الشارع المغاربي: منذ منتصف شهر ديسمبر المنقضي قاطع وزير العدل غازي الجريبي اجتماعات لجنة محاربة الفساد التي تعقد بشكل دوري في احد المقرات التابعة لرئاسة الحكومة بمنطقة البحيرة ، مقاطعة مردها خلافات بينه وبين وزير املاك الدولة مبروك كورشيد.
ابتعد غازي الجريبي عن الدوائر القريبة والمؤثرة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ، بل وأصبح وزيرا «غير مرحب به» ينتظر مغادرة منصبه بـ «إقالة» قد تصدر في «أية لحظة»، وفقا لما اسرّ به لـ «الشارع المغاربي» مصدر قريب من القصبة ، مصدر كشف أيضا ان « وزير العدل قاطع مرتين اجتماعات لجنة محاربة الفساد « وان « الشاهد لم يعد يوجه له الدعوة للمشاركة في أشغالها».
وتتعدد الروايات حول أسباب البرود المفاجئ الذي ضرب العلاقات بين الشاهد ووزير العدل، تفاجئ له ما يبرره باعتبار ان رئيس الحكومة تمسك بوزيره ورفع الفيتو في وجه نداء تونس الذي دعا خلال مشاورات التحوير الوزاري إلى اقالته ، ويتداول ان اسم الجريبي سحب من التركيبة الحكومية في الرمق الأخير من عمر المشاورات ، وان امين عام الاتحاد العام التونسي للشغل كان من بين مساندي قرار الشاهد إبقاءه في منصبه.
قلنا إن روايات متعددة حول أسباب البرود بين الشاهد والجريبي وما انجر عنه من تداعيات منها «مقاطعة فإقصاء من لجنة محاربة الفساد» ، لكن مع تعدد الروايات هناك عنصر قار وثابت في هذا البرود بتمثل في دور وزير أملاك الدولة وخلافاته مع وزير العدل وفي طرح حتى إمكانية إقالة الجريبي او دفعه للإستقالة .
الاسباب ..والخلفيات
ووجهت للحكومة دعوة للمشاركة في ملتقى دولي حول استرجاع الاموال المنهوبة الذي انتظم بالولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا بواشنطن مفتتح شهر ديسمبر المنقضي ، كان في الحسبان خلال فترة الإعداد لهذا الحدث الدولي ان يمثل الدولة التونسية وزير العدل غازي الجريبي مرفوقا بعدد من القضاة الساميين ، تختلف المصادر حول عددهم ، بين من يؤكد ان فريق الجريبي يتكون من 12 قاضيا ومن يشدد على ان الوفد يضم 8 قضاة.
وعكس المتوقع كُلف مبروك كورشيد بحضور المؤتمر الدولي وأعد قائمة وفد بتمثيلية محدودة جدا للقضاة ، وهنا انطلق الجدل بتمسك الجريبي بتوسيع تمثيلية القضاة لينتهي الامر بمشاركة 3 قضاة وممثل عن وزارة العدل ، ليتحول الجدل بعدها الى ما وصف باستنكار محاولات «كورشيد» توظيف عمل وزارة العدل واستثمارها سياسيا لحسابه الخاص.
فعقب انتهاء الملتقى وخلال أشغاله أيضا، تحدث كورشيد بإطناب عن نجاحات في اعادة « مبالغ مالية هامة « من حسابات» أقارب المخلوع» ، وتناسى السيد وزير املاك الدولة ان لوزارة العدل دورا بارزا في نجاح إجماع بكونه « نسبي» للغاية بل وذكرت تقارير دولية ان تونس فشلت في « إدارة ملف الاموال المنهوبة» .
ومن تداعيات عملية «استعراض عضلات» مبروك كورشيد انجازات لم يشارك فيها ،وفق تقديرات مصدرنا ، تغيب ممثلة عن وزارة العدل عن الحضور في عدد من اجتماعات لجنة المصادرة التي يشرف عليها مبروك كورشيد ، قبل ان يقاطع الجريبي اجتماعات لجنة مكافحة الفساد فيما تنفي مصادر قريبة من القصبة ذلك وتؤكد انه « تم ابعاد الجريبي منها» ..
الى ذلك يبدو ان الخلافات احتدت بسبب «اختلافات تقنية» حول قرارات مصادرة املاك الموقوفين في الحرب على الفساد . ويتداول في الاوساط الحكومية الضيقة ان وزير العدل غازي الجريبي يقف وراء القرارات الصادرة عن المحكمة الادارية لابطال قرارات المصادرة.
