبيض المتوسط و المتسببين فيها مخططات الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي لتدمير اقتصاد بلدان حديثة العهد بالاستقلال و الاستحواذ على أسواقها بتواطئ مع حكومات أوغلت في الفساد و أصبحت بذلك فريسة للابتزاز على حساب مستقبل البلاد و مستقبل أبنائه.

و الدليل على ذلك نُذكّر أنه في الستينات و في السبعينات و إلى أواسط الثمانيات تقريبا لم تفرض البلدان الأوروبية تأشيرة دخول على مواطنين بلدان المغرب العربي. غير أنه منذ بداية ظاهرة العولمة و تخطيطهم  لفرض مناطق تبادل الحر التي ستدمر حتما مواطن الشغل داخل بلداننا اتخذت البلدان الأوروبية قرارا استباقيا عبر فرض تأشيرة دخول للتحكم في أي ظاهرة هجرة مكثفة نحو أوروبا.       

أزمة الثقة بين الحكومات و الشعب

تعيش تونس منذ عدة عقود أزمة ثقة عميقة بين الحكام وبين الشعب نتيجة الإصرار على المغالطات وعدم مصارحة الشعب علاوة على عدم الوفاء بالعهود

لقد كان يحدونا أملا كبيرا بعد الثورة في أن يتم القطع و لو تدريجيا مع هذه المغالطات عبر تفكيك أساليبها والكشف عن مصادرها و طرق تمريرها الإدارية و كذلك التشريعية.

و قد طغت هذه الظاهرة خاصة في الميدان الاقتصادي كما سنبينه لاحقا حيث أصبح  ممنهجا و خطيرا غالبا ما أضاع على البلاد فرص تدارس مدى جدوى المنوال التنموي الذي تمسكت به كل الحكومات منذ عدة عقود بدون أي مراجعة.  و قد يصبح الأمر أكثر خطورة عندما تكون أطرافا أجنبية متواطئة مباشرة في هذه المغالطات لأنها مستفيدة مباشرة من هذا الوضع عبر مؤسساتها التي تنشط في بلادنا

و تأكيدا على ذلك فقد تعددت مؤخرا عديد التصريحات الصادرة عن المسؤولين بجميع مستوياتهم لتقديم مؤشرات حول نسبة النمو في الثلاثي الأول من هذه السنة و حول الميزان التجاري و كذلك حول مدى تأثير كتلة الأجور في مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي.

و التي قُدّرت في حدود 2,5 بالمائة و كذلك الشأن فيما يخص الميزان التجاري في الربع الأول من نفس المدة مؤكدين على أن الصادرات في ميدان الصناعات المعملية عرفت انتعاشة كبيرة ارتفعت إلى 35 بالمائة. كما شمل الجانب الاجتماعي أيضا 

كيف يتم تعريف المؤشرات الاقتصادية و توحيد مفاهيمها

لتحليل مدى مصداقية التصريحات يجب التذكير بداية أن هذه المؤشرات الاقتصادية هي مفاهيم و مقاييس عالمية من ذلك مثلا فإن الناتج الإجمالي المحلي هو مصطلح تم تعريفه إجمالا و سن طريقة احتسابه من طرف منظمة الأمم المتحدة بطريقة موحدة لكل البلدان. غير أن الجزئيات وهي مهمة جدا يتم تحديدها و مراقبة صحة تطبيقها  محليا أو إقليميا. من ذلك فإن الاتحاد الأوروبي عرّف الناتج الإجمالي المحلي و وضع له ترتيبات تطبيقية يتم مراقبة سلامة تطبيقها من طرف ديوان الإحصاء التابع للإتحاد الأوروبيEurosatat“. كما أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يتعهدان أيضا بضبط تعريف و طرق احتساب عدة مؤشرات هامة مثل الميزان التجاري للبضائع و الخدمات و ميزان الدفوعات الذي يحدد وضعية كل بلد مع الخارج بصفته إما دائن أو مدين أو في حالة توازن.

