الشارع المغاربي: قصف سلاح الطيران الصهيوني في مثل هذا اليوم الموافق لغرة أكتوبر سنة 1985،ضاحية حمام الشط التابعة لولاية بن عروس بهدف ضرب مقر منظمة التحرير الفلسطينية وابادة كل قياداتها بمن فيهم رئيسها ياسر عرفات. وبعد مرور حوالي 34 سنة عن تلك المجزرة ما زالت أصوات بعض التونسيين من مثقفين وناشطين سياسيين تطالب الدولة التونسية بالتحرك والحصول على حقها في الاعتذار من الكيان الصهيوني وفي تعويضات عن الخسائر التي سبّبتها لها وبتجريم التطبيع مع الصهاينة .
وأسفرت الغارة الإسرائيلية التي سميت بعملية “الساق الخشبية” والتي شنتها الطائرات الصهيونية على مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات عن مجزرة حقيقية سقط خلالها نحو 68 شهيدا من جنسيات فلسطينية وتونسية ، إلى جانب أكثر من 100 جريح ،كما تم تدمير مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وبالعودة إلى الوقائع التاريخية لهذه المجزرة التي جرت في ثمانينات القرن الماضي ، يٌذكر أن القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت مجبرة على النزوح من بيروت باتجاه تونس عقب اجتياح اسرائيل للاراضي الفلسطينية سنة 1982، وكانت تستعد في تاريخ الاعتداء لعقد اجتماع بإشراف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتحديدا في الساعة التاسعة والنصف صباحا.
وتمكنت المخابرات الإسرائيلية التي قرّرت تعقب القيادات الفلسطينية التي استقرت في تونس بطريقتها الخاصة من رصد هذا الاجتماع ومعرفة كافة تفاصيله ولذلك قررت مهاجمته بهدف القضاء على قيادات المنظمة وعلى رأسهم رئيسها ياسر عرفات، إلا أن قرار تأجيل الاجتماع أفشل خطتها.
وكان عرفات قد وصل إلى تونس بتاريخ 30 سبتمبر 1985 قادما من المغرب، غير أنه اتجه مباشرة إلى مقر إقامة السفير الفلسطيني بتونس حكم بلعاوي وذلك بضاحية المرسى من أجل إجراء بعض المشاورات والنقاشات، وبسبب تأخر الوقت لم يتحول إلى مقر إقامته بحمام الشط وخيّر المبيت في بيت السفير، وفي الصباح استيقظ متأخرا وطلب تأجيل الاجتماع فتفرقت القيادات الفلسطينية التي كانت بانتظاره حتى تعيد التجمّع لاحقا، لكن المخابرات الإسرائيلية لم تكن على علم بهذا التأجيل.
وفي حدود الساعة العاشرة صباحا دخلت 4 طائرات اسرائيلية المجال الجوي التونسي، وحلقت فوق حمام الشط، ثم بدأ القصف بالقنابل والصواريخ ليمتد حوالي 12 دقيقة مما أدى إلى تدمير مقر منظمة التحرير الفلسطينية ومكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات والمقر الخاص بحراسه وبعض منازل المدنيين المحيطة بهذه المقرات، كما أدت إلى استشهاد 50 فلسطينيا و18 تونسيا وجرح حوالي 100 شخص وذلك حسب التقرير الرسمي للسلطات التونسية الذي قدمته للأمين العام للأمم المتحدة إضافة إلى الخسائر المادية التي قدرت بحوالي (5.821.485) ديناراً تونسياً (حوالي 8.5 ملايين دولار).
وفور وقوع العملية، أعلنت إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن تلك الغارة، مشيرة إلى أنها قامت بها “في إطار حق الدفاع عن النفس” كما أذاعت وسائلها الإعلامية آنذاك أن زعيم حركة فتح ياسر عرفات قد قتل في الغارة قبل أن يخرج عبر وسائل الإعلام نافيا ذلك ومتوعدا بالرد على هذا الهجوم.
واتصف الرد التونسي الشعبي بالقوة، اذ انطلقت مسيرات شعبية وتظاهرات خرجت على امتداد أيام بتأطير من الاتحاد العام التونسي للشغل تدين هذه الجريمة التي اقترفها الكيان الصهيوني في حق تونس، وتستنكر هذا الاختراق.
ورغم ذلك فشلت تونس في انتزاع إدانة لإسرائيل من مجلس الأمن بعد تهديد أمريكي بمنع صدور قرار يلزم الإسرائيليين بالاعتذار والتعويض لتونس، فهدّد الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك بقطع علاقات تونس الدبلوماسية مع الولايات المتحدة التي تراجعت في ما بعد ليصدر مجلس الأمن القرار عدد 573 والذي جاءت فيه أول إدانة منه للكيان الصهيوني في تاريخ مجلس الأمن.
وترقد اليوم جثامين شهداء فلسطين من “فلسطينيين وتونسيين” في مقبرة خاصة بهم في نفس الجهة .