وما يزيد من تعزيز هذه التهم ، ان اجتماعات عقدت قبل انطلاق حملة الحرب على الفساد شارك فيها رئيس المحكمة الادارية الذي قدم ضمانات بعد ان تم اطلاعه على سير العملية وتفاصيلها بـ « عدم اسقاط قرارات صادرة عن الحكومة في اطار حربها على الفساد» معطيات وان كانت تمس من استقلالية المحكمة المذكورة وتضعها في مقام «جهاز خاضع للسلطة «، فانها تتناقل في دوائر القصبة .
ولا تنتهي المآخذ على الجريبي عند هذا الحد ، فاصدار بطاقة ايداع بالسجن ضد عدد من اطارات الجباية وابرزهم المدير العام للاداءات ، اعتُبر ضربا لحرب الحكومة على الفساد والرواية هنا تقول ان احد مستشاري رئيس الحكومة كلف المدير العام بالقيام بتدقيق مالي يشمل قائمة شخصيات يشتبه في تورطها بالفساد.
تلك القائمة تضمنت اسم أحد كبار القضاة مثير للجدل ومحسوب على احد الاحزاب الكبرى ، الذي سارع (وفق الراوية) الى التأثير في عملية «الزج بالمدير العام في السجن» في اطار تصفية حسابات ، مست من جهاز الجباية وخلفت غضبا حادا دفع للتدخل والافراج عنه حتى لا تتطور الأمور ويتحول الغضب الى تمرد.
وتقول الرواية ان وزير العدل لم يحسم في هذا الملف، وانه لم يتدخل وترك الامر على ما هو عليه ، ليصبح في نظر المجموعة المؤثرة في الحكومة وزيرا غير مرحبا به وغير «مضمون» وبعيدا عن وجوبيات الانصهار التام في « مصالح الحكومة الاستراتيجية» وعلى رأسها الحرب على الفساد .
طموحات « مبروك»
برز اسم مبروك كورشيد خلال مشاورات تشكيل حكومة الشاهد 2 كمرشح لتولي وزارة العدل، طموحات « مبروك» للحصول على هذه الحقيبة السيادية اصبحت معلومة لكن لم يكن احد يعرف وقتها من يساند رجل يوصف بالمتسلق و»الانتهازي» ، وحصل على مكان في السلطة تحت حكم الباجي قائد السبسي « قاتل اليوسفيين» حسب القضية التي رفقها عليه كورشيد منذ 4 سنوات .
فشل «مبروك» في الظفر بحقيبة العدل ، لكنه نجح في المقابل في الحصول على ترقية هامة تتمثل في تحوله من كاتب دولة الى وزير يقبع في المكتب السابق للرئيس بن علي في بناية «الوطن» المقر السابق لحزب التجمع الدستوري المحل ، ترقية لا يعلم ان كان مردها نجاح «مبروك» في مهامه ككاتب دولة ، ام لقربه من رئيسي الحكومة والجمهورية.
ولضمان البقاء في الحكومة ، ولم لا تحقيق طموح التحول الى صاحب حقيبة سيادية، قبل «مبروك» الإشراف على الحملة الانتخابية لنداء تونس كـ «متطوع» ، في انتظار ما ستؤول اليه خلافاته الحالية مع وزير العدل غازي الجريبي من تطورات ، فالجريبي المسنود من اتحاد الشغل يعرف كيف يدير معاركه وكيف يفوز فيها.
اذ ان تجربته في وزارة الدفاع خلال فترة حكومة المهدي جمعة ، وصدامه مع رئيس الجمهورية المؤقت السابق المنصف المرزوقي ورفضه التمديد في سن التقاعد لمدير عام الامن العسكري ، تؤكد ان معركته مع كورشيد وربما مع الشاهد لن تفضي الى تقديم استقالته والى رمي المنديل والقبول بدور «المتفرج» او «الوزير مسلوب الارادة « والغير متحكم في مفاصل وزارته .
يعاب على الجريبي طبعه الصارم ، «دكتاتوريته» في ادارة الوزارة مما يجعله لا يخاف المواجهة بل ويذهب فيها الى الاخر ، لكن مع ذلك هناك شبه اجماع على حرص الوزير على تطبيق القانون وعلى ممارسة صلاحياته كاملة بما يجعله «مصدر توتر» وغير قادر على العمل في فريق .
لا يبدو ان الخلافات بين كورشيد والجريبي مهمة بقدر اهمية تداعياتها التي مست لجنة الحرب على الفساد ، وتقول مصادر موثوقة ان عددا من اللجان ومنها لجنة المصادرة تعيش على وقع شرخ مرده اختلافات عميقة حول ادارة الملفات بين الجريبي وكورشيد والتحق بهما وزير المالية رضا شلغوم ، من ابرز الملفات «ملف اورنج» .. موضوع للمتابعة.