   تعريف الناتج الإجمالي المحلي و طريقة احتسابه

يتم تعريف الناتج الإجمالي المحلي لبلد ما على أنه مجموع القيمة المضافة المتحصل عليها من طرف المنتجين المقيمين داخل ذلك البلد في السنة الإدارية المحددة.  و يتم تعريف القيمة المضافة على أنها تساوي مجوع الإنتاج المحلي يخصم منه الاستهلاك الوسيط و تحدد بعد طرح نسبة التضخم المالي لنفس السنة حتى لا يتم احتساب التضخم المالي و كأنه قيمة مضافة.

و يشمل  الناتج المحلي تطور القيمة المضافة في القطاعات التالية:

الفلاحة و الصيد البحري  و الصناعة المعملية و الغير المعملية (مناجم و محروقات) و قطاع الخدمات المسوقة (بما فيها السياحة و الاتصالات و غيرها) و قطاع الخدمات الغير مسوقة وهي أساسا الوظائف العمومية و الجمعياتية المجانية و قطاع الأداء بعد طرح المنح

غير أن الناتج الإجمالي المحلي لا يحتسب القيمة المضافة في القطاع الموازي لطبيعته الغير معروفة. و إذا ما علمنا أن التقديرات المحلية و العالمية ترجح قيمة الاقتصاد الموازي بين 48 و 55 بالمائة  من الناتج الإجمالي المحلي الرسمي فإن الدولة تشتغل على نصف الاقتصاد الوطني الحقيقي وهو ما يبعثر عديد المؤشرات الأساسية. نذكر من بينها نسبة كتلة الأجور في القطاع العمومي مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي التي كثيرا ما تم تقديمها بأنها الأعلى في العالم (في تصريح لكريستين لقارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي حول هذا الموضوع و الذي تم استعماله من طرف رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة و كذلك من طرف راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة) و ذلك لتبرير قرار الحكومة وقف الانتدابات في القطاع العمومي.

لذلك إذا ما تم تحديد نسبة الأجور ب14,4 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي فإن إضافة القيمة المضافة للقطاع الموازي بحساب 50بالمائة تجعل هذه النسبة تتدحرج إلى 8 بالمائة فقط خاصة و أن القطاع الموازي يتمتع بالتأكيد بخدمات القطاع العمومي مثله مثل القطاع المنظم.

تعريف الميزان التجاري و طريقة احتسابه

في علاقة بالنظام الديواني في تونس الذي يُفرق بين النظام العام الخاص بالشركات المقيمة و نظام الشركات الغير مقيمة و المصدرة كليا و التي تتكون تقريبا بنسبة 40 بالمائة شركات الفرنسية و 30 بالمائة إيطالية و  13 بالمائة ألمانية ارتأينا الرجوع إلى تعريف التصدير حسب المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء و الدراسات الاقتصادية (INSEE) في إطار تطبيق تراتيب الاتحاد الأوروبي المتعلق بالمحاسبة الوطنية و الجهوية الذي تم إصدارها في سنة 2010 لتكون متناسقة مع الدليل السادس لميزان الدفوعات الذي أصدره صندوق النقد الدولي (la 6e édition du manuel de balance de  paiements  BPM6) .

في هذا الإطار تمتعريف  المبادلات التجارية الخارجية في المحاسبة العمومية الفرنسية على أساس مبدأ ملكية البضاعة المتبادلة. و يضيفأنه مثلا البضاعة التي يتم بعثها إلى الخارج للمناولة لم يعد ممكن احتسابها تصديرا كما أن المنتوجات التي يتم تحويلها اثر ذلك و إرجاعها إلى فرنسا لم يعد ممكن احتسابها توريد من تلك البلاد. و لكن  يتم احتسابها توريد خدمات صناعية“. 

« Avec l’application du Système Européen des Comptes nationaux et régionaux de 2010 (SEC 2010), en cohérence avec la 6e édition du manuel de balance des paiements (BPM6), la définition des échanges extérieurs en comptabilité nationale est dorénavant fondée sur la notion de propriété. Ainsi, par exemple les biens envoyés à l’étranger pour travail à façon ne sont plus comptés en exportations de biens, et la marchandise transformée n’est plus comptée comme une importation de biens. En revanche est comptabilisée une importation de service industriel par le pays du donneur d’ordre. »

على هذا الأساس تصبح طريقة احتساب الميزان التجاري في تونس متناقضة تماما مع تراتيب المنظمات العالمية و في مقدمتها تراتيب صندوق النقد الدولي حيث يتم ضم مبادلات الشركات الغير مقيمة و المصدرة كليا و الحال أن صاحب البضاعة و مالكها يعترف بقوانينه أنها ليست لا تصديرا و لا توريدا من طرفه. غير أن السر في الإمعان على تطبيق هذه الطريقة من الجانب التونسي هو السعي إلى استعمال تقديرات تلك المبادلات كمبادلات تجارية لتونس للتقليص زورا في نسبة العجز التجاري السنوي في البلاد. و الغريب أن الطرف الأوروبي و خاصة منه الفرنسي يسوق و يقوم بالتغطية على هذا التزوير لتجنب اكتشاف فداحة العلاقة التجارية بين الطرفين.

الخلاصة إذا أن تونس تعاني من عجز تجاري سنوي يقدر ب25,2 مليار دينار في سنة 2017 بنسبة تغطية للواردات بالصادرات لا تتجاوز 26 بالمائة كما يتبين من المعلومات الحرفية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في نشرته الشهرية بتاريخ ديسمبر 2017 و من تقرير البنك المركزي التونسي الصادر في 12 مارس 2018 .في حين أن السلطة التونسية و كذلك سفير الاتحاد الأوروبيبتريس برقمينيو السفير الفرنسي يعلنان عن عجز في حدود 15,9 مليار دينار فقط و نسبة تغطية في حدود 69 بالمائة تقريبا. أي تغطية عن فارق ثابت لا غبار عليه في العجز التجاري يناهز 10 مليار دينار مطالب تغطيتها بالعملة الأجنبية. و هذا ما يفسر الوضع الكارثي لرصيدنا من العملة الأجنبية الذي انهار إلى حدود 73 يوم من التوريد فقط. وهو ما يفسر أيضا انهيار قيمة الدينار و ماله من تداعيات خطيرة على اقتصادنا الوطني و خاصة على مستوى المديونية.

هذه المغالطات يتم الإمعان في التستر عليها من طرف كل الحكومات التي تداولت على السلطة منذ 2011 إلى اليوم. من ذلك فإن زياد لعذاري الذي تم تعيينه وزيرا للصناعة و التجارة  من أوت 2016 إلى شهر سبتمبر 2017  يتهرب من مقارعة هذا الواقع بطريقة لا تليق بمسؤول في هذا المقام خاصة إذا ما علمنا خطورة هذه  المسألة التي جرت البلاد إلى الإفلاس. والذي  بالمناسبة عمق العجز التجاري من  20,6 مليار دينار في سنة 2016 إلى 25,2 مليار دينار في سنة 2017 و الذي تمت مراسلته رسميا  عبر رسالة مفتوحة موجهة له و إلى سفير الاتحاد الأوربي تم نشرها في جريدة وطنية بتاريخ 17 فيفري 2017 لم يرد عليها مثله مثل السفير الأوروبي. بالمناسبة أيضا نود أن نذكره ببرنامج حزبه حزب حركة النهضة لسنة 2011 الذي ذكر في الصفحة 16 منه أنهمسوف  يعملون على تحقيق التوازنات الخارجية للبلاد خاصة على مستوى العجز التجاري لما له من علاقة بالمديونيةغير أن حكومة الترويكا التي ترأسها حزب حركة النهضة و التي استلمت السلطة في سنة 2012 عمقت العجز التجاري بنسبة 35 بالمائة عما كان عليه في سنة 2010 و ذلك عبر قيامها بمنح رخص لبارونات التوريد من بينهم أصحاب نيابات السيارات الذين تحصلوا على زياد في التوريد بنسبة 45 بالمائة. ثم استمر التوريد على هذا النسق المفزع إلى اليوم مما أغرق البلاد في الديون و جرها للإفلاس.

  يقولون ما لا يفعلون.